العبث الإيراني في الجزائر إلى أين

في سبتمبر الماضي أغلقت السلطات السودانية المراكز الثقافية الإيرانية بتهمة “التبشير بالمذهب الشيعي”، ومنحت مهلة 72 ساعة لموظفي تلك المراكز لمغادرة البلاد. وأكدت مصادر حكومية في الخرطوم أن السلطات السودانية استدعت القائم بالأعمال الإيراني في البلاد، وأبلغته قرار إغلاق المراكز الثقافية الثلاثة، كما اتهمت وزارة الخارجية السودانية المراكز الثقافية الإيرانية بـ”تهديد الأمن الفكري والاجتماعي للسودان”.
على نمط الحالة السودانية، نجد أن إيران تعمل بجهد مضاعف على توطيد أقدامها في دولة عربية أخرى هي الجزائر. لقد مرت العلاقات بين طهران والجزائر بحالة من التأرجح منذ قيام الثورة الإيرانية في عام 1979. فبعد قطع العلاقات الدبلوماسية بين إيران والولايات المتحدة الأميركية عام 1980 كانت الجزائر راعية المصالح الإيرانية في واشنطن. إلا أن هذه العلاقة الجيدة لم تستمر طويلا حتى اتهمت الحكومة الجزائرية، في عهد رئيس الوزراء رضا مالك، إيران بدعمها السياسي والإعلامي لـ”الجبهة الإسلامية للإنقاذ”، ما قاد الجزائر إلى اتهام طهران بالتدخل في الشؤون الداخلية للبلاد، وبالتالي قطع علاقاتها الدبلوماسية مع إيران في مارس 1993، وتراجعت الجزائر أيضا عن رعاية المصالح الإيرانية في الولايات المتحدة الأميركية. وبعد نحو 7 أعوام من ذلك التقى الرئيسان بوتفليقة وخاتمي على هامش اجتماع للأمم المتحدة، الأمر الذي انعكس على مستقبل العلاقات بين البلدين، حيث عادت العلاقات الدبلوماسية في سبتمبر 2000 وتم تبادل السفراء بعد ذلك بعام.
وخلال العام الحالي تطورت العلاقات بين البلدين بشكل ملحوظ، ويبدو أن طهران تسعى إلى خلق تحالفات جديدة لها في شمال إفريقيا، ليس ذلك فحسب، بل ومحاولة إثارة الخلافات بين الدول العربية في تلك المنطقة. فقد تجاهل وزير الخارجية الإيراني في جولته في المنطقة المملكة المغربية، ما يؤكد أن طهران تتجه إلى تعزيز علاقاتها بالجزائر وتونس دون الرباط، بينما تزداد الهوة بين الأخيرة وإيران اتساعا على خلفية التوتر الذي ظهرت بوادره أخيرا على خلفية تأييد طهران، على لسان سفيرها لدى الجزائر، موقف الأخيرة الداعم لحق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره بنفسه.
وقد شهدت هذه الفترة عددا من الزيارات واللقاءات بين مسؤولين رفيعي المستوى من إيران والجزائر، أسفرت عن إبرام عدد من اتفاقيات التعاون الاقتصادية والثقافية، وصفتها بأنها تهدف إلى خلق كتلة اقتصادية قوية في مواجهة “الخصوم”. وشملت هذه الاتفاقيات برامج تنفيذية للتعاون، في مجالات الرياضة والتعليم العالي والبحث العلمي والمشاريع الكبرى، على امتداد السنوات الخمس المقبلة، كما تم تشكيل مجموعة الصداقة البرلمانية الجزائرية-الإيرانية، وإنشاء صندوق مشترك بين البلدين يسمح بتقوية العلاقات الاقتصادية بينهما. وعلى المستوى السياسي، تواترت الأنباء عن أن الرئيس روحاني قد طلب من نظيره الجزائري التوسط لدى التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية لوقف التدخل العسكري باليمن، وأن نائب وزير الخارجية الإيرانية مرتضى سرمدي هو من قدم الطلب الإيراني للوزير الجزائري المنتدب المكلف بالشؤون المغاربية والإفريقية عبدالقادر مساهل. الجزائر لم تنضم بعد إلى التحالف العسكري الإسلامي الذي أعلنت عنه الرياض أخيرا وضم أكثر من 35 دولة عربية وإسلامية، ما يثير كثيرا من الاستفهامات حول الموقف الجزائري.
وقبل أسابيع، نشرت وكالة مهر للأنباء خبرا عن اجتماع المستشار الثقافي الإيراني في الجزائر أمير موسوي مع عدد من المثقفين وأساتذة الجامعات في الجزائر، من بينهم قيصر مصطفى، ذو الأصول اللبنانية، الأستاذ في كلية الآداب التابعة لجامعة الجزائر في منطقة “بن عكنون” في العاصمة الجزائر. حيث تناول هذا الاجتماع أوضاع الجامعات والطلاب في الجزائر علميا واجتماعيا ومعيشيا، وأوضاع إسكان الطلاب والظروف الدراسية، وكذلك الأوضاع الثقافية وتصنيفات وسائل الإعلام الجزائرية المؤيدة والمعارضة للحكومة، وأيضا أوضاع ما أطلقوا عليه “فوبيا إيران” في الجزائر. وقال “قيصر مصطفى” إن صورة إيران و”خط المقاومة” في الجزائر إيجابية بشكل عام، وأكد على أن الأصوات المعارضة لها يتم تغذيتها من قبل “الوهابية” وفرنسا، وأن هذه الأصوات ليس لها قاعدة شعبية في الجزائر، على حد زعمه.
إذا كان الملحق الثقافي في السودان العقل المدبر لنشر التشيع وإقامة الحسينيات ومحاولة التغلغل في المجتمع السوداني بشتى الطرق، ما قاد الخرطوم إلى اتخاذ تلك الخطوة الجريئة لما يمثله هذا النشاط الإيراني من تهديد للأمن الفكري والاجتماعي في السودان، فإن أمير موسوي، القيادي في الحرس الثوري الذي كان يقدم نفسه في الإعلام العربي، بصفته محللا سياسيا ورئيس مركز دراسات في إيران، يعمل حاليا على تكرار المخطط الذي كان يستهدف السودان ولكن في الجزائر، وكما كانت طهران تقدم المنح الدراسية لبعض الشباب السوداني للالتحاق بالجامعات والمعاهد في طهران وقم وقزوين فهي تقوم بالشيء ذاته مع الجزائريين، فقد نقلت صحيفة “الشروق” الجزائرية عن وزير الشؤون الدينية والأوقاف الجزائري، محمد عيسى، تصريحه أن “عشرات الجزائريين موجودون في مدينة قم الإيرانية لدراسة المذهب الشيعي”. وإذا كانت طهران إبان فترة حكم الرئيس المعزول محمد مرسي تدندن على أن القاهرة كانت عاصمة الدولة الفاطمية الإسماعيلية الشيعية فيبدو أنها أيضا تنظر إلى الجزائر بصفتها مهد الدولة الفاطمية وبخاصة منطقة “إيكجان” أو “دار الهجرة” وهي مدينة بناها أبو عبدالله الشيعي في ولاية سطيف الجزائرية، وقد أقام بها عبيدالله المهدي مؤسس الدولة الفاطمية، ولا شك أن النظام الإيراني سيعزف على ذلك، بهدف التوغل عبر الشعارات المذهبية لتحقيق أهدافه السياسية في الداخل العربي، ليستمر بذلك في استهداف الاستقرار في المنطقة وإثارة القلاقل بين أبناء المجتمع الواحد، في ظل غياب تام لمشروع عربي يقف في وجه المشروع القومي والطائفي لدولة ولاية الفقيه في طهران، والسؤال هنا: إلى متى يستمر هذا العبث الإيراني في الدول العربية؟

نقلاً عن الوطن اونلاين

محمد السلمي

 

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق