المعركة التي هزّت إسرائيل: تحليل للعدوان الإسرائيلي على غزة (8يوليو-26 أغسطس 2014)

بعيداً عن الشعارات والعواطف، غزة فى العدوان الاسرائيلى الأخير قاومت فصمدت فانتصرت، الحروب التقليدية تكون بين الجيوش، والجيوش فى دول، فإذا كانت العمليات العسكرية بين ترسانة عسكرية قوية وغاشمة وأساليب مقاومة بسيطة، فإن المنطق بلا شك يقول إن الجيش الإسرائيلي لم ينتصر في غزة وانسحب، فإذا كان لدي الجيش الإسرائيلي الإمكانية لاحتلال غزة ولم يتردد، وبالتالي استحقت الصمود علي الأقل على المستوى السياسي، ولم تستطع خداع الرأي العام العالمي كثيراً، وخلقت الكثير من الازمات وخصوصاً في أمريكا الجنوبية، إلى جانب الأصوات المناهضة في الاتحاد الأوربي وأمريكا، إلى جانب التكاليف الاقتصادية الباهظة، وتأكيد أن صواريخ المقاومة قادرة علي الوصول الي الأعماق الإسرائيلية.

بالإضافة إلى أنه (حدث تغير استراتيجي قوي جدا) هذه المرة، فبرنامج إسرائيل لدفعها الجوي -القبة الحديدية- أثبت فشله بعد أن أعلنت إسرائيل أن نسبة نجاحه فى اعتراض الصورايخ المعادية أكثر من 99%، وعند بداية العمليات العسكرية في غزة فإن نسبة نجاح الاعتراض لم تكن على المستوى المطلوب أو المتوقع، وخصوصا مع صواريخ بدائية الصنع.

انتقدت «القبة الحديدية» لتكلفتها الباهظة حسب البعض، حيث تقدر تكلفة الصاروخ المعترض ما بين 35 ألف و50 ألف دولار، وحتى 62 ألف دولار، وفقاً لمصدر فرنسي. كما صدرت انتقادات حول عدم فعالية القبة الحديدية أمام صواريخ القسام، إذا أطلقت من مسافات قصيرة جدّاً، وباعتبار وجود نظام مضاد للصواريخ آخر أكثر فعالية هو «نوتيلوس الليزر». فمن 1995 إلى 2005، طورت الولايات المتحدة وإسرائيل نظام نوتيلوس، ولكن تم التخلي عنه بدعوى عدم قابليته للتجسيد، ومع ذلك، فقد اقترحت وزارة الدفاع الأمريكية شركة نورثروب جرومان لتطوير نموذج أولي متقدم من نوتيلوس سمي Skygua.

وقال المحلل العسكري والأستاذ في جامعة تل أبيب رؤوفين بيداتسور، إن القبة الحديدية كانت أكبر عملية احتيال ضخمة، مع العلم أن زمن رحلة صاروخ قسام إلى سديروت هو 14 ثانية، في حين أن نظام القبة الحديدية يحدد ويعترض الصاروخ بعد 15 ثانية. وأضاف في مقال له في صحيفة هآرتس في يناير 2010، إن هذا يعني أن النظام لا يمكنه اعتراض الصواريخ ذات مدى أقل من 5 كم. هذا بالإضافة الى الفجوة الكبيرة بين تكلفة القبة الحديدية للصاروخ (50 ألف دولار) وتكلفة صاروخ القسام (300 دولار أو 1000 دولار)، رغم أنه أقل كلفة من صواريخ سام الأخرى.

وقد عمل الرئيس الامريكي باراك أوباما حسب تقرير “ذي اندبندنت” على اقناع الكونغرس بالموافقة على تمويل القبة الحديدية ب 205 ملايين دولار امريكي في العام 2010، وعملت شركة “رافائيل” الحكومية المحدودة لأنظمة الدفاع المتطورة على صنع وتطوير القبة الحديدية. أي أن النسبة الفعلية ضعيفة جداً، خصوصا إذا كانت هذه الصواريخ بدائية، وزاد من التساؤلات حول العدد الحقيقي لاعتراض الصواريخ، وأيضا (عدد القتلى الإسرائيليين، خصوصا بعد التكتم الإسرائيلي)، وتضارب الارقام بين إسرائيل وحماس. وفي ضوء ذلك، فإن أحد دوافع التحرك العسكري هو مقتل 3 مستوطنين إسرائيليين، و(الضغط من الرأي العام العالمي والتكاليف الاقتصادية.

حدث ضغط كبير على إسرائيل وخصوصا بعد تكرار استهداف المدنيين، وارتفاع عدد القتلى، وعدم قدرة الجيش الاسرائيلي على الاقتحام البري لغزة، خاصة في وجود القوات الخاصة الإسرائيلية.

 تكلفة الحرب الكبيرة: نتيجة الركود بعدما أعلن مدير سلطة الضرائب في إسرائيل موشيه أشير، أن الفحص الأولي لتكاليف عملية “الجرف الصامد” ضد غزة، يشير إلى أنها كلفت الاقتصاد الإسرائيلي 8 مليار شيكل، أي ما يعادل 2.5 مليار دولار، منها ما سيتم تعويضها من خزينة الدولة، وتساوي بقيمتها 0.5 بالمئة من الناتج القومي.

وبحسب الموقع الإلكتروني لجريدة الحياة اللبنانية، فإن من المتوقع أ، يطالب الجيش الإسرائيلي بزيادة ميزانية الدفاع في عام 2015، ﻛﻤﺎ ﺗﻢ ﺗﻘﺪﻳﺮ ﺍﻟﻀﺮﺭ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﺻﺎﺏ ﺍﻟﻤﺒﺎﻧﻲ ﺑﻘﻴﻤﺔ 50 ﻣﻠﻴﻮﻥ ﺷﻴﻜﻞ، وﺗﻢ ﺗﻘﺪﻳﺮ ﺍﻧﺨﻔﺎﺽ ﺍﻟﻤﺪﺧﻮﻝ ﺍﻟﻀﺮﺍﺋﺒﻲ ﺑﻘﺮﺍﺑﺔ 1.5 ﺑﻠﻴﻮﻥ ﺷﻴﻜﻞ. ﻭﻓﻲ ﺍﻟﻤﻘﺎﺑﻞ، ﻗﺎﻟﺖ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺇﻥ ﺍﻟﺨﺴﺎﺋﺮ ﺍﻟﻤﺒﺎﺷﺮﺓ ﻟﻠﻌﻤﻠﻴﺔ ﺍﻻﺳﺮﺍﺋﻴﻠﻴﺔ ﻓﻲ ﻏﺰﺓ تبلغ ﻤﺎ ﺑﻴﻦ 4 ﺇﻟﻰ 6 ﻣﻠﻴﺎﺭ ﺩﻭﻻﺭ، إضافة إلى التوقف عن الحياة اليومية الطبيعه في ظل صواريخ حماس، إلى جانب الانفاق العسكري واستدعاء الاحتياط.

(ظهور أساليب عسكرية جديدة): ظهرت أساليب عسكرية جديدة من حماس، وخصوصاً بعدما ﻛﺸﻔﺖ ﻛﺘﺎﺋﺐ ﺍﻟﺸﻬﻴﺪ ﻋﺰ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺍﻟﻘﺴﺎﻡ، ﺍﻟﺬﺭﺍﻉ ﺍﻟﻤﺴﻠﺢ ﻟﺤﺮﻛﺔ ﺍﻟﻤﻘﺎﻭﻣﺔ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ”ﺣﻤﺎﺱ“، ﻋﻦ ﺑﻨﺪﻗﻴﺔ ﻗﻨﺺ ﺑﻌﻴﺪﺓ ﺍﻟﻤﺪﻯ، ﻣﻦ ﺻﻨﺎﻋﺘﻬﺎ ﺑﺎﺳﻢ “ﻏﻮﻝ”. ﻭﻗﺎﻟﺖ ﺍﻟﻜﺘﺎﺋﺐ ﻓﻲ ﺑﻼﻍ ﻋﺴﻜﺮﻱ، ﺇﻥ ﺑﻨﺪﻗﻴﺔ ”ﻏﻮﻝ” ﺍﻟﻘﺴﺎﻣﻴﺔ “ﺫﺍﺕ ﻋﻴﺎﺭ ﻧﺎﺭﻱ 14.5 ﻣﻠﻢ” ، ﻣﺸﻴﺮﺓ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﻣﺪﻯ ﺍﻟﺮﺻﺎﺻﺔ ﺍﻟﻘﺎﺗﻠﺔ ﻟﻠﺒﻨﺪﻗﻴﺔ ﻳﺼﻞ ﺇﻟﻰ 2 ﻛﻠﻢ. ﻭﺃﻭﺿﺤﺖ ﻛﺘﺎﺋﺐ ﺍﻟﻘﺴﺎﻡ، ﺃﻧﻬﺎ ﺍﻃﻠﻘﺖ ﺍﺳﻢ ”ﻏﻮﻝ” ﻋﻠﻰ ﺑﻨﺪﻗﻴﺔ ﺍﻟﻘﻨﺺ، ﺗﻴﻤﻨﺎً ﺑﺎﺳﻢ ﺍﻟﺸﻬﻴﺪ ﺍﻟﻘﺎﺋﺪ ﻋﺪﻧﺎﻥ ﺍﻟﻐﻮﻝ. ﻭﻧﺸﺮﺕ ﺍﻟﻜﺘﺎﺋﺐ ﻓﻴﺪﻳﻮ ﻣﺼﻮﺭاً ﻳﻈﻬﺮ ﻓﻴﻪ ﺍﻟﺒﻨﺪﻗﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺒﻠﻎ ﻃﻮﻟﻬﺎ ﺯﻫﺎﺀ ﻣﺘﺮﻳﻦ، ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ ﺇﻟﻰ ﻋﺪﺩ ﻣﻦ ﻋﻤﻠﻴﺎﺕ ﺍﻟﻘﻨﺺ ﺍﻟﺘﻲ ﻧﻔﺬﻫﺎ ﻣﻘﺎﺗﻠﻮﻫﺎ ﻣﻨﺬ ﺑﺪﺀ ﺍﻟﻌﺪﻭﺍﻥ ﺍﻹﺳﺮﺍﺋﻴﻠﻲ ﺍﻟﻤﺘﻮﺍﺻﻞ ﻋﻠﻰ ﻗﻄﺎﻉ ﻏﺰﺓ ﻟﻠﻴﻮﻡ ﺍﻟﺴﺎﺑﻊ ﻭﺍﻟﻌﺸﺮﻳﻦ. وﺫﻛﺮﺕ ﺻﺤﻴﻔﺔ “ﻣﻌﺎﺭﻳﻒ” ﺍﻹﺳﺮﺍﺋﻴﻠﻴﺔ ﺃﻥ ﻋﻤﻠﻴﺔ “ﺍﻟﺠﺮﻑ ﺍﻟﺼﺎﻣﺪ» ﺍﻟﺘﻲ ﺷﻦ ﺧﻼﻟﻬﺎ ﺍﻟﺠﻴﺶ ﺍﻹﺳﺮﺍﺋﻴﻠﻲ في ﻋﺪﻭﺍﻧﻪ ﻋﻠﻰ ﻏﺰﺓ «ﺣﻘﻘﺖ ﻧﺠﺎﺣﺎﺕ ﻛﺜﻴﺮﺓ، ﻟﻜﻨﻬﺎ ﻟﻢ ﺗﻨﺘﻪ ﺑﺎﻟﻀﺮﺑﺔ ﺍﻟﻘﺎﺿﻴﺔ، ﻭﺷﺎﺑﻬﺎ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﻷﺧﻄﺎء”.

انتهاء الحرب: وفى نهاية الحرب وافقت إسرائيل على وقف شامل لكافة الأعمال العدائية ضد الفلسطينيين، ورفع كامل للحصار، ودخول كافة المساعدات الإغاثية والإنسانية دون تأخير من كافة المعابر، وكذلك المطالب المتعلقة بإطلاق سراح الأسرى من صفقة شاليط، والدفعة الرابعة من المعتقلين، على أن يتم بحث التنفيذ لاحقا، وأخيرا زيادة نطاق الصيد البحري في غزة الى اثني عشر ميلا بحريا حسبما نصت الورقة الفلسطينية.

أما المطالب التي رفضتها “إسرائيل” فتتمثل في إعادة فتح مطار غزة، وبناء ميناء بحري، وإعادة فتح الطريق البري بين غزة والضفة الذي كان قائما في الماضي. وكانت الحرب، التي انتهت باتفاق على وقف لإطلاق النار في 26 أغسطس/آب، قد أودت بحياة نحو 2200 فلسطيني معظمهم من المدنيين، بحسب الأمم المتحدة.

وعلى الجانب الإسرائيلي، قتل ما لا يقل عن 67 جنديا، بالإضافة إلى ستة مدنيين. وقد خاض الطرفان الإسرائيلي والفلسطيني ثلاثة حروب في ستة أعوام. وشدد الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون على أن “حلقة البناء والهدم التي شهدها القطاع خلال السنوات الماضية يجب أن تتوقف”. وتقول مراسلة بي بي سي في القاهرة، أورلا غيرين، إن إعادة إعمار غزة مرتبط بإسرائيل وسماحها بدخول ما يكفي من مواد البناء إلى القطاع. فيما شردت الحرب التي استمرت 50 يوما قرابة 100 ألف فلسطيني، كما ألحقت أضرارا بالغة بالبنية التحتية في القطاع.

(مؤتمر اعادة اعمار غزة بعد الحرب): قال وزير الخارجية الأمريكي جون كيري إن الوقت قد حان لوضع خطة سلام دائم تضمن الكرامة للفلسطينيين والأمن للإسرائيليين. وتعهدت الولايات المتحدة بتقديم 212 مليون دولار لإعادة إعمار القطاع. كما تعهدت كل من تركيا والإمارات بالمساهمة بـ 200 مليون دولار. وقالت مسؤولة السياسية الخارجية بالاتحاد الأوروبي كاثرين آشتون إن تبرعات الدول الأعضاء ستصل إلى 568 مليون دولار. وشارك في المؤتمر ممثلون لنحو 50 دولة ومنظمة دولية.

هذه المعركة هامة، ولها تغيرات استراتيجية هامة على الصعيد الفلسطيني، وأهمها:

  • انتصار معنوي للمقاومة الفلسطينية، حيث كان الصمود العسكري متميزاً والادارة العسكرية صادمة لإسرائيل، وخصوصاً أن لا وجه للمقارنة بين الإمكانات العسكرية بين الطرفين.
  • محاولات توضيح للجرائم الاسرائيلية فى المجتمع الدولي، وهو ماسبب إحراجا دوليا لإسرائيل.
  • كان هدف إسرائيل هو إضعاف المقاومة الفلسطينية فى غزة بصورة كبيرة، وليس القضاء الساحق عليها؛ لكي تبقى ذريعة للتدخل العسكري مرات عديدة في المستقبل، وهو مالم يحدث، حيث كان صمود وظهور المقاومة أفضل من التوقعات الإسرائيلية.

أما أهم النتائج على الصعيد الإسرائيلي، فكانت:

  • إثبات بشكل قاطع عدم تحمل اسرائيل للحروب طويلة الأجل، حيث لا يستطيع الشعب الإسرائيلي تحمل الطوارئ لأيام كثيرة.
  • إثبات الخلل في منظومة القبة الحديدية، وهو ما يعد كارثة عسكرية إسرائيلية.
  • التكاليف الاقتصادية العسكرية تؤثر بشكل كبير على الداخل الإسرائيلي.
  • إدراك أن إسرائيل تتعامل مع عدو يطور من نفسه، وأن المقاومة الفلسطينية يزيد دورها.

محمد محمود عبد الرحيم

باحث ومحاضر مصري

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق