العلاقات اليمنية-الإيرانية وأثرها في أمن الخليج العربي(1)

المقدمـة

بدأ التواصل بين اليمن وبلاد فارس منذ الاحتلال الحبشي الأول لليمن عام (335م)، والثاني عام (525م)، إذ إنه كان أحد أسباب التقاء الحضارة اليمنية بـ “الحضارة الفارسية”، كما مثل البداية الحقيقية الأولى للاتصال السياسي بين اليمن وبلاد فارس من خلال استنجاد ملك اليمن (سيف بن ذي يزن الحميري) بإمبراطور فارس لدحر الغزاة الاحباش من بلاده، وزاد التواصل بعد ظهور الإسلام إذ ألغت عقيدة الإسلام المسافات والحدود، وولدت الاحتكاك، والتبادل والتعاون بين الجانبين (آنذاك).

ولكن في العصر الحديث، ومنذ قيام نظام الجمهورية في إيران بقيام الثورة الخمينية عام 1979م، والعلاقة بين اليمن وإيران تمر بمنعطفات وتحولات، فتارة تصل إلى حدة التأزم وتارة يلوح بصيص أمل في التحسن والتطور، بسبب التدخلات المباشرة في الشئون الداخلية لليمن من خلال علاقاتها بالحركة الحوثية في شمال اليمن في محافظة صعدة، ودعمها اللوجستي لها، والحراك الانفصالي المسلح في جنوب اليمن، وهي لها أبعاد استراتيجية لنماط تلك العلاقات، مما كان لتلك العلاقات انعكاسات على الامن القومي اليمني. وأمن منطقة الخليج العربي.

وقد شهدت التوجهات الإيرانية في الالفية الثالثة من القرن الواحد والعشرين تحركات واسعة النطاق في دوائر خارجية مختلفة، في إطار تصور إيران لدورها الإقليمي أو دورها العابر للأقاليم في بعض الأحيان، وارتبطت تلك التحركات بتدخلات مباشرة في الشئون الداخلية لبعض دول المنطقة العربية، ومن ضمنها اليمن على نحو يتجاوز ما هو مفهوم عادةً بالنسبة لخدمة المصالح القومية الإيرانية. حيث هناك أهداف لإيران أساسية ثابتة بعيدة المدى، وهناك أهداف مرحلية مرتبطة بالتطورات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية.

وعلى رأس الأهداف الأساسية فرض الهيمنة الفارسية على المنطقة العربية، وخصوصاً اليمن ودول الخليج العربي، الذي تطلق عليه اسم “الخليج الفارسي” بدل من الخليج العربي، وتتمثل صورة الهيمنة بصورة دينية طائفية، عبر نشر التشيع، ودعم الجماعات الشيعية في المنطقة، وإثارة النعرات المذهبية والاضطرابات السياسية في تلك الدول.

وبذلك سوف يتم تناول في هذه الدراسة، المراحل التاريخية للعلاقات السياسية بين اليمن وإيران منذ قيام الجمهورية اليمنية عام 1990م حتى 2013، وكذلك سوف نسلط الضوء على أشكال التدخل الإيراني في اليمن من خلال دعم حركة التمرد الحوثية، والحراك الانفصالي المسلح، وأثر التدخل الإيراني في اليمن على أمن الخليج العربي، وكيفية التعامل مع إيران وطموحاتها لحماية الأمن القومي لليمن والخليج العربي.

أولاً- المراحل التاريخية للعلاقات السياسية بين اليمن وإيران بعد قيام الجمهورية اليمنية منذ عام 1990م وحتى عام 2013م:

لقد كانت اليمن ولاية محتلة من قبل الإمبراطورية الفارسية قبل أن يحررها الإسلام. ومن هذه الخصوصية التاريخية تتداخل الأهواء الدينية، والأطماع التاريخية مع بعضها البعض في عملية صياغة، وتحديد مسار السياسة الإيرانية في اليمن.

ولكن قبل قيام الجمهورية اليمنية عام 1990م، شهدت العلاقة اليمنية-الإيرانية مرحلة التأزم: وهي الفترة التي تلت قيام نظام الجمهورية في إيران من 1980-1989م، ورفعت خلالها إيران مبدأ تصدير الثورة لدول الجوار الجغرافي والإقليمي ومن ضمنها اليمن. ولكن بعد قيام الوحدة اليمنية مرت العلاقات اليمنية-الإيرانية في أربع مراحل. قبل دخول العلاقة بين اليمن وإيران مرحلة عودة التأزم في عهد الرئيس السابق (محمود أحمدي نجاد) من خلال دعمها للحركة الحوثية، والحراك الانفصالي المسلح في جنوب اليمن. وسوف يتم استعراض الأربع المراحل التي مرت بها تلك العلاقات.

المرحلة الأولى: 1990م –1992م.

كانت الخطوة الأولى في تنشيط الاتصال السياسي بين البلدين هي التغاضي عن الخلافات التي كانت بينهما أثناء الحرب الإيرانية–العراقية، وإنهاء ملف الأسرى اليمنيين الذين كانوا بحوزة الحكومة الإيرانية. وقد تم تشكيل لجنة وزارية مشتركة للتعاون الاقتصادي، وبذلك تبادل الوفدان الزيارة بينهما، وأيضاً تبادل الرسائل بين الرئيس اليمني (علي عبد الله صالح) والرئيس الإيراني (هاشمي رفسنجاني) عبر تلك الوفود، والتي أبرزت إصرار البلدين على تطوير علاقاتهما المشتركة في مجالات عدة (1)، وقد اعتمدت السياسة الخارجية للرئيس الإيراني (هاشمي رفسنجاني) مع اليمن على المصلحة والمصالحة، وباعتماد السياسة البراغماتية الاقتصادية.

المرحلة الثانية: 1992- 1994م.

شهدت هذه المرحلة جمود في العلاقات الثنائية بسبب انقطاع لقاء اللجنة الوزارية المشتركة بسبب الزيارة المفاجئة التي قام بها رئيس جمهورية إيران الاسلامية (هاشمي رفسنجاني) لجزيرة أبو موسى الإماراتية في آذار/مارس 1992م، التي تم احتلالها مع الجزر الإماراتية (جزيرة طنب الكبرى والصغرى) من قبل إيران في30 تشرين الثاني/نوفمبر 1971. وعقب تلك الزيارة، بادرت السلطات الإيرانية إلى اتخاذ سلسلة من الاجراءات الإدارية التعسفية بحق الموطنين الإماراتيين، حيث سعت إيران من ورائها إلى تأكيد سيطرتها وفرض هيمنتها على كل تراب الجزيرة، وعلى الأشخاص المقيمين على أرضها، وقد استنكرت اليمن تلك الزيارة (آنذاك). وكذلك شهدت تلك المرحلة حالة الجمود بسبب انشغالات الجمهورية اليمنية بأوضاعها الداخلية في الحرب الأهلية (حرب الانفصال 1994م)، ولكن التواصل بين الجانبين بقي مستمراً، حيث زار وزير الخارجية اليمني طهران عام 1994م، وفي أيلول/ سبتمبر 1994م رد الدكتور (علي أكبر ولايتي) وزير الخارجية الإيرانية (آنذاك) بزيارة صنعاء، وسلّم رسالة تهنئة من القيادة الإيرانية للرئيس (علي عبد الله صالح) بمناسبة انتصار الوحدة على فلول الانفصال. ولكن تلك الزيارات أخذت شكلاً دبلوماسياً دون أن يجري عليها حالة تعاون يذكر في أي اتفاقيات (2).

المرحلة الثالثة: 1996- 2003م.

بعودة عقد الدورة الثنائية للجنة الاقتصادية المشتركة في صنعاء خلال الفترة 16- 18 كانون الثاني/ يناير 1996م. ساعد ذلك في إعادة إفساح المجال أمام اللقاءات المتبادلة والزيارات الرسمية لمسؤولي البلدين على تعزيز أفاق التعاون المشترك بينهما في المجالات السياسية والاقتصادية والعلمية، حيث تم التوقيع على العدد  من الوثائق. كما ظهرت خلال زيارة الرئيس اليمني (علي عبد الله صالح) إلى طهران عام 2000م، فكرة توقيع اتفاقية أمنية بين حكومتي البلدين تقوم على أساس عدم التدخل في الشئون الداخلية والاحترام المتبادل، وأن يؤخذ في الاعتبار مصالح جميع الشعوب والدول (3).

ولكن لم يتم التصديق عليها إلا في عام 2003م، أثناء زيارة الرئيس الإيراني (محمد خاتمي) لليمن الذي تميزت مرحلة رئاسته في إزالة التوتر وتحسين العلاقة مع اليمن، وقد أبدى رغبته في تلك الزيارة في تطوير علاقات بلاده مع الجمهورية اليمنية في كافة المجالات، ومنها المجال الأمني. بيد أن التعاون الأمني مع دولة إيران رافقه في الوقت نفسه رفض يمني لبعض مضامين السياسات الإيرانية في الخليج، كالمناورات العسكرية التي قامت بها إيران في الجزر الإماراتية الثلاث المحتلة، في 3 حزيران/يونيو 2001م، لأن مثل ذلك يعد تهديداً لأمن الإمارات العربية المتحدة، وأمن الخليج العربي برمته. ويتعارض مع الرغبة الإيرانية بالتعاون الأمني الجماعي لذلك لم يتم التباحث بين البلدين حول التعاون الأمني بشكل جدي (4).

المرحلة الرابعة: 2004- 2013م.

تميزت هذه المرحلة بعودة حالة التأزم في العلاقة بين اليمن وإيران، حيث كانت إيران هي البادئة بممارساتها وتدخلاتها التي أجبرت اليمن على مراجعة علاقاتها معها، وذلك بسبب التدخل في الشئون الداخلية اليمنية من خلال دعم الحركة الحوثية منذ اندلاع المواجهات المسلحة بينها، وبين الدولة اليمنية 2004م، بجميع الوسائل من قبل إيران وبشكل واضح، وكذلك دعم فصيل الحراك الانفصالي المسلح الذي يتزعمه الرئيس الاسبق للشطر الجنوبي (علي سالم البيض)، مما كان لذلك التدخل أثر على الوحدة الوطنية في اليمن، وعلى النسيج الاجتماعي اليمني، وشكّل تهديداً للأمن القومي اليمني والخليجي على حدٍ سواء، وما تزال تلك العلاقة تراوح مكانها حتى إعداد هذه الدراسة، وقد تعددت مجالات التدخلات الإيرانية وأطماعها غير المشروعة في اليمن، وأخذت أشكالاً متنوعة.

ثانياً- أشكال التدخل الإيراني في اليمن:

لقد مثل موقع اليمن الجيوسياسي نقطة جذب لصراع القوى الدولية والإقليمية في تاريخ اليمن المعاصر، حيث يتمتع بموقع استراتيجي فريد، فهو يمسك بزمام مفاتيح الباب الجنوبي للبحر الأحمر، حيث يسيطر على طرق الملاحة الدولية عبر مضيق باب المندب، الذي يربط حزام أمن الجزيرة والخليج العربي، ابتداءً من قناة السويس وانتهاء بشط العرب. مما جعل إيران تركز على اليمن لتنفيذ مخططاتها فيها، والتي تضمن لها السيطرة على طريق الملاحة الدولية عبر مضيق باب المندب وجزيرة ميون وسقطرة، وكذلك ميناء ميدي الذي سعى الحوثيون أكثر من مرة وما يزالون للسيطرة عليه بشتى السبل والوسائل، وبذلك الموقع أصبحت اليمن ظهيراً آمناً لكل من السعودية وسلطنة عمان أولاً، ولبقية دول الخليج العربي ثانياً، من خلال حمايتها لحدودهما البرية الجنوبية بالنسبة للسعودية والغربية بالنسبة لسلطنة عمان.

وبذلك تتمثل أشكال التدخل الإيراني في اليمن في الآتي:

1-       النشاط الاستخباري: هناك عدد من الإيرانيين كانوا في اليمن يعملون بهدوء لخدمة مصالحهم السياسية من خلال مراكز طبية متواضعة أنشأوها في اليمن، ومن خلال فتح الباب لتسهيلات تجارية لشخصيات يمنية متعاطفة مع طهران وكل ما كانت تمثله طهران بالطبع فكراً وسياسة ومذهباً. ومع اشتعال المواجهات العسكرية بين نظام الرئيس الأسبق (علي عبد الله صالح) والحوثيين عام 2004م حتى عام 2010م، كانت تلك المراكز وغيرها عيوناً لإيران ترقب كل ما يحدث كما أن الغطاء التجاري كان الوسيلة المثلى لتمويل القوى المتعاطفة معها(5).

2-       دعم (الحركة الحوثية الطائفية) و(الحراك الانفصالي المسلح في اليمن).

أ‌-         دعم الحركة الحوثية المتمردة في شمال اليمن:

ظهرت أولى المواجهات بين ما يعرف بالحوثيين -وهم مجموعات مسلحة كانت تنتمي للشيعة الزيدية، وحدث تقارب فكري بينها وبين الفكر الشيعي الإثني عشري الإيراني في الأعوام الأخيرة-في أواخر العام 2004، وصولاً إلى الحرب السادسة في العام 2010، منذ بداية اندلاع المواجهات المسلحة بين تلك الحركة والدولة اليمنية (2004-2010م)، حيث استنزفت تلك الحروب المتتالية قدراً كبيراً من الموارد المالية للدولة، التي تتطلبها عمليات الانتشار العسكري، والمواجهة على الأرض، والحاجة إلى التوسع في حجم وتسليح القوات المسلحة. إضافة إلى التأثير على الأمن العام، في حال انتقال المسلحين إلى خارج مناطق تواجدهم الأساسية، أو لجوا إلى عمليات تخريبية تستهدف مواقع عامة أو مؤسساتية، وليس العصيان والتمرد في مناطقهم فقط.

غير أنه بقراءة متأنية للظاهرة الحوثية في اليمن يلمح المتابع بعداً إقليمياً لتلك الحالة من التمرد لا يقتصر على اليمن وحده، وهذا ما أكدته الجولة السادسة من الحرب بين الحوثية والنظام اليمني حيث نالت شرارة هذه الحرب الجانب السعودي، ما دفع المملكة العربية السعودية للدخول على خط الصراع الحوثي بعد أن تعدى الحوثيون على حدودها في العام 2009م. ورأى المحللون وقتها أن أطرافًا إقليمية وراء ذلك التصعيد، يقول المحلل السياسي السعودي الدكتور (علي العطية): “وجدت الرياض الدعم الخليجي والعربي الصريح لموقفها من الحرب ضد الحوثيين، استشعاراً من هذه الدول لمخاطر جر المملكة إلى صراع طائفي ومذهبي ستكون تأثيراته كارثية على كل دول الخليج العربي، وليس فقط على اليمن والمملكة فقط، فإن على الدول العربية كلها أن تبحث بالتنسيق مع اليمن عن طريقة لجم هذا التطور لئلا تتحول المواجهات المحدودة إلى أزمة يصعب السيطرة عليها في قادم الأيام، ويصبح الشريط الحدودي كله ملتهباً (6)“.

وهذا ما يلفت إلى دور إيراني ظاهر في دعم الحوثيين، وهو الأمر الذي لم تخفه طهران، فقدمت دعمها للحوثيين على الأقل إعلامياً، حيث تبنت قناة (العالم) الإخبارية الإيرانية خطاب قيادات الحوثية، وبثت ما يزيد عن 47 برنامجاً عن حركة الحوثيين في سبعة أشهر(7).

وهذا ما أكده أيضًا (سلطان البركاني) الأمين العام المساعد لحزب المؤتمر الشعبي العام لقطاع الشؤون السياسية والعلاقات الخارجية، في حديث لصحيفة الأهرام العربي بقوله: “إن تورط إيران في صعدة لا يحتاج إلى دليل، ووزارة الخارجية الإيرانية لم تنف ذلك لكنها حاولت أن تعطيه صبغة شعبية بدل الصبغة الرسمية(8)“.

حيث كانت إيران ترى في وجود ذراع عسكري لها في اليمن على غرار حزب الله في لبنان وفيلق بدر في العراق، ورقة فعالة في مساوماتها مع الغرب من أجل الحصول على سلاح نووي سيكون صيانة لبقاء نظامها.

لذلك فإن نجاح الحوثيين في التماسك والاحتفاظ بالمناطق التي يسيطرون عليها سوف يُغير من معادلة التيارات الشيعية في منطقة الخليج ككل، فإذا كان بروز الشيعة في العراق قد غيّر ملامح المنطقة بشكل عام، فسيكون بروز الشيعة بهذه القوة في اليمن نقطة فاصلة أخرى، وستكون دول الخليج وعلى رأسها السعودية في مرمى أهداف الحركة الحوثية.

يقول (عبد الملك الحوثي) زعيم الحركة الحوثية حالياً خلفاً لأخيه مؤسس الحركة (حسين بدر الدين الحوثي) الذي قتل في الحرب الأولى مع الدولة: “نحن نعبر عن استيائنا من الدعم السعودي للعدوان التي تقوم به السلطة علينا، ونأمل من الأشقاء في المملكة العربية السعودية أن يصلحوا موقفهم .. ويجعلوا أموالهم للإعمار لا للدمار (9)“.

وفي حال أقام الحوثيون منطقة نفوذ مستقلة في شمال اليمن، تضم محافظتي صعدة والجوف وأجزاءً من محافظتي عمران وحجة وغيرها؛ سيكون من الضروري إيجاد منفذ بحري لهم؛ للاستقلال كلياً عن الدولة المركزية في إدارة شؤونهم الاقتصادية. ويمثل ميناء (مِيدي) الساحلي -الذي يتبع إدارياً محافظة حَجّة على ساحل البحر الأحمر، والقريب من المياه السعودية-الخيار الأفضل لهم، فهو أقرب المنافذ المائية إلى المنطقة الشمالية التي يسيطر عليها الحوثيون ومحاذٍ لها.

لذلك، قال وزيرٌ في حكومة الوفاق اليمنية التي تشكلت بعد اندلاع الاحتجاجات التي طالبت برحيل الرئيس السابق (علي عبد الله صالح) عام 2011م، لإدارة اليمن في المرحلة الانتقالية التي نعيشها اليوم: “إن رغبة الحوثيين المتواصلة في السيطرة على ميناء ميدي الاستراتيجي تأتي بطلب مباشر من قيادات الحرس الثوري الإيراني (10)“.

وكشف مصدر في وزارة العدل اليمنية عن قيام الحوثيين خلال السنوات الأخيرة، وبإيعاز من طهران ورؤوس أموال إيرانية، بشراء مساحات كبيرة من الأراضي المجاورة لميناء ميدي على الحدود مع السعودية والواقع في إطار محافظة حجة (11).

ومع اندلاع تلك الاحتجاجات تمكن الحوثيون، بدعم إيراني كما يقول المراقبون، من السيطرة الكاملة على محافظة صعدة وأجزاء من محافظتي حجة والجوف. وفي الوقت الراهن يدور حديث في الساحة اليمنية عن تحالفات تجمعهم أو تربطهم بعدو الأمس، الرئيس السابق (علي عبد الله صالح) الذي تقول بعض التقارير الصحافية إنه يقوم حالياً بدعم الحوثيين بالمال والسلاح كنوع من الانتقام من خصومه السياسيين في المعارضة السابقة (اللقاء المشترك) بسبب تحالفهم ضده وإقصائه من السلطة، رغم وجود ما يؤكد هذا المنحى. لكن اللافت هو تمكن الإيرانيين من وضع موطئ قدم في ساحة جديدة باليمن وهي الجنوب، عبر التحالف مع بعض الفصائل في (الحراك الجنوبي).

وحول إمكانية قيام إيران بإنتاج أو تصنيع أسلحة في اليمن في ضوء المعلومات الرسمية عن ضبط معدات قابلة للتصنيع، يقول المحلل العسكري اليمني، العميد المتقاعد (محسن خصروف): “إن ذلك ممكن من الناحية النظرية البحتة، فإن العديد من ورش الصناعة يمكن أن تحقق أكثر من غرض، فمثلاً مصانع المعكرونة يمكن أن تتحول إلى مصانع ذخيرة، ومصانع لعب الأطفال يمكن أن تتحول إلى مصانع معدات متفجرة”.

وعن التغلغل الإيراني في اليمن يقول العميد خصروف لـ «الشرق الأوسط» إنه: “وفي إطار الصراع الأميركي-الإيراني يمكن القول إن إيران وسعت خطوط دفاعها في مضيق هرمز (باب السلام) والمياه الإقليمية لها إلى البحرين العربي والأحمر، وجاءت إلى اليمن من خلال بعض القوى السياسية اليمنية المناصرة لها لكي تبعد المعركة المفترضة عن أراضيها من أجل ألا تهاجمها سفن أميركا ودول الخليج العربي بشكل مباشر، ولذلك فهي تحاول إلهاء الأمريكان بمعارك جانبية”.

ويرى خبراء سياسيون أن أمر التدخلات لم يعد يثير الدهشة بأي شكل من الأشكال، ويقول الدكتور عبد الله الفقيه، أستاذ العلوم السياسية بجامعة صنعاء، إنه: “لا ينبغي أن تثير إشارات المسؤولين اليمنيين المتكررة إلى وجود أيادٍ إيرانية تعبث في اليمن، أو إعلاناتهم المتزايدة عن إلقاء القبض على أشخاص يقومون بأعمال مشبوهة لصالح إيران على الأراضي اليمنية، أي قدر من الدهشة لدى المتابع، فلم تعد المحاولات الإيرانية الحثيثة للتغلغل في اليمن سياسياً وإعلامياً وأمنياً خفية، أو تحتاج إلى الكثير من المهارة لرؤية ملامحها (12)“.

وهنا يؤكد الدكتور عبد الله الفقيه  بقوله: “إنّ المحاولات الإيرانية الحثيثة للتغلغل في اليمن لم تَعُد -سياسياً وإعلامياً وأمنياً- خَفية، أو تحتاج إلى الكثير من المهارة لرؤية ملامحها؛ فإيران تستغل الضعف الكبير الذي تعانيه الدولة اليمنية خلال هذه المرحلة الانتقالية التي تعيشها اليمن، خصوصاً حالة انقسام قوات الجيش والأمن اليمنية، والأوضاع الاقتصادية السيئة لأبناء الشعب اليمني من فقر وبطالة، إضافة إلى الخلافات الداخلية بين فرقاء الحياة السياسية في اليمن، وفي مقدمتها التمرد الحوثي في الشمال، والحراك الانفصالي في الجنوب، وأنشطة جماعات (القاعدة) .. إنّ إيران تسعى لخلق منطقة نفوذ في هذا الجزء المهم من العالم بأي ثمن، حتى إن تطلّب الأمر مد جسور التواصل مع (القاعدة) التي يمكن أن تمثل حليفاً مرحلياً مهمّاً يشاركها الأجندة ذاتها، وإن اختلفت الأهداف”. النافذة الحوثية وضمن ما يطرحه الدكتور عبد الله الفقيه من أهداف هو كما يقول: “سعي إيران إلى تحسين قدرتها الاستراتيجية على الرد في أية مواجهة عسكرية محتملة مع دول الإقليم أو مع الغرب، فاليمن بمشاكله العديدة وتركيبته السكانية وموقعه الجغرافي المتميز على طرق الملاحة الدولية يوفر لإيران قاعدة مناسبة ليس لخوض حرب مفتوحة مع الغرب، ولكن ربما لشن حرب غير نظامية وغير مكلفة على المصالح الغربية في المنطقة، وعلى طرق الملاحة الدولية في البحر العربي ومضيق باب المندب وأجزاء من البحر الأحمر، بما يمكن إيران على أقل تقدير، من تعطيل جزء مهم من خطوط الملاحة الدولية .. وأن اليمن يوفر بخصائص موقعه قاعدة مثالية يمكن لإيران أن تستخدمها لجمع المعلومات عن التحركات الأميركية في المنطقة بما في ذلك اليمن التي تشهد حضوراً متزايداً للأميركيين من جهة، وتنامياً ملحوظاً لجماعات (القاعدة) من جهة أخرى. وقد لوحظ أن إيران تعمل بشكل متزايد على إيجاد معارضة قوية في الشارع اليمني للحرب التي تشنها الولايات المتحدة بالشراكة مع الحكومة اليمنية ضد جماعات القاعدة هناك (13)“.

وبين أشكال التدخلات الإيرانية في اليمن، كما بات متعارفاً عليه كمصطلح، دعمها الإعلامي للجماعات المناصرة لها، فالأمر لم يعد كما في السنوات الماضية التي شهدت وقوفاً إعلامياً من قنوات إيرانية مع جماعة الحوثي أثناء آخر جولتي حرب مع الحكومة اليمنية، وهو الأمر الذي استفز حينها السلطات اليمنية، وتوترت علاقات البلدين، بل أصبحت إيران تمول وسائط إعلامية متلفزة وغيرها من الوسائط لجماعة الحوثي ولأحد فصائل «الحراك الجنوبي». ليس ذلك فحسب، فالتقارير الصحافية اليمنية تشير إلى تدريب العشرات من الكوادر الصحافية اليمنية في العاصمة اللبنانية بيروت في المجال الإعلامي والدعاية الإعلامية وبإشراف من حزب الله اللبناني، بعد أن كان الحديث يدور عن تدريب كوادر الحزب لكوادر حوثية في إيران نفسها إلى جانب لبنان في السنوات الماضية، ومن دعم الحوثيين إلى التدخلات ودعم أطراف أخرى وإرسال الأسلحة ومصانع يمكن أن تستخدم لإنتاج الأسلحة، إلى الدعم المالي والإعلامي وغيرهما من أوجه وأشكال الدعم، وربما ليس انتهاء بالشعارات، تظل هنا كأطروحات وقصص يومية يمنية، وفصول أولى للأحداث ربما تشكل مستقبلاً للعلاقات اليمنية-الإيرانية من جهة، ومستقبل إيران وخصومها من جهة أخرى (14).

ويرى المراقبون أن أصابع إيران لم يكن لها أن تتغلغل في اليمن لولا وجود عوامل موضوعية تساعدها على ذلك، وأهمها الحركة الحوثية؛ حيث تلعب الحركة العامل الأبرز في تمدد إيران وتوسعها في اليمن (15).

ولهذا؛ فإن جهود إيران انصبت -منذ قيام الثورات العربية المعروفة باسم (الربيع العربي) -على تقوية واقع الحركة إعلامياً (16)، وتسليحاً وسياسياً وعلى المستوى المالي. ففي جانب السلاح تعمل إيران بشكل حثيث على ضمان تدفق السلاح إلى الحوثيين، سواء عبر تهريب شتى أنواع الأسلحة إلى صعدة، أو عبر الدعم المالي لشراء السلاح من الأسواق اليمنية.

وأشارت تقارير دولية -في السنوات القليلة الماضية -إلى قيام إيران بإنشاء قاعدة لها في إريتريا لمد الحوثيين بالسلاح عبر رحلات بحرية إلى المناطق القريبة من سواحل مينائي مِيِدي واللُّحَية القريبين من صعدة.

وهناك أنباء تشير إلى قيام السفن الإيرانية الموجودة في منطقة خليج عدن -بحُجة المساهمة في مكافحة القرصنة -إضافة إلى سفن تجارية إيرانية، بتهريب كميات من الأسلحة عبر قوارب صيد يمنية إلى داخل اليمن (17). كما كشف تقرير أمريكي أمني صادر عن مركز (ستراتفور) للاستشارات الأمنية في ولاية تكساس -عام 2009م -، عن دور إيراني في عمليات تهريب منتظمة، وقال: “إنها كانت تتم من ميناء (عصب) الإرتيري إلى السواحل القريبة من محافظة صعدة في مديرية (ميدي) اليمنية؛ ليتم تخزينها هناك، ومن ثم يتم نقلها عبر مهربين إلى محافظة صعدة معقل المتمردين الحوثيين”. وأضاف التقرير “أن الطوق الأمني الذي فرضته القوات البحرية السعودية على ميناء ميدي وسواحل اليمن الشمالية، كان ذلك أثناء المواجهات المسلحة بين الحوثيين والقوات السعودية مما دفع القوات البحرية الإيرانية إلى إضافة أسطولٍ رابع تمركز في خليج عدن، وذلك لتأمين طرق جديدة لتهريب الأسلحة للتمرد الحوثي” (18).

وجاءت تصريحات مسؤول العلاقات الخارجية في التحالف الإريتري المعارض (بشير إسحاق) عن وجود معسكر تدريب لعناصر من أنصار الحوثي بدعم وإشراف إيراني في منطقة (دنقللو) شرق مدينة (قندع) الإريترية، ليزيد من التوقعات عن تحول كبير في النهج الإيراني في المنطقة، خاصة تجاه اليمن. ويتهم بشير النظام الإريتري بإيواء معارضين للحكومة اليمنية، والسماح لهم بالقيام بأنشطة من شأنها أن تؤدي إلى زعزعة الأمن والاستقرار في اليمن. ويحذر القيادي المعارض الإريتري مما أسماها “الأبعاد الخطرة” التي بدأ يأخذها التعاون الإيراني الإريتري في الآونة الأخيرة، وما قد يشكله من تهديد لأمن المنطقة ودولها بصفة عامة. وأشار إلى أنّ لإيران “أهدافاً ومصالح معروفة تسعى لتحقيقها ضمن استراتيجية ترمي لتوسيع نفوذها في منطقة البحر الأحمر”. وكشفت معلومات في صنعاء عن وجود معسكرات لتدريب المتمردين الحوثيين في إريتريا، حيث توجد وحدات من الحرس الثوري الإيراني في إريتريا يعتقد أنهم يقومون بتدريب المتمردين وتزويدهم بالسلاح عبر ميناء “عصب” الإرتيري، حيث تسهل حركة المتمردين من الميناء المذكور إلى ميناء ميدي اليمني والذي لا يفصلهما عن بعضهما البعض سوى كيلومترات قليلة (19).

 

جهاد عبد الرحمن احمد

باحث وأكاديمي يمني

نقلاً عن مركز المزماة للدراسات والبحوث 

 

المراجـــــع:

(1)    حسن أبو طالب، الوحدة اليمنية ( بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية ، كانون الثاني / يناير 1994م)، ص 223.

(2)    عبد الله أحمد العود ، السياسة الخارجية اليمنية خلال عشرين عاماً، مجلة أبحاث سياسية ، العدد 2 ( صنعاء : زارة الخارجية ، آب / أغسطس 1998م)، ص 30 -31.

(3)    التقرير الاستراتيجي السنوي – اليمن 2000م.

(4)      مجلة السياسة ، العدد 17468 ، صنعاء ، وكالة الأنباء اليمنية سبأ ،  إبريل / نيسان2000م، ص 8.

(5)    نصر طه مصطفى، عن النشاط الاستخباري الإيراني في اليمن، 12/ 12/ 2013م.

http://www.algomhoriah.net/articles.php%3Fid%3D32763

(6)    الحرب السعودية ضد الحوثيين تفضح التهديدات الإيرانية لأمن الخليج11/21/2013م.  http://www.moheet.com/show_news.aspx?nid=320880&pg=1

(7)    تقرير صحيفة أخبار اليوم اليمنية، رصد قناة العالم الفضائية، العدد 660، 14 كانون الثاني / يناير2006.

(8)    صحيفة الأخبار اللبنانية، 4/7/2008.

(9)    حوار صحفي نشر في مجلة الأهرام العربي، بتاريخ 19 حزيران / يونيو2008م.

(10)صحيفة (الوطن) السعودية، في 17  أيلول / سبتمبر 2012م.

(11)صحيفة (الشرق الاوسط)، في 15  شباط / فبراير 2012م.

(12)عرفات مدابش ،  الصحوة نت . 11 كانون الأول/ ديسمبر2013م، نقلاً عن الشرق الاوسط.

(13)صحيفة (الشرق الأوسط)، في 12 تشرين الأول/ أكتوبر 2012م.

(14)عرفات مدابش ، مرجع سابق.

(15)صحيفة (الخليج) الإماراتية، في  2 آب/ أغسطس 2012م.

(16)يمتلك الحوثيون قناة فضائية باسم (المسيرة)، وبدأ بثها رسمياً من بيروت في كانون الثاني/ يناير 2012م. ويأتي إنشاء القناة – بحسب ما تداولته وسائل الإعلام – بعد قيام إيران باستقطاب كوادر إعلامية بارزة لمساندة مشروعها في اليمن، من مختلف المحافظات، إضافة إلى تدريب كوادر حوثية إعلامياً من خلال دورات تدريبية أجريت لهم في القاهرة  وبيروت  وطهران، وبإشراف كادر لبناني من مؤسسة (المنار) اللبنانية التابعة لـ «حزب الله». ويظهر من سياسة القناة موافقتها للسياسات الإيرانية في المنطقة، سواء على الصعيد العالمي أو العربي أو المحلي، ومساندة النظام الإيراني والسوري وحزب الله والقوى الشيعية في المنطقة.

(17)صحيفة (الجزيرة) السعودية، في 27 تشرين الثاني/ نوفمبر 2009م. وكان قائد الحرس الثوري الإيراني قد أعلن يوم 29 أغسطس 2009م، أن قوات الحرس الثوري ستكثف وجودها في خليج عدن.. وقال: إن زيادة الوجود الإيراني في خليج عدن هو «لأغراض دفاعية»، مؤكداً أن «صواريخ إيران دقيقة جداً، وتصيب أهدافها في أي مكان» دون أن يعطي تفاصيل إضافية. صحيفة (الشرق الأوسط)، في  30 آب /أغسطس 2009م.

(18)المصدر أونلاين، في 14 كانون الأول/  ديسمبر 2009م.

(19)صادق السلمي،( صحيفة الوطن ) ، العدد 3319، 31  تشرين الاول / اكتوبر 2009.

الوسم : إيراناليمن

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق