النفوذ الإيراني ومستقبل اليمن

تشارك الإمارات بفعالية وثقة، كعادتها، في مهمة عسكرية إقليمية جديدة، هي «عاصفة الحزم» التي تبدو أشبه بعملية جراحية ضرورية لاستئصال ورم خبيث في جسم الجزيرة العربية والمنطقة عموماً، وهو التمدد الإيراني في اليمن التي يعاني مجتمعها أوضاعاً اقتصادية وأمنية متدهورة، مما ساعد على توظيف الإيرانيين لجماعة الحوثيين وتحويلها رأس حربة لإثارة الفوضى والصراعات المذهبية.

مشاركة الإمارات في هذه العملية تأتي عبر 30 طائرة مقاتلة من سلاح الجو الإماراتي بقيادة أمهر الطيارين الإماراتيين البواسل، الذين يخوضون مهمة ليست جديدة عليهم، وبخاصة أن القوات الجوية الإماراتية شاركت في طلعات متكررة لضرب تنظيم «داعش» في العراق وسوريا، وهم الآن إلى جانب قوات دول التعاون الخليجي يؤدون واجبهم نحو الوطن ونحو الأمن القومي العربي. والإمارات تتسق دائماً مع ثوابتها وقناعاتها النابعة من المصلحة العليا وطنياً وخليجياً وعربياً. ومواقف الإمارات ضد تيارات الدجل والنفاق والاستغلال السياسي للدين واضحة ومستمرة، وكان لها السبق في فضح تيار الإسلام السياسي الإخواني، وأقسى الضربات الموجعة ضد «داعش» كانت على يد سلاح الجو الإماراتي ومقاتليه البواسل. وفي هذه المرحلة حان وقت ضرب الدجل والاستغلال الإيراني في اليمن، باعتبارها جزءاً من شبه الجزيرة العربية، وما يجري فيها يمس الأمن القومي لدول الخليج التي تقف دائماً وقفة رجل واحد خلف القيادات التي تنبهت للخطر وقررت عدم السكوت والبدء بالتحرك.

إن هناك واقعاً جديداً يتشكل في اليمن، ويفترض أن يحدد ملامح المستقبل لهذا البلد الذي يغرق في مشاكل كثيرة، أخطرها كان تغول جماعة الحوثيين التي جعلت من نفسها أداة لإيران ذات مخالب طائفية معادية للحوار والإجماع، رافضةً تحولها من جماعة مسلحة إلى تيار سياسي، رغم أنها شاركت في مؤتمر الحوار المنبثق عن المبادرة الخليجية، ثم انقلبت على نتائجه. ومنذ ظهورها في المشهد كقوة عمياء مرتهنة لطهران، ظلت جماعة الحوثي تنتهج التحريض ونسف المحاولات الرامية لتجنيب اليمن الانزلاق نحو مزيد من الفوضى، وتحاول فرض خياراتها بقوة السلاح، عبر اقتحام المدن، وآخرها مدينة عدن التي يقيم فيها الرئيس الانتقالي الشرعي، الذي وضعه الحوثيون تحت الإقامة الجبرية قبل أن ينتقل إلى عدن ليمارس منها إدارة العملية السياسية.

والآن هناك فرصة ذهبية أمام اليمنيين للتحرر نهائياً من النفوذ الإيراني الذي عمل عبر الذراع الحوثية على تعطيل منافذ السياسة والحوار. لذلك ينبغي أن يتأسس المستقبل في اليمن على إيجاد حكومة تتمكن من تقديم الخدمات واستعادة هيبة الدولة وكسب ثقة الجيران والدول المانحة، وتوفير قنوات جادة لاستيعاب المنح المرصودة لمساعدة اليمن. وأهم ما يحتاجه الإقليم والمجتمع الدولي هو وجود دولة تمثل اليمنيين للتعاطي معها، بدلا من الميليشيات والجماعات المسلحة التي كادت تبيع جغرافيا اليمن للنفوذ الإيراني.

الواقع الجديد الذي سيتأسس عليه مستقبل اليمن يتمثل في تقليم أظافر إيران، التي قامت بتوظيف جحافل الحوثيين وتزويدهم بالسلاح، لخلق بؤرة توتر في الجزيرة العربية، لكن صبر دول مجلس التعاون نفد، كما أن الأطراف اليمنية أوضحت أن الحوار السياسي لم يعد مجدياً مع تلك الجماعة المسلحة، التي ظلت تراهن على الدعم الإيراني وعلى قضمها المزيد من المدن والمحافظات في محاولة لإدخالها تحت هيمنة لجان الحوثيين التي تستنسخ التجربة الإيرانية في إخضاع المجتمع بالقوة القهرية!

وجاء التحرك العسكري الخليجي بناءً على طلب تقدم به الرئيس الشرعي لليمن، وقد حظي هذا التحرك، منذ اللحظات الأولى، بالدعم والتأييد العربي والمشاركة الواسعة.

إن ضرب النفوذ الإيراني في اليمن سيعيد فتح آفاق المستقبل لهذا البلد، ويتيح للعملية السياسية الانتقالية المضي بدون عوائق. والهدف هو أن يمتلك اليمن خريطة واضحة للبناء والسير في دروب التنمية، بدلا من البقاء تحت رحمة التمدد الحوثي الذي ينفذ أجندة إيران ويرفع شعارات لا تسمن ولا تغني من جوع.

بقلم: د.سالم حميد

نقلا عن مركز المزماة للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق