المنطقة على حافة الهاوية.. والمتأسلمون هم السبب

عاد التوتر ليطل برأسه على منطقتنا بشكل لم يسبق له مثيل، مع تصاعد الصراع فيها إلى ما يشبه الحرب الباردة، مصحوبة بحرب ساخنة ضد الإرهاب وتلاطم المصالح الدولية والإقليمية، في ظل حالة من عدم اليقين وغياب الرؤية حول ما يدور، وهو ما ينطوي على احتمالات خطيرة باتت تهدد الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط والعالم كله.

كان اللقاء السعودي الإيراني الأخير بين وزيري خارجية البلدين وانفراج الأزمة السياسية في العراق، قد بعثا الأمل بإمكانية سير الأمور نحو حقبة جديدة من التفاهم الإقليمي، الذي يساهم في إزالة التوتر والتشنج، ناهيك عن التعاون البنّاء بين الأطراف الفاعلة في الإقليم لعلاج مشاكله الملحة، وفي مقدمتها التعاون لدرء خطر التهديد الإرهابي متمثلا في «داعش».

ويبدو واضحاً أن اللقاء السعودي الإيراني لم يتخط بحث العلاقات الثنائية في انتظار مزيد من اللقاءات من أجل تفاهم أوسع حول قضايا المنطقة، لكن يبدو أن تطور الأحداث على الأرض يسبق التفاهمات، وإلا ما كان وزير الخارجية السعودي ليخاطب إيران بتلك الحدة، عندما اتهمها باحتلال سوريا، مشيراً إلى أنها أصبحت جزءاً من المشكلة وليس الحل، وأن هذا ينطبق على دورها في العراق واليمن.

نائب وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان، عاد هو الآخر ليردد معزوفة «الاحتلال السعودي للبحرين»، مستغرباً «التصعيد السعودي ضد إيران»، رغم المباحثات بين البلدين، لكن يبدو أن المسؤول الإيراني لم ينتبه لما صدر من تصريحات إيرانية في الفترة الأخيرة تبعث على القلق، خصوصاً مع تطورات الأحداث في الإقليم، وهو مالا تستطيع السعودية السكوت عنه.

التصريحات السعودية جاءت رداً على المتحدثة باسم الخارجية الإيرانية مرضية أفخم، التي أعلنت استعداد طهران لتقديم الدعم العسكري للأكراد في كوباني إذا طلبت الحكومة السورية ذلك، بما يعنيه ذلك من خلط للأوراق في المنطقة وخطط إيرانية للتدخل في سوريا.

تصريحات أفخم تزامنت مع فيض من تعليقات المحللين الإيرانيين حول التطورات الأخيرة في اليمن، وتقدم الحوثيين في بعض المدن، حيث أجمع هؤلاء المحللون على أن البحر الأحمر وبحر العرب أصبحا بحرين إيرانيين، وهو ما يكشف نوايا إيران حيال باب المندب. ولاشك أن هذه المخاوف تتزايد لدى دول الخليج التي تعتبر أمن اليمن جزءاً من أمنها، بعد أن أدى تحرك الحوثيين إلى فتح أبواب البلاد أمام تهديدات جدية لاستقرار المنطقة وأمنها، خصوصاً أن ذرائعهم قد سقطت بعد أن تم الاتفاق على خالد بحاح رئيساً جديداً للوزراء، لكنهم بدل أن ينفذوا اتفاق الشراكة والسلم ويسحبوا مقاتليهم من صنعاء، توجهوا للسيطرة على ميناء الحديدة على البحر الأحمر بحجة تعقب اللواء علي محسن الأحمر! التوتر المخيم على اليمن ما بين هجمات «القاعدة» وتوسع الحوثيين وتصاعد مطالبة الحراك الجنوبي بالانفصال، يضيف بعداً جديداً للتوتر المتصاعد في المنطقة، لتصبح دول الخليج بين بوابتين كبيرتين للتوتر، إحداهما في الجنوب والأخرى في الشمال (سوريا والعراق).

ويبدو أن الأوضاع في المنطقة برمتها تسير نحو مزيد من التوتر والمواجهة في المستقبل المنظور. فهل ما تشهده منطقتنا من صراع إقليمي ودولي هو ما بشر به وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر، عندما قال إن مقدمات الحرب العالمية الثالثة بدأت تلوح في الأفق ومن لا يراها فهو أعمى؟! وما هي تلك المقدمات إن لم تكن هذه الحرب الطويلة التي أعلنتها الولايات المتحدة على «داعش»، والتي ستسمح لها بإعادة رسم خارطة المنطقة كما تريد ودون أن تضحي بجنودها، ساعيةً إلى صيد سهل من خلال حربها غير الجادة على «داعش»؟! وإذا كانت مصالح دول الإقليم تتجه إلى مزيد من التلاطم، فهل مصالح روسيا والصين بعيدة عن التلاطم في منطقتنا؟ وإلى متى ستظل أبواب المنطقة مشرعة على كل هذه الأخطار، خاصة إذا غابت إرادة دول الإقليم في التعاون البنّاء؟ الولايات المتحدة وأوروبا لا تخفيان سعيهما لتواجد طويل في المنطقة تحت مظلة الحرب على «داعش»، وما أدراك ما «داعش» ومن يسر لها أسباب البقاء والتنمر! لكن المشكلة الحقيقية هي ما بعد «داعش» التي مازالت صالحة للاستهلاك، والتي تحرص تركيا هي الأخرى على الاستثمار فيها حتى آخر يوم من عمرها.

لكن الرياح لا تجري دائماً بما تشتهي السفن، فتركيا التي تتطلع حالياً للتوسع في الأراضي السورية، كما احتلت لواء الاسكندرونة أيام الانتداب الفرنسي، انقلبت عليها لعبة «داعش» لتضرم نار المشكلة الكردية الخامدة، مع انطلاق الطائرات التركية لضرب قواعد «حزب العمال الكردستاني» قرب الحدود العراقية، منهيةً بذلك هدنة طويلة مع الأكراد الذين لم يتحملوا هذا التواطؤ بين نظام أردوغان و«داعش» ضد الأكراد المحاصرين في مدينة «عين العرب» (كوباني).

الطموح التركي لفرض «منطقة عازلة» في سوريا، يفهمه الأكراد السوريون أكثر من غيرهم، ويعرفون أنه موجه ضدهم أولا، مما وضع مستقبل اتفاق السلام مع أكراد تركيا في مهب الريح. ومع تزايد التوجهات لضرورة تدخل بري ضد «داعش»، خصوصا بعد الاجتماع العسكري الأخير لدول التحالف، تدنو لحظة الاقتراب من حافة الهاوية، إذا خرجت الأمور عن مسارات التنسيق والتوافق الدولي، وربما هذا هو الأمر الذي ولد ضغوطا أميركية على تركيا لفتح قاعدة أنجرليك لانطلاق الطائرات الأميركية منها. ولعل موافقة أردوغان على استخدام انجرليك لمهاجمة «داعش»، كان بسبب موافقة الولايات المتحدة على قيام تركيا بتدريب خمسة آلاف مقاتل من المعارضة السورية على أراضيها، وبالطبع فإن هؤلاء المقاتلين لن يكونوا سوى عناصر من جماعة «الإخوان» وتنظيم «القاعدة»، فهم على أي حال بديل عن «داعش» عندما يفقدها السلطان العثماني.

ومع ذلك، فهناك بالمقابل مصر والسعودية وغيرهما من دول المنطقة التي لن توافق، ولن تسمح لأردوغان بالتمدد داخل الأراضي السورية، وسوف تتدخل للجم طموحاته التي تهدد بتفجير الإقليم بأسره فيما لو تحققت. وما دمنا نتحدث عن «الإخوان» وفشل الاستثمار التركي فيهم حتى الآن، فمن باب أولى أن نذكّر بما أعلنه المدعو يوسف القرضاوي أخيراً، في حالة من حالات الوجد الإخواني، من أن «البغدادي»، زعيم «داعش»، كان شاباً من جماعة «الإخوان» -وبئس النشأة- وهو أمر يؤكد الرأي الذي أصبح سائداً لدى الخبراء والمفكرين، من أن جماعة «الإخوان» هي رأس الأفعى، وأنها الحاضنة التي فرخت جميع المنظمات الإرهابية في المنطقة.

د. سالم حميد

 نقلاً عن صحيفة الاتحاد الإماراتية

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق