العين التركية على عين العرب: ثلاثة شروط لتحقيق ثلاثة أهداف

المتتبّع للأحداث في شمال سورية لابدّ أن يعرّج بنظره قليلاً صوب الجارة تركيا، ويراقب سلوك وتصرفات وقرارات الساسة الأتراك تجاه قضية عين العرب “كوباني” التي باتت قضية عالمية، إعلامياً على الأقل، فلا تخلو نشرة أخبار أو موقع تواصل اجتماعي من نشر أخبار عن الاشتباكات الحاصلة في ”كوباني” كما يحلو للكورد تسميتها، ومن الطبيعي جداً أن يتم التركيز على السياسة التركية إزاء ما يحدث على حدودها الجنوبية.

يمكن القول إنّ تركيا ما زالت تأخذ دور المتفرج والمراقب للأحداث حتى هذه اللحظة، مع إطلاق تصريح هنا وعقد صفقة تبادل رهائن هناك. بمعنى أن الحكومة التركية لم تنتقل إلى الجانب العملياتي الميداني المقترن بالفعل. وعلى الرغم من حصولها على إذن من البرلمان منذ عدة أيام، لا تزال تركيا تحجم عن القيام بأية عملية عسكرية ضد جهاديّي تنظيم الدولة الإسلامية الذين أصبحوا يهددون بجديّة مدينة عين العرب التابعة لمحافظة حلب على الحدود السورية-التركية. ولم تُحرِّك تركيا ساكناً في موضوع عين العرب حتى لا تجد نفسها أمام مواجهة مع داعش، خصوصاً في هذه المرحلة؛ حيث تسعى أنقرة لاستغلالها من أجل إقناع واشنطن بضرورة العمل المشترك ضد تنظيم داعش والنظام السوري معاً. ويُعزى كمون السلوك السياسي التركي هذا إلى أنّ هذه الاشتباكات تحدث بين أعداء تركيا على حدودها الجنوبية، فمن جهة تتخلص من حزب العمال الكردستاني العدو التقليدي للحكومة التركية، وعلى الضفة المقابلة تستنزف قوة عدوها الجديد تنظيم الدولة الإسلامية.

يبدو الثقل التركي في موضوع كوباني غائباً، أو محفوفا بالحذر والمخاطر، ويظهر العناد التركي في الإصرار على الموافقة على شروطها لدخول التحالف الدولي ضدّ تنظيم الدولة الإسلامية. وبينما حافظ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، على سياسة حافة الهاوية في الحراك السياسي، لم تقدم واشنطن على تحرّك عسكري فاعل يسهم في منع سقوط المدينة، وقد سعى أردوغان إلى تبرير موقف أنقرة بالقول إنّ قرب سقوط عين العرب مردّه رفض الدول الغربية تنفيذ المطالب التركية. وتتلخص الشروط والمطالب التركية في إقامة منطقة حظر طيران ومنطقة عازلة وتوجيه ضربات جوية للقوات السورية بالتزامن مع تنفيذ الغارات الجوية ضد داعش، ودعم وتدريب المعارضة السورية المعتدلة، وبالتالي يتجلى هدف صنّاع القرار الأتراك في القضاء على ثلاثة أعداء دفعة واحدة، النظام السوري والقوات الكردية، وتنظيم الدولة الإسلامية.

تركيا لا يمكن أن تقف مكتوفة الأيدي حيال سقوط مدينة كوباني بيد داعش، لكنها في المقابل لا ترغب في التفوق الكردي الذي يحوّل الأكراد إلى قوة تربك حسابات تركيا من جديد، وتجدد أطماع حزب العمال الكردستاني في إقامة دولة كردية، فالتدخل التركي إن حدث سيكون لإسقاط نظام الأسد وتنظيم داعش معاً، والضغط على حزب العمال بهدف إيقاف أطماعه ووقف تنسيقه مع النظام السوري، والانضواء تحت قيادة الجيش السوري الحر، وإلغاء الإدارة الذاتية التي أعلنها عبر حزب الاتحاد الديمقراطي في الشمال السوري.

لم يكن اللاجئون الأكراد المتدفقون إلى تركيا، هم التأثير الوحيد لمعارك عين العرب على الداخل التركي. إذ شهدت مدن تركية عدة تظاهرات ومواجهات عنيفة احتجاجاً على سياسات القيادة التركية إزاء المعركة الدائرة في عين العرب، ما أدى إلى مقتل حوالي 20 شخصاً واعتقال مئات المواطنين. في هذا الوقت، اتخذت قوات الأمن والجيش تدابير شاملة وعاجلة في جميع أنحاء البلاد، لمواجهة كل الاحتمالات، خصوصاً في المدن الكبيرة مثل اسطنبول وأنقرة، وفي المدن ذات الأغلبية الكردية جنوب شرق البلاد. وجاء هذا التصعيد من قبل المواطنين الأكراد بعد تصريحات لرئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان، توقع خلالها سقوط عين العرب “في أي لحظة”، مؤكداً ضرورة الاستعجال في دعم “المعارضة السورية المعتدلة” لإسقاط الرئيس بشار الأسد ومحاربة “داعش”.

تركيا في موقف صعب، فهل من الممكن تحقيق المصالح والأهداف التركية جملة واحدة، الجواب يكمن فيما تخبّئه الأيام والأشهر القادمة التالية لسقوط مدينة كوباني بيد تنظيم داعش. ومواجهة الأعراض الجانبية الناجمة عن ذلك، من مشكلات تتعلق بالنزوح وقلاقل وتهديدات أمنية بدأت بالظهور في بعض المدن التركية.

ويبقى السؤال مفتوحاً هل تركيا في ورطة أم سيتم توريطها في المستنقع السوري؟

عبد الكريم عنكير

كاتب وباحث سوري

خاص بمركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق