العلاقات الإيرانية القطرية (1)

تنافس وأفضلية

مدخل – تطور الخط الزمني:

تذكر أغلب الأدبيات التي تدرس وتلحظ الحالة القطرية في إطار دراسات الشرق الأوسط ومنطقة الخليج العربي وما يدور حولها من تغيرات جيوسياسية واستراتيجية أن دولة قطر تحولت بشكل خاص بعد ما يسمى بثورات الربيع العربي إلى ظاهرة نشطة في عالم الدبلوماسية والتأثير في قضايا الشرق الأوسط علماً أن دورها يمتد إلى ما هو أقدم من ذلك بعقد من الزمن على الأقل.

فبعد أن كانت إمارة صغيرة فقيرة تعتمد على التجارة البحرية وصيد اللؤلؤ تحولت قطر إلى واحدة من أغنى دول العالم خلال فترة قصيرة من الزمن، إذ ونتيجة الاكتشافات الكبيرة للنفط والغاز الطبيعي فيها نمت بشكل متسارع منذ أربعينيات القرن الماضي إلى واحدة من أهم الدول المصدرة للطاقة على مستوى العالم وخصوصاً الغاز الطبيعي المسال.

بقيت قطر محمية بريطانية حتى 1971 منذ ما يقرب من 150 عاماً تحت حكم عائلة آل ثاني حين أعلنت الإمارة استقلالها ورفضت الانضمام إلى مملكة البحرين أو دولة الإمارات العربية المتحدة، ويذكر في نهاية القرن التاسع عشر أن ثارت مشاكل بين قطر والبحرين حول مناطق نفوذ قبلي، لكن جاءت أول إشارة لقطر كدولة مستقلة من الجانب البريطاني الذي كان يسيطر على أغلب مناطق الخليج. وبناء على دعوة أمير قطر في ذلك الوقت قامت القوات العثمانية بتشكيل حامية عسكرية في المنطقة ما بين عامي 1871 و1913، وفي عام 1916 وقعت قطر اتفاقية مع بريطانيا تتحكم بموجبها لندن في علاقات قطر الخارجية مقابل ضمان وجودها وأمنها.

يتصاعد الخط الزمني لتطور قطر عندما بدأت مرحلة الاكتشافات النفطية خلال فترة الأربعينات من القرن الماضي، تبعها اكتشاف الغاز الطبيعي في فترة الخمسينيات. وفي عام 1968 أعلنت بريطانيا أنها ستقوم بسحب قواتها من منطقة الخليج العربي، وبدأت قطر مفاوضات مع كل من البحرين والإمارات العربية التى شكلت فيما بعد دولة الإمارات العربية المتحدة، في محاولة للاندماج انتهت برفض قطر وإعلان استقلالها عام 1971، وفي عام 1972 دشن خليفة بن حمد آل ثاني أول الانقلابات في الخليج عندما تولى الحكم خلفاً لأبيه إثر انقلابه عليه بعد فترة من الصراع داخل الأسرة الحاكمة.

بدأ النجم القطري بالسطوع بعد انقلاب أبيض قام به الأمير حمد بن خليفة على والده عام 1995 تولى بموجبه مقاليد السلطة في البلاد، وبدأت قطر بالظهور على المسرح الدولي عبر العلامة الفارقة في تاريخ الإعلام العربي عندما تبنت عام 1996 إطلاق قناة الجزيرة الفضائية كقناة إخبارية مستقلة من الدوحة، التي كانت لاحقاً المعبر الذي أخرج قطر إلى العالمية، بعد أن كانت إمارة مجهولة بالنسبة لكثير من الشعوب.

 

محددات سلوكية للسياسة القطرية:

تتحرك هذه الإمارة الصغيرة في منطقة تعتبر من أعقد مناطق العالم على الإطلاق وتتزاحم فيها بؤر توتر تركبت فيها معادلات متشابكة من العلاقات والمصالح، أصبح الخوض فيها يحتاج إلى إمكانات جيواقتصادية وسياسية وعسكرية ضخمة ترتقي لامكانيات الدول العظمى، لا تتوافر في حالة الدولة القطرية، لاسيما بوجود لاعبين أشقاء كبار ودول إقليمية مهمة.

إن دولة كقطر وإن كانت تملك تلك الإمكانيات المادية الضخمة إلّا أنها بحسابات قوة الدول نجدها تعاني من ضعف في القدرات التي تحكم جغرافيتها المحدودة وعدد سكانها الصغير وبالتالي فإنها لا تملك خيارات مفتوحة ومتنوعة لحماية أمنها الوطني بالموارد المحلية فقط، وستكوّن جملة وشبكة من العلاقات والتحالفات التي تقيمها قطر عنصراً تأسيسياً في منظورها لحفظ أمنها وبرمجة استراتيجيتها.

تاريخياً، اعتمدت استراتيجية قطر بالدرجة الأولى على الارتباط بدولة عظمى كما كان ذلك حاصل مع بريطانيا قبل انحسارها عن مسرح السياسة العالمية وتواجدها العسكري خلف البحار، أما العنصر الآخر الذي تقوم عليه الاستراتيجية القطرية فهو الموازنة بين عدة دول إقليمية عبر انتهاج سياسات مرنة حيالها وخلق هامش حركة رشيق لا يشكل تهديداً بالمعنى الاستراتيجي إذ أنها بطبيعة الحال لا تملك أن تكون قطب بقدر ما تستطيع أن تحقق معادلة (الوسيط – الطرف) وهي معادلة دقيقة قوامها المعارف الدبلوماسية العالية والإمكانية المادية الكبيرة، دون أن تتناسى أنها لا تستطيع أن تشكل عامل استقطاب على غرار الدول الإقليمية الكبرى أو القوى العالمية العظمى.

ولو أردنا عن نعين عناصر هذه المعادلة فسنجدها متموضعة في مجموعتين:

1.    العلاقة مع قوة عظمى: فقطر ترتبط بعلاقة أمنية صريحة مع واشنطن كضامن لأمنها أمام التهديدات المحتملة متخذة في ذلك خيار الارتباط بقوة عالمية عظمى، إذ يتواجد في قطر القاعد الجوية العسكرية الأمريكية الأضخم في منطقة الخليج وهي قاعدة العديد .

2.    الموازنة بين عدة قوى إقليمية: وتعتمد الدوحة في ذلك مبدأ الموازنة بين عدة دول إقليمية تقف على النقيض من بعضها وهي ترتبط بمروحة علاقات سياسية متفردة عن الدول العربية الأخرى مع إسرائيل وتجمعها علاقة جيدة مع إيران، فضلاً عن الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية.

وكانت قطر حتى وقت قريب تؤدي دوراً مع سورية في لعب دور الحلقة الواصلة بين عدة قوى إقليمية هي إيران وتركيا وقوى دولية هي الولايات المتحدة وروسيا فيما يشبه شبكة شديدة النفوذية والانتقائية يتيحها التموضع الجغرافي لسورية والإمكانات الدبلوماسية والعلاقات القطرية ولهذا مستوى آخر من البحث ربما نعرج عليه في دراسات قادمة.

تقف قطر في النقطة الحرجة الواقعة على الحد بين المستويين الدولي بالتحالف مع الولايات المتحدة الأمريكية حتى توازِن من ثقل السعودية الشقيق الأكبر والأقوى، وعلى المستوى الإقليمي ترتبط بعلاقات جيدة ومميزة مع قوة إقليمية هي إيران فتكون بذلك ضبطت طرفي المعادلة ووازنتهما إلى درجة كبيرة، فهي مندمجة ومتفاعلة في مجلس التعاون الخليجي بالدرجة الكافية بحيث لا تثير الدول الخليجية وبالتحديد المملكة العربية السعودية ولا تعادي إيران التي تتشارك معها في أكبر حقل نفطي بالعالم هو حقل الشمال .

وتُعتبر العلاقة القطرية الإيرانية من العلاقات المركبة ذات الامتدادات المتشعبة والمتداخلة على مستوى العلاقات الثنائية (القطرية – الإيرانية) وعلى مستوى الملفات الإقليمية المشتركة، وإذا كانت قطر تسجل تحفظها على المشروع النووي الإيراني فإنها تلعب دوراً نشطاً في تقريب وجهات النظر فضلاً عن دور بارز في الدبلوماسية الخفية في الميادين الدولية محاولةً تجنب نزاع واسع في المنطقة خشية تأثر جغرافيتها المحدودة من وقوع اضطراب غير منضبط أو غير قابل للضبط في ظل الاستقطاب الإقليمي الحاد الذي ينفجر على شكل احتراب بالوكالة في أكثر من دولة عربية.

ويبقى لملف الطاقة دوراً بالغ الأهمية في تعيين مسارات السياسة القطرية، فهي تشكل الدولة الثالثة على مستوى العالم من حيث حجم الاحتياطي بعد روسيا وإيران لكنها تعد الأولى عالمياً من حيث كونها المصدِّر الأول عالمياً وقدِّر حجم احتياطيها بـ 13.8 تريليون م3 من الغاز المسيل و 4.3 مليار طن بترول (27 مليار برميل(.

 

قطر وإيران تنافس وأفضلية:

تشترك قطر وإيران في غاز حقل الشمال الذي يمثل أكبر حقول الغاز في العالم، وتقدم الشركات الغربية لقطر التكنولوجيا التي تساعدها على تجميد الغاز المستخرج وتحويله إلى غاز مسال قابل للتصدير، ومنعت وصول مثل هذه التكنولوجيا إلى إيران التي ظلت عاجزة عن منافسة قطر في استغلال حصتها من الغاز في حقل الشمال بسبب العقوبات الدولية المفروضة عليها، وهذا ما يدفع إيران لإبداء الحذر من أن تتجاوز قطر حصتها القانونية حيث أنها تستخرج كمية كبيرة تستهلك بموجبه إمكانيات هذا الحقل بمعدل أسرع من المعدل الإيراني ولهذا نتائجه على المستوى البعيد من حيث إسقاطاته في التنمية المستدامة واستثماراته الحالية في دعم البنية التحتية طويلة المدى، علماً أن قطر قامت بتجميد أي تطويرات إضافية في حقل الشمال عام 2005، ويتوقع استمرار هذا التجميد حتى عام 2015، لتقييم قدرات الحقل الإنتاجية على المدى البعيد، ومن المتوقع أن يبدأ الإنتاج في مشروع برزان في عام 2014، وهو أحدث مشروع تطوير إنتاجي في حقل الشمال قبل إعلان التجميد، وسيتوجه إنتاجه للسوق المحلية .

يوفر قطاع النفط والغاز أكثر من نصف إجمالي الناتج المحلي القطري في 2012 ، حسب احصاءات جهاز الإحصاء الرسمي القطري، وجلبت صادرات الغاز لقطر نحو 7.6 مليار في شهر أبريل/ نيسان 2013 فقط، أي ما يعادل نسبة 65% من إيراد الصادرات فيها، وتنتج قطر 157 مليار متر مكعب من الغاز مما جعل منها رابع أكبر منتج للغاز في العالم عام 2012. وحسب إحصاءات شركة بريتش بيتروليوم تعد قطر حتى الآن أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم، وتمثل صادراتها منه البالغة 105.4 مليار متر مكعب في عام 2012 ما يقرب من ثلث الصادرات العالمية من الغاز الطبيعي المسال، وتأتي نسبة 80% من صادرات الغاز القطرية في شكل غاز طبيعي مسال، يصدر نحو نصفها عبر الناقلات البحرية إلى آسيا، كما تصدر الغاز عبر الأنابيب إلى دولة الإمارات العربية وعمان.

هنا تماماً تتبدى عقدة مهمة من عقد الشرق الأوسط وهي طرق وخطوط الإمداد العالمي بالنفط والغاز، وبالنسبة لقطر التي ما تزال تعتمد على الناقلات البحرية في تصدير الغاز نحو آسيا تنظر إلى شبكة خطوط الأنابيب التي كانت ستمتد من “حقل الشمال” بعين الريبة إذ كان سيعبر من إيران إلى سورية مروراً بالعراق خالقاً بذلك منافساً قوياً لقطر ودول الخليج عموماً في السوق العالمية ويرفع من مكانة الموانئ السورية على البحر المتوسط، إذ كانت قطر تتطلع إلى أن تستأثر بمثل هكذا خط من الخليج نحو المتوسط عبر السعودية والأردن وسوريا. علماً أنه في 25 حزيران/يونيو 2011 تم التوقيع على تفاهم في بوشهر حول بناء خط أنابيب الغاز الجديد (إيران- العراق- سوريا) يمتد على طول 1500 كم من “عسلويه” الواقعة على أضخم حقل غاز في العالم (حقل الشمال أو بالفارسي “نورث دوم”/”ساوث بارز” ) إلى دمشق. سيكون طول هذا الخط في الأراضي الإيرانية 225 كم, وفي الأراضي العراقية 500 كم, وفي سوريا 500- 700 كم، وفي مرحلة لاحقة يمكن أن يمتد تحت البحر الأبيض المتوسط وصولاً إلى اليونان، وبالتالي يصبح احتمال تزويد الغاز المسيل إلى أوروبا عن طريق الموانىء السورية المتوسطية أمراً معقولاً وقابلاً للتطبيق. وسنرى في الجزء الثاني من هذه الدراسة كيف أثر ذلك لاحقاً على المنظور القطري وحساباتها.

 

 مازن محمود علي

نقلاً عن مركز المزماة للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق