الناتو يحشد قواته في دول البلطيق، وبوتين يسعى لانتزاع اتفاق مع أوباما في سورية

مع توجه حاملة طائرات روسية إلى سوريا في استعراض للقوة أمام سواحل أوربا، جدد حلف شمال الأطلسي في اجتماعه في بروكسل في 26/10/2016 بأن يساهم أعضاؤه في أكبر حشد عسكري على الحدود الروسية منذ الحرب الباردة، حيث يهدف وزراء دفاع الحلف إلى الوفاء بوعد قطعه زعماء التكتل في يوليو 2016 بإرسال قوات إلى دول البلطيق وشرق أوكرانيا، حيث يتوقع أن تنضم فرنسا والدنمرك وإيطاليا وكندا كي تذهب إلى بولندا وليتوانيا وإستونيا ولاتفيا بقوات تضم أسلحة متنوعة بدءا من المشاة المدرعة حتى الطائرات بلا طيار، وستكون المجموعات القتالية مدعومة بقوة الردع السريع في الحلف والبالغ قوامها 40 ألف عسكري، لمواجهة أي تمدد روسي جديد بعد احتلال شبه جزيرة القرم عام 2014، من أن تحاول تكرار نفس التجربة في جمهوريات سوفيتية سابقة بالقارة الأوربية.

بوتين يريد حوارا مع واشنطن وسوريا مجرد أدوات لاستعادة مكانة روسيا العظمى قبل مجيء كلينتون التي ستكون أكثر تشددا من أوباما، لكن فوجئ بوتين بأن أوباما اتهم روسيا في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة بأنها تبحث عن استعادة مجد ضائع، اضطرب بوتين بعد هذا الخطاب، وأعلن بدوره في خطاب مماثل في روسيا قائلا بأن حوار روسيا مع واشنطن فشل، رغم ذلك يتمسك بوتين بمواصلة قصف حلب متذرعا بمكافحة الإرهاب، بعدما أقام حلفا تكتيكيا مع نظام بشار الأسد، فيما روسيا تدير المعركة نيابة عن الأسد في مجلس الأمن، وإيران تؤمن الحشود القتالية في سوريا.

إذا روسيا تقيم تحالفات تكتيكية وليست استراتيجية مع إيران والنظام السوري، يتضح هذا من تراجع إيران عن استخدام قواعدها الجوية من قبل روسيا لضرب مواقع المعارضة السورية، فروسيا كما السعودية تتخوف من أي اتفاق نووي شامل وبعيد المدى بين إيران والقوى الغربية يدفع إلى تقارب بين واشنطن وإيران وهو ما يؤثر على المصالح الروسية والسعودية.

 لذلك رغم معارضة السعودية للضربات الروسية للمعارضة في سوريا من أجل تحالف تكتيكي بين روسيا وإيران والنظام السوري، فهناك تقارب سعودي روسي حول إدارة أسواق النفط، حيث صرح وزير الطاقة الروسي الكسندر نوفاك بقوله (بلغنا مستوى غير مسبوق في علاقاتنا مع السعودية).

أيضا تصر تركيا على المشاركة في معركة تحرير الموصل من داعش، حيث ترى واشنطن أن ذلك يفضي المزيد من التعقيدات، ولن تثق تركيا بتصريحات المسؤولين الأمريكيين، فكما قال آشتون وزير الدفاع الأمريكي أن المبدأ الاستراتيجي يملي أن تكون قوات محلية فعالة ومتحمسة تحرر الموصل وكذلك في الرقة، بينما هناك قوتان في سوريا تحارب داعش: القوات الديمقراطية السورية ( تحالف كردي- عربي تدعمه الولايات المتحدة، وقوات المعارضة السورية ( الجيش السوري الحر المدعوم تركيا )، ولن تترك تركيا أن تميل كفة واشنطن تجاه تركيا في تحرير الرقة، وقطعت الطريق على الأكراد بتوسيع عملياتها إلى الرقة بعدما أعلنت أنها تعتزم التوجه إلى مدينة الباب ومنها إلى منبج التي حررتها قوات يتقدمها الأكراد من قبضة داعش تمهيدا لعملية أوسع تشمل المعقل الرئيسي للجهاديين في سوريا، وهي خطط أعلنها أروغان بأنه أطلع الرئيس أوباما.

وهي المرة الأولي التي تعلن تركيا توسيع عملياتها إلى الرقة المعقل الرئيسي لتنظيم داعش في سوريا، ودعا أردوغان أمريكا إلى التخلي عن دعم أكراد سوريا الذين تعتبرهم لهم صلات قوية مع مسلحين أكراد يقاتلون في جنوب شرق تركيا، وستقدم تركيا قوات بديلة في الحرب على داعش.

لكن السؤال المطروح كيف تدير موسكو العلاقة المعقدة بين التحالف التكتيكي بينها وبين النظام السوري وإيران، وكيف تقيم العلاقة مع تركيا والسعودية، خصوصا بعدما عرض بوتين على أردوغان مساعدته في طرد جبهة فتح الشام (النصرة سابقاً) من حلب، وفي نفس الوقت استغلت تركيا الموقف الروسي الذي اعتبرته موقفا حرجا فقامت بقصف يوم 20/10/2016 وحدات حماية الشعب الكردية لمنعها من الوصول إلى مدينة الباب الاستراتيجية شمال غربي سوريا.

 أي أن تركيا كما روسيا استثمرت الانتخابات الأمريكية والموقف الروسي الحرج، وتمكنت من التدخل في تحرير الموصل حتى أن إيران أصابها شيء من خيبة الأمل من تحقيق إكمال هيمنتها على العراق عبر مليشياتها، مما اضطرت إيران إلى استدعاء السفير التركي للاحتجاج على تدخل تركيا في الموصل.

يبدو لي أن الدبلوماسية السعودية – التركية نجحتا في اللعب في الوقت الضائع، وتحاولان احتواء العجرفة الروسية، وتضييع الفرصة على التحالف التكتيكي من استثمار الانتخابات الأمريكية.

 بينما اكتفت أمريكا بالضغط الغربي المتمثل في ضغط بريطانيا وفرنسا بعدما ضغطتا على النظام السوري في مجلس الأمن في 25/10/2016 بفرض عقوبات على قوات الحكومة السورية بعدما حملها تحقيق دولي المسؤولية عن ثلاث هجمات بالغاز في حين قالت روسيا حليفة الرئيس السوري بشار الأسد، إنها لا تزال تدرس نتائج التحقيق، فيما قالت سفيرة لدى الأمم المتحدة سامنثا باور في22/10/2016 في بيان إن بلادها ترغب في رؤية محاسبة ملائمة عن الهجمات، وهناك اتهامات لروسيا بقصف المدارس في إدلب من أجل مواصلة الضغط على روسيا.

 هناك نشاط مكثف في الأمم المتحدة للتغلب على الفيتو الروسي، ومحاولة إنقاذ حلب، حيث أوضح سيرغي ريابكوف نائب وزير الخارجية الروسي لافتا إلى وجود بعض العراقيل، بينها الوضع في شرق حلب، وأوضح ريابكوف أن الموضوعات التي يبحثها الخبراء سرية جدا، محملا بعض الأطراف مسؤولية ما وصفه بتخريب متعمد للمحادثات وسعيها لنسف الاتفاقات التي توصلت إليها روسيا والولايات المتحدة خلال المحادثات في لوزان.

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق