المخطط الأمريكي لمحاربة داعش عوامل النجاح والفشل

على حين غرة انقلب الرئيس الأمريكي باراك أوباما مئة وثمانين درجة، فمن قوله بصعوبة الحل العسكري تجاه الدولة الإسلامية في العراق والشام “داعش”، وإن الحل السياسي له دوره في هذا المضمار، إلى تحشيد عسكري دولي له الأولوية القصوى في محاربة تنظيم داعش. حيث أكد أوباما في خطابه المتلفز للشعب الأمريكي يوم الأربعاء الموافق 10-9-2014، عشية الذكرى الثالثة عشرة لهجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001، أعلن فيه عن وضع استراتيجية في مواجهة داعش تعتمد على قيادة تحالف يضم دولاً في المنطقة لمهاجمة التنظيم لإضعافه ثم القضاء عليه نهائياً.

ولقد تضمنت الاستراتيجية خطة من أربع نقاط تركزت على توسيع الغارات الجوية في العراق، وإرسال 475 مستشاراً عسكرياً إضافياً للعراق (ليتجاوز عددهم ألفي فرد)، ومساعدة المعارضة السورية المعتدلة، وتعزيز الإجراءآت الإستباقية لمكافحة الإرهاب، وتجفيف منابع التنظيم، ومواصلة تقديم الدعم الإنساني لجميع من يستهدفهم التنظيم.

وأشار أوباما في خطابه قائلاً: “بالتعاون مع الحكومة العراقية سوف نوسع عملنا إلى أبعد من حماية مواطنينا وبعثاتنا الإنسانية، وسوف نستهدف (الدولة الإسلامية) من أجل دعم القوات العراقية في هجومها”. وأضاف: إن الخطوة الثانية ستتركز على زيادة دعم المعارضة السورية المعتدلة، داعياً الكونغرس لتقديم موارد إضافية لتسليح المعارضة السورية، ومشدداً على أن نظام الرئيس بشار الأسد فقد كل شرعيته، وأن واشنطن تبحث عن حل سياسي للأزمة السورية. وأعرب عن استعداد بلاده لشن ضربات جوية ضد تنظيم داعش في سورية. ولفت إلى أن: استراتيجته في العراق وسوريا لاجتثاث الدولة الإسلامية ستكون مماثلة للاستراتيجية التي تطبقها إدارته بنجاح في اليمن والصومال منذ سنوات. كما وشدد أوباما على أن الحرب التي قرر توسيعها ضد داعش لن تتورط فيها قوات برية أميركية، بل ستكون مختلفة عن الحرب التي شنتها القوات الأمريكية على أفغانستان والعراق، موضحاً “إنها حملة لمكافحة الإرهاب سوف تشن من خلال جهد دؤوب ومتواصل وبلا توان ولا هوادة لإستئصال متشددي (داعش) أينما وجدوا باستخدام القوة الجوية وبالتعاون مع قوات شركاء لنا على الأرض”.

وحسب افتتاحية صحيفة “واشنطن بوست ” الأمريكية بتاريخ 11-9-2014، فإن استراتيجية أوباما بشأن التعامل مع داعش، بإعادة صياغة السياسة الأمريكية للتكيف مع الواقع الحالي في الشرق الأوسط، جاءت متأخرة. لكن الصحيفة أكدت بأنه: “لا يزال هناك وقت لهزيمة داعش واستعادة دولة العراق الموحدة، حتى ولو كانت اتحادية، وإرساء استقرار السلام والحُكم الإنساني في سورية”. وأضافت: “كما قال الرئيس أيضاً ولأول مرة، إن الضربات الأمريكية على داعش لا يمكن أن تقتصر على جانب واحد من الحدود السورية-العراقية، فالطائرات الحربية الأمريكية والطائرات بدون طيار يجب أن تلاحق داعش أينما كان، وهذا يشمل ملاذاتها في سورية”.

وبغية دعم المخطط الأمريكي فقد سارع وزير الخارجية الأمريكي جون كيري في زيارة مكوكية إلى الشرق الأوسط، حيث في غضون أسبوع زار بعض العواصم: بغداد، عَمان، الرياض، القاهرة، أنقرة، لكسب التأييد الدولي في محاربة داعش وفق الرؤية الأمريكية التي تصل زمنيتها إلى 36 شهراً.

رغم أن المخطط الأمريكي في محاربة داعش ليس أكثر من مشروع حربي آخر في العراق خصوصاً، والمنطقة العربية عموماً، لكن السمة المختلفة هذه المرة، أنها حرب أمريكية بالإنابة، حيث أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما أكد بشكل واضح بأن بلاده لن ترسل أية قوات برية في هذه الحرب، وكذلك جاء موقف الدول الأربعين التي أيدت الولايات المتحدة الأمريكية في حربها على إرهاب داعش. بل إن بعض أهم حلفائها: بريطانيا وألمانيا صرحت بأنها لن تشارك في القصف الجوي الأمريكي. وكذلك رفضت تركيا المشاركة العسكرية، وأنها ستسمح باستخدام قاعدة”أنجرلنك” الجوية للأغراض الإنسانية والمتطلبات الضرورية.

أما روسيا وإيران وسورية فقد شكلت محوراً يسعى لإجهاض هذه الحرب، وركزت روسيا بأن شن الحروب على الدول ذات السيادة يجب أن يكون وفق قرار صادر من “مجلس الأمن الدولي”. بينما ترى أمريكا أن القرار رقم 2165 بتاريخ 14-7-2014 قد أجاز فيه “مجلس الأمن الدولي” بإغاثة السوريين في المناطق الخاضعة للمعارضة دون موافقة الحكومة السورية.

هذا إن لم نتطرق إلى أن فرنسا تروم إلى موافقة أممية في حالة ضرب داعش داخل سورية، وأن كتلة الجمهوريين في الكونغرس الأمريكي يشككون في نجاعة هذه الحرب، بل ولا يخفى على الكثيرين بأن هناك غموضاً يكتنف هذه الاستراتيجية وطبيعة الحرب بالإنابة. لذلك تجد وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل، في استضافة الرياض لاجتماع عربي-أمريكي-تركي لإنشاء تحالف ضد داعش في 11-9-2014، أشار بوضوح إلى أن محاربة الإرهاب يجب أن يكون بشكل شمولي.

معنى هذا، إن الحشد الدولي الذي تسعى إليه أمريكا في حربها ضد التنظيمات الإرهابية وفي مقدمتها داعش، وكذلك “مؤتمر باريس” الذي انعقد في 15-9-2014، وحضره 30 دولة لنفس الغرض، يجب أن يكون بنفس المسار أيضاً في مواجهة إرهاب الميليشيات الطائفية المدعومة من حكومة بغداد. وهذا ما دعى إليه الحراك العشائري العربي في العراق في بيان أصدره قبيل انعقاد “مؤتمر باريس”. بل إن تأييد أمريكا بدعم القوات الحكومية في العراق ضد داعش فيه أكثر من علامة أستفهام؛ إذ إن انهيار ست فرق عسكرية في المحافظات الثائرة، بسبب البنية الطائفية للجيش، وغياب العقيدة العسكرية الوطنية من جهة، ومن جهة أخرى استمرار القصف الحكومي بالبراميل المتفجرة وصواريخ الراجمات وقنابل المدافع الثقيلة على البيوت والمساجد والمدارس والمستشفيات ومحطات الكهرباء والماء بحجة محاربة داعش، غض الطرف الأمريكي عن هكذا إرهاب لن يسعفها في نجاح مخططها ضد الإرهاب.

ومن خلال الحروب الأخيرة التي شنتها الولايات المتحدة الأمريكية في العالم الإسلامي تحت ذريعة مكافحة التنظيمات الإرهابية أو الأنظمة الداعمة للإرهاب، سواء في الضربات الجوية التي جرت في تسعينيات القرن الماضي في السودان واليمن والصومال وغيرها، أو باجتياح أفغانستان 2001، والعراق 2003، فإنك تجد أن جميع استراتيجيات أميركا تنجح في خطواتها الأولى، لكنها تفشل في خطواتها اللاحقة، لأنها لا تنظر إلى الواقع وفق حقائقه بشكله التام والصحيح، وإنما تنظر إليه بحسب ما تتطلبه وتقتضيه مصالحها فقط. وهكذا نجحت السياسة الأمريكية في تحجيم تنظيم “القاعدة” لكنها فشلت في القضاء عليه، وبعد احتلالها لأفغنستان والعراق خسرت وهربت منسحبة دون أن تتمكن من إنهاء قوة “حركة طالبان” الأفغانية، أو فصائل المقاومة العراقية. والآن نتوقع الأمر نفسه سيجري في المشروع الحربي الأمريكي ضد داعش. خصوصاً وأن تعيين الجنرال جون آلن منسقاً للحرب الأمريكية على داعش، وارتباطه سيكون مع وزير الخارجية الأمريكية جون كيري، وليس مع وزير الدفاع تشاك هيجل، لأن حرب الإنابة تتطلب قوات غير أمريكية.

ومن هنا عمدت إدارة أوباما مع حكومات غربية مثل: بريطانيا، فرنسا، ألمانيا وغيرها، على تقوية قوات البيشمركة الكردية من ناحية، وتسليح قوات حكومة بغداد من ناحية أخرى. بل إن الأمر يتجه نحو إعادة بناء الجيش العراقي وفق منظور أمريكي جديد. ولذلك قال أوباما: إن بلاده “لن تنجر إلى مواجهة برية أخرى في العراق”، ولكنها ستقدم الدعم للقوات العراقية والكردية عبر التدريب، والمعدات، والمعلومات الإستخبارية، وستوفر المساعدة لإنشاء وحدات حرس وطني لمساعدة السُّنة على “انتزاع حريتهم” من داعش. ولقد أمر أوباما بإرسال 25 مليون دولار كمساعدات عسكرية إلى القوات العراقية والمقاتلين الأكراد.

معنى هذا أن حرب السنوات الثلاث القادمة ضد تنظيم داعش، بحسب المخطط الأمريكي، سيكون وقودها من أبناء العراق دون سواهم. وبما أن الإدارة الأمريكية الحالية تبنت مفهوم الإرهاب الإسلامي من العقلية الصفوية الإيرانية، حيث أن التنظيمات السلفية السُّنية يصدر عنها الإرهاب الذي يشكل خطورة اقليمية ودولية، وبالتالي يجب محاربتها لدرء حرجها على الأمن العالمي، أما الميليشيات الطائفية الشيعية فيصدر عن بعضها إجرام محلي يجب معالجته داخلياً؛ فإن مستقبل الحرب على داعش بالقدر الذي سينهك فيه أبناء العراق، فإنه سينتهي لصالح التشيع السياسي الصفوي في المنطقة، وإن عدم إشراك إيران بالإعداد الجاري ضد داعش، لا يعني أن السياسة الأمريكية على خلاف مع النظام الإيراني، بل إن تغطية نفقات هذه الحرب التي سيتحملها بشكل أكبر دول الخليج العربي، توجب إبعاد إيران عن مشهد الحشد الدولي ليس إلا.

ومن بين الأسئلة الواجب طرحها هنا، لماذا أغفلت أمريكا مراقبتها لنمو وتفاقم دور داعش؟ وما السبب بعدم التعامل مع قوى الحراك العشائرية العربية المسلحة في المحافظات الثائرة؟ وهل بمقدور القصف الجوي والحرب البرية بالإنابة أن تحقق أهدافها بمعزلٍ عن الملايين الذين يجري القتال في محافظاتهم؟

عندما يقول جون كيري: “إن تنظيم داعش أقوى وأغنى وأخطر تنظيم بالعالم”. فنحن أمام علامة أستفهام كبيرة حقاً، إذ ليس من المعقول أن يظهر هكذا تنظيم إرهابي وتسطع خطورته فجأةً على العالم بأسره. لكن التحليل العقلي والإستنتاج المنطقي للسياسات الأمريكية الخارجية منذ انتهاء الحرب الباردة مع الإتحاد السوفيتي، تجد أن أمريكا مستمرة على مواجهة “العدو”، حتى وإن لم يكن هناك عدو مهم، فإنها تخلق منه خطورة توجب مجابهته، فالاستقطاب السياسي، والحراك الاقتصادي، والتصنيع العسكري، والدعم المالي كلها من أدوات النفوذ الأمريكي الخارجي.

وبذا فإن ظهور ونمو تنظيم داعش كان يجري وفق مراقبة أمريكية أخفت حقيقته لأهداف تخصها. وإلا من العار الأمني على أكبر دولة في العالم أن تجهل أستفحال تنظيم إرهابي عدد أعضائه أكثر من ثلاثين ألفاً عنصراً، وهم من أربعين جنسية حول العالم، حسب ما ذكرته وكالة الإستخبارات الأمريكية. وعليه فإن استراتيجية أوباما بمحاربة داعش دولياً، تأتي ضمن سياق استمرار الاضطراب وعدم الاستقرار في المنطقة العربية. وهذه هي نظرية الفوضى الخلاقة التي عملت على تطبيقها إدارة جورج بوش الابن، وسارت على حذوها إدارة باراك أوباما، والفرق بين نظرية المحافظين الجُدد التي تبناها بوش، والنظرية الذرائعية عند أوباما، إن الأول مارس السياسة الخشنة في العالمين العربي والإسلامي، والآخر يمارس السياسة الناعمة في تفكيك العراق كمستهل لبقية البلدان العربية والإسلامية.

وإذا كان تحليلنا فيه مبالغة أو تحميل الأمر أكثر من طاقته، فعلى إدارة أوباما بدلا من أن تبحث في إنشاء تحالف دولي لمواجهة داعش، وما يتبع ذلك من وقت ومال ودمار يطال العراق أرضاً وشعباً، ومدى انعكاسات ذلك على المحيط العربي والإقليمي، أن تتجه بالتعامل المباشر مع الحراك العشائري المنتفض ضد الظلم والطغيان، وتضغط على حكومة الظل الإيرانية في بغداد بالإستجابة إلى تحقيق مطالبهم الشرعية والمشروعة، وكما تم طرد تنظيم “القاعدة” في غرب العراق على أيدي العشائر العربية ما بين 2006-2007، فإن تشكيلات الحراك الشعبي المسلح الحالي من أبناء العشائر والمجالس العسكرية وفصائل المقاومة لقادرة كل الاقتدار على مجابهة تنظيم داعش وإخراجه إلى حيث أتى.

بيد أن السياسة الأمريكية الخارجية لا تريد التعامل مع أي قوى مدنية أو مسلحة لا تخضع لمخططاتها، فما بالك مع القوى التي ألحقت بقوات الجيش الأمريكي المحتل للعراق هزيمة ميدانية أجبرته على الفرار بذريعة الإنسحاب الرسمي أوآخر 2011، لا سيما وأن هذه القوى العراقية بشقيها المدني والمسلح تمتلك خالص إرادتها بمعزل عن أي تأثير أو نفوذ أمريكي. وطالما كان الوضع هكذا، فإن عوامل الفشل ستكون أرجح من عوامل النجاح في استراتيجية أوباما بمحارية إرهاب داعش. وعلى النظام الرسمي العربي ألا ينجرف خلف المخطط الأمريكي إن لم يكن هناك صورة جلية عن محاربة الإرهاب بشكل شامل. وإلا فإن النتائج المستقبلية لهذه الحرب ستكون لصالح النظام الإيراني أيضاً، كما جرت في نتائج الحرب الأمريكية الأخيرة على العراق منذ العام 2003 ولغاية الآن.

د. عماد الدين الجبوري

خاص بمركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق