العلاقة الصينية – الإيرانية: علاقة استراتيجية أم علاقة مصلحية؟

 صرح وزير الدفاع الصيني “تشانغ وان تشيوان” وبحضور نظيره الإيراني في بكين قبيل زيارة الرئيس الإيراني حسن روحاني للصين بتاريخ 5\5\2014، “إن إيران شريك استراتيجي لبلاده في القضايا المهمة منها السياسية والأمنية في المنطقة والعالم”، وشدد الوزير الصيني على ضرورة تقوية وتوحيد التعاون العسكري والدفاعي بين بلاده وإيران، حيث قال الوزير تشانغ وان تشيوان: “بالإضافة إلى تعميق الثقة السياسية بين الصين وإيران، يجب تمتين العلاقة العسكرية بين البلدين، وذلك من خلال التعاون والاستمرار في تدريب القوات المسلحة الإيرانية”.

وتأكيداً على تصريحات الوزير الصيني، أكد نظيره وزير الدفاع الإيراني حسين دهقان الذي كان على رأس هيئة عسكرية رفيعة المستوى في الصين، على تطوير وتمتين العلاقة العسكرية بين البلدين، حيث قال الوزير في هذا الخصوص: “إن إيران والصين من خلال توسيع التعاون العسكري قادرتان على رفع كافة المخاوف الأمنية للطرفين، وخاصة فيما يخص التطرف والإرهاب والمخدرات والقرصنة البحرية”.

 

الخطوط العريضة للسياسة الخارجية للصين:

استندت السياسة الخارجية الصينية في السنوات الأخيرة على ثلاثة ركائز:

أولاً: استمرارية العلاقة الحذرة والمحسوبة، وخاصة علاقاتها الاقتصادية مع القوى العظمى، كـالولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي.

ثانياً: تأسيس علاقات قوية ومتينة مع الدول المنتجة للنفط والغاز، كـروسيا وفنزويلا، وكذلك مع الدول التي شملتها العقوبات الأمريكية، كـإيران والسودان مثلاً.

ثالثاً: تأسيس علاقات قوية ومتينة مع الدول المجاورة لها على أساس المصلحة المشتركة والمتبادلة.

الخطوط العريضة للسياسة الإيرانية تجاه الدول الكبرى (الصين):

تعتبر إدارة العلاقات البينية للدول من خصوصية الجهاز الدبلوماسي المتمثل بوزارة الخارجية لتلك الدول، من خلال اتخاذ السياسات المناسبة التي تنسجم مع سياسة هذه الدولة أو تلك وطموحها في الإقليم والعالم، فطهران كغيرها من الدول لنجاح سياساتها وتحقيق أهدافها فإنها بحاجة لحلفاء أقويا في العالم. ومن هذا المنطلق ترى إيران أن الدول الكبرى (الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والصين وبريطانيا وفرانسا) هي المحرك الأساس والمؤثر في السياسات الدولية هذا أولاً، وثانياً: ترى إيران نفسها بأنها “الدولة الإقليمية الأقوى” التي تقع في منطقة حساسة كـ “المنطقة الشرق الأوسط”، مما تفرض الضرورة مواجهة هذه الدول في الكثير من المناطق الساخنة من هذا الإقليم الملتهب.

هذه الرؤية الإيرانية لواقعها حتم على صناع القرار في إيران فهم وإدارة العلاقات بينها وبين هذه الدول بطريقة تضمن المصالح القومية الإيرانية، ومن هنا نستشف مدى أهمية العلاقة بين إيران والصين إحدى هذه الدول المؤثرة في القرار الدولي، والذي قال عنها المستشار الأول للمرشد، ورئيس مركز التحقيقات الاستراتيجي التابع لمجلس تشخيص مصلحة النظام، علي أكبر ولايتي، قائلاً: “إن سياسة الجمهورية الإسلامية تجاه الصين هي أن تصل العلاقات بين البلدين إلى أعلى المستويات، لتصبح علاقة استراتيجية”.

طبيعة العلاقات بين الصين وإيران:

لم تكن العلاقات بين الصين وإيران علاقة حديثة، إنما وبعد الثورة الإيرانية عام 1979، وبسبب العقوبات الاقتصادية التي طالت النظام في طهران تطورت العلاقة بين البلدين، وخاصة في المجالات الاقتصادية والدفاعية والجيوستراتيجية، وتشكل المكونات التالية الأساس الديناميكي لطبيعة العلاقة البينية بين طهران وبكين:

  1. الحاجة الصينية المتزايدة والملحة للبترول.
  2. وجود المنابع الطبيعية الضخمة من الغاز والنفط في إيران (90% من هذه المنابع في الأحواز العربية).
  3. مساعدة الصين لإيران ورفع نقصها في بعض المجالات العسكرية، مما مكن إيران من تطوير وتقوية الصناعات الدفاعية للجيش الإيراني، وخاصة المنظومة الصاروخية ولا سيما الاتصالات.
  4. رغبة البلدين في إيجاد نوع من التوازن الاستراتيجي في منطقة الخليج العربي مع الولايات المتحدة الأمريكية، أو التفوق عليها.

وفي الواقع تأتي الضرورة، وغاية الاعتماد الإيراني على الصين في المجال العسكري لعدة أسباب منها، أن إيران لا ترى للصين أي مطامع حدودية أو تاريخية في جغرافية إيران الحالية، وعلى العكس تماماً من روسيا، وبريطانيا (حيث الشمال الإيراني بالنسبة للروس، والجنوب الإيراني أي الأحواز بالنسبة لبريطانيا)، هذا من جانب ومن جانب أخر، قدمت الصين وما زالت تقدم العلوم والتكنولوجيا الصناعية لإيران.

تعزيز التعاون في المجالات العسكرية:

بدأ التعاون العسكري بين الصين وإيران أيام حرب الأخيرة مع جارتها العراق في الثمانينيات من القرن المنصرم، فكانت الصين أهم الدول التي ساعدت إيران لتأمين سلاحها في تلك الفترة، حيث كانت إيران تواجه حظراً للسلاح من قبل الولايات المتحدة الأمريكية بسبب حادثة رهائن السفارة الأمريكية في طهران، وفرضت واشنطن حظراً على طهران منعها من الحصول على أي مساعدات عسكرية، غير أن الصين وعبر كوريا الشمالية استطاعت أن تمد طهران بالسلاح والعتاد طيلة حرب الثمان سنوات، كما استمر هذا الوضع حتى عام 1990، وتوقفت هذه العلاقة العسكرية بين طهران وبكين بعد ما انكشف أمر البلدين من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، لكن عادت الصين من جديد لمد إيران بالسلاح عبر شركاتها الخاصة والمتعددة والتي تنشط في هذا المجال.

واستناداً لتقرير وكالة الاستخبارات الوطنية للكونغرس الأمريكي لعام 2012، “إن الشركات الصينية، وخاصة القطاع الخاص الصيني، وكذلك شخصيات صينية سهلت مهمة بيع صواريخ صينية لإيران…”. كما أنه وفي هذا الخصوص، فقد أدرجت وزارة الخزانة الأمريكية بتاريخ 29\4\2014 ثمانِ شركات صينية، وذلك بسبب مساعدة هذه الشركات لتطوير منظومة الصواريخ البالستية الإيرانية، وكذلك تعاون هذه الشركات مع إيران في سبيل الالتفاف على العقوبات، وحظر النفط الإيراني.

 

ترقية القدرات العسكرية الإيرانية لتتفوق في مياه الخليج العربي:  

الشواهد تبين لنا أن الصين وفي إطار التعاون البيني ساهمت في ترقية القدرة العسكرية الإيرانية، بل كان لها الدور البارز في ذلك، (Anti Access/Area Denial) بحيث كانت الدوافع الصينية من وراء بيع أنواع الأسلحة المتقدمة، وكذلك مساعدة إيران في صناعتها، لتتمكن الأخيرة من أن تشكل تهديداً للولايات المتحدة، وحلفائها من دول الخليج العربي. هذه الأسلحة في الواقع تمكن إيران من القيام بذلك، لكن سوف يكون هذا الإشكال محدود جداً إذ حصل بالفعل، حيث أن الولايات المتحدة الأمريكية، وحلفاءها من دول الخليج العربي (الإمارات والسعودية) قادرون على إيذاء إيران خلال سويعات فقط.

ويرى الكثير من الخبراء في الولايات المتحدة الأمريكية بأن الدعم المتواصل من قبل الصين لإيران يهدف إلى أن تكون للأخيرة القدرة العسكرية التي تنوب عن الصين في مياه الخليج العربي، وذلك للضغط على الولايات المتحدة الأمريكية أو قد يكون لكسب ود واشنطن، ولا سيما إمدادات النفط للدول الغربية، في حال نشوب حرب في المستقبل بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين في المحيط الهادي، طبعاً هذا الأسلوب في الحروب غير المتماثلة هو استراتيجية القوات البحرية التابعة للحرس الثوري في الخليج العربي.

 

أنواع الأسلحة، ونوعية المساعدات التي قدمتها الصين لإيران:

استناداً لتقرير معهد استوكهولم الدولي لأبحاث السلام(سيبري)، “إن الصين من العام 2002 لغاية 2009 كانت ثاني أكبر دولة مصدرة للسلاح، والمعدات العسكرية لإيران”، وأن واردات الجمهورية الإسلامية الإيرانية من الصين كثيرة جداً، منها العسكرية وغير العسكرية، ولا سيما التعاون العسكري المباشر وغير المباشر، والذي من الممكن إجماله على النحو التالي:

  • نقل التكنولوجية العسكرية الصينية لإيران، وكذلك شراء أنواع الصواريخ والطائرات العسكرية كـ اف 7 الصينية، والسفن البحرية، ومنصات الصواريخ، والألغام المتطورة، وكذلك تطوير وتحديث الأجهزة، ولا سيما تحديث العقيدة العسكرية الإيرانية من قبل مختصين صينيين.
  • المساعدات الفنية الصينية، وكذلك نقل التكنولوجية العسكرية لصناعة أنواع الصواريخ وأنظمة توجيهها إلى إيران.
  • مساعدة تطوير الأسلحة التقليدية الإيرانية، كـ الصواريخ المختلفة الاستعمال، وكذلك مساعدة إيران في انتاج الطائرات العسكرية، وأنظمة الرادار، والسفن القاذفة للصواريخ.
  • إعطاء الصلب الخاص، وبعض الأدوات وآلات الحاسوب لإيران، وكذلك بعض المكونات لصناعة الصواريخ، والأسلحة الأخرى.
  • تدريب القوات الخاصة والمؤثرة في الجيش الإيراني على كيفية استخدام بعض الأنظمة الصاروخية المتطورة.
  • تقديم المساعدات في مجال التحكم بالصواريخ الباليستية وأنظمة توجيهها، وكذلك قوة الدفع لها، ولا سيما تلك الصواريخ التي يستخدم الوقود الصلب في دفعها.

دور الحرس الثوري في تمتين العلاقات الإيرانية-الصينية:

بسبب السيطرة شبه المطلقة للحرس الثوري على صناعة النفط والغاز في إيران، وخاصة العقود التجارية التي عقدتها الجمهورية الإسلامية بعد انتهاء الحرب الإيرانية–العراقية في عام 1988، فكان الحرس الثوري هو من يتحكم في هذه العقود التجارية، مما أدى إلى فرض رغباته على الشركات، والدول التي ترغب في أن تستثمر في هذا القطاع الصناعي العملاق في إيران. كما أن الصين تعتبر أهم الدول التي تعتمد في الطاقة على البترول الإيراني، فهذه الحاجة الملحة للصين أعطت الحرس الثوري إمكانية بناء علاقة استراتيجية عسكرية مع بكين عبّر عنها القادة العسكريون والسياسيون في أكثر من مناسبة في كلا البلدين. وفي ظل المفاوضات الجارية بين الغرب وإيران وإصرار الولايات المتحدة الأمريكية أن تطال المفاوضات النووية القدرة الصاروخية للحرس الثوري، لذا من الضرورة الملحة أن نقدم صورة موجزة عن المساعدات الصينية في تطوير القدرات الصاروخية للحرس الثوري والقوات المسلحة الإيرانية بشكل عام.

الصين ومساعدتها في بناء الترسانة الصاروخية الإيرانية:

استلمت الجمهورية الإسلامية الإيرانية في أواخر الثمانينيات أول دفعة من الصواريخ الصينية المضادة للسفن إتش واي 2، وذلك في عام 1987، عندما كانت الحرب على أشدها بين العراق وإيران، وخاصة عندما دخلت الحرب مرحلة استهداف البواخر والسفن الناقلة للبترول في مياه الخليج العربي، والتي عرفت هذه المرحلة من حرب الثمان سنوات والتي بدأت في نيسان عام 1984 واستمرت إلى نهاية الحرب، بحرب السفن. كما إن دولة الكويت كانت أكثر المتضررين من هذه المرحلة من الحرب السفن.

واستناداً لبعض التقارير الغربية، فإن الصين زودت إيران بين الأعوام 1987 -1994 بحوالي 200 صاروخ سي 801 المضاد للسفن، وكذلك بعد نهاية حرب الخليج الثانية وعاصفة الصحراء (1991) طلبت إيران من الصين 150 صاروخاً من طراز سي 802 والذي يعادل الصاروخ الأمريكي هاربون، لكن بسبب ضغط الأخيرة على الصين استلمت إيران 60 صاروخاً فقط.

وعلى ضوء الحاجة الإيرانية لبناء القوة العسكرية وتطويرها، فتح الحرس الثوري أبواب إيران للشركات الصينية العاملة في قطاع النفط شريطة أن تتعاون الحكومة الصينية مع الحرس الثوري في تطوير قدراته العسكرية وخاصة الصاروخية، ففي عام 1997 سلمت الصين 15 عشر منصة صاروخية كما أنها ساعدت الحرس الثوري في صناعة وإنتاج هذا النوع من الصواريخ، ولا سيما تطويرها، حيث سميت هذه الصواريخ وهي نسخة معدلة عن صاروخ سي 801 الصيني بـ صاروخ نور 1 (40 كيلو متر)، وصاروخ نور 2 (170 كيلو متر).

وفي عام 2004 كشفت إيران عن صاروخ كوثر، وهذا الصاروخ أيضاً نسخة معدلة من الصاروخ سي 701 الصيني وبمساعدة خبراء صينيين. بالإضافة إلى أن الصين أيضاً ساعدت الحرس الثوري والخبراء الإيرانيين في صناعة عدة صواريخ منها: رعد على غرار سي 701، وصاروخ نصر على غرار سي 704، وصاروخ قادر على غرار سي 802، وسي 803، وصاروخ ظفر على غرار سي 704 وسي 705. كما أن هنالك مجموعة من الصواريخ التي ساعدت بكين طهران في صناعتها ومنها: تندر 69 على غرار الصاروخ الصيني CSS-8، والصاروخ نازعات 6 و10، وصاروخ زلزال 1 و2 و3، وكوثر 1و3، وصاروخ “خليج ف ا ر س” على غرار DF-21D،

 

وبدون أدنى شك، فإنّ هذه النماذج من الصواريخ هي عينة صغيرة جداً عن حجم التعاون العسكري بين الحرس الثوري والصين، وقد تكون هذه الصواريخ وغيرها من الصواريخ الأخرى التي حصلت عليها إيران من كوريا الشمالية وروسيا، اللبنة الحقيقية لبناء المنظومة الصاروخية التي يُعتقد أنها السلاح الاستراتيجي لطهران. وبالإضافة إلى المساعدات العسكرية الصينية والتي دائماً ما تكون عبر الوسيط الكوري الشمالي في بداياتها، ساهمت الصين أيضاً في تطوير القدرات الإيرانية في صناعة السدود والانفاق، وخاصة تطوير التكنولوجية النووية لدى الإيرانيين، وكذلك العمل في مفاعل أصفهان، بحيث تشير المعلومات الاستخباراتية أن التعاون النووي بين الصين وإيران بدأ في منتصف الثمانينيات من القرن المنصرم.

فالتعاون العسكري بين إيران والصين قديم وليس وليد الساعة، إنما المصلحة البينية هي أهم الركائز التي تفرض نفسها على التقارب الذي بدأ يأخذ منحى استراتيجياً بين بكين وطهران، فحجم التبادل التجاري الضخم بين البلدين والذي يقدر بـ 40 مليار دولار سنوياً يعكس مدى هذه العلاقة بين الطرفين، ونتيجة حاجة الصين الملحة للطاقة والتي تعتمد على البترول الإيراني في الأساس، فإنها تستورد ما يقارب 600 ألف برميل يومياً من النفط الإيراني -العربي الأحوازي بالأصل-، كما أن إيران وبسبب الحصار الاقتصادي المفروض عليها بسبب برنامجها النووي العسكري المثير للجدل أفلست كلياً ليصل اقتصادها إلى حافة الهاوية والانهيار لولا الرئيس الأمريكي باراك أوباما، الذي ساهم في إنقاذ النظام في طهران مرتين، الأولى، كانت عام 2009 عندما خرجت الجماهير الإيرانية تطالب بإسقاط النظام في طهران على إثر تزوير الانتخابات الرئاسية من قبل الحرس الثوري، والذي ما زال النظام يعاني من تبعات هذه الاحتجاجات، حيث وقف أوباما وحكومته في صف النظام في طهران، في حال في الأحداث المشابه في العالم العربي زج أوباما واشنطن وقواها ضد الحكومات العربية، كما أن سياساته الجبانة ساهمت بشكل فعال في الفوضى التي نشبت في أكثر من بلد عربي، وثانياً، عندما انهار الاقتصاد الإيراني قبيل الانتخابات الرئاسية الأخيرة، أقدم الرئيس الأمريكي باراك أوباما على تمديد عمر النظام في طهران عندما وافق على الاتفاق النووي المؤقت ليتنفس النظام الصعداء، بل أكثر من ذلك، عندما أفرج أوباما عن الأموال الإيرانية المجمدة في البنوك الغربية ليساعد في ضخ السيولة في الاقتصاد الإيراني المتهالك.

 

جمال عبيدي

مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق