العبادي بين مطرقة إيران وسندان التحالف: تبقى السعودية هي الضامن

بعد التقارب الذي تحقق بين السعودية والعراق في اجتماع وزير الخارجية في جدة ضمن دول التحالف ضد الإرهاب، واستعداد السعودية لفتح سفارة لها في بغداد، يبدو أن تلك الخطوة لم تعجب ليس فقط لداعش التي بادرت بالهجمة الإرهابية ببلدة الدالوة في الأحساء مطلع نوفمبر في 2014، بالإضافة إلى العملية الإرهابية التي أدت إلى استشهاد قائد حرس الحدود بالمنطقة الشمالية العميد عودة عوض البلوي وجنديين من حرس الحدود نتيجة التسلل على مركز سويف الحدودي مع العراق وكانت إيران وحلفائها في العراق أكثر امتعاضا من داعش من عودة تلك العلاقة.

هبت إيران بكل حرسها الثوري ومستشاريها لقتال داعش في العراق، ما يجعل السعودية عاجزة عن المشاركة في حرب لا تسمح إيران لها بالمشاركة فيها، لم تكتف إيران بهذا الحد بل أرغمت رئيس الوزراء حيدر العبادي الذي أراد أن يصحح المسار ويخفف من آثار تركة المالكي على العراق التي كانت سياساته الإقصائية  سببا في نشوء داعش وسيطرته على الموصل، امتدح العبادي في تصريح له الجنرال قاسم سليماني بالاسم في مؤتمر دافوس فاجأ به الجميع ، أوقف هذا التصريح فتح وشيك للسفارة السعودية ببغداد.

إيران تخلط الحرب على الإرهاب بالحرب على السنة، أي أنها تريد انتصارا طائفيا بالعراق على الإرهاب وعلى التحالف، وهي تهدف إلى تحويل وحدات الحشد الشعبي إلى حرس ثوري في العراق لحماية أتباعها الشيعة.

إعادة بناء الإمبراطورية الفارسية تراود الإيرانيين منذ زمن الشاه، وهي فرصة للإيرانيين أن يحققوا حلمهم في زمن الفوضى، وبعد تقدمهم في حربهم ضد داعش في تكريت أفصح خمسة من كبار القياديين في طهران بعد أن صرحوا بأن بغداد أصبحت عاصمة الإمبراطورية الفارسية.

بالطبع إيران تلعب بالعديد من الأوراق أهمها تصريح أوباما في إحدى المقابلات بأن العراق وسوريا وليبيا واليمن أصبح تقسيمها أمرا واقعا، وتأييد مصر في بقاء نظام الأسد لمواجهة المواقف التركية السائرة في دعم الإخوان المسلمين في مصر وفي المنطقة، وهو يخدم المصالح الإيرانية، وإن كانت مصر تعلن بأن دعمها الأسد من أجل إنهاء الاصطفاف السني الشيعي وهو عكس ما تراه السعودية.

الجميع يستخدم قميص داعش وهي فرصة لأن ينجو القتلة تحت شعار محاربة داعش والإرهاب الذي أفرغ من مضمونه ومن معانيه ما يسمح لتواجد مزيج من القتلة والفاسدين الذين يحكمون منظمة بدر بزعامة هادي العامري الذي أصبح زعيم الحشد الشعبي بعد رفض المكونات السياسية في العراق تسليم الزعامة لنوري المالكي.

يرفض هادي العامري نزع سلاح منظمة بدر في البصرة الخطة التي تتولاها الدولة لتصبح البصرة نموذجا لبقية المحافظات، لأن ما لدى العشائر في البصرة من الأسلحة يفوق ما لدى الحكومة هذا الصراع تغذيه أطراف محسوبة على الحكومة.

منظمة بدر زعيمها محسوبا على الحكومة يرى نفسه أنه أعلى من القانون، ويستفيد من وضع الحشد الحالي أي أن هذه القوى ليست سلمية، بل وجوه سياسية مسلحة سيكون لها أثر في التوازن السياسي كما كان في عهد المالكي وهو ما يرفضه العبادي.

ارتكبت الولايات المتحدة أخطاء إستراتيجية في العالم وفي المنطقة تتكرر من فيتنام إلى أفغانستان والآن في العراق وسوريا واليمن، أي تحولت المنطقة من الفوضى الخلاقة إلى الفوضى الخناقة حتى أصبح مسرح الشرق الأوسط والخليجي مقاصة بين الولايات المتحدة وإيران.

 سيصبح  الشرق الأوسط فريسة للتدخل الأمريكي العسكري بحجة مواجهة داعش  خصوصا بعد تأجيل إغلاق قاعدتين أميركيتين في أفغانستان حتى تتحول المنطقة إلى جحيم مشتعل، بل هناك أصوات في أمريكا تحذر أوباما من تجاهل خطر مليشيات طهران بغرض إبرام صفقة تاريخية.

تصاعدت النبرة الأمريكية ضد الحشد الشعبي بعد أن أوقفت الولايات المتحدة القصف الجوي بحجة أن العراق لم يطلب منها التدخل بضربات جوية حتى يضعف التدخل الإيراني، وبدأت أصوات السنة تطالب بعودة الضربات الجوية التي تم الاتفاق عليها بعد توقف اقتحام تكريت، والتي جاءت على لسان قائد عمليات صلاح الدين الفريق عبد الوهاب الساعدي، بينما الحشد الشعبي برئاسة هادي العامري يعتبر أن من يطلب التدخل الأمريكي فهو ضعيف.

تباين بين قادة المليشيات والجيش حول الحاجة إلى إسناد جوي أميركي خصوصا بعد حرق منازل في صلاح الدين يقيد ضد المندسين في الحشد الشعبي، وفقد 25 شخص من أبناء بلدة الدور، وإزالة صور صدام حسين فوق قبره ورفع صورة الجنرال الإيراني قاسم سليماني في قرية العوجة جنوب تكريت، أي أن انتهاكات الحشد الشعبي بولائه المزدوج الذي تأسس بفتوى من السيستاني لمقاتلة داعش حيرت العراقيين فتساءلوا من العدو؟ .

توقف عملية تحرير تكريت يثير الإحباط في الموصل والأنبار، لأن سكان المنطقتين كانوا يتوقون لإتمامها ليأتي دورهما، جعل العبادي يعتزم توحيد قيادات الحشد الشعبي تحت إمرته، قاطعا الطريق أمام المالكي المدعوم إيرانيا.

أصبح العبادي بين مطرقة إيران وسندان التحالف الدولي، وبدأ العبادي يبحث عما هو أكبر من التنسيق بل الإشراف المباشر على المؤسسة العسكرية، ويحتاج إلى ضامن وموازن يعزز من خطوته تلك خصوصا بعدما تحول الحشد الشعبي بقيادة هادي العامري إيرانيا، وبدأ ينفذ أجندة إيرانية وليس عراقية، واتهامه لقائد عمليات صلاح الدين عبد الوهاب الساعدي عندما قال أن بعض الضعفاء في الجيش يقولون نحتاج الأمريكيين أما نحن فنقول لا نحتاج إليهم.

 اتصل العبادي بالملك سلمان بن عبد العزيز هاتفيا واستعرض معه القضايا ذات الاهتمام المشترك خصوصا الحرب على داعش، إضافة إلى بحث تطورات الأوضاع إقليميا ودوليا عندها وجه له خادم الحرمين الشريفين دعوة لزيارة الرياض.

رؤية السعودية منذ احتلال العراق من قبل الولايات المتحدة 2003 هي التوازن الاجتماعي وتقوية عضد الجيش العراقي حتى تضمن الأمن الإقليمي والدولي، فيما اتجهت إيران لدعم مليشيات طائفية لتفكيك الدولة الوطنية ويحل محلها صراع طائفي، وهناك تساؤل في زمن المالكي كيف أن 1.5 مليون أمني تم إنفاق نصف ما انفق في العراق ب 600 مليار دولار على القوات الأمنية رغم ذلك سقطت الموصل في يد داعش؟.

يريد العبادي أن تدعم السعودية خطته التي ترمي إلى جعل الحشد الشعبي تحت إمرته، خصوصا بعدما أصبح الحشد الشعبي يمتلك أسلحة إيرانية تفوق ما يمتلكه الجيش وبين كون ذلك تمهيدا للحرس الوطني ، إنما يهدف أيضا إلى جعل القيادات السنية تضغط على قوى التحالف الوطني، لا سيما المتحفظة منها للحرس الوطني، لتمشيه مع مشروع القرار داخل البرلمان بأسرع وقت ممكن.

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق