المرأة الإيرانية: بين التمييز والاعتداء على الحقوق

أصدر المنتدى الاقتصادي العالمي في شهر إبريل/نيسان الفائت، مؤشراً جديداً لقياس مستوى أوضاع المرأة في 142 دولة، وهو “مؤشر احترام المرأة”، ضمن عديد من المؤشرات الخاصة بدراسة الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في تلك الدول.

واللافت في هذا المؤشر لعام 2014، تصدر الدول الخليجية لقائمة الدول الأكثر احتراماً للمرأة في العالم، حيث حلت دولة الإمارات في المركز الأول عالمياً، تلتها الكويت في المركز الرابع، والسعودية في المركز الثامن عالمياً. في دلالة على انسياق الثقافة المجتمعية والقوانين المرعية تجاه المرأة في هذه الدول مع القوانين الدولية، واتساع الثقافة الخليجية للتطورات العالمية، باتجاه ترسيخ مزيد من الحريات الفردية فيها (1).

حيث تعتبر دولة الإمارات الأولى في العالم في التحاق الإناث بالتعليم العالي وبنسبة 95%، كما أن 66% من مجموع الوظائف في القطاع الحكومي تشغلها المرأة، وتبلغ نسبة التحاق النساء في السلك الدبلوماسي والمناصب العليا 30%، وأن 70% من خريجي الجامعات الإماراتية من النساء (2).

كما حلّت دولة الإمارات، وفق مؤشرات المنتدى، في المركز الأول عالمياً في قلة جرائم القتل وقلة جرائم العنف، والأول عالميا أيضاً في مستويات الالتحاق بالتعليم الثانوي، والأول عالمياً في قلة مستويات سوء التغذية لدى الأطفال، والأول عالمياً أيضاً في نسبة انتشار الهاتف المتحرك.

فيما احتلت إيران المرتبة على مستوى احترام المرأة، المرتبة الخامسة والخمسين عالمياً في مكانة متوسطة بين الدول المدروسة، بعد أن كانت تمثل أبرز النماذج غير الغربية في احترام حقوق المرأة إبان حكم الشاه، حيث أرسى نظام الشاه مجموعة قوانين اعتبرت مكسباً علمانياً، وطّد حينها مفاهيم المساواة والحرية، وأعان المرأة على الخروج من ربقة النظام الاجتماعي المتخلف، والانتقال بها إلى مصاف متقدمة، وهو أول ما سعى نظام الملالي إلى تفكيكه وإعادته إلى صور ما قبل حداثية، رغم محاولته إبراز نماذج منتقاة للمرأة في إيران، تنساق مع الإطار الأيديولوجي للنظام السياسي.

وقد سبق وأن تطرقنا في بحث سابق في مركز المزماة، إلى أوضاع السجينات من النساء (3)، والانتهاكات التي يتعرضن لها على يد النظام السياسي، وتأتي هذا الدراسة لتوسيع إطار البحث في شؤون المرأة الإيرانية، وتبيان حالة التدهور التي لحقت بهن طيلة عقود الثورة الخمينية.

أولاً- مظاهر اللامساواة في إيران:

تتجلى أوضاع المرأة في إيران، من خلال عدد من المؤشرات الكمية (4)، فعلى دليل الفوارق بين الجنسين، في مؤشر التنمية الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، والذي يحمل قيمة عكسية لدليل التنمية، بحيث تغدو القيمة المقاربة للصفر هي الأقل في تلك الفروقات. يظهر موقع إيران في مرتبة وسطى على هذا الدليل، مع انعكاسات أكثر سلبية في مؤشرات أخرى. فيما حققت دولة الإمارات في الفترة السابقة تطورات سريعة في هذا المجال، حتى أوصلتها إلى التفوق العالمي عام 2014.

11(14)

فعلى مستوى التمثيل الشعبي، لم تستطع المرأة في إيران أن تحتل أكثر من 3.1% من المقاعد في المؤسسات التمثيلية لعام 2012، فيما كانت نظيرتها الإمارتية قد حققت نسبة 17.5% من هذا التمثيل.

22(16)

ويبدو ذلك أكثر تجلياً في قدرة المرأة في الحصول على فرص متساوية في التعليم (الثانوي على الأقل)، حيث لم تتحصل سوى 39% من النساء في إيران عام 2010، على هذه الفرصة، مقابل 75.2% من الرجال.

33(1)

وهو ما انعكس بالتالي على قدرتها على الحصول على فرص عمل، حيث لم تتجاوز نسبة مشاركة المرأة في القوى العاملة 32.5% لعام 2008، بل وتراجعت تلك النسبة في ظل التدهورات الحاصلة في القطاع الاقتصادي الإيراني لتبلغ حد 16.4% من القوى العاملة لعام 2011.

44(1)

ثانياً- من مظاهر الاعتداء على حقوق المرأة:

تتنوع مظاهر الاعتداء على حقوق المرأة في إيران، في عدة أشكال ومجالات، من الشؤون السياسية والعامة، حتى شؤون الملبس والحياة الخاصة.

إذ تشن الشرطة الدينية في إيران حلمة قمعية مع بداية كل فصل ربيع، لمراقبة سلوك النساء على مستوى اللباس، وتشكل الحملة التي بدأت منذ أسابيع، الأعنف بين الحملات السابقة، بدعم من التيار المتشدد الذي بدأ حملات على مواقع التواصل الاجتماعي لمناهضة ما أسماه “قلة حياء المرأة”.

حيث يفرض عليهن لبس “الشادور” وهو الزي الديني للمرأة في إيران، ويتسع هذا الفرض ليشمل كافة فئات المجتمع الدينية بغض النظر عن انتمائهن، دون أن يترك لهن حرية اختيار طريقة شكل الحجاب كذلك، وهو ما أحدث ردات فعل نسوية حاولت الخروج على هذا الزي.

وتُحمَّل المرأة في هذه الحملات، المسؤولية عن سلوك المجتمع تجاهها، سواء لناحية الاعتداءات اللفظية أو التحرش الجنسي، أو السلوك العنفي تجاهها. ورغم أنّ القانون لا ينص صراحة على زي محدّد، إلا أنّ وزارة الداخلية وعبر ذراع الشرطة الدينية تستهدف النساء، وتحرض المجتمع الذكوري على استهدافهن، في حالات تطال حتى عدم إحكام ربط الحجاب، ضمن حملة إعلامية مناهضة لهن، ومسيئة لكيانهن الإنساني، تشبههن بالمركبات والمحصولات الزراعية.

55(1)

ووفقاً لإحدى الناشطات: “طوال السنة تظّل النساء تخشى الشرطة الدينية. مع أنّنا نعرف أين يتمركزون ونحرص على ارتداء حجابنا عندما نمرّ من أمام عناصر هذه الشرطة. لكن مع قدوم الصيف، تتحرك العديد من وحدات الشرطة .. هذا لا يطاق، ولا أظن أنّ تغيير رئيس الحكومة قد حسن الوضع. وإذا أردتم تغيير الأمور، فيجب تغيير رئيس الشرطة .. وهذه الملصقات الغريبة التي تشبه النساء بالفستق تجعلني أظن أن هذه السنة ستكون أسوأ من سابقاتها .. على الرئيس أن يدافع عن حقوقنا نحن المواطنين ولذلك صوتنا له. على الحكومة أن تقول للشرطة أن تكفّ عن توقيف الناس بلا سبب أو أن تعامل النساء معاملة المجرمين. وفي حال وجود عملية حقيقية تستهدف الملابس النسائية، فإنّ ذلك سيؤثر على شعبية روحاني. وسيفقد الكثير من الدعم لدى النساء الشابات (5)“.

 

ثالثاً- من مظاهر التمييز ضد المرأة

سنت السلطات الإيرانية عدة قوانين جائرة بحق النساء، من أبرزها منع النساء العازبات دون أربعين عاماً من السفر خارج البلاد بمفردهن دون موافقة أولياء أمروهن. ومنعهن من ممارسة العديد من الوظائف، ومن أبرزها مهنة القضاء. وقد أدانت منظمة العفو الدولية منع النساء من الترشح لمنصب رئاسة الجمهورية.

وتعتبر النساء الأكثر استهدافاً في عمليات العنف الموجهّة للمظاهرات المناهضة للحكومة، حيث تتسع حملة الاعتقال لتشمل عدة قضايا منها سياسية كالانتماء إلى جمعيات مدنية وأهلية أو أحزاب سياسية ومن أبرزهن في ذلك فائزة هاشمي رفسنجاني ابنة الرئيس الأسبق لإيران، حيث تعرضت لاعتقال عدة مرات نتيجة نشاطها في الدفاع عن حقوق المرأة قبل أن تلجأ إلى المملكة المتحدة.

كما تتعرض المرأة للاعتقال في إيران لأسباب دينية من أبرزها التعبد وفق العقيدة البهائية، أو ضمن تقييد حريات الرأي والصحافة، وتسجن المعتقلات السياسات والناشطات مع المتهمات بالدعارة وتعاطي المخدرات، بغية إحداث ضغوط نفسية على الناشطات وإذلالهن.

ومن مظاهر التمييز ضد النساء في إيران كذلك، تقليص المقاعد المتاحة أمامهن للتعليم الجامعي، ومنعهن من ارتياد عدد من الاختصاصات الجامعية، تحت ضغوط من الفئات الدينية، لتقليص مجال حرية المرأة، وتضييق الخناق على عملها، في ظل بطالة تتسع في البلاد، وتهدف هذه الحملة إلى إخراج النساء من سوق العمل، وإتاحة ما تبقى من الفرص للرجال، في ظل عجز الحكومات المتتالية عن توفير مزيد من فرص العمل المتآكلة أساساً.

وذكرت صحيفة “تليجراف” البريطانية، أنّ الطالبات في إيران تمّ منعهن من التسجيل في أكثر من 70 تخصص جامعي، في محاولة فعلية لتقنين التمييز الجنسي الذي قال النقاد عنه إنه يهدف لهزيمة معركة حقوق المرأة في إيران، على حد قول الصحيفة (6).

وكتبت المحامية والناشطة في مجال حقوق الإنسان شيرين عبادي، الحائزة على جائزة نوبل للسلام، رسالة إلى المديرة التنفيذية ووكيلة الأمين العام للأمم المتحدة لهيئة المساواة النوعي وتمكين المرأة (UN Women)، دقت فيها ناقوس الخطر من تعرض المرأة الإيرانية لنوع جديد من أنواع التمييز ضدها. وقالت عبادي في رسالتها إنّ “الحركة النسوية هي واحدة من أقوى الحركات الحقوقية في إيران، وقد شهدت نمواً كبيراً خلال العقدين الماضيين. غير أنّ الحكومة الإيرانية تحاول محاربتها بشتى الطرق، وكان آخرها منع المرأة من التعليم والحضور الفعّال في المجتمع”. وأضافت عبادي في رسالتها أنّ الحكومة الإيرانية وافقت على إغلاق 77 مجالاً علمياً أكاديمياً في 36 جامعة على مستوى الجمهورية أمام الفتيات. فقد منعت جامعة أراك، بحسب عبادي، الفتيات من التسجيل في اختصاصات علوم الكومبيوتر، الهندسة الكيميائية، الهندسة الصناعية، الهندسة المدنية، الهندسة الميكانيكية، الهندسة الزراعية والكيمياء، فيما منعتهن جامعة أصفهان من التسجيل في اختصاصات العلوم السياسية، المحاسبة، إدارة الأعمال، الهندسة الكهربائية، الهندسة المدنية، الهندسة الميكانيكية، هندسة السكك الحديدية، وغيرها. ونقلت الصحيفة عن شيرين عبادي، الإيرانية الحائزة على جائزة نوبل ومن أشهر دعاة حقوق الإنسان قولها “إن 36 جامعة قد أعلنت أن 70 تخصص بكالوريوس وليسانس آداب في العام المقبل ستصبح متوفرة فقط للرجال (7)“.

كما تقيّد فرص النساء في الترشح للمناصب التمثيلية أو الحكومية، لصالح الرجال، عبر ممارسات غير مقننة، بل باتت عرفاً في المجتمع الإيراني، منها ما يتم تبريره، بمخالفة المرأة المرشحة لمنصب ما تعاليم الإسلام في اللباس أو السلوك. ويتسع التضييق في حال المرأة التي تنتمي إلى القوميات غير الفارسية، حيث يبدو التمييز والاضطهاد أكثر شراسة ضدها.

ووفق الناشطة الكردية الإيرانية نغين شيخ الإسلامي: “يعيش في إيران العديد من القوميات مع بعضهم البعض، ولكن يتم إدارة البلاد وفق الإيديولوجية الشيعية والمذهبية، والتي تصبح سببا في عبودية النساء وطمس حقوقهن، حيث لا يتم حماية حقوق النساء بشكل قانوني عبر هذه الإيديولوجية، لهذا السبب تتعرض النساء بشكل رخيص للقتل والإعدام، والتحرش والاغتصاب، والشدة والضرب، والذي يمارس هذه الممارسات هي الدولة بنفسها، لذلك لا تستطيع المرأة أن ترفع رأسها وتحمي حقوقها، يجب على النساء في إيران أن يتقبلن بعضهن البعض، كما يجب على النساء الإيرانيات والكرديات بناء وحدتهن، فإذا لم يتم بناء الوحدة في منطقة كإيران فهذا يعني أن الدولة ستزداد في ممارسة جبروتها على المرأة والمذاهب الأخرى ذات الأعداد القليلة (8)“.

وقد أقر الرئيس روحاني، باتساع سياسة التمييز ضد المرأة في إيران، واستمرار انتهاكات حقوقهن على عدة مستويات، لكن تبقى قدرته على تغيير الأوضاع محدودة، في ظل إصرار المرشد الإيراني على أنّ ظاهرة المساواة بين الجنسين هي ظاهرة غربية، وبالتالي فهي مرفوضة تماماً في ظل النظام الديني في إيران، وأنّ دور المرأة يقتصر على المنزل والأسرة وتربية الأطفال.

 

خاتمة:

رغم المظاهر التي يُصدِّرها الإعلام الحكومي وشبه الحكومي الإيراني، عن أوضاع المرأة في إيران، سواء لناحية إبراز بعض المسؤولات في النظام، أو بعض البارزات في نشاط الرياضات والصحافة والإعلام، إلا أنّ حقوق المرأة في إيران وفق سجلات المنظمات الحقوقية تشهد تضييقاً مستمراً، أخذ يتسع في العقد الأخير، خاصة مع تردي الأوضاع الاقتصادية التي تشهدها البلاد من جهة، واتساع نشاط المجموعات المتشددة مجتمعياً من جهة أخرى، وبدعم من خامنئي ذاته.

ولا يبدو أن أوضاع المرأة داخل إيران على ذات القدر بين الفئات الاجتماعية، إذ أقامت زوجة الرئيس الإيراني حسن روحاني الشهر الفائت، حفلة في أحد القصور البهلوية، وصفت بأنها ذات طابع برجوازي، لم يتقيد بالسلوك الديني المفروض على النساء في البلاد، وهو ما أثار حفيظة المتشددين ضد الرئيس وزوجته ونساء كبار الشخصيات في إيران.

عبد القادر نعناع

كاتب وباحث سوري

نقلاً عن مركز المزماة للدراسات والبحوث

مراجع:

(1) يمكن العودة لموقع المنتدى: http://www.weforum.org/

(2) عيسى الحليان، “مؤشر احترام المرأة”، صحيفة عكاظ السعودية، 3/5/2014:

http://www.okaz.com.sa/new/Issues/20140503/Con20140503696812.htm

(3) للاطلاع على البحث، انظر: عبد القادر نعناع، “الاغتصاب والرجم في مواجهة عفو خامنئي عن السجينات”، مركز المزماة للدراسات والبحوث، 24/4/2014: http://www.almezmaah.com/ar/news-view-5239.html

(4) للمزيد، انظر: تقارير التنمية البشرية الصادرة عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي.

(5) “حملة المحافظين الإيرانيين على قلة حياء النساء”، France 24، 2/5/2014.

(6) “طهران تكافئ المرأة بإعادتها إلى عصر الجاهلية”، ميدل إيست أون لاين، 10/9/2012:

 http://www.middle-east-online.com/?id=138796

(7) أمل شموني، “إيران تمنع الفتيات من الالتحاق بعشرات الاختصاصات الجامعية”، قناة الحرة، 25/9/2012:

http://www.alhurra.com/content/iran-women-universities-ban-/212367.html

(8) زيان كارهان أمد، “طمس حقيقة النساء في إيران”، حزب حرية المرأة الكردستانية، 30/6/2013:

http://www.pajk-online.com/ar/2012-06-29-04-44-30/558-2013-06-30-07-12-41

الوسم : إيران

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق