المنطقة بين الأمن العربي والإقليمي

لم تعد أمريكا للعرب ولدول المنطقة حليفا موثوقا يعتمد عليها بسبب أن الولايات المتحدة تلعب في المنطقة بعدد من الأوراق، بدأ من ورقة الإرهاب وورقة الإخوان المسلمين بحجة أنهم الوحيدون القادرين على محاربة الإرهاب باعتبار أنهم يمثلون الإسلام المعتدل، كما تلعب بورقة النووي الإيراني ما يجعلها تغض الطرف عن التمدد الإيراني في المنطقة وتخلت عن العراق وسوريا وتواطأت مع الحوثيين حتى أن البعض اتهم أوباما بأنه أصيب بعقدة تفوق دولة الولي الفقيه.

ما يسمى بثورات الربيع العربي أنهت كلا من الأمنين العربي والإقليمي بسبب تعارض المواقف، بل تحول إلى الصراع البيني في ظل غياب إستراتيجيات مشتركة، بسبب أن الدول العربية والإقليمية لا تمتلك مراكز أبحاث مشتركة، بل تكتف بتواجد مراكز أبحاث وطنية، كل مركز يصدر دراسات لا تصب في مصلحة المنطقة بل العكس تؤدي إلى مزيد من الصراع الإقليمي في صالح الدول الكبرى.

تتبادل الدول الإقليمية والدول الكبرى الاتهام حول مسؤولية الإرهاب، رغم ذلك يتفق الجميع على محاربة الإرهاب، لأنه إرهاب يضرب الجميع ولا يستثني دولة أو منطقة.

تحمل السعودية ومصر وتركيا وإيران أهمية خاصة لدول الشرق الأوسط والمنطقة العربية والإسلامية رغم التناقضات بين هذه الدول وتغليب المصالح الخاصة على المصالح الإقليمية تلعب الولايات المتحدة على وتر تلك الخلافات الإقليمية لتفتيت المنطقة حتى تظل هي القوة الفاعلة بمفردها في المنطقة دون بقية القوى الإقليمية أو الدولية.

استمرت الدول الإقليمية أطرافا فاعلة في القضايا السياسية في المنطقة وفق رؤى مستقلة بعيدا عن الرؤى المشتركة، والغريب أن تقف تركيا ضد إسقاط نظام العقيد القذافي، وتتخذ موقفا حادا من النظام السوري الحالي رغم أن كلا النظامين وجه جيشهما المليشياوي ضد شعبيهما.

الآن تؤيد تركيا نظام الإخوان في ليبيا بدعم أمريكي حتى تصبح تركيا البديل لروسيا في تصدير الغاز والنفط إلى أوربا من ليبيا حتى تمتلك الورقة الرابحة في دخول النادي الأوربي الذي يرفض الاتحاد الأوربي دخولها حتى الآن بحجج واهية، في نفس الوقت تواجه تركيا جماعة غولن التركية المعارضة، بينما تدعم أمريكا تلك الجماعة علاقات متناقضة ولكن تستمر العلاقات يجب أن تتعلمه الدول العربية وتركز على مصالحها كأولوية.

هذه الأقطاب الإقليمية فشلت في بناء منظومة إقليمية يعيد التوازن الإستراتيجي للمنطقة، ويمنع الفوضى والإرهاب الذي يضرب كافة الدول ويهدد مناطق أوسع مما يتصور اللاعبون بورقة الإرهاب.

ليس من مصلحة السعودية تفضيل تركيا على مصر ولا مصر على تركيا بل تركيا دولة تمنع تمدد إيران في العراق وفي سوريا وهو تهديد لتركيا ولدول الخليج أي أن هناك مصلحة مشتركة، ومصر دولة محورية لا يمكن الاستغناء عنها لترتيب البيت العربي والوقوف ضد تمدد الكيان الإسرائيلي أي أن مصر جدار حماية للأمة العربية وهي كذلك تمنع تمدد إيران في مصر والسودان لتكمل حلقة حصار السعودية من كافة المناطق.

يجب أن تتفاهم الدول الثلاث حول ورقة الإخوان التي هي السبب في الصراع بين تلك الدول، ولن تقبل مصر أن يتم اللعب في الحديقة المجاورة لدولة مصر في ليبيا، ومحاولة تفكيك دول مجلس التعاون الخليجي عبر هذه الورقة ولكن دول الخليج تمكنت من تفادي مثل هذا السيناريو.

 من خلال عملية الفرز بين من يمارس الإرهاب من جماعة الإخوان المسلمين، ومواجهة الأذرع المسلحة والجماعات السرية، وبين من ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين ولكنه لم يمارس الإرهاب يجب عدم ملاحقته ومضايقته، وفي نفس الوقت مطالبة الجماعة أن تقوم بعملية مراجعة في أيديولوجيتها وهي دعوة سابقة لأردوغان عندما زار مصر زمن حكم مرسي، وطلب من الجماعة أن يقتدوا بتركيا العلمانية، ولكن لقي أردوغان معارضة عنيفة من قيادات الإخوان في ذلك الوقت.

 كما يجب أن تتحول الجماعة إلى أحزاب سياسية، كما الحزب السياسي لراشد الغنوشي في تونس، وكحزب العدالة والتنمية في المغرب، حتى لا تلوث الخلافات الطارئة العلاقات الإستراتيجية بين تلك الدول الفاعلة في المنطقة.

تلك الخلافات أعطت الولايات المتحدة وإيران أوراق عديدة وجاهزة للعب في حدائق هذه الدول، بل واستخدامها أدوات لتدمير بعضها البعض، دون أن تبذل الولايات المتحدة أي جهد يذكر أو أي جهود مكلفة في هذا التدمير.

 هذه الدول السعودية ومصر وتركيا يمكن أن تؤثر في معادلة الشرق أوسطية مع إيران، وتستطيع أن تحاصر أذرع إيران في العراق وفي لبنان، وهي الآن في صدد إنشاء أذرع جديدة في اليمن وسوريا بعدما فشلت في إنشاء أذرع في البحرين وفي المنطقة الشرقية في السعودية.

تستطيع هذه الدول أن تقف أمام الولايات المتحدة التي تلعب بورقة الإرهاب ضد دول المنطقة، خصوصا بعدما رفضت تسوية الأزمة السورية حتى تتهيأ بيئة حاضنة للإرهاب، وتشكيل مليشيات تدافع عن نفسها أي عسكرة المنطقة، حتى أصبح الجميع يقاتل الجميع.

يمكن تلك الدول وقف هذا الامتداد الهائل الذي لا يجعل الحرب ضد الإرهاب عالمية فقط، ولكنه يجعلها حربا فريدة حيث إنها تدور ضد جماعات وليس دول، والضغط على المجتمع الغربي والدولي من أجل السعي إلى حل عادل للفلسطينيين التي تم نسيان قضيتهم في ظل هذه الفوضى العارمة التي فرضتها الولايات المتحدة على المنطقة.

هذه الدول تستطيع أن تؤسس نظام إقليمي لمحاربة الإرهاب، بدلا من ترك محاربته تحت قيادة الولايات المتحدة تلعب بورقة الإرهاب، واتباع أسلوب استعراضي ما سماه أوباما بالتحلي (بصبر إستراتيجي)، ولعل أفضل تعليق على تلك الإستراتيجية ما قاله السيناتور ليندسي غراهام (من أن إضافة المزيد من الصبر إلى سياسة أوباما الخارجية لن تؤدي إلا إلى إطالة أمد فشل هذه السياسة) (الجيل الرابع من الحروب) لتهديد الأمن الإقليمي لتحشييد جهودها لمحاربته بدلا من الكيان الإسرائيلي أي أن الولايات المتحدة تريد أن تلحق هزيمة بالمسلمين سنة وشيعة عبر محاولة تدعيش معظم السنة وإشعال فتيل قتال مذهبي يحرق المنطقة لتنام الولايات المتحدة على وسادة الصبر الإستراتيجي وتواصل إسرائيل مخططها بالمنطقة.

ما دفع المستشار السابق للبنتاغون أنطوني كوردسمان إلى تكرار القول (أوباما لا يملك إستراتيجية لمحاربة الإرهاب، بل يملك فوضى إستراتيجية)، بل هناك انتقادات لاذعة لأوباما من رئيس مجلس النواب الأمريكي جون بينر على سياسات أوباما تجاه منطقة الشرق الأوسط عندما قال (ما مصلحة أميركا في الابتعاد عن حلفاء موثوقين ومحاولة التقرب من أعداء مؤكدين) في إشارة إلى تهافت أوباما على اتفاق مع إيران وبأي ثمن، ليستعمله بديلا ولو سيئا لفشل سياساته الخارجية حيال وعده بحل الدولتين في فلسطين، وتعاميه عن المذبحة في سوريا، وتركه العراق للمالكي رجل طهران قبل أن تضغط عليه دول الخليج بتغيير المالكي وحل محله العبادي كرئيس توافقي، وترك بوتين يلعب في الأزمة السورية ضمن لعبة عالمية على حساب الشعوب.

الحاجة إلى توحيد القوى العربية التي أصبحت أكثر إلحاحا ما بين دول الخليج ودولة مصر، والعرب جزء من إستراتيجية الدفاع العربي المشترك والإستراتيجية الموحدة لمواجهة الإرهاب والتي تأتي جزء من الإستراتيجية الإقليمية مع تركيا والعالمية لمواجهة التنظيمات المتطرفة وفي مقدمتها داعش بعد امتداد التهديد الإرهابي لعواصم إقليمية وأوربية عدة دون أي استثناء.

اكتشفت طهران أن أوباما يريد تحقيق تاريخي ينهي به حياته الدبلوماسية المتعثرة التي عادة ما تصطدم بضيق الخيارات والإمكانيات المتاحة لأوباما وفريق عمله في البيت الأبيض، كما تعرف طهران أن التوصل إلى اتفاق مع المجتمع الدولي يتطلب تنازلات أصعب قد لا تتوقف عند حدود الملف النووي بل تتعداه إلى قدرات عسكرية أخرى وهي التي تتطلب تفاهمات إقليمية تضع حدا لتدخلاتها في شؤون الجوار.

يدرك البيت الأبيض كذلك أن تحقيق أي اتفاق مع طهران لا يمكن أن يتحقق على حساب حلفاء آخرين في المنطقة وخصوصا السعودية التي وقفت بكل قواها الدبلوماسية والاقتصادية تجاه تحقيق أي اتفاق على حساب دول الخليج.

يدرك البيت الأبيض نتيجة هذه الضغوط السعودية بأنها تمتلك أدوات تسمح لها بتعطيل هذا الاتفاق أو تأجيله في حال لم يحقق هذا الاتفاق مصالح دول الخليج، وأدرك كذلك البيت الأبيض أن طهران ستكتف بتحقيق مكاسب سياسية حتى ولو توقفت المفاوضات، ما جعلها تتجه نحو إستراتيجية جديدة ترضي بها دول الخليج وخصوصا السعودية، وبدأت تتوقف عن العملية الاستعراضية لمحاربة داعش، وبدأت دول الخليج تشارك بفاعلية بطلعات جوية في محاربة داعش في العراق مسنودة بقوات برية عراقية وتم تحرير 70 قرية في سوريا من داعش.

قبل سقوط الموصل صرفت الولايات المتحدة على تدريب وتسليح الجيش العراقي المكون من 160 ألف عنصر أكثر من 24 مليار دولار رغم ذلك انهارت الموصل نتيجة سياسات المالكي الطائفية فأصبحت الثقة في المؤسسة العسكرية مفقودة لدى سنة العراق.

لكن بعد الضغط السعودي تمكنت القوات العراقية من تحرير البغدادي وتقاتل شمال تكريت وشمال صلاح الدين وتستعد قوات عراقية كردية قوامها 20-25 ألف لتحرير الموصل ولتعيد الثقة إلى المؤسسة العسكرية، وهي المعركة الحاسمة التي تنهي داعش في العراق، لذلك وصلت شحنات أسلحة من الولايات المتحدة إلى العراق لتعزيز هذه المعركة بنحو 100 ألف صندوق ذخيرة، و10 آلاف بندقية حديثة، و10 آلاف منظار، و232 صاروخ هيفاير أرسلت منها 1570 العام الماضي، وهي صواريخ مضادة للدروع، وتستخدم أرض جو، وجو أرض.

بدأت أمريكا تطلع القادة الخليجيين على أي تقدم في المفاوضات النووية مع إيران، وبدأ كيري يضغط على إيران عندما أتهمها بدعمها للحوثيين في اليمن مما ساهم في انهيار حكومة اليمن، وهناك معلومات جديدة تفصح عن علاقة إيران بالقاعدة وجبهة النصرة لشن هجمات على الخليج بعد كشف معلومات أن السعودي القرعاوي خطط من إيران لأعمال إرهابية بدعم وتمويل من حزب الله.

في المقابل بدأ المرشد علي خامنئ يتهم أمريكا بدعم داعش في العراق، بينما وزير الدفاع العراقي برأ أمريكا من هذه التهمة، لكن المالكي نائب الرئيس يحمل إدارة أوباما مسؤولية تمدد داعش في سوريا والعراق ردا على تصريح لكيري بأن المالكي وبشار الأسد يتحملان مسؤولية نشأة داعش.

تقوم إيران بمناورات في مضيق هرمز لمهاجمة سفن أمريكية رغم أن طهران تطمأن أمريكا والغرب بأن تلك المناورات لن تهدد القوات الأجنبية الموجودة في المنطقة، ولكن جعفري يهدد بأن استهداف إيران بأي هجوم محتمل يفرض على إيران أن تحتل بحر عمان ومضيق هرمز والخليج بالكامل.

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق