الصراع مع إيران سياسي

يخشى الكثيرون من أبناء المنطقة أن يلتبس الأمر على بعض أفراد المجتمع فيقعوا في «خطأ توصيف» ما يجري بين دول مجلس التعاون وإيران على أنه صراع سياسي يتم توظيفه دينياً، الأمر الذي قد يؤدي إلى التأثير سلباً في التعامل بين أبناء البلد الواحد، خاصة في ظل وجود أصحاب الأفكار «الحدية» من الطرفين، فحينما يقوم البعض باستهداف مواطنين يختلفون معهم طائفياً، أو حينما يتداول البعض الآخر مقاطع فيديو في وسائل التواصل الاجتماعي تحمل أفكاراً متشددة ضد المختلفين عنهم في الطائفة، فإن الأمر يتعذر تجاهله على اعتبار أنه يبث مؤشرات مخيفة في استقرار المجتمع.

وبكل وضوح وشفافية، فنحن نعيش صراعاً مع إيران منذ أكثر من ثلاثة عقود، وهي استطاعت أن تبلور حربها هذه مع دول المنطقة بأكملها على أنها «حرب طائفية»، وتحاول أن تستغل شيعة الخليج مع أنها تعرف أنهم مكون خليجي أساسي للتدخل في الشؤون الداخلية تحت ادعاء وزعم حمايتهم من «المظلومية». وإذا كانت قد فشلت في محاولات سابقة في تحقيق انقسام في المنطقة، فإن ما كشفته بعض الصراعات، مثل ما يحدث في العراق ولبنان، يوضح أنها نجحت إلى حد ما، وإذا لم يتم تدارك الموضوع فربما يأخذ أبعاداً أخرى.

عملياً، إيران لا تنظر إلى كل الخليجيين، سواء سنة أو شيعة، إلا من خلال كونهم عرباً فقط، وهذه نقطة مهمة جداً في فهم ذهنية دفاع إيران عن الشيعة، ويدركها من يتردد على إيران، كما ينقل البعض ممن أحتك بالإيرانيين، وفي ذلك دلالة سياسية ومجتمعية على مسألة الفوقية الإيرانية. وبالتالي، فالصراع هو سياسي خالص قائم على التناقض بين مصالح الإمبراطورية الفارسية مقابل مقابل العرب ومصالحهم، ومنذ أزمنة سحيقة، ولا علاقة له بالشيعة والسنة إلا في استغلال الدين سياسياً. والدليل أن هذه الخلافات لم تظهر قبل الثورة الإيرانية.

هناك فرق كبير بين الخلاف مع إيران، الدولة التي تستخدم التشيع كمدخل لإثارة البلبلة والمشاكل وبين الاختلاف الطائفي بين أبناء الدولة الواحدة، فالخلاف بين الحكومات الخليجية وإيران ليس له علاقة بالطائفية إلا من خلال محاولة إيران استغلال بعض أبناء المنطقة، بل هو في الحقيقة خلاف سياسي بالدرجة الأولى.

ومن يعتقد من الشيعة أن إيران تدافع عن الطائفة وأن تحركاتها الدولية من أجل حمايتهم -كما تتدعي- فهو «واهم»، والدليل أنها تتدخل في شؤون كل الدول الخليجية والعربية بما فيها التي لا يوجد بها شيعة. وهناك دليل آخر هو أن كثيرين من رجال الدين الشيعة (خاصة في لبنان) بدؤوا يوضحون مواقفهم تجاه التدخل الإيراني الذي شق المجتمع اللبناني، إذن نحن في الحقيقة أمام حالة تحتاج إلى خطاب إعلامي يبدأ من المجتمع قبل الحكومات، يخاطب جميع أبناء المنطقة، ويوضح أن الأمر لا يستهدف فئة أو شريحة مجتمعية معينة فالكل في نظر إيران عرب، بل إن الأمر لا يختلف من مجتمع خليجي إلى آخر وإنما يمكن تعميمه ليكون عربياً، لأن الحالة العربية العامة تبدو مستهدفة من إيران. والجانب المهم أيضاً في هذه القضية، أنه ينبغي مراجعة الموروث الطائفي من الطرفين ومن قبل المثقفين، خاصة تلك الجوانب التي تغلّب الاختلافات، وأحياناً المرارات التي تراكمت بسببها الكثير من الأحقاد، من أجل المصلحة الوطنية.

لكن هناك من لا يزالون أسرى المواقف المتطرفة الحدية التي ظهرت خلال الأعوام الثلاثين الماضية، وهم مصرون على إقصاء الآخر ورفض الاعتراف به، وهذا يخالف ما كانت تعيش فيه المجتمعات الخليجية. فالانشغال بهذه الاختلافات يصرف الانتباه عما تخطط له إيران للمنطقة، وبالتالي نبدو كأننا نقدم هدية مجانية ثمينة لطهران، هذه الصورة بدت واضحة خلال الفترة الماضية التي ترتب فيها إيران الكثير من الملفات في المنطقة، وهي تستعد الآن لتوقيع اتفاقية نهائية مع الولايات المتحدة.

إضفاء الصبغة الوطنية في كل الخطابات المجتمعية هو الصيغة التي ترعب إيران ولا تريدها أن تتحقق، لأنها تدرك أن مشروعها السياسي لتقسيم المنطقة، وبالتالي السيطرة عليها سيفشل، كما أنها تقلق من وجود موقف خليجي أو عربي موحد ضدها، وعلى الشيعة العرب أن يدركوا أن إيران تستخدمهم جسراً لتحقيق مشروعها السياسي، وأنهم ليسوا همها.

نقلاً عن الاتحاد

بقلم: محمد خلفان الصوافي

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق