المشروع الأمني الشامل في الأحواز: أهدافه وأبعاده ونتائجه، وكيفية مواجهته- الجزء الثاني

تبين الوثيقة أن هناك تهديدات وتحديات من شأنها أن تحول دون تطبيق هذا المشروع بشكل كامل وشملت هذه التهديدات والتحديات كما جاء بالوثيقة الجوانب الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية والأمنية حول حياة الإنسان الأحوازي.

واعتبرت الوثيقة أن التهديدات التي تواجه الاحتلال الفارسي في الأحواز على الصعيد الاجتماعي هي: اتساع حالة السخط والاحتقان بين الأحوازيين تجاه ممارسات الاحتلال الفارسي، وتصاعد الوعي الوطني بين الأحوازيين، وانتشار الصحوة الدينية (التسنن)، فضلا عن ارتفاع معدلات البطالة بين الأحوازيين التي تسببت في تعميق شعورهم بالإذلال والاضطهاد والازدراء، بالإضافة إلى هجرة الأحوازيين من القرى إلى المدن.

اتساع حالة الرفض والسخط الشعبي

وقد جاء في الوثيقة “إن حالة عدم الرضا ووجود بيئة ملائمة في ضواحي المدن والمناطق المتأزمة أدت إلى بروز أزمات الاجتماعية”. كما “أن ارتفاع معدلات الجرائم (السطو المسلح، القتل، الاختطاف، السرقة النزاعات القبلية) يهدد الأمن الاجتماعي في مدينة الأحواز العاصمة والمدن الكبرى”.

وتضيف الوثيقة “أن حالة الفقر والحرمان المنتشرة في ضواحي مدينة الأحواز العاصمة وباقي المدن التي تعتبر بؤرا للأزمات”، و”ارتفاع معدلات البطالة وتعاطي الإدمان بين الشباب في المناطق المستهدفة” تعتبر من التهديدات التي ستحول دون تحقيق هذا المشروع بشكله المطلوب. وما يثير الاستغراب أن جميع مهددات الأمن الاجتماعي في الأحواز التي أشارت لها الوثيقة سببها الاحتلال الفارسي وسياساته العدوانية، إذ إن ارتفاع معدلات البطالة وتعاطي المخدرات وانتشار الفقر والحرمان ونمو أحياء الصفيح كلها بسبب التمييز العنصري الذي يمارسه العدو الفارسي تجاه الشعب العربي الأحوازي.

في الوقت الراهن تدرك دولة الاحتلال الفارسية أن حالة الرفض والسخط الشعبي باتت تنتشر على نطاق واسع وأن استمرارها بهذه الوتيرة المضطردة سيوفر مناخا ملائما لثورة شعبية أحوازية في أي لحظة ضدها.

كما يعلم مسؤولو الاحتلال أن انتشار الحرمان، والفقر، والبطالة وتفشي المخدرات بمعدلات قياسية سيضاعف التهديدات التي تواجه دولة الاحتلال في الأحواز، لأنها تغذي شعورا نفسيا معاديا للاحتلال وسياساته، وستدفع الغالبية العظمى من الأحوازيين إلى كسر حاجز الصمت والخوف وإعلان الرفض والثورة ضد الاحتلال كما يحصل منذ عام 2005 م إلى يومنا هذا.

ويرى الاحتلال أن انتشار الجرائم تهدد الأمن والاستقرار في الأحواز العاصمة التي يسعى إلى تغيير تركيبتها الديمغرافية لصالح المستوطنين الفرس، إذ يعد غياب عنصري الأمن والاستقرار من العناصر الطاردة للمستوطنين في الأحواز، وفي نفس الوقت لا تشجع هجرة غير العرب إلى الأحواز بالنسبة للمستوطن الفارسي. وبالتالي قد تفشل المخططات الخبيثة التي يبتغي تنفيذها ضد الشعب الأحوازي. والمثير في الوثيقة أن العدو الفارسي وضع النزاعات القبلية بين بعض الأحوازيين من المهددات، متناسيا مخططاته الخبيثة المغذية لمثل هذه الصراعات التي بدأت تعطي نتائج عكسية وغير مخطط لها ضد مشروع الاستيطان في الأحواز.

وتدعو الوثيقة إلى “التعاون مع شيوخ القبائل والعشائر واستغلال نفوذهم بين الناس بهدف خلق الوئام بين الأقوام في الأحواز (المقصود العلاقات الاجتماعية بين الأحوازيين) وذلك بالتنسيق مع جهات مسؤولة في الدولة على رأسها الحرس الثوري”. بالإضافة إلى “إبراز الشخصيات الأحوازية الموالية للدولة الفارسية ونظام الملالي باعتبارها رمزا للأحوازيين”. وتهدف هذه المقترحات وعبر أدوات محسوبة على الأحوازيين إلى التصدي لنشاط الطبقة السياسية التي تواجه الاحتلال الفارسي وفي ذات الوقت إعطاء صورة مزيفة ومناقضة للواقع الأحوازي، باعتبار أن الشعب الأحوازي يتمتع بكامل حقوقه السياسية والاقتصادية ولا يعاني من التمييز العنصري.

وتطرح الوثيقة السرية حلولا أخرى من بينها “الترويج لثقافة التزاوج بين العرب والمستوطنين وتغطيتها إعلاميا بالتعاون مع الإذاعة والتلفزيون الرسمي”. وكذلك “الترويج لأسلوب العيش على الطريقة الفارسية بين الأحوازيين، ونشر الأفكار الإسلامية المتطابقة مع رؤية خامنئي”.

وتعد هذه الحلول من أخطر ما يواجهه الشعب الأحوازي في الوقت الراهن إذ أنها تهدف إلى مسخ هويته وصهرها والقضاء على ثقافته العربية، تزامنا مع نشر الثقافة الفارسية ودعمها وتثبتها في الأحواز، وهذا منطق يخاف العقل البشري المؤمن بمبادئ الدين الإسلامي وقيم الديمقراطية وحقوق الإنسان.

ومن أجل فرض حالة أمن يخدم الاحتلال في المناطق المستهدفة والقضاء على التحركات المعادية له، تقترح الوثيقة “تحديث الطرق والشوارع داخل الأحياء في المدن والمناطق المستهدفة لتسهيل عملية فرض السيطرة وكذلك نصب كاميرات مراقبة”. ويأتي هذا المقترح بعد ما واجهت قوات الاحتلال الفارسي صعوبة كبيرة في السيطرة على بعض المناطق عند اندلاع الاحتجاجات أو في أثناء تنفيذ المقاومة الوطنية الأحوازية عمليات عسكرية ضد مؤسسات الاحتلال ومراكزه، لأن هذه الشوارع غير معبدة وضيقة ومظلمة. لذلك شرعت قوات الاحتلال بنصب كاميرات مراقبة في أغلب شوارع المدن المستهدفة وفي الأحياء السكنية بالإضافة إلى إضاءتها ليس من أجل تقديم خدمة للمواطن الأحوازي بل من أجل القضاء علي خصوصيته وتذويب هويته بطريقة ناعمة وباسم تقديم الخدمات لهم.

توترات قومية ونشاط عقدي

أقرت الوثيقة “بوجود نشاطات وتوترات ذات طابع قومي في ضواحي المدن والمناطق المتأزمة مثل: الأحواز العاصمة، الخفاجية، الفلاحية، السوس، تستر، عبادان، المحمرة، معشور، الحميدية، ملا ثاني، كوت عبد الله، الخلفية”. إذ لم يعد بوسع الاحتلال أن يخفي الحقائق كما في السابق، وقد أصبح يجهر بوجود توتر أمني على خلفية نشاطات قومية وعروبية في أغلب مناطق شمال الأحواز.

وتشير الوثيقة إلى أن الحل الأمثل لمواجهة هذا التحدي يكمن في “نشر قوات الأمن والباسيج والحرس الثوري في ضواحي المدن لمواجهة الأشخاص الذين يحاولون الإخلال بالأمن العام”، تزامنا مع “العمل على طريقة تثقيف فعالة من خلال استغلال إمكانية المدارس والجوامع ومقرات الباسيج، وعبر شخصيات نافذة في المناطق المستهدفة للحد من التصرفات العدوانية” حسب تعبير أصحاب المشروع. و”تعزيز قدرات قوات التعبئة لتنفيذ برامج ثقافية في المناطق المستهدفة بغرض استقطاب الشبان الأحوازيين والتأثير على أفكارهم حتى يستتب الأمن والاستقرار” لصالح الاحتلال الفارسي والمستوطنين. وما جاء في هذه الفقرات من الوثيقة يؤكد أن العدو الفارسي لحد الآن فشل نسبيا في مواجهة مد الفكر المقاوم وعمليات المقاومة الوطنية الأحوازية. لذلك يقترح أصحاب المشروع عبر هذه الوثيقة مضاعفة قوات الأمن والجيش في المدن والأحياء تزامنا مع تكثيف النشاط الثقافي الداعم للفكر الصفوي والاحتلال وذلك عبر أدوات تحسب على الأحوازيين ولكنها تنتهي للاحتلال وتؤمن به وبمشروعه.

وتشير الوثيقة إلى “انتشار مشاكل وتحركات عقدية وثقافية مثيرة للشك عبر الوسائل الإعلام المرئية والمكتوبة”. وأن الحل يكمن في “نشر الأفكار المذهبية عبر شخصيات نافذة والمؤسسات المعنية (دائرة الدعوة الإسلامية، جوامع، دائرة الثقافة والإرشاد، قوات الباسيج).

وقد شكلت ظاهرة التسنن وتصحيح العقيدة في الأحواز تحديا جديدا يضاف إلى سائر التحديات الأخرى بالنسبة للدولة الفارسية، إذ لعبت القنوات الدينية ولا سيما قناتي وصال وصفا دورا محوريا في هذا الإطار، مما جعل الاحتلال الفارسي يعترف بتأثيرها على الإنسان الأحوازي. في أوقات سابقة اعتبر عضو مجلس خبراء القيادة محسن حيدري، بأن شمال الأحواز يشكل الخط الأمامي لمواجهة الوهابية (أهل السنة والجماعة) في الدولة الفارسية والمناطق الخاضعة لسيطرتها. ومرة أخرى يتضح للأحوازيين والمراقبين أن تصحيح العقيدة وتغيير المذهب يخلق تحديات جمة للعدو الفارسي، إذ يضيف تناقضا جديدا للتناقضات الموجودة بين الشعب العربي الأحوازي والشعب الفارسي ويقطع أي علاقة مزيفة بين الشعبين، وعلى المدى الاستراتيجي لا يمكن خلق حالة وئام بينهما. كما تفضح هذه الوثيقة العدو الفارسي وتؤكد أنه لم يطبق المادة الثالثة والعشرين من دستور “الدولة” بل يعمل نقيضها، حيث تمنع هذه المادة التدخل في عقائد الناس ولا تحظر محاسبتهم بسبب اعتناق عقيدة معينة.

النشاط الأحوازي تخطى التعتيم الإعلامي

وتعترف الوثيقة ضمنيا أن الأحوازيين تمكنوا من كسر حواجز التعتيم الإعلامي المفروض عليهم منذ عقود وذلك من خلال “توظيف تقنيات العالم الافتراضي (الانترنت) في ذكرى انتفاضة 15 نيسان، وشهر رمضان، وعيدي الفطر والأضحى من قبل “المعاندين والمناهضين” للدولة الإيرانية (النشطاء الأحوازيين)”.

كما تقر الوثيقة بـ “اتساع رقعة النشاط المناهض للنظام داخليا وخارجيا في العالم الافتراضي”. وتضيف أن “برامج القوى والمنظمات المعاندة والمناهضة للدولة الإيرانية على الصعيد السياسي واستغلالها لقضية الحرمان والفقر وحالة عدم الرضى عند الناس” قد تركت أثرها. وهذا إقرار من العدو الفارسي بقوة وتأثير الإعلام الأحوازي على الرغم من إمكانياته المتواضعة.

ولا يمكن تغييب دور الإعلام العربي ولاسيما الخليجي منه في فضح جرائم وانتهاكات الدولة الفارسية عبر تسليط الضوء على معاناة الشعب العربي الأحوازي وتغطية أحداثه اليومية، الأمر الذي دفع مسؤول الإعلام الرسمي الفارسي لقوات الباسيج في الأحواز عادل نوروزيان في وقت سابق بأن يهاجم الإعلام العربي وبشكل خاص السعودي منه واتهمه بتحريض الأحوازيين على مواجهة الدولة الفارسية ووصف التعاون الإعلامي العربي- الأحوازي بالخطير والمؤثر.

ضرورة تغيير التركيبة السكانية لصالح المستوطنين الفرس

وتقر الوثيقة أن “الإهمال في إعادة إعمار المناطق المدمرة إثر الحرب الإيرانية-العراقية، وغياب الإجراءات اللازمة المشجعة لعودة النازحين من المدن الكبيرة إلى ديارهم ساهمت في بقائهم في هذه المدن الكبيرة”، حيث أدرجت الوثيقة هذا الأمر من ضمن الأسباب التي حافظت على الطابع العربي للمدن الأحوازية ما يعد تهديدا للأمن القومي الفارسي. وفي هذه الفقرة يتضح لمن يتابع سياسات الدولة الفارسية أنها لا تريد فرض حالة الأمن والاستقرار من أجل حياة أفضل للشعب العربي الأحوازي بل تريد القضاء على هويته العربية لأنها تراها تهديدا لأمنها القومي وتسعى جاهدة للقضاء عليها وعلى مكوناتها ومسخها. لذلك لا يمكن التعاطي مع هذه العقلية الفارسية من منطق سياسي وفن الممكنات لأنها مبدئيا تعتبر الأحوازي عدوا وتهديدا لوجودها فلا يمكن التوصل معها لحلول ترضي الشعب الأحوازي وتعبر عن طموحاته.

ولمواجهة هذا التهديد اقترحت الوثيقة عددا من الحلول المضرة بمصلحة الشعب الأحوازي مثل”حض الفرس من الأقاليم الأخرى للهجرة إلى الأحواز من أجل تغيير التركيبة السكانية وذلك عبر توفير فرص عمل دائمة لهم مع كل ما يستلزم من خدمات أخرى” و”إنشاء مجمعات سكنية من أجل توطين غير العرب فيها”.

وهذه المقترحات يمكن لمس تطبيقها منذ سنوات إذ إن مشاريع الاستيطان الفارسي على أرض الأحواز عديدة ومن أخطرها مشروع مهر الاستيطاني، الذي يعد من المشاريع العملاقة وتشرف عليه وزارة “الإسكان وبناء المدن”، وقد أوكلت  تنفيذه إلى مؤسسة “بنياد مسكن انقلاب اسلامي”.

ونفذت مؤسسة “بنياد مسكن انقلاب اسلامي” المشروع بطريقتين: الطريقة الأولى تشمل بناء مدن جديدة خارج المدن القديمة، أما الطريقة الثانية تشمل بناء وترميم وحدات سكنية في المدن القديمة ويطلق عليها الأحوازيون اسم البؤر الاستيطانية المتناثرة.

ولحد الآن شيدت مؤسسة “بنياد مسكن انقلاب اسلامي” مستوطنتين ضخمتين في شمال الأحواز، وهما “شيرين شهر” في غرب الأحواز و”رامين” شرق الأحواز. حيث أنشأت دولة الاحتلال الفارسية أكثر من 110 آلاف وحدة استيطانية تحت إطار مشروع مهر بما فيها مستوطنتي رامين وشيرين شهر، ومن أجل هذا المشروع تم اغتصاب آلاف الهكتارات من أفضل الأراضي الأحوازية.

والمشروع الاستيطاني الآخر الذي لا يقل خطورة عن مشروع مهر هو “توطين القبائل اللورية والبختيارية في شمال الأحواز فقد كشفت دراسة أعدتها لجنة البحوث والدراسات في حركة النضال العربي لتحرير الأحواز في أيلول عام 2014، أن عدد المستوطنين الذين جاؤوا إلى الأحواز عبر هذا المشروع حوالي مليون ومئة ألف مستوطن.

وفي آخر احصاء لعدد العشائر غير العربية الرحالة في عموم جغرافيا ما تسمى بإيران في عام 2008، تبين أن 179 ألفا منهم عبر دعم حكومي وممنهج استوطنوا الأحواز في 500 مستوطنة من المناطق الجبلية (مناطق شعب سليمان، إنشان، عروة، عنبر، الرباط)، تستر، القنيطرة، السوس، أرجان، رامز، الصالحية، رأس البحر. كما تمّ في إطار مشروع مؤسسة بركت (بركة) في عام 2014 توطين 8000 عائلة من قبائل البختيارية واللورية لحد الآن في أرياف مناطق الصالحية، أرجان، تستر، القنيطرة، السوس. بالإضافة إلى ذلك أعلنت دولة الاحتلال في يونيو من عام 2015 عن خطة لتوطين نحو 10 آلاف و500 عائلة من القبائل الفارسية في أنحاء مختلفة من شمال الأحواز العربية.

لجنة الدراسات والبحوث/ حركة النضال العربي لتحرير الأحواز

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق