المناعة الذاتية لأمن الخليج

عقب القمة الأخيرة التي جمعت قادة دول مجلس التعاون الخليجي مع الإدارة الأمريكية ممثلة بالرئيس أوباما، اتجهت بعض التناولات الإعلامية السطحية للترويج للقول بأن اهتمام القمة كان ينحصر في بحث ضمانات لحماية أمن الخليج، وهناك تناولات صحفية تقليدية ينشغل أصحابها دائماً بالحديث عن مخاوف بشأن أمن الخليج العربي، لكن من زاوية تضع الخليج في خانة من ينتظر من الآخرين حراسة أمنه، وهذه زاوية تجهل مكانة الخليج وأهميته الجيوسياسية وسيادة دوله والقوة الكامنة في أصالة واستقرار شعوبه وأنظمته، وهي أيضاً زاوية تنظر للأمن في هذه المنطقة الحيوية من العالم باعتباره يستند فقط على الشراكة مع الغرب، وبتصويرها للغرب وكأنه شرطي تحت الطلب! وهذا أمر بحاجة للتصويب وإعادة النظر، بالتركيز على امتلاك منطقة الخليج مناعة ذاتية وحصانة داخلية لأمن واستقرار دولها، وأيضاً بالتركيز على ما تمثله الكتلة الخليجية من قوة ذاتية وموضوعية تتصل بحضورها المؤثر على المستوى الدولي، بالمعنى التبادل الندِّي في التعامل والاحتياج المشترك لعلاقات متوازنة مع الآخرين.

أما الحديث عن التهديدات الإيرانية للأمن القومي الخليجي فقد سئمنا منه، لأنه يتحول غالباً إلى حديث عن بعبع يجد نفسه سعيداً بالصورة التي ترسم له وتظهره كتهديد دائم للآخرين، بينما أبسط مبادئ السياسة الدولية في هذا الزمن توضح أن أي تهديد للسلم الدولي ليس خياراً سهلا ولا متاحاً لأي طرف، سواء أكان إيران أو غيرها. كما أن السلم الدولي في منطقة الخليج، أو في غيرها، ليس لعبة مزاجية بيد أي طرف مهما كانت ميوله الفوضوية والعبثية. وإذا كانت أيديولوجيا حكام إيران تقتضي منهم الميل إلى خطاب سياسي متعصب في الداخل الإيراني، فإنهم يعون جيداً على المستوى الخارجي خطورة مجرد التفكير في العبث بالأمن والسلم في منطقة الخليج. وبمعنى أوضح يمكن القول إن حاجة دول الخليج لعلاقة متينة مع الغرب لا تقل عن احتياج الغرب نفسه لهذه العلاقة التي تستدعيها المصالح المشتركة، وبما تقتضيه طبيعة العلاقات الدولية في هذا العصر القائم على الانفتاح واستحالة الانغلاق على الذات. وهذا ما أدركته طهران متأخرة وتسعى لمقايضات مع الغرب لتضمن معه علاقات طبيعية تحتاج إليها كأي دولة.

صحيح أن الشراكة الخليجية مع المنظومة الغربية تعزز حماية أمن الخليج، وتمنحه ضمانات مستحقة، بحكم موقع دول الإقليم، وأهميتها البالغة بالنسبة للطاقة العالمية، من حيث صادرات النفط والغاز، والتبادلات التجارية الضخمة. لكن اختزال العلاقة بين الخليج والغرب في هذه الجزئية -رغم أهميتها- يتجاهل أموراً كثيرة تتعلق بمحورية دور وموقع منطقة الخليج نفسها، وإمكانياتها التي تمنحها كل هذا الحضور الدولي المؤثر. لذلك نقول بوضوح لا قلق على أمن واستقرار دول الخليج، ولا نجد في تحليلات من يتجاهلون الندية في علاقة الخليج بالغرب أي منطق واقعي، لأنهم لا يدركون أن قوة الخليج تنبع من داخله ومن تلاحم شعوبه واستقرار أنظمته السياسية.

ولا ننسى أن البعض اعتادوا على اجترار روح انهزامية تميل للتشكيك، تبعاً لما استقر في مخيلاتهم الانهزامية، بينما الواقع أن الخليج قد بنى أسس قوته الداخلية طوال العقود الماضية، بدليل ثبات الاستقرار السياسي والاجتماعي في منطقتنا التي تقطف ثمار التنمية وتمر بازدهار اقتصادي منفتح على آفاق مستقبلية مبشرة بنمو متصاعد ودائم ومتنوع المصادر، ولسنا بحاجة للتذكير بأن رياح الاضطرابات التي عصفت ببعض الأقطار العربية أكدت مدى صلابة البنيان الخليجي ومتانة جبهته الداخلية، لكننا في الخليج لم ننكفئ على الذات، فكان للإمارات وأشقائها في المنظومة الخليجية دوراً مشهوداً في السعي للتخفيف من تداعيات الاضطرابات ومساعدة الدول العربية التي تعرضت لانهيارات اقتصادية وأمنية.

وهنا لا بأس من التذكير ببديهيات؛ أولها ما شهدته السنوات الماضية من تطورات هائلة في الخليج على جميع المستويات، الاقتصادية والاجتماعية والدفاعية. غير أن الصورة المستقرة في أذهان البعض عن منطقة الخليج ظلت مشوشة أو منشغلة بالنظر للخليج باعتباره محطة رفاهية وثراء اقتصادي، بينما التطورات الحاصلة في الخليج تتصف بالتوازي على جميع المستويات. وإذا كان الجانب الاقتصادي في واجهة التطورات الإيجابية في المشهد الخليجي، فذلك لا يعني غياب التطورات المؤسسية والاجتماعية والأمنية والدفاعية، حيث حدثت تحولات بنيوية كبرى تعزز قوة دول الخليج الذاتية في محيطها الإقليمي والدولي.

 د.سالم حميد

نقلاً عن مركز المزماة للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق