المسؤولية الجنائية الدولية للأسد

شهد القرن العشرون، اهتماماً قانونياً تأصيلياً بالجرائم التي ترتكب في حق البشرية، ونتيجة اتساع حجم تلك الجرائم، كان لابد من تحديد المسؤولين عن اتخاذ القرارات بارتكابها، وعن منفذيها، ليذهب الفقه الدولي، إلى تحميل القادة (العسكريين والمدنيين) الجزء الأعظم من تلك المسؤولية، وإنشاء محاكم خاصة بذلك.

إلا أن مساءلة القادة عن تلك الجرائم، بمن فيهم رؤساء دول، أثارت إشكالية التصادم مع مبدأ السيادة الوطنية الذي نصت عليه القوانين الدولية، وكانت مبرراً لبعض الدول في التمادي بارتكاب جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية، متذرعة بمبدأ السيادة.

ورغم أن سيادة الدولة تعني مساواتها مع الدول الأخرى وتحكمها في مواردها وقراراتها، إلا أنه السيادة ليست مفهوماً مطلقاً كما حُدِّد بعد وستفاليا، إذ غدا القانون الدولي والانضمام إلى المنظمات الدولية وعلى رأسها الأمم المتحدة عاملاً في تقييد تلك السيادة بالقانون الدولي، ومنه القانون الدولي الإنساني، وانتقل مفهوم السيادة من السيادة كسيطرة إلى السيادة كمسؤولية، وهي:

–      الدولة مسؤولة عن سلامة مواطنيها وحماية أرواحهم.

–      السلطات السياسية للدولة مسؤولة أمام مواطنيها داخلياً، وأمام المجتمع الدولي وخارجياً من خلال الأمم المتحدة.

–      موظفو الدولة مسؤولون عما يقومون به من فعل وترك.

كما أن السيادة المنصوص عليها في النظام الدولي القائم، هي سيادة منقوصة في حالات الإخلال بالسلم والأمن الدوليين، أو انتهاك حقوق الإنسان، أو في حال أغلبية دولية على قرار ما. إضافة إلى علو القانون الدولي على القانون الوطني الداخلي.

وقد توجّه موضوع المساءلة الجنائية للقادة، نحو المساءلة في الجرائم التي تخل بالسلم والأمن الدوليين، والتي تم تحديدها بجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، والتي تم تقنينها عبر ما عرف بالقانون الدولي الإنساني. ويمكن تعريف القانون الدولي الإنساني بأنه: “قواعد القانون الدولي التي تستهدف في حالات النزاع المسلح حماية الأشخاص الذين يعانون ويلات هذا النزاع، وكذا حماية المباني والممتلكات التي ليس لها علاقة مباشرة بالعمليات العسكرية. أي أنه يشمل المبادئ والقواعد التي تحد من استخدام العنف غير المبرر أثناء النزاعات المسلحة”. وبالتالي فإن جرائم الحرب بصفة عامة هي كل انتهاك لقوانين وأعراف الحرب، خاصة عندما ترتكب في إطار خطة عامة وسياسية مرسومة واسعة النطاق.

فجريمة الحرب، هي الجريمة التي يكون ضحيتها الأشخاص الذين يتمتعون بحماية القانون الدولي الإنساني (اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949، ونظام لاهاي لعام 1907، ..)، وهي الجرائم التي ترتكبها سلطات الاحتلال في حق الشعوب المستعمرة.

أما الجرائم ضد الإنسانية، فهي تلك التي تقع خلال شن هجوم واسع النطاق أو منهجي، يستهدف مجموعة من السكان المدنيين، فهي وفقاً لبيار ترويش “تلك التي تنفذ بصفة منهجية (غالباً –وليس بالضرورة- ما تُبرَّر إيديولوجياً) وقسرية تجاه مجموعة بشرية معينة (لأسباب عرقية، دينية، ..)، تنتفي معها كرامة أي فرد من أفرادها، وتلغي انتماءهم إلى الجنس البشري”، وهي الحالات المعرفة بالفصل السابع من نظام روما.

وتتنوع أشكال ودرجات جرائم الحرب، لتشمل ضحايا مدنيين وعسكريين، وتمتد تبعاتها إلى كيفية التعامل مع الأوضاع الناجمة عن الجرائم المرتكبة، مثل النزوح، والإبادة والانتهاكات الإنسانية.

وقد نصت اتفاقية جنيف لعام 1949، باعتبارها من أهم المراجع القانونية الدولية، على الجرائم التالية كجرائم حرب:

–      القتل العمد، التعذيب، التجارب البيولوجية، إحداث آلام كبرى مقصودة، الاعتداءات الخطيرة ضد السلامة الجسدية والصحية، المعاملة غير الإنسانية.

–      تخريب الأموال والاستيلاء عليها بصورة لا تبررها الضرورات العسكرية، والتي تنفذ على نطاق واسع غير مشروع وتعسفي، التدمير العشوائي للمدن والقرى.

–      إكراه شخص على الخدمة في القوات العسكرية لدولة العدو، حرمان شخص محمي من حقه في محاكمة قانونية وحيادية، إبعاد الأشخاص ونقلهم من أماكن وجودهم بصورة غير مشروعة، الاعتقال غير المشروع، أخذ الرهائن.

–      سوء استخدام علم الصليب الأحمر أو شاراته، والأعلام المماثلة.

ومن الجرائم أيضاً:

–      تعمد توجيه هجمات ضد السكان المدنيين.

–      تقرير شن هجوم مع العلم أنه سيسفر عن ضحايا في المدنيين.

–      تعمد شن هجمات على مواقع غير عسكرية.

–      تعمد شن هجمات على موظفين مستخدمين أو منشآت أو مواد أو وحدات أو مركبات مستخدمة في مهام المساعدة الإنسانية.

–      تعمد توجيه هجمات ضد المباني المخصصة للأغراض الدينية والتعليمية والآثار والمستشفيات، على ألا تكون أهدافاً عسكرية.

–      تعمد توجيه هجمات ضد المباني والمواد والوحدات الطبية ووسائل النقل والأفراد.

ومنها أيضاً:

–      استغلال وجود شخص مدني أو أشخاص آخرين متمتعين بحماية لإضفاء الحصانة من العمليات العسكرية على نطاق أو مناطق أو قوات عسكرية معينة.

–      تعمد تجويع المدنيين. أو حرمانهم من المواد التي لا غنى عنها لبقائهم.

ومنها:

–      استخدام أسلحة محظورة.

–      الجرائم الجنسية.

–      إخضاع الأشخاص للتشويه البدني، أو إجراء علميات جراحية لغير صالحه.

–      إلغاء حقوق الطرف الآخر.

–      إجبار رعايا الطرف الآخر على المشاركة في عمليات عسكرية.

–      النهب.

–      الاعتداء على الكرامة.

–      تجنيد الأطفال دون 15 سنة.

–      الإعدام دون محاكمة.

وقد تتم المساءلة عبر عدة أشكال من المحاكمات، وأوضح تلك الحالات:

–      حالات أنشأت لها محاكم خاصة.

–      حالات أحيلت إلى محكمة الجنايات الدولية.

–      حالات لم يتم النظر فيها.

–      إنشاء محاكم مختلطة.

–      إنشاء لجان خاصة بمنح التعويضات لضحايا الانتهاكات.

وغالباً ما تتباين أسباب إنشاء المحاكم الدولية أو المختلطة، فقد ينهار النظام القضائي تماماً نتيجة لنزاع أهلي، أو فوضى داخلية طويلة. وفي حالات أخرى قد لا ينهار النظام الوطني القضائي، بيد أن القضاة ذاتهم لا يستطيعون تحقيق العدالة بفعالية نتيجة الاضطرابات الحاصلة، خاصة أثناء ارتكاب جرائم دولية. وكذلك حين تتشعب عناصر الجريمة في أكثر من دولة واحدة.

وقد تمنح الأنظمة الوطنية عفواً عن مرتكبي الجرائم الدولية، أو أنها غير راغبة، أو غير قادرة على مقاضاة هؤلاء المجرمين. وفي حالات كثيرة ثبت إما انحياز أو عدم استقلال المحاكم الوطنية، وفي حالات أخرى، يكون من المستحيل أن تقوم هذه المحاكم الوطنية بتحريك دعوى جنائية في القضايا التي تتورط فيها الدولة وأجهزتها وموظفوها الرسميون في ارتكاب جرائم معينة، أهمها الجرائم السياسية.

لذا أصبحت محكمة الجنايات الدولية، المرجع الدولي الأول للتحقيق والمحاكمة في الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب. ففي 17/7/1998 وافق مؤتمر الأمم المتحدة الدبلوماسي المنعقد بمقر منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة في روما، على النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، وفي 1/7/2002، دخل هذا النظام حيز التنفيذ، بعد أن قامت 60 دولة بالتصديق على النظام الأساسي.

وتحقق هذه المحكمة في:

–      الإبادة الجماعية.

–      الجرائم ضد الإنسانية.

–      جرائم الحرب.

–      جريمة العدوان.

وتمارس اختصاصها في حال:

–      أحالت دولة طرف إلى المدعي العام حالة يبدو فيها أن جريمة أو أكثر من هذه الجرائم قد ارتكبت.

–      أحال مجلس الأمن متصرفاً بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة حالة إلى المدعي العام.

–      إذا كان المدعي العام قد باشر تحقيقاً بجريمة من هذه الجرائم.

وقد اعترف مجلس الأمن في حالة تبني النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية برواندا، بإقرار المسؤولية الدولية عن جرائم الحرب المرتكبة في المنازعات المسلحة غير الدولية، وهو ما انساق إلى محكمة الجنائيات الدولية الخاصة بيوغسلافيا. ومن ثم في النظام الأساسي لمحكمة الجنايات الدولية.

وقد ارتبط موضوع المساءلة الجنائية الدولية، بموضوع حماية المدنيين، وبالتالي التدخل العسكري. فالتدخل العسكري لأهداف إنسانية لا بد أن يكون ضمن إجراءات الأمم المتحدة وليس منفرداً، فنبل الغاية لا يبرر خرق القوانين الدولية. أي أن أشكاله هي:

–      تدخل إنساني دولي جماعي بتفويض من مجلس الأمن.

–      تدخل إنساني إقليمي تضطلع به منظمة إقليمية مع مراعاة أحكام ميثاق الأمم المتحدة.

–      تدخل إنساني أحادي دون تفوض من مجلس الأمن (دولة أو عدة دول).

ومن شروط الاستخدام القسري للقوة في حالات التدخل الإنساني:

–      استنفاد كافة الوسائل غير العسكرية.

–      وصول أوضاع حقوق الإنسان في الدول المستهدفة بالتدخل درجة من الخطورة لا تجدي معها الوسائل غير العسكرية.

–      أن يكون لهذا التدخل فرصة كبيرة لإنهاء أو الحد من هذه الانتهاكات.

–      أن يكون هناك تناسب بين الوسائل العسكرية المستخدمة والمواقف التي تواجهها.

–      تعهد واضح من قبل الدول المتدخلة بالحماية المباشرة للمدنيين.

إن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، لا تسقطان بالتقادم أو العفو، والدولة التي أمرت بارتكاب الجرائم الدولية مسؤولة مسؤولية مدنية بموجب قواعد مسؤولية الدولة. وعلاوة على ذلك، فالقادة سياسيين كانوا أو عسكريين، مسؤولون جنائياً أيضاً عن كافة أشكال المساهمة الجنائية في ارتكاب هذه الجرائم.

وهناك أشكال متعددة لهذه المسؤولية، منها:

–      اتخاذ قرار بارتكاب الجريمة، والمساهمة فيها بشكل شخصي.

–      اتخاذ قرار بارتكاب الجريمة، وتيسير ارتكابها، دون المساهمة فيها بشكل شخصي.

–      القدرة على اتخاذ قرار بمنع ارتكاب الجريمة، والامتناع عن اتخاذ هذا القرار.

–      اتخاذ قرار بمنع ارتكاب الجريمة، وامتلاك القدرة على تنفيذه، ووقوع الجريمة، دون أن يقوم القائد بمحاسبة من قام بها.

–      اتخاذ قرار بمنع ارتكاب الجريمة، وعدم القدرة على تنفيذه.

–      عدم اتخاذ أي قرار، ووقوع الجريمة، دون أن يقوم القائد بمحاسبة من قام بها.

وتتحدد مسؤولية بشار الأسد، من خلال كونه:

–      رئيساً للدولة.

–      القائد العام للقوات المسلحة فيها.

–      على علم بكل ما جرى خلال أعوام الثورة في بلاده، كون وسائل الإعلام نقلت له وللعالم صوراً مباشرة عن تفاصيل الأحداث داخل سورية.

–      وكونه أقر عبر مجموعة من اللقاءات الصحفية والمؤتمرات عن مسؤوليته المباشرة والأولى عن كل ما يجري في سورية.

ويتحدد مستوى مسؤوليته، وفقاً للأشكال التالية:

–      اتخاذ القرار بارتكاب الجرائم، من خلال قيادته السياسية للقوات المسلحة، وتوجيهها من خلال أوامر صادرة عنه بشكل مباشر، وذلك واضح من خلال خطبه ذات التوجه العسكري لتصعيد استخدام القوة في قمع الاحتجاجات الشعبية من جهة، ولمواجهة الثورة المسلحة من جهة أخرى.

–      القدرة على اتخاذ قرار بمنع ارتكاب الجرائم الحاصلة، والامتناع عن ذلك.

أما عن الجرائم المرتكبة في سورية على يد قوات حكومة الأسد، فيمكن تصنيفها في مجموعتين، وهي واضحة لكل متابع للشأن السوري:

–      المجموعة الأولى، الجرائم ضد الإنسانية، وهي التي ارتكبتها وترتكبها قوات الأسد، تجاه المدنيين السوريين منذ آذار 2011.

–      المجموعة الثانية، وهي جرائم الحرب التي ترتكبها هذه القوات في حق قوات المعارضة المسلحة.

فبدراسة الجرائم التي ارتكبتها هذه القوات، يلاحظ أولاً منهجية ارتكاب الجرائم منذ بدايتها، وثانياً اتساعها لتشمل معظم الجرائم المصنفة في القانون الدولي على أنها جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، ومنها على سبيل المثال لا الحصر:

–      القتل العمد، التعذيب، إحداث آلام كبرى مقصودة، الاعتداءات الخطيرة ضد السلامة الجسدية والصحية، المعاملة غير الإنسانية.

–      تخريب الأموال والاستيلاء عليها بصورة لا تبررها الضرورات العسكرية، والتي تنفذ على نطاق واسع غير مشروع وتعسفي، التدمير العشوائي للمدن والقرى.

–      إكراه الأشخاص على الخدمة في القوات العسكرية، حرمان شخص محمي من حقه في محاكمة قانونية وحيادية، إبعاد الأشخاص ونقلهم من أماكن وجودهم بصورة غير مشروعة، الاعتقال غير المشروع، أخذ الرهائن.

–      سوء استخدام علم الصليب (الهلال) الأحمر أو شاراته، والأعلام المماثلة.

–      تعمد توجيه هجمات ضد السكان المدنيين.

–      تقرير شن هجوم مع العلم أنه سيسفر عن ضحايا في المدنيين.

–      تعمد شن هجمات على مواقع غير عسكرية.

–      تعمد شن هجمات على موظفين مستخدمين أو منشآت أو مواد أو وحدات أو مركبات مستخدمة في مهام المساعدة الإنسانية.

–      تعمد توجيه هجمات ضد المباني المخصصة للأغراض الدينية والتعليمية والآثار والمستشفيات، على ألا تكون أهدافاً عسكرية.

–      تعمد توجيه هجمات ضد المباني والمواد والوحدات الطبية ووسائل النقل والأفراد.

–      استغلال وجود شخص مدني أو أشخاص آخرين متمتعين بحماية لإضفاء الحصانة من العمليات العسكرية على نطاق أو مناطق أو قوات عسكرية معينة.

–      تعمد تجويع المدنيين، أو حرمانهم من المواد التي لا غنى عنها لبقائهم.

–      استخدام أسلحة محظورة.

–      الجرائم الجنسية.

فبتحديد مسؤولية الأسد المباشرة، ومستوى هذه المسؤولية، وتحديد الجرائم التي تم ارتكابها على يد قواته، أصبح لزاماً تحويل الأسد إلى محكمة الجنايات الدولية، بعد توضح كافة المعطيات أمام أي فريق تحقيق مكلف بالبحث في الشأن السوري، غير أن تحويل ملف الأسد إلى محكمة الجنايات الدولية، يواجه بعض المعضلات، ومنها:

–      سورية دولة غير عضو في نظام روما، مما يعيق على أية دولة عضو أخرى التقدم بدعوى ضد الأسد أمام المحكمة.

–      لن تقدم الحكومة السورية الحالية، كونها تابعة للأسد، بتقديم دعوى ضد ذاتها أمام هذه المحكمة.

–      وكون إحالة الملف من قبل مجلس الأمن، تتطلب موافق 9 أعضاء من أعضائه، فطالما اعترض الفيتو الروسي والصيني جهود مجلس الأمن لتحميل المسؤولية المباشرة للأسد عما يجري في سورية، أو اتخاذ أي قرار إدانة له.

–      ليتبقى خيار قيام المدعي العام للمحكمة بمباشرة تحقيق في هذه الجرائم، وتبقى صلاحياته رهناً بالإرادات السياسية الدولية.

وتتوافق قرارات المحاكم الدولية مع القانون الدولي، وليس مع القوانين المحلية، فلا وجود لحكم الإعدام في هذه المحاكم، ويعتبر أعلى حكم اتخذته المحكمة الجنائية الدولية التابعة ليوغسلافيا السابقة، هو الحكم بالسجن المؤبد على الجنرال الصربي السابق زدرافكو توليمير وذلك لارتكابه جرائم إبادة ضد الإنسانية.

في وقت لا يمكن للمحاكم الوطنية السورية البحث في هذه الجرائم، لعدم استقلاليتها وتبعيتها لنظام الأسد، ويمكن اعتبار الجرائم الحاصلة في سورية، متشعبة في أكثر من دولة، سواء لناحية وقوع ضحايا لهذه الجرائم خارج الحدود السورية، أو لتعدد جنسيات الضحايا، ولتعدد جنسيات المساهمين في ارتكاب الجرائم، لذا فإن المحاكم الوطنية السورية غير قادرة حالياً على البت في هذه الجرائم، وغير قادرة بعد سقوط النظام الأسدي على البت في جزء منها، وخاصة فيما يتعلق بملاحقة الجناة غير السوريين. في المقابل فإن القانون الجنائي السوري ينص على عقوبة الإعدام في جرائم مماثلة.

وفي حال استمرار الإخفاق الدولي في ملاحقة الأسد عبر المحاكم الجنائية الدولية حالياً، وعدم قدرة المحاكم السورية على النظر في هذه القضايا، إلى حين سقوط نظام الأسد، وتغير السلطات الحاكمة في سورية، فإنه قد يبدو من المناسب أكثر للوضع السوري، إنشاء محكمة خاصة بسورية (على غرار المحكمة الخاصة باغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري)، بقرار دولي تحت الفصل السابع، يتيح ملاحقة المجرمين من كافة الدول، ويحق لكافة الدول طرح دعواها أمامها، فيما يكون الأولية فيها للقانون الوطني السوري، في محاكمة من تثبت إدانتهم.

وحيث أخفق المجتمع الدولي في تحويل ملف الأسد إلى محكمة الجنايات الدولية، نتيجة الإرادات والمصالح الدولية، فإن من المنطقي أن يخفق كذلك في تدخل إنساني يوقف تلك الجرائم، عبر تفويض من مجلس الأمن، نتيجة الفيتو الروسي والصيني. وعجز المنظمات الإقليمية عن القيام بدورها المناط بها في ذلك. في حين تفتقر أية دولة منفردة (باستثناء الولايات المتحدة) القدرة على التدخل الأحادي، ولم يتشكل حلف عسكري قادر على القيام بهذه المهمة، دون تفويض من مجلس الأمن، لعدم رغبة تلك الدول في التدخل حالياً، ولتطابق كثير من مصالحها مع حالة الحرب القائمة في سوريا.

فشروط الاستخدام القسري للقوة في حالات التدخل الإنساني، قد توافرت في الحالة السورية، لناحية استنفاد كافة الوسائل غير العسكرية. ووصول أوضاع حقوق الإنسان في سورية درجة من الخطورة لا تجدي معها الوسائل غير العسكرية. كما يعتبر أي تدخل عسكري خارجي في سورية فرصة كبيرة لإنهاء أو الحد من هذه الانتهاكات.

وتبقى المهمة الأكبر على عاتق الإتلاف الوطني السوري المعارض، وكافة القوى المعارضة، الدفع نحو برنامج تدخلي سياسي وقضائي وعسكري دولي، يكون قادراً على إيقاف جملة الجرائم التي باتت ترتكب بشكل يومي ممنهج في سورية، على يد قوات الأسد، والحرص على ملاحقة كافة المتورطين والمتهمين في تلك الجرائم، حتى لو تمت تسوية سياسية تؤمن ملاذاً لبعض منهم، فإلقاء القبض على هؤلاء المجرمين ومحاكمتهم، هو جزء أصيل من العملية الانتقالية في سورية، وتأمين العدالة لكل من تضرر من نظام الأسد طيلة الأعوام الماضية، وخاصة في أعوام الثورة، بل هو الركن الأصيل في مفهوم العدالة الانتقالية.

عبد القادر نعناع

كاتب وباحث سوري

نقلاً عن مركز المزماة للدراسات والبحوث 

الوسم : الأسدسورية

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق