الصراع الإقليمي والدولي في ليبيا يؤجل حسم الصراع الداخلي

تريد تركيا أن تتخذ من ليبيا البوابة لدخول الاتحاد الأوربي، وتتخذ فرنسا من ليبيا بوابة للعودة إلى القارة السمراء تحت ذريعة محاربة الإرهاب، مثلما تحاول الولايات المتحدة العودة إلى العراق تحت ذريعة محاربة داعش، بينما مصر تحاول التقرب إلى الجزائر لدعم حكومة الثني ومعركة الكرامة التي يقودها حفتر.

ترفض الولايات المتحدة القبول بفكرة عالم متعدد الأقطاب، لذلك توقفت عن احتواء روسيا، ولا زالت مصممة على تنفيذ خريطة الشرق الأوسط الكبير التي تضم خريطة القوقاز، وتمكنت من ضم أوكرانيا إلى النادي الأوروبي وهي المنطقة المتبقية حتى البحر الأسود تتبعها بمنطقة القوقاز (جورجيا، أرمينيا، أذربيجان) حتى تصل إلى بحر قزوين لمحاصرة روسيا وإيران، خصوصا بعدما ضمنت أمريكا التواجد في أفغانستان المجاورة لروسيا، وفي العراق المجاور لإيران، فإنها تكون قد ضمنت محاصرة روسيا من جميع الجهات وباعتراف روسيا هناك طلعات جوية للناتو في منطقة البلطيق تصل إلى 200 طلعة عام 2014 بعدما كانت 125 طلعة لعام 2013 تقودها طائرات سويدية وبلجيكية وألمانية وأخرى من نفس دول المنطقة.

لكن بعد الاتفاقية النفطية والغاز بين تركيا وروسيا أثار حفيظة أمريكا، لذلك هي تغري تركيا بالدخول إلى النادي الأوربي من خلال البوابة الليبية من أجل أن تتغاضى عن الاتفاقية الروسية التركية، ويتم ذلك من خلال دعم تركيا والولايات المتحدة فجر ليبيا باعتبارهم من جماعة الإخوان المسلمين لضمان النفوذ التركي بعد خسارة نفوذها في المنطقة العربية على يد السعودية عندما دعمت الجيش المصري استطاعت الحكومة الليبية من ضبط باخرة كورية قادمة من تركيا تحمل 450 حاوية محملة بالذخائر والأسلحة متجهة إلى مصراتة وتم اقتياد الباخرة إلى ميناء طبرق في الشرق الليبي حيث مقر الحكومة الليبية التي يرأسها الثني.

تهدف الولايات المتحدة إلى مد خط نفطي من خليج سرت حتى تركيا، لنقل النفط والغاز الليبي إلى تركيا حتى تمتلك تركيا ورقة ضغط قوية لتتمكن من دخول الاتحاد الأوربي، على أمل أن يعطي هذا أملا للجزائر بأن تنضم إلى هذا الخط مستقبلا، ويعطي الولايات المتحدة سيطرة أكبر على الاتحاد الأوروبي لتعزيز هيمنتها بعدما تكون قد استبعدت الدب الروسي عن الاتحاد الأوربي كبديل للنفط والغاز الروسي.

بينما هناك أصوات شابة في فرنسا وجيل من الاستراتيجيين الفرنسيين الجدد اعتبروا خروج فرنسا في عام 1960 من الجزائر خطأ تاريخيا أججت النزعة القومية الاستعمارية التي بدأت منذ ساركوزي، شجعت فرنسا على فتح قاعدة ماداما الفرنسية في شمال النيجر على بعد 100 كيلو متر من جنوب ليبيا.

افتتاح هذه القاعدة الفرنسية تحت ذريعة مواجهة الإرهاب ودعم حكومة الثني باعتبارها الحكومة الشرعية ضد مليشيات فجر ليبيا التي تدعمها تركيا والولايات المتحدة وبريطانيا، بينما في الحقيقة تعزيز هيمنة فرنسا في قارة أفريقيا، وإقصاء أي تحالف دولي في المنطقة، تريد أن تكون سيدة المنطقة، وأن تستعيد السيادة المفقودة بسبب توفر مناجم اليورانيوم والذهب والبترول في المنطقة بسبب أن 75 في المائة من طاقتها نووية فهي تحتاج لليورانيوم  وحمايته من أيدي المتطرفين.

الجزائر أكثر حذرا من عودة زخم الجماعات المتطرفة التي عانت منها فترة طويلة، ولا تريد الجزائر تواجدا فرنسيا في المنطقة يؤدي إلى استدراج الجماعات المتشددة مما يعطيهم ذريعة للنمو والتوجه نحو تجنيد الشباب من أجل طرد الفرنسيين، كما أن فرنسا هي أيضا تتذرع بحجة طرد الجماعات المتشددة من المنطقة.

سبق أن حذرت الجزائر ساركوزي من الإطاحة بالقذافي، وهذا ما حدث وزعزع الاستقرار في المنطقة لعدم وجود البديل الجاهز ليحافظ على الاستقرار في ليبيا، وتدخل فرنسا سيكون بريا وليس جويا على غرار الولايات المتحدة في العراق وفي سوريا وهو ما أخر حسم القضاء على داعش قد تكون خطة مرسومة لإطالة أمد الأزمة حتى تضطر دول المنطقة إلى طلب قوات أمريكية برية على الأقل بدأت بمستشارين عسكريين تضاعفت أعدادهم.

لكن تزج الدول الكبرى بليبيا من أجل مصالحها سيدخلها في معركة خاسرة سيطيل أمد الصراع على غرار ما يحدث في سوريا، لذلك تحاول دولة مصر قيادة الصراع في ليبيا بالتعاون مع دولة الجزائر أكبر دولة في المنطقة ومجاورة لليبيا لتطويق الأزمة، مما أغضب دولة المغرب خشية من هذا التقارب قد يتحول موقف مصري مفاجئ من نزاع الصحراء، بسبب دعم الجزائر جبهة البوليساريو التي تطالب باستقلال الصحراء، وهو موقف يغضب دولة المغرب خصوصا بعدما تبعه زيارة مسؤولين من وزارة الثقافة المصرية لمخيمات تندوف في أكتوبر 2014، ومصر ترى في الجزائر دولة مؤثرة  فكانت أول زيارة خارجية بعد انتخاب السيسي لدولة الجزائر.

هذه هي السياسة الدولية تحشد فيها الولايات المتحدة ضد داعش، بينما تدعم مليشيات في ليبيا انقلبت على الديمقراطية من أجل إحياء تحالف استراتيجي بين أمريكا وتركيا زعيمة الإخوان المسلمين للضغط على مصر والسعودية، ومكافأة تركيا من أجل التراجع عن الاتفاقيات التي وقعتها مع روسيا التي تناقض الإستراتيجية الأمريكية.

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق