النتائج الأقرب للمفاوضات النووية بين الشروط الغربية وخطوط إيران الحمراء

على الرغم من جو التفاؤل الذي تظهره وسائل الإعلام الإيرانية إزاء نتائج المفاوضات الجارية حول الملف النووي، والتي دخلت مرحلة حساسة ودقيقة في جولتها الثامنة قبل ثلاثة أيام من موعد انتهاء المهلة المقررة للتوصل إلى اتفاق تاريخي بشأن هذه الأزمة التي عكرت صفو العلاقات الدولية، إلا أنه مازال هناك العديد من التعقيدات التي تلزمنا بعدم التنبؤ بأي اتفاق شامل بين الأطراف يضع حلاً شاملاً ونهائياً لهذه الأزمة التي طالت، وعلى أي حال فإن التوصل إلى أي اتفاق مهما كان سيئاً لإيران، فإنه يعتبر بمثابة إنقاذ لبعض مشاكلها الاقتصادية.

مبدئياً حدث هناك نوع من التوافق بين وزيري الخارجية الأميركي “جون كيري” ونظيره الإيراني “محمد جواد ظريف” اللذين استهلا يوم السبت في فيينا هذه الجولة الأخيرة من عمر المفاوضات الماراثونية بلقاء خلف الأبواب المغلقة ودون حضور شخص ثالث، على نقطة وهي أنه مازال هناك الكثير من العمل الشاق الواجب القيام به، ونحن كما نعلم أن هكذا توافق يشير إلى وجود خلاف عميق على عدة قضايا مهمة لابد لأحد الأطراف من تقديم تنازلات وإلا لن يكون هناك نتيجة إيجابية تربط هذه الجانبين باتفاق يحل الأزمة العالقة.

المراقبون والعديد من المصادر الدبلوماسية يؤكدون أنه ستكون أمام المفاوضين من كلا الطرفين أيام وليال متوترة ومعقدة، يتعين الحفاظ على كثير من الهدوء والدم البارد، وهذا يعني وجوب تقديم تنازلات من أحد الأطراف، وحسب مضمون القضايا العالقة فإن المختصين يرون أن الحل لابد أن يأتي من الطرف الإيراني، وذلك عن طريق التخلي عن التعنت وتجاوز الخطوط الحمراء المرسومة للفريق المفاوض من قبل الخامنئي والحرس الثوري، ولكن هذا الأمر سيكون مرفوضاً من قبل التيار المتشدد والحرس الثوري الذي يعتبر الأيدي الضاربة للنظام والمتشددين ورجال الدين المتطرفين، لأن أي اتفاق من هذا القبيل سيفتح من شأنه إيران على الغرب، ويسمح للمنظمات والجمعيات الحقوقية والمراقبة التعمق أكثر في الكيان الإيراني، وهو ما سيكون بداية لنهاية نفوذ الحرس الثوري والمتشددين، لذا فهم يسعون، على الرغم من تدهور بلادهم اقتصادياً بسبب العقوبات، إلى افشال أي اتفاق قد يتم بين بلادهم وما يسمونه الشيطان الأعظم، أي أن رفضهم لهكذا اتفاق يصب في النهاية في مصلحتهم الوجودية والنفوذية على حد سواء.

المواضيع العالقة والأكثر صعوبة في هذا الملف والواجب تسويتها في الأيام المقبلة هي: الشفافية أو قدرة إيران على إثبات صدق نواياها في هذا الملف، وعمليات التفتيش، ورفع العقوبات، والبعد العسكري المحتمل للبرنامج النووي الإيراني، ويبدو هناك إصرار من المجموعة السداسية على زيارة بعض المواقع العسكرية في إيران وتفتيشها وإجراء حوارات مع العلماء المشرفين على البرنامج النووي الإيراني، إذ تريد الدول الكبرى في المجموعة خمسة زائد واحد (الولايات المتحدة، بريطانيا، روسيا، الصين، فرنسا وألمانيا) التأكد من أن البرنامج النووي الإيراني لا يخفي نوايا عسكرية، ولا يمكن أن يؤدي إلى سلاح نووي، مقابل رفع العقوبات الدولية التي تخنق اقتصاد إيران.

ولكن بعد عشرين شهراً من المحادثات المكثفة وسنوات طوال من التوتر والاضطراب في العلاقات، وبالرغم من عقد اتفاق لوزان في نيسان الماضي، فإن مواقف الطرفين تبدو إلى الآن متباعدة حول النقاط المذكورة سابقاً، وخاصة أن المفاوضات دخلت الآن في المرحلة الدقيقة والحساسة، وأصبحت أجواء المحادثات أكثر توتراً وتعقيداً، وهو ما يطرح احتمالية تمديد هذه المفاوضات إلى عدة أيام أخرى تكفي لمناقشة الأمور العالقة، ومحاولة التوفيق بين الشروط الغربية التي يبدو أنها أكثر إصراراً على موقفها والخطوط الحمراء الموضوعة لفريق المفاوض الإيراني.

تكشف تصريحات المسؤولين الغربيين قوة موقف المجموعة السداسية وإصرارها على شروطها، إذ أكد وزير الخارجية الفرنسي “لوران فابيوس” على ثلاثة شروط لازمة على الأقل للتوصل إلى اتفاق مع إيران، وهي الحد من القدرات النووية الإيرانية بشكل دائم في مجالي الأبحاث والإنتاج، وعودة تلقائية إلى العقوبات في حال انتهاك إيران لالتزاماتها، وعمليات تفتيش صارمة للمواقع الإيرانية بما فيها العسكرية عند الضرورة.

وعلى الرغم من تكرار المرشد الإيراني علي خامنئي، والذي تعود إليه كلمة الفصل في مثل هذه القضايا رفضه التام لأي عملية تفتيش للمواقع العسكرية التي يعتبرها خطاً أحمراً غير قابل للتفاوض، وإصراره على وجوب رفع كافة العقوبات لأجل التوصل إلى أي اتفاق، إلا أن الوضع المتردي للاقتصاد الإيراني وتراكض طهران للتوصل إلى اتفاق نووي يرفع العقوبات عنها، يكشف ليونة الموقف الإيراني الذي أصبح ضعيفاً مع تزايد المشاكل الداخلية وظهور علامات سقوط للحياة الاقتصادية في البلاد، إضافة إلى ظواهر التململ التي بدأت تظهر بين الفينة والأخرى في الأوساط الشعبية، ما ينذر بقيام ثورة عارمة تسقط نظام الملالي الذي فشل فشلاً ذريعاً في إدارة الدولة داخلياً وخارجياً، لذا فإن أي اتفاق يتم التوصل إليه سيكون بتنازل إيراني يشكل استسلام واقعي ومتوقع ورضوخ للنظام الإيراني أمام من تسميه الشيطان الأعظم، وهو ما يعني هدر مئات المليارات كانت قد وضعها النظام خدمة لهذا المشروع الذي جلب الدمار للشعب والبلاد.

هذه المفاوضات الماراثونية حول البرنامج النووي المثير للجدل، والذي يعتبر من أصعب المسائل في العلاقات الدولية خلال السنوات الماضية، من المفترض أن تنتهي في 30 يونيو الجاري، لكن معظم المفاوضين يتفقون على القول بأنه يمكن تمديدها لبضعة أيام، وخاصة أنها دخلت مرحلة متوترة، وفي هذا الشأن قال مصدر دبلوماسي غربي: ستكون أمامنا أيام وليال متوترة ومعقدة، سيتعين الحفاظ على كثير من الهدوء والدم البارد، لأن تسوية النقاط العالقة في الملف بالغة الصعوبة بحسب هذا المصدر الذي أكد أنه مازال هناك خلافات كبيرة قائمة بين الأطراف بالرغم من إحراز بعض التقدم، وفي الجانب الآخر فقد صرح كبير المفاوضين الإيرانيين “عباس عراقجي” أن هناك مسائل خلافية مهمة وأساسية ماتزال عالقة في المفاوضات بين إيران والمجموعة السداسية حول برنامج طهران النووي، وأضاف عراقجي: بشكل عام العمل يتقدم ببطء وأيضاً بصعوبة، وقال: صحيح أنه تم إحراز تقدم وأنه تم سد الثغرات في جزء كبير من نص الاتفاق النهائي لكن الثغرات المتبقية تتعلق كلها بخلافات أساسية وجوهرية في وجهات النظر بين الأطراف المعنية، واعتبر عراقجي أن بعض الدول في مجموعة السداسية قد غيرت موقفها منذ ذلك الحين ما يعقد المهمة بعض الشيء.

وبعد هذه التصريحات ومع قرب انتهاء الفترة المحددة للمفاوضات وسعي إيران للخروج من مأزقها الاقتصادي الذي أصبح له العديد من التداعيات الخطيرة والكثير من مؤشرات فشل إدارة البلاد، فإنه من المتوقع أن يتم التوصل إلى اتفاق – سواء قبل انتهاء الفترة المقررة في 30 حزيران أو تم تمديدها لبضعة أيام من شهر يوليو – بتنازل إيراني يتم تحت الطاولة خوفاً من ردة فعل الشعب الإيراني، وسيقوم الإعلام الإيراني كعادته بالترويج إلى أن هذا الاتفاق كان انتصاراً لإيران.

نقلاً عن مركز المزماة للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق