اليمن يتجه نحو المجهول

لم تعد تنفع محاولات الرئيس هادي احتواء الحوثيين والرئيس السابق علي عبد الله صالح بعد إصداره قرارات بتعينات لقيادات عسكرية محسوبة على الحوثي وعلي عبد الله صالح رغم ذلك استقال مستشار الرئيس هادي ممثل الحوثيين صالح الصماد بعد فشل الحوثيين في الضغط على الرئيس هادي بالسماح لهم بالسيطرة على مأرب للسيطرة على النفط والغاز بعد تشكيله لجنة لحل مشكلتي مأرب والجوف في ضوء اتفاق السلم والشراكة.

يدرك الرئيس هادي أن الحوثيين يقودون انقلابا على العملية السياسية بدعم إيران، باعتراف إيران أن سيطرة الحوثي على المدن ومؤسسات الدولة المدنية والعسكرية تم بالتفاهم مع إيران، وهو يستنسخ الحوثي الحرس الثوري الإيراني في شكل لجان ثورية من أجل السيطرة على اليمن.

مارس الحوثيون ضغطا جديدا على الرئيس هادي بخطف مدير مكتب رئاسة الجمهورية أحمد عوض بن مبارك في العاصمة صنعاء لمنعه من تقديم مسودة للدستور الجديد خلال اجتماع رئاسي، وبالفعل انسحب الحوثي ووفد علي عبد الله صالح من لجنة الحوار احتجاجا حول مسودة الدستور الذي يبقي على خطة لقيام دولة اتحادية مقسمة إلى ستة أقاليم وهو ما يرى فيه الحوثيون والانفصاليون في الجنوب إضعافا لسلطتهم.

لا يزال الحوثيون يمارسون سياسة الترهيب قوامها قوة السلاح من أجل تلبية مطالبهم، وقبل اختطاف بن مبارك تم اختطاف اللواء يحي المراني المدير التنفيذي للأمن التابع لجهاز الأمن السياسي بعد أكثر من أسبوعين من اختطافه تم فك أسره بشرط تعيين خليفة له يكون من الموالين لجماعة أنصار الله بوساطة عمانية، ما جعل جنوب اليمن يهدد الحوثي بإيقاف مد اليمن بالنفط والغاز والكهرباء من شبوة.

هناك حالة عبثية يعيشها اليمن يقودها الحوثي، ويسبح اليمن في الاتجاه المعاكس لما رسمته المبادرة الخليجية، ويعمل ضد القواسم المشتركة للمجتمع اليمني، ويستخدم القوة في تسوية الخلاف والتنوع الطبيعي من صعدة إلى كل المحافظات اليمنية، وترتكز استراتيجيته على حوثنة اليمن كدولة ومجتمع ومؤسسات وهوية وليس المشاركة كطرف سياسي.

يصر الحوثي وعلي عبد الله صالح على التقسيم السابق لليمن شمالي – جنوبي، بينما يرى الرئيس هادي أن الأقاليم الستة مستوى آخر من مسلسل الدولة.

الطموحات السياسية للحوثي هي أكبر من الإمكانات، فالسعودية لن تستمر في تقديم الدعم المادي الذي كانت تقدمه لليمن قبل سيطرة الحوثيين على اليمن، وكذلك إيران تحت طائلة العقوبات وانخفاض أسعار النفط التي لن تتمكن من دعم الحوثيين ماليا.

حركة أنصار الله أقصت معارضيها في أجهزة الدولة، وألصقت بهم تهم الإرهاب، واستبدلت ثمانية محافظين، وتركهم الرئيس هادي لمصيرهم المحتوم في مواجهة رجال القبائل، خصوصا وأن التحالفات في اليمن تتغير سريعا، وقد يتغير تحالفهم التكتيكي مع الرئيس السابق وهو الخبير في التحالفات، خصوصا بعدما حقق علي عبد الله صالح القضاء على أعدائه الذين وقفوا أمام استمراره في حكمه، فإما يبدأ الحوثيون في القضاء على حزب صالح أو العكس وقد يعود التحالف بين الرئيس هادي والرئيس علي عبد الله صالح السابق ضد الحوثيين لقيادة مرحلة جديدة والسعودية قادرة على قيادة مثل هذا التحالف.

ليس فقط إيران تتحرك في اليمن وتقدم دعمها واستشاراتها للحوثيين من أجل أن يكونوا حزب الله في اليمن ولكن باسم أنصار الله، ما يجعل الحوثيين الاستفادة من تجارب حزب الله، فتبث قناة المسيرة اليمنية في بيروت بدعم فني من الحزب.

 لذلك تحرص السعودية على قيادة المشاركة في قيادة المرحلة الانتقالية، فقد صرح مستشار الرئيس هادي الدكتور فارس السقاف من أن هناك تحركات يمنية سعودية لتفعيل المبادرة الخليجية واتفاق السلم والشراكة لأن أمن اليمن هو جزء من أمن دول الخليج، خصوصا وأن سواحل اليمن نحو 2500 كيلو مترا ستكون منفذا لدخول الجماعات الإرهابية وغيرها التي تستهدف بشكل مباشر أمن دول الخليج واليمن، ويتحول اليمن إلى حاضنة للإرهاب، مثلما تحولت سوريا والعراق إلى حواضن لداعش وغيرها من الجماعات الجهادية المتطرفة، لأن الحوثي يدمر الجيش الوطني على غرار تجربتي بول بريمر والمالكي في العراق التي سمحت لداعش بالسيطرة السريعة على الموصل ومساحات واسعة من العراق، يمكن أن تنفذ إيران نفس السيناريو في اليمن يجب الحذر من تكرار هذا السيناريو.

التطورات هذه تتزامن مع حراك شعبي كثيف في جميع المدن اليمنية ضد تمدد وسيطرة الحوثيين، بعد أن حظيت الحركة على تأييد المجتمع ارتد هذا التأييد سلبا مع كثير من الممارسات التي حدثت وتحدث تجاه حرمة البيوت والمساجد والحريات العامة والخاصة وتدهور الأوضاع الأمنية، بل واعترضوا على دمج المليشيات الحوثية في الجيش الوطني، وتتشكل في المحافظات اليمنية حركة شعبية تطلق على نفسها (رفض) تقف أمام المد الحوثي في المحافظات وبالأخص في المحافظات الشمالية التي تم اجتياحها في الأشهر الماضية.

يسعى الحوثيون إلى السيطرة على مضيق باب المندب المضيق الإستراتيجي على البحر الأحمر، وأن عدم تمكنهم من السيطرة على المضيق يرجع إلى عدم قدرتهم دخول محافظة تعز التي صد مواطنوها كافة محاولات الحوثيين للتواجد العسكري المسلح في محافظتهم، وسيطرتهم على المضيق عن طريق الحديدة سيكون صعبا إذا لم يسيطروا على مدينة المخأ إحدى مدن محافظة تعز التي تتشاطر مع محافظات جنوبية في السيطرة على المضيق مثل عدن وأبين ولحج.

تود إيران أن تشارك الولايات المتحدة السيطرة على المضيق بعد جعل الولايات المتحدة جيبوتي مقرا لأكبر مراكز الاستخبارات في منطقة الشرق الأوسط والمحيط الهندي بعد أحداث 11 سبتمبر لمحاصرة القاعدة لتأمين عبور ملاحي نفطي آمن، وضعف سيطرة اليمن خصوصا في ظل وجود في الممر جزيرة بريم التي تتقاسمها عدد من الدول منها إسرائيل وإيران.

الوضع لا يهم فقط اليمنيين، بينما يهم السعودية والولايات المتحدة، لأن الحديدة الممر الأول إلى بعض الجزر اليمنية أهمها جزيرتا حنيش الكبرى والصغرى، وعند سيطرة الحوثيين على المضيق يمكن أن تمد إيران الحوثيين بالأسلحة الحديثة حتى في ظل الظروف الحالية التي تمر بها إيران بسبب الأهمية الإستراتيجية للمضيق الذي يمكنها من أن تساهم في السيطرة على المضيق، ولكن هل تقبل الولايات المتحدة والسعودية، ستكون هناك ترتيبات تقف أمام هذه السيطرة.

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق