المعركة السعودية المستمرة

معركة مجتمعنا ضد عصابات الإسلام السياسي يجب ألا تتوقف، فهي الخطر ومنها الحذر، هي وراء كل توقف في التنمية وكل تعطيل للحقوق.

تمثل الجريمة الإرهابية التي ارتكبت ضد المصلين البسطاء في مسجد بقرية القديح السعودية دليلا مهما على أن الحرب ضد الإرهاب لم ولن تنتهي، طالما توفرت عوامل كثيرة نراها عيانا بيانا دون أن يعالجها المجتمع أو يقف ضدها بحزم.

لعل من أهم هذه العوامل استمرار التحريض والتأزيم والخطاب الطائفي من الطرفين السني والشيعي. واستمرار هذا الخطاب دون توفر آليات وأنظمة تحجمه وتقضي عليه بحزم وقوة سيؤدي إلى أكثر من حادثة وقد يفت في عضد وحدة الدولة واستمرار تضامن مكوناتها ضد التطرف.

نشاهد بين الفينة والأخرى تعالي الصوت المتطرف والمتشدد، نسمع ونرى قنوات تحرض بين السنة والشيعة وهي تابعة للطرفين الشيعي والسني. تمر من أمامنا الكثير من العبارات والجمل بل المقالات والتغريدات لشيوخ كنا نرجو منهم الحكمة لكن لا ينضح من خطابهم سوى التطرف والتشدد والتحريض ضد الآخر.

ما الذي يدفع الشباب الصغار نحو التطرف سوى التحريض، ومن يقف مع التحريض بل ويقوم به سوى من يؤزم ويسعى للكسب على جراح وآلام عائلات قدمت شبابها ضحايا في أتون نار التطرف.

قضية ابن القشعمي تحمل دلالات مهمة وهي أن والد المجرم أيضا محتجز بناء على قضايا مماثلة في الإرهاب.

وآخر قبض عليه في لبنان وأعيد للمملكة ثم خرج بقدميه ليشترك في عمليات إرهابية دون أي رادع يمنعه عن تكرار العمل. بالطبع هناك شيء ما، حلقة مفقودة يجب أن تتم الإشارة إليها بشجاعة وحكمة وتمحيص عادل لا يجانب الصواب ولا يقف مع أو ضد بل تكون بوصلته وطنية ومراعاته فقط للصالح العام والأمن الوطني.

الإرهاب ليس نتاجا لمغامرات شبابية أو تأثير وقتي من زعيم جماعة جهادية بل هو نتاج لفشل المجتمع في التحكم في قابلية الفرد للتطرف واستعداده للذهاب بعيدا في طريق العنف.

الإرهابي بكل بساطة شخص يرى في العنف حلا، وفي قتل الأبرياء عدالة سماوية. والحياة غالية عند كل إنسان مهما كان معدما لكن ترخص الحياة حين تكون بلا هدف سام ودون أن يتمتع صاحبها بالشغف بيوم جديد يأتي ليقوم بعمل مفيد لنفسه وأسرته ووطنه.

من الذي دفع القشعمي لما فعله في مسجد يكتظ بالبسطاء، هل هو اختلافه العقدي عنهم، وكيف يقتلهم وهو يعلم أنهم مواطنوه ومن بني جلدته. وقبل كل شيء ما هذا الشيء الذي يدفعه لتقديم روحه من أجل ذلك.

يمكننا تتبع خيط مهم وهو انعدام الشعور الوطني، وعدم إحساس القشعمي ومن سبقوه وسيلحقوه من الإرهابيين بالمواطنة الحق. القشمعي وكل إرهابي يقتل مواطنيه هو نتاج لفشل متراكم.

الفشل ينبئ بأمر مهم وهو أن المجتمع فشل في توفير التعليم والتربية الوطنية، وسمح لمروجي الفكر المتطرف بأن يكسبوا الشاب لصفهم بينما فشل المسؤول عن التعليم والتربية والثقافة والإعلام في ذلك. والأهم من كل هؤلاء المسؤول عن صياغة أنظمة تمنع وتقضي على ترويج هذه الأفكار العنيفة والمتطرفة.

يمكننا ملاحظة أنه بعد بدء عاصفة الحزم انتشرت الأفكار المتطرفة كالنار في الهشيم لتظهر العاصفة وكأنها حرب طائفية بينما هي بين عرب وأطراف عميلة للفرس.

سمح غياب العقوبات للفكر المتطرف الطائفي بالاستشراء فانتعشت أفكار داعش، التي ترى في المخالف هدفا عسكريا لها، حتى ولو كان طفلا أو فتاة تباع في سوق النخاسة ممن يرون أنفسهم يطبقون العدالة السماوية. فشل الإعلام السعودي في ترجمة أفكار قادة البلاد ولم يعملوا جيدا على إبراز المعركة على أنها ليست طائفية بل قومية.

وأوضح لنا ذلك الهجوم الكاسح من تلك الشخصيات المحسوبة على الإخوان والذين رأوا في عاصفة الحزم فرصة سانحة للعودة الى الواجهة الوطنية، ولكن للأسف بدلا من أن يعودوا من بوابة الوطن ومعركة الوطن، عادوا من بوابة الطائفية والتأزيم والتحريض على الشيعة.

ولم نفشل نحن فقط بل فشلت أيضا الأطراف الشيعية نفسها ممن انجرفت في تيار التأزيم الطائفي فصبت الزيت على النار. واتفقت عصابات الإسلام السياسي على جعل المعركة حربا بين هذه العصابات لا موقف نصرة عربية لدولة عربية تواجه مخاطر سياسية فارسية بحتة.

بعد كل هذا نعترف بأن أجهزتنا الأمنية نجحت في منع المئات من الجرائم الإرهابية التي لو تمت لدفع الوطن آلاف الضحايا، لكن علينا الاعتراف بأن المعركة ليست محصورة بين رجل الأمن والإرهابي بل هي بين المجتمع بكامله والإرهاب.

فماذا فعلنا كمجتمع. للأسف بقينا سلبيين وتركنا المهمة على عاتق رجل الأمن. لم نقاتل في كل بيت، وضمن كل أسرة. لم نقف بقوة ضد الداعية المتطرف. ولم نخرس في المساجد المحرضين المأزومين، بل بعضنا ساعدهم مدفوعا بحميته الدينية وحسب فهمه السطحي للإسلام وانقياده لمقولة “حط بينك وبين النار مطوع”. تركنا المهمة على عاتق العسكر ونسينا أنها معركة فكرية وشعبية إذا لم يدخلها المجتمع بكل مكوناته وبحرية وفاعلية وحس وطني فستستمر الخسائر.

كلما تحدث أزمة في هذا العالم العربي التعيس بل والإسلامي، لا نجد سوى أصابع عصابات الإسلام السياسي من إخوان وغيرهم، فابن لادن شب إخوانيا وقدم لأفغانستان عبر الإخوان، وكذلك الظواهري، ولحقهم البغدادي باعتراف القرضاوي.

والمثير للسخرية أن شخصيات مثقفة سعودية محسوبة على التيار الليبرالي تقف بكل بؤس محزن مع عصابات الإسلام السياسي، وتدافع عن نفسها بأنها تقف مع الشرعية، وتنسى أن هذه العصابات لا تؤمن بالشرعية سوى شرعيتها في الحكم وما فعلته في مصر هو دليل قاطع على ذلك.

تدافع هذه الشخصيات عن أسباب الفتنة وجذور العنف وتنقاد بكل سهولة لمخادع مغتصبي الحريات وهي تغني للحرية. وبكل بلاهة تتحدث عن أن عصابات الإسلام السياسي من إخوان وغيرها هي حركات سياسية، متناسية أن كل هذا العنف في مصر وليبيا وسوريا والعراق واليمن لم يأت إلا بسبب هذه العصابات، وكل هذا التفجير والقتل لا يحدث إلا من هؤلاء سنة وشيعة.

إن أردتم إطفاء الفتنة فأوقفوا أبواقها من الإخوان، أصحاب قنوات الفتنة وممن يحرضون ويتحدثون عن حقوق السنة وهم من زار خامنئي أكثر من غيرهم ومُول من صناديقه المختلفة.

معركة مجتمعنا ضد عصابات الإسلام السياسي يجب ألا تتوقف، فهي الخطر ومنها الحذر، هي وراء كل توقف في التنمية وكل تعطيل في الحصول على الحقوق بكل صنوفها. ولن يتطور مجتمع يضمن العمل لشخصيات تعارض حقوق فئاته وتكفر طوائفه.

دون أن يكون لدينا نظام رادع ضد التطرف والتشدد والتأزيم، ودون أن نعاقب كل إخواني أو صفوي متطرف فلن يستقيم لنا الحال، ولن يتوقف شبابنا عن التأثر، وقبل كل شيء علينا كمجتمع أن نلتزم بثوابتنا الوطنية، وأهمها صيانة وحدتنا وكفالة حقوق المواطنة لكل شخص بغض النظر عن طائفته أو عرقه أو منطقته.

عصابات الإسلام السياسي ليست فقط داعش فهذه والقاعدة ثمرات عنيفة للإخوان ولو استمرت حرية هؤلاء في العمل فلنا توقع أكثر من قشعمي ولن ينقشع الغبار عن الوطن، والمعركة مستمرة.

نقلاً عن العرب اللندنية

بقلم: عبدالعزيز الخميس

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق