الوعي العربي الصاعد يرفض التدخلات التركية والإيرانية عبر البوابة القطرية

تدرك أمريكا أن السعودية أقوى دولة في المنطقة العربية ولفترة طويلة كانت إحدى ركائز السياسة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، لكن بعدما توترت العلاقات مع أمريكا في عهد أوباما عندما سعت أمريكا إلى موقف المحايد في الخلافات السعودية الإيرانية، وهو ما جعل السعودية تتزعم تحالفا من الدول العربية في عملية عسكرية في مارس 2015 لإعادة الرئيس اليمين عبد ربه هادي إلى منصبه في البلاد بعدما أطاح به المتمردون الحوثيون المدعومين من إيران.

 لم تستأذن السعودية الولايات المتحدة في ذلك الوقت كما صرح الجنرال لويد استن قائد القيادة الوسطى الأميركية إلى الكونغرس في وقت لاحق بأنه أحيط علما بالعملية السعودية قبل ساعة واحدة فقط من بدء تنفيذها، وفي وقت لاحق من العام ذاته أعلنت السعودية تشكيل تحالف عسكري من 34 دولة من الدول الإسلامية لمحاربة الإرهاب دفع وزير الدفاع الأمريكي اشتون كارتر إلى القول إنه يتطلع إلى معرفة المزيد عما يدور في ذهن القيادة السعودية حول ذلك الأمر.

وجد الرئيس الأمريكي أنه يجني ثمار جهود بذلتها السعودية في محاربة الإرهاب الذي أقلق العالم والاستخدام الفعلي للقوة الصارمة في مكافحته هو ما تنعقد عليه مصالح الولايات المتحدة في واقع الأمر.

وجدت السعودية فرصتها في إعادة ترتيب أوراق مجلس دول التعاون على غرار الحملة العسكرية التي قادتها في اليمن، وسبق أن أرسلت السعودية درع الجزيرة إلى البحرين عام 2011 لحمايتها من التدخل الإيراني، وهي كذلك اليوم قادت تحالفا عربيا يتكون من السعودية ودولة الإمارات والبحرين ومصر، وإذا كانت السعودية تغاضت الدور الأمريكي عندما قامت بالحملة العسكرية على اليمن فأكيد أن الإدارة الأمريكية الجديدة لن تعارض هذه المقاطعة وليس حصارا كما تروج له قطر هي وأنصارها من حلف الممانعة خصوصا وأنها تصب في مصلحة محاربة الإرهاب.

 وجدت المقاطعة ترحيبا ودعما من الرئيس الأمريكي للإجراءات الإقليمية العربية حيال قطر وهو حري على الدولتين العمل معا على صياغة استراتيجية مشتركة لدفع قطر إلى الابتعاد عن دعمها المستمر والمستتر للجماعات الإرهابية التي تزعزع استقرار المنطقة وكان من واجب الولايات المتحدة أن تجلب المزيد من الدعم والإسناد إلى هذه الجهود، حيث نجد السيناتور الأمريكي جون ماكين يتهم قطر بأنها تلعب منذ فترة في معسكرين وهي تدعم الإرهاب وتقتل جنودنا.

الرؤية الأمريكية العامة لهذه الأزمة بدأ اجتمع وزير الخارجية ووزير الدفاع وكان نقاشهما يتركز حول القاعدة الأمريكية في قطر التي لن يجري تغييرا في المهام إن كان في العراق أو في سوريا وحينما سئل وزير الدفاع جيمس ماتيس في جلسة استماع في الكونغرس حينما سئل هل تؤثر المقاطعة على محاربة داعش من قبل القاعدة فرد ماتيس بلا.

 الرأي العام الأمريكي لن يفهم ماذا يجري حيث ترى الولايات المتحدة أن حلفاء أمريكا هم الذين طلبوا دعم هذا التصرف، خصوصا وأن قطر تريد فتح أبواب السياسة مع إيران فيما التوجه الجديد يسعى نحو عزل إيران ومواجهتها في المنطقة.

هناك تساؤلات هل أن أمريكا لم تكن على دراية بالعلاقات بين قطر وإيران، لكن في الولايات المتحدة هناك مؤسسات وأجهزة تمتلك هذه المعلومات فيما الإدارة والكونغرس يحتاجان إلى جلسات استماع وإذا لم تسأل الإدارة فكأنها غير موجودة، ما يجري أن الحلفاء هم الذين صعدوا هذه المقاطعة وليس أمريكا كما يروج البعض لذلك لأن السعودية وجدتها فرصة لتوحيد القرار الخليجي العربي.

بدأ الإعلام العربي في مجتمع مفتوح دوليا هو الذي فتح هذه الملفات إلى السياسيين في الكونغرس، بينما الإعلام الأمريكي في طبيعته إعلام متدرج نحو تشكيل ضغط شعبي، لكن ترامب شجع معاقبة قطر وأن بدا الخلاف بين الرئيس ووزير الخارجية الذي يمكن قراءته بأن وزارة الخارجية والدفاع تأتي بعد الرئيس في تشكيل الموقف، لأن المعلومات التي ترد إلى الرئاسة هو في حجم هذه المعلومات، وفي الإعلام جزء فقط من هذه المعلومات، بينما المعلومات التي ترد إلى الإدارة هي اكبر حتى يتمكن الرأي العام من هضم هذه المعلومات وكذلك الكونغرس، لأن إدارة ترامب لديها سياسة جديدة مختلفة عن سياسة أوباما تحاول أن تقيس الرأي العام ثم تضع خططها لاحقا أو بناء على تلك القياسات.

لذلك الرئيس هو الذي يقدم الموقف الرسمي ثم تلحق به الإدارة فيما يستمع الكونغرس والمهم في الأزمة لدى الولايات المتحدة ألا تأتي إيران إلى المنطقة.

الأمور تتجه نحو مزيد من الانكشافات منذ عام 2006 عندما زار حمد بن جاسم قرية بنت جبيل وأعلن من معاقل حزب الله بتكفل قطر بإعادة اعمار المناطق المتضررة دون أن تمر تلك الأموال بالدولة اللبنانية، وزيارة حمد بن جاسم في عام 2010 التي تمثل شرعنة حزب الله إلى جانب الدولة اللبنانية وهي جاءت بمثابة تفخيخ ما تقوم به السعودية في ذلك الوقت ما سميت بالسي سي، ما جعل حسن نصر الله في عام 2013 يثني على قطر رغم الأزمة السورية والدور المتناقض لدولة قطر ما بين إرضاء تركيا والسعودية، ما جعلها تتوسط بين جبهة النصرة وحزب الله ودفعت مبالغ طائلة وصلت إلى مليار دولار.

أصبحت قطر هي بمثابة الغواصة في محور الممانعة في منطقة الخليج، ولذلك ليس من المستغرب أن تستنجد قطر بهذا المحور في أزمتها هذه، ولا يمكن أن يندهش أحد بما يجري اليوم بعدما جعلت قطر نفسها بابا دوارا لإيران، والوعي العربي الصاعد يرفض التدخل الإيراني أو التركي في المنطقة العربية حيث أن لكل منها مشروع خاص في المنطقة العربية.

اللعبة تغيرت وبدأت قطر تشعر بخطر كلفة ثمن سياساتها العدائية ضد بقية الدول العربية بعدما شعرت الدول العربية على أن دولة قطر رأس حربة تمول تنظيمات وجماعات تحولت إلى أداة لتفتيت وتخريب المجتمعات العربية.

وعاشت مصر سنين متواصلة من إرهاب هذه الجماعات تناصرها قطر، حتى السعودية التي كانت تخوض معركة مع القاعدة بين عامي 2003-2009 كانت تحظى القاعدة بمنصة إعلامية من الجزيرة القطرية، فيما لم تتمكن قطر من مواجهة روسيا عندما اغتيل المعارض الشيشاني سليم خان في شوارع الدوحة وأدانت محكمة قطر مسؤولين روسيين وحكمت عليهما بالمؤبد، لكن بعد تهديدات روسية أطلقت سراحهما واستقبلا في موسكو استقبال الأبطال، لكن الدول العربية لم تفعل ما فعلته روسيا واكتفت بالاحتجاجات ضد قطر باعتبارها دولة في منظومة دول مجلس التعاون الخليجي، لكن جاء الدور الآن على يد السعودية المصممة على وقف قطر عند حدها ولن تقبل بعودة قطر للتحايل السابق.

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق