العدالة الانتقالية والخصوصية اليمنية في تطبيقها

إن تعبير العدالة الانتقالية نشأ بهدف مواجهة إرث انتهاكات حقوق الإنسان، وبذلك يعرف هذا المفهوم بأنه مجموعة من الأساليب والآليات التي يستخدمها مجتمع ما لتحقيق العدالة في فترة انتقالية في تاريخه، تنشأ هذه الفترة غالباً بعد اندلاع ثــورة أو انتهاء حـرب، يترتب عليها انتهاء حقبة من الحكم السلطوي القمعي داخل البلاد للمرور بتلك المرحلة الانتقالية نحو التحول الديمقراطي، ويرجع ميلاد هذا المصطلح في ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية في (محاكمات نورمبرج)، وهي تعد من أشهر المحاكمات التي شهدها التاريخ المعاصر، والتي قامت بمحاكمة مجرمي الحرب من القيادة النازية، وتم بها تعويض للمتضررين من تلك الممارسات، وبها تم تعويض اليهود عن جرائم النازية في عهد هتلر في ألمانيا ، وهناك العديد من الدول عملت في تطبيقه ففي الأرجنتين تشكلت (لجنة تقصي الحقائق) عام 1983م، للانتهاكات التي قام بها حكم العسكر، وكذلك كان لتشيلي عام 1990 نفس نموذج الارجنتين، وكان كذلك لدولة جنوب إفريقيا تجرب في العدالة الانتقالية من خلال تشكيل (لجنة الحقيقة والمصالحة) عام 1995م، في عهد ” نيلسون مانديلا ” لتعامل مع قضايا الانتهاكات العنصرية الجسيمة التي تعرض لها السكان السود في فترة التمييز العنصري الطويل ، وقد تم الاكتفاء بالاعتراف بمأتم من الانتهاكات العنصرية خلال الحكم العنصري.

وقد تمثلت العدالة الانتقالية بعملية التسامح، وكان حدودها رمزي أنساني ليس مادي، وكذلك تقبل العدالة الانتقالية أن يعترف بالجرم الأبناء او الأجيال اللاحقة، واعترف هؤلاء، وشعورهم بالندم وهو رمزي، وقد مثل اعتراف الأجيال اللاحقة من الشعب الأمريكي بخطاء الحرب التي قامت بها أمريكا ضد فيتنام، وقد تقبل الأجيال اللاحقة من الشعب الفيتنامي هذا الاعتذار، وبذلك قضايا العدالة الانتقالية لا تسقط بالتقادم حتى بوفاة مرتكبيها.

وقد كان لدولة المغرب العربية تجربة خاص جداً بالعدالة الانتقالية، حيث قام الملك الحسن الثاني عام 1995، بعد صراعه السياسي الطويل مع المعارضة بإنشاء (هيئة الإنصاف والمصالحة)، والتي قامت بتقصي الحقائق، وساهمت بإخراج المسجونين، وإعادة المعارضة من الخارج، وأشاركهم في إدارة الدولة ومؤسساتها، حيث تشكلت حكومة قادتها المعارضة برئاسة عبد الرحمن اليوسفي، وبذلك تميزت تجربة المغرب بالفريدة في التعامل مع العدالة الانتقالية، حيث تمت من داخل النظام نفسه، ولم يتم تنفيذها عقب انتهاء حرب أهلية أو ثورة.

إذا لكل دولة ظروفها وتحدياتها ومشكلاتها، وليس الهدف هو تقليد هذه التجارب او استنساخها في اليمــــــــــن من خلال هذا العرض، بل من زاوية انتقاديه لتسليح التجربة الجديدة في اليمن، حيث حملت مسودة مشروع ة قانون العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية لعام 2012م، التي أتت بها وزارة الشؤون القانونية، وقد ورد في المادة (2) و(3 ) و(5) في موادها حالة تجاوز للخصوصية اليمنية، وللمبادئ وأسس الوحدة الوطنية، وكانت تمثل قوانين انتقائية، وليست قوانين انتقالية للمرحلة لان القول بأن المرء يمكنه محو الماضي بالعفو ببساطه، وخلق حالة من فقدان الذاكرة بشكل مقصود، والسماح بإفلات الجناة ومرتكبي الجرائم من العقاب من خلال الضمانات الرسمية المتمثلة بقرارات أو قوانين هو قول غير مقبول في القانون الدولي الإنساني، وحاولت تلك المسودة تثبيت قانون الحصانة التي أتت بها المبادرة الخليجية “للرئيس السابق على عبد الله صالح وأعوانه” لن ترك المحاكمات تحت دعوى المسامحة هي دعوى خاطئة جداً لأن غلق الملفات دون إظهار الحقيقة، وتعويض المتضررين معنوياً ومادياً يفتح باب الثأر، ويزيد من التوتر، وليس العكس.

في مؤتمر الحوار الوطني على الرغم أن كان هناك جدلية بين أعضاء الفريق حول تسمية الفريق بأن يكون فريق العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية وقضايا ذات بعد وطني، وأرى كان يفترض إزالة مصطلح قضايا ذات بعد وطني لوجود فرق للقضايا الوطنية كقضية صعدة وقضية الجنوب، ولكن اليوم استطع فريق قضايا ذات بعد وطني والمصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية في مؤتمر الحوار الوطني، أن يطمس تلك المسودة السوداء لمشروع قانون العدالة الانتقالية لعام 2012م، وفي التقرير الأول التي قدمته فريق لمؤتمر الحوار الوطني في الجلسة الثانية، وأشار التقرير إلى أنه تم تقسيم عمل الفريق إلى محورين رئيسين:

 المحور الأول: قضايا ذات بعد وطني، ويضم مجموعة قضايا النازحين، وسبل معالجتها، مجموعة استرداد الأموال والأراضي المنهوبة في الداخل والخارج بسبب سوء استخدام السلطة سابقاً.

المحور الثاني: المصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية، ويضم مجموعة الصراعات السياسية، مجموعة قضايا وحقوق المخفيين قسراً، مجموعة قضايا انتهاكات حقوق الإنسان، وتندرج في إطارها الانتهاكات التي حصلت في العام 2011م، والانتهاكات الحاصلة في جنوب الوطن منذ بدء الحراك الجنوبي في عام 2007م، وكذلك أشار التقرير إلى الآتي:

  • ضمان حيادية المؤسسات والأجهزة العسكرية والأمنية والاستخباراتية كمؤسسات وطنية محترفة لا تتدخل بالشأن السياسي والمدني، وتتجسد مهمتها في حماية أمن الوطن والمواطن وصيانة السلم الأهلي والاجتماعي، وأن تحترم الدولة حق المواطنين في التظاهر السلمي، والتعبير عن الرأي وحماية هذا الحق بتشريعات تضمن حماية المواطنين بما لا يسمح بارتكاب أي انتهاكات لحقوق الإنسان مستقبلاً.
  • أكدت على ضرورة الإسراع بتسمية أعضاء لجنة التحقيق المستقلة للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان لعام 2011م، وذلك بحسب توصيات مجلس حقوق الإنسان ووفقاً للقرار الجمهوري رقم 140 لعام 2012م، وأن تتبنى الدولة إصدار قانون خاص لإنشاء هيئة مستقلة لمواجهة حالات النزوح والطوارئ والكوارث لأي سبب كان، وتسخر له كل الإمكانات البشرية والمادية والمعدات والتجهيزات الفنية اللازمة بما في ذلك بناء معسكرات الإيواء المناسبة، وفقاً للمعايير الدولية المتعارف عليها بما يكفل القدرة على مواجهة تلك الظواهر وآثارها.
  • على الحكومة الإسراع باتخاذ الإجراءات اللازمة لإعادة إعمار المناطق والمنشآت الخاصة والعامة المتضررة بسبب النزاعات المسلحة في كل من صعدة وأبين وحجة، إضافة إلى جبر الضرر بتعويض الممتلكات ومعالجة الجرحى وتعويض أسر الضحايا، والعمل على توفير حياة كريمة ملائمة تغطى فيها الاحتياجات الصحية والتعليمية والاجتماعية في مناطق النزوح، وكذا ضرورة إعادة النظر في أحكام قانون شاغلي الوظائف العليا بما يكفل خضوعهم للمساءلة، وجعلهم تحت طائلة القانون، واختصاص الأجهزة الرقابية.
  • صياغة استراتيجية وطنية شاملة لمكافحة الإرهاب، ووضع قانون خاص بمكافحة الإرهاب، وتجريم القتل خارج نطاق القانون بما في ذلك ضربات الطائرة بدون طيار، والصواريخ الموجهة، وتجريم تقييد حرية المتهمين لفترات طويلة دون تقديمهم للقضاء. ورد الاعتبار والتعويض للأشخاص الذين سبق اعتقالهم بتهمة الإرهاب، ولم تثبت إدانتهم، وتنفيذ برامج إعادة التأهيل والدمج، وإيلاء ملف معتقلي غوانتانامو الاهتمام اللازم، وأن تلتزم جميع القوى السياسية، ومنظمات المجتمع المدني، وغيرها من الفعاليات الممثلة بمؤتمر الحوار الوطني إدانة الأعمال الإرهابية بكافة أشكالها وأنواعها وأسبابها، والالتزام بعدم التأصيل لها دينياً أو سياسياً أو تحت أي مبررات، وإلزام الدولة بتعويض، وجبر ضرر جميع ضحايا العمليات الإرهابية، وضحايا أخطاء مكافحة الإرهاب من المدنيين، والعسكريين، وتخليد ذكراهم.
  • تلتزم الدولة بإحالة كل من ثبت تورطهم بقتل المعتصمين السلميين او منتسبي المؤسسات الأمنية، والعسكرية إلى التحقيق، والمحاكمة، ومن حرض على ذلك، والإفراج عن المحتجزين والمعتقلين بمن فيهم المعتقلين من شباب الثورة والحراك السلمي الجنوبي وسجناء الرأي مالم يكونوا مدانين على ذمة قضايا جنائية أو “إرهابيه”، وضرورة إجراء تحقيق شفاف في الجرائم السياسية الكبيرة التي أثرت على المجتمع.
  • تجريم التكفير والتخوين بشكل عام وبشكل خاص في العمل السياسي والحقوقي والتأكيد على أن قضايا الأموال والأراضي المنهوبة لا تسقط بالتقادم.

 أرى بأن التقرير استطاع أن يتعامل مع خصوصية الشخصية اليمنية، ومع الإحداث السياسية والاجتماعية التي حدثت في الفترة الماضي في اليمن، وقد شكلت هذه التوصيات صيغة لمواد قانونية في الدستور الجديد. لن المصالحة لا تعني غلق الملفات، ولكن تعنى فتحها والاعتراف بالجرائم، وإعلان حق الضحايا، ثم اعتذار المرتكبين، وتعويض الضحايا ثم إعطاء العفو على قدر الحاجة. وتأكيد أيضا على عدم تكرار تلك الانتهاكات التي حدثت وإزالته. بالرغم أن العدالة الانتقالية مطلباً إنسانياً فهي تقوم على أساس القبول الطوعي بها، ولا يمكن فرضها بالقوة على أولياء الدم إذا تمسكوا بحقهم في الحصول على العدالة الانتقالية، ولكن ما يؤخذ على التقرير بأنه حصر الانتهاكات لحقوق الإنسان بأحداث ثورة 11 فبراير لعام 2011م، واحدث الصراع في الجنوب لعام 2007م، والتاريخ اليمني المعاصر منذَ عام 1962م، وحتى ألان شهد حالات من سلسة العنف، والقتل ولأقصى، واخرج أشخاص كان لهم صياغة في تاريخ العطاء الإنساني، والوطني، وما حدث كذلك في صعدة منذَ عام 2004م، وحتى عام 2010 من حروب يجب أن يكون هناك جبر الضرر للمتضررين معنوياً إذا لم نستطيع الدولة مادياً.

واليوم عملية التغير في اليمــــن أتت بها الشرعية الشعبية، وليس شرعية المبادرة الخليجية التي حاولت طمس تضحية شهداء 11 فبراير 2011م، واستبدل الهوية الخليجية العقيمة في الإصلاحات المؤسساتية الديمقراطي المعدومة بالأساس في مبادرتها بدون مراعاة للخصوصية اليمنية.

إذا يجب العمل بإجراءات العدالة الانتقالية العقابية لأنه لا يوجد سلم بدون عادلة، لكي نستطيــــــع بناء اليمـــــن الجديد.

جهاد عبد الرحمن أحمد

كاتب وأكاديمي يمني

نقلاً عن السبئي نت

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق