القرار 2170: توطين الإرهاب وإعادة تأهيل إيران والأسد

يعتبر الإرهاب أحد أبرز الإشكاليات القائمة في الشرق الأوسط تحديداً، بِبُعدٍ عالمي يطال معظم الدول، كمحصلة لإخفاق النظام الدولي في معالجة الأزمات الناشئة في هذه المنطقة، بل وتسبّبه في كثير منها، دافعاً مجموعات عقائدية إلى اتخاذ التطرف سبيلاً لاستعادة زمام المبادرة ومواجهة تلك الأزمات.

حيث أنتجت المشاريع الدولية المتطرفة بالأساس مشاريع إرهابية متطرفة مضادة لها، تعمل على إجهاضها، وعلى إعادة تأسيس كيانات سياسية وفق منظورها العقائدي، دون أن يعني ذلك عدم تورط القوى الخارجية ذاتها بصناعة كثير من تلك المجموعات الإرهابية كأداة في سياساتها الخارجية، وهو ما اعتمدته أنظمة عربية كنهج داخلي وإقليمي.

ويشكل القرار الحديث لمجلس الأمن برقم 2170، من الناحية النظرية، إطار عمل دولي قانوني لمحاربة الإرهاب الداعشي الذي استفحل في شرق المتوسط، وأودى بحياة الآلاف من سكان المنطقة، مستغلاً الانهيارات الأمنية الواقعة عقب ثورات الشعوب فيها، ومُجيِّراً تلك التحركات لصالح تعزيز الأدلجة المتطرفة بما لا ينساق مع البيئة الحاضنة للمشروع الثوري.

لكن لا يمكن قراءة الحدث منفصلاً عن محيطه الكلي، بل من الضروري وضعه ضمن أطره المُحدِثة له، فالقرار الدولي أغفل كثيراً من التنظيمات الإرهابية القائمة في المنطقة، واعتمد على محاربة تنظيمات محدّدة بعينها، بما يخدم مشاريع سياسية لا تحقق السلم والأمن الدوليين، اللذان هما عماد منظمة الأمم المتحدة. فرغم حداثة داعش وأخواتها في المنطقة، إلا أنّ مجلس الأمن اختصها دون التنظيمات الإرهابية الشيعية في العراق وسورية ولبنان، والتي لا تقل عن داعش إجراماً بحق الإنسانية، كما تجاوز القرار إرهاب الدولة الذي يمارسه نظام الأسد منذ ثلاث سنوات ونصف، كما سبق وأن تجاوز إرهاب الكيان الإسرائيلي.

إنّ محاربة الإرهاب بهذا الشكل الانتقائي، لن تنتج في المحصلة بيئة سلمية مستقرة، بل ستدفع كثيراً من الهُويّات المتضررة إلى مناصرة الفكر المتطرف، بغية الاستحصال على حقوقها المنتهكة من قبل جماعات إرهابية أخرى، فليس هناك إرهاب صالح للعقلنة مقابل إرهاب واجب الاستئصال.

وفي منطوق المصالح، فإنّ المتضرر الأساس من عمليات التنظيمات الإرهابية بأسرها، شعوب لبنان وسورية والعراق، فيما استفادت النسق السياسية المهيمنة فيها بالإضافة إلى إيران، من تلك التنظيمات في تعزيز أدواتها القمعية الإجرامية من جهة، وفي تدمير البنى الاجتماعية المناهضة لها، وفي اكتساب “شرعية إرهابية” كانت تحتاج لها عبر الاستناد لمثل هذا المنطوق. ونعني بذلك أن ذريعة محاربة الإرهاب التي اعتمدتها تلك النسق السياسية أكسبتها شرعية دولية في محيط كاد أن يلفظها.

للمرة الأولى، لم يعترض نظام الأسد على قرار يخص الإرهاب الدولي، دون أن يدفع ممثلوه المحافل الدولية إلى الدخول في جدلية تعريف الإرهاب، وتذكير تلك المحافل بأن نظام الأسد قد طالب بعقد مؤتمر دولي لذلك، بل على العكس تماماً، إذ انساقت أجهزته الإعلامية مباشرة إلى التهليل بالقرار، واعتباره انتصاراً لم تستطع ميليشات الأسد –بتنوعها الدولي- تحقيقه على الشعب السوري.

فالقرار يعطي لنظام الأسد مبرراً كبيراً، بعد أن تجاوز إرهابه الكيماوي، في توسيع عملياته العسكرية، وهو ما حصل بالفعل من خلال تصعيد طلعاته الجوية إلى أقصاها والتي تجاوزت يوم الأحد الفائت قرابة 120 طلعة جوية إرهابية، ويغدو بذلك عمله العسكري مشروعاً دولياً ومحمياً بقرار صادر تحت الفصل السابع، بل ويدفعه ذلك إلى الاشتغال على تنسيق سياسي-عسكري يتيح له أن يكون جزءاً من المنظومة الدولية التي ستعمل على محاربة الإرهاب عسكرياً، وخصوصاً مع توجيه الولايات المتحدة ضربات عسكرية جوية من قبل طائرات موجه داخل الأراضي السورية منذ أيام.

ذات التوظيف السياسي للقرار الأممي، ستعتمده إيران في عملياتها داخل سورية والعراق، ضمن آليتي التنسيق والمساومة مع القوى الغربية الفاعلة في تطبيق القرار، بمعنى أن إيران ستعرض “خدماتها” العسكرية في التعاون مع تلك القوى، باعتبارها القوة الإقليمية المهيمنة على العراق وسورية ولبنان، ضمن مرحلة إعادة تأهيل إيران دولياً منذ تولي روحاني للحكم. فيما ستعمل على ابتزاز المجتمع الدولي مساومةً إياه بتقديم خدماتها مقابل تنازلات سياسية في تلك الجغرافيا.

ملاحظة أخرى يجب الالتفات لها، وهي أنّ روسيا وللمرة الأولى منذ طرح المسألة السورية في مجلس الأمن، تدفع نحو اتخاذ قرار أممي تحت الفصل السابع بشأن سورية، فيما كانت تعارض أية قرارات كان من شأنها أن تنهي النزيف البشري القائم والمستمر، بل وأن تكون بمثابة وقاية من نشوء تنظيمات إرهابية عبر التخلص من المسبب الرئيس للفكر الإرهابي “نظام الأسد”، بل ساهمت في سلوكها الدولي السابق إلى تعزيز الاضطراب المشرقي. وبالتالي يسمح لها هذا القرار بأن تكون هي الأخرى جزءاً عسكرياً “مشرعناً” دولياً، ويتيح لها انخراطاً سياسياً أكبر في إعادة تشكيل النظام الدولي.

لاحظ القرار تصفية داعش لعشرات من طائفة عراقية، وتهجير سكانها إلى داخل كردستان العراق، ما شكل بنية قانونية تسهم في الدفع إلى استصداره، لكن المجلس لم يلاحظ تصفية مئات الآلاف من الشعب السوري، وتهجير الملايين، وخلق أزمة لجوء سوري دولية؛ وكأنّ المطلوب دولياً تصفية العرب السنة من سورية ومحيطها، تحت ذرائع حماية الأقليات التي ما تزال قائمة منذ المسألة الشرقية في القرن التاسع عشر، والتي كانت نتاج توافق روسي-غربي كذلك.

تبقى محاربة داعش مهمة اتخذتها الأطراف السورية المناهضة لنظام الأسد وميليشياته المتنوعة، وكانت ضحية لسكاكينها طيلة الأشهر الماضية، دون أن يطال هذا الإرهاب الداعشي في سورية، أياً من الأقليات، أو حتى النظام نفسه، فيما ستتغاضى الأطراف الدولية التي ستعمل على تطبيق القرار عن ضحايا القرار في المناطق المحررة من سلطة الأسد.

ومرة أخرى، فإن هذا القرار في حال تطبيقه منعزلاً عن رؤية كاملة للوضع المشرقي، لن يرسِّخ بيئة سلمية منشودة، بل هو بمثابة دفع للفكر المتطرف إلى مزيد من النمو في بيئة ما عادت قادرة على الاستمرار في ذات الأوضاع السياسية والأمنية والأيديولوجية المتطرفة بالإجمال. ولن نتوقع من النظام الدولي مراعاة ذلك، وخاصة أنه أحد مسببات الإرهاب، وتتقاطع مصالحه السياسية معه، مع غياب رغبة دولية في استئصال الأسباب الحقيقية المسببة للفعل الإرهابي.

عبد القادر نعناع

كاتب وباحث سوري

خاص بمركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق