الشعوبية تقلص العِرق الفارسي

كما هو معروفٌ بديهياً أنَ من مقومات الشعوب في التاريخ البشري، أن تمتلك أرضاً تحيا عليها، وتدافعُ عنها، ونفوسٌ تتكاثر فيها. علاوة على نوعية قيّمها وعقائدها وأفكارها التي تلعبُ دوراً خطيراً في مستقبلية وجودها بالتواصل والصيرورة أو تتجه نحو التقلص والإنقراض.

وإذا ألقينا نظرة ذي خط إحصائي في تاريخ الوجود الفارسي بالمنطقة منذ قدومهم من آواسط آسيا في القرن العاشر قبل الميلاد، وإستيطانهم في الجنوب الشرقي من هضبة إيران، حتى يومنا هذا، فإن مجموعية نسمتهم وكثافة نسبتهم آخذة بالتقلص والإنكماش التدريجي، مقارنةً بالعرب والأكراد والتركمان.

فعلى سبيل المثال، حسب تقديرات عام 2007، إن تعداد العرب نحو 340 مليون نسمة. وإن المتحدثين باللغة العربية حول العالم يزيد عن 500 مليون فرد، وهي رابع لغة عالمية مدرجة في الخطابات الرسمية للأمم المتحدة. وحتى داخل إيران، فإن العرب الأحوازيين وبقايا العباسيين في خراسان تصل نسمتهم لأكثر من 14 مليون. وبحسب الإحصاء الرسمي لإيران لعام 2012، فإن التعداد السكاني 75 مليون نسمة، يشكل الفُرس نسبة 30% منهم. وهذا يعني أن مجموع القوميات الرئيسة: العربية والكردية والبلوشية والأذرية تشكل أكثرية تجاه القومية الفارسية من ناحية. ومن ناحية أخرى، أن تلك القوميات لا تعاني الإنكماش أو الهجرة الخارجية، كما يحدث للفُرس.

وبحسب منطق التاريخ وحقائقه، فأن هكذا تقلص متواصل للعِرق الفارسي سيؤدي إما إلى الإضمحلال والإنقراض، أو البقاء في ظل شعوب أخرى، كما جرى مع الشتات اليهودي. وقبل أن نتطرق إلى الأسباب ونتشعب بالتحليلات، لنسرد بعجالة موجزة تاريخ الفُرس القديم.

نبذة تاريخية

إن الشعوبية الفارسية المعاصرة تتحدث على أنها الإمتداد الطبيعي المتبقي من القبائل الإخمينية التي هاجرت في مطلع الألف الأول قبل الميلاد من أواسط آسيا، وإستقرت في الجنوب الشرقي من الهضبة الإيرانية، قرب مدينة شيراز الآن. وإن جدها الأعلى هو إخمينس التي تعود إليه التسمية. كانت تلك القبائل بدوية همجية تحيا على الغزو والسلب والنهب، وإستمرت على هذا المنوال لأكثر من ثلاثة قرون. وفي 559 قبل الميلاد، إستطاع قورش الكبير (-530 ق. م) توحيدها وتوظيف قوتها القتالية في قيام دول تخصهم، بعد أن هجم على مملكة ماديا شمال غربي هضبة إيران. ليبدأ تاريخ سياسي وعسكري لهؤلاء القوم، من 548 إلى 330 قبل الميلاد، حيث هزمهم الإسكندر المقدوني. وقبل قورش الكبير لا يوجد للإخمينيين أي أثر عقلي أو مدني أو تدويني. ومن بين أقدم المراجع التي أشارت إلى الفترة المتوحشة للقبائل الإخمينية، ما جاء وصفهم بالتوراة على إنهم “أناس برابرة جداً وسفاحون لا يرحمون أحداً ولا تخطيء سيوفهم ورماحهم”. وكذلك ما كتبه المؤرخ اليوناني هيرودوت (484-425 ق.م)، حيث ذكرهم بكلمة “بارسيوس” أي فارسي وتعني: السائب أو قاطع الطريق.

وتعتبر هجرة الإخمينيين آخر الهجرات الآرية إلى إيران، بعد الإشكانيين والماديوين؛ وإن دولتهم قد هيمنت على الوجود الآري في الهضبة الإيرانية تماماً. ثم أتجهت غرباً صوب المناطق العربية، فسيطرت على: عيلام، بابل، آشور، سوريا، مصر. كما أتجهت صوب مناطق أخرى أوروبية وآسيوية، وأصبحت أمبراطوية تضاهي وتنافس أمبراطورية اليونان التي دخلت معها في حروب مستعرة إنتهت بإندحارها.

وإذا كانت بابل تمثل مركز حضارة العالم القديم بأسره، فإن طريقة سقوطها بيد الإخمينيين في تاريخ 16-10-539 قبل الميلاد، كان بسبب خيانة اليهود الذين غدروا بأهلها، إنتقاماً لسبأ نبؤخذ نصر لهم في 587 قبل الميلاد. وإلا كيف نفسر إحتلال الإخمينيين إلى مدينة سبار قبل يومين من بابل، وإن المسافة بين المدينتين 90 كيلومتراً. ناهيك بأن بابل كانت محصنة وعصية على هكذا إقتحام فجائي خارجي. ولماذا نظر اليهود إلى قورش على أنه مسيح الرب المنتظر، جاء بأمر الله ليعاقب بابل بسبب ترحيلهم من القدس؟ ورغم أن قورش قد أعادهم إلى القدس بعد سنة واحدة، لكنه أدعى للبابليين أن الإله مردوخ البابلي هو الذي طلب منه أن يحتل بابل وليس يهوه (الله) اليهود. وأياً كانت صيغة المراوغة والمخادعة فإن ثمرة التقارب الظاهر بين اليهود والإخمينين، ينم عن بذرة كانت خفية أصلاً.

إن تعاون اليهود مع الإخمينيين في إحتلال بابل لم يقترن بتلك الفترة فقط. وإنما تجدها تظهر مع الفُرس الشعوبيين بين الفينة والأخرى بحسب متطلبات كل مرحلة عن أخرى زمنياً ومكانياً. فمن الأخمينية إلى الساسانية، ثم   الإسلام، مروراً بالصفوية وصولاً إلى حُكم الملالي الراهن. فعلى سبيل الذكر لا الحصر، منذ قيام إسرائيل تجد أن بعض المؤرخين اليهود أمثال: غيرشمن، داريشتيد، أشكولر وغيرهم عملوا على تزييف وتدليس حقائق التاريخ، ومنها جعل الدولة الإخمينية لها ثقافة وحضارة، لكي يكون للشعوبيين الفُرس عمقاً تاريخياً يواجهون به الشعوب الأصيلة التي لها حضاراتها العريقة ومنهم العرب.

وينفرد المؤرخ والباحث الإيراني الأذري ناصر بوربيرار (1940-) برؤية علمية منهجية يدحض فيها التخرصات ومزاعم الدجل الكاذبة في تاريخ إيران القديم. ففي كتابه “12 قرناً من السكوت” ينسف فيه دائرة السلالات الثلاث: الإشكانية والإخمينية والساسانية، كونها كانت تشكل العمق الوجودي الفارسي لمدة 12 قرناً قبل دخول الإسلام إلى إيران. ويرى إن تلك السلالات كانت غريبة عن محيطها الجغرافي والسكاني في الهضبة الإيرانية. ولقد فرضت نفسها بقوة السيف والإستبداد، ثم إندثرت ولم يبقى لها أثر حضاري كما كان مع اليونانيين والرومان والعرب في العصر الجاهلي. إنَ إعتمادَ تلك السلالات الثلاث على القوة والبطش في غزو البلدان قد أغرقت “الشعوب الأخرى ببحور من الدم”. وعندما لحقت بهم الهزائم النهائية، لم يبق لهم أثراً حضارياً. لأنهم “لم يتمتعوا لا بثقة ولا بفن ولا بإقتصاد ولا بسياسة” تذكرهم.

ويرى بوربيرار أن أقوام السلالات الثلاث جاؤوا متأخرين قياساً لشعوب أصيلة عاشت قبلهم بالآف السنين. وإن المنطقة مرت بفترة ظلام خلال حُكمهم، حتى مجي الفتح الإسلامي. إلا أن بعضاً من علماء الآثار والمؤرخين اليهود في المئة السنة الماضية قاموا بتحريف تلك الحقبة من التاريخ على خلاف حقيقتها لكي يباعدوا بين الإيرانيين والعرب. فاليهود لعبوا دوراً كبيراً في صياغة التاريخ الإيراني وتهويل الحضارة الفارسية قبل الإسلام، فهم مَنْ أتى بقورش لكي ينتقم من بابل التي سبتهم، وهم مَنْ عمل على إنشاء الحركة الشعوبية في بداية الحُكم الإسلامي، وهم مَنْ صاغ الأساطير عن أمجاد الفُرس قبل الإسلام. وبذا يرفض بوربيرار الوثائق التي صدرت بعد قرون من دخول الإسلام، الشاهنامة نموذجاً.لأنها أساطير “شعوبية” تمت حياكتها من أجل مواجهة العرب والإسلام. ووفقاُ للمنهج العلمي، فإن بوربيرار يركز معتمداً على النقوش الحجرية التي كُتبت في تلك الفترة القديمة كمصدر يقيني موثوق.

وفي هذا الصدد يقول: عندنا في إيران عدد من النقوش على الصخور من عهد الإخمينيين والساسانيين، فلا تتحدث هذه النقوش عن أية ثقافة أو حضارة أو فكر وحتى عن دين. لا يوجد في هذه النقوش أي كلام عن زرادشت وكتابه أفيستا. فلم تتحدث هذه النقوش عن الشؤون الثقافية حيث كلها ومن دون أستثناء أما تتحدث عن قضايا شخصية، وأما قضايا عسكرية. فأهم هذه النقوش الصخرية هي بيستون في مدينة كرمنشاه (غرب) وهي تشبه بيان عسكري صادر عن شخص إنقلابي أسمه داريوس، حيث يتحدث عن أعماله هنا وهناك. لهذا على الذين يدعون بوجود زرادشت وكتابي أفيستا وزند عليهم أن يقدموا وثائق تاريخية تثبت هذا الأمر. فهولاء الذين يدعون بوجود أديان أو حكمة في إيران القديمة أو أي شيء ثقافي أو حضاري قبل نشوء الإسلام لم يقدموا أية وثيقة ولا أية نقوش صخرية ولا حتى مسكوكة نقدية حيث من دون هذه الوثائق يتحول الكلام في هذا المجال إلى أساطير، يمكن لنا أن نتقبلها كأساطير ليس إلا.

ويشير بوربيرار أيضاً إلى إن الحضارة الفارسية قد بلغت ذروتها تحت الحُكم الإسلامي وليس قبله. وإن مجمل نظريات بوربيرار تجاه تاريخ إيران القديم، ورفضه لموقف الشعوبيين الفُرس المعادين للعرب، يؤيده علي شهباز وغيره من المثقفين والمفكرين الإيرانيين.

الإمتداد الطائفي

أن العقلية الشعوبية داخل إيران قد أدركت الوضع الإنقباضي للعِرق الفارسي، وما يتبع ذلك من أبعاد خطيرة مستقبلاً. لذا فضلت البقاء والإمتداد على نحو طائفي يخدم مصالحها ويحفظ إستمرارها. وأن قيام الدولة الصفوية (1501-1746) جاء على هذا النحو. فالصوفيون الذين حولوا الأسم المعروف تاريخياً “فارس” إلى “إيران”. فإنهم قد نقلوا المعنى الأول من حلقة ضيقة تخص العِرق الفارسي، إلى دائرة أوسع تشمل العنصر الآري. وفي نفس الوقت، سعوا إلى إحداث تشيع طائفي يُحاكي المذهب الجعفري العربي من زاوية خلق هوية إيرانية يتقدم فيها الشيعي الفارسي على بقية الشيعة الآخرين.

وإذا كانت النزعة العنصرية هي من علامات الممات لِمَنْ يعتنقها، حيث التحجر والإنطواء؛ فأن الشعوبية الفارسية تحمل هذه النزعة السلبية التي تنصب وتتركز بشكل حاد على العرب خصوصاً والإسلام عموماً. ولهذا السبب نشأت داخل إيران حركة شعوبية قوية في القرن الثالث الهجري، وكانت تدعو إلى إحياء الإمبراطوية الفارسية، وتعادي العرب. ومن جملة الأفكار التي تروجها هذه الحركة، إشاعة اليأس من الإسلام والعرب ودولتهم. وكان الشاعر الملحمي أبو القاسم الفردوسي (935-1020 م) أحد القادة الشعوبيين، ففي كتابه “الشاهنامة” قصائد يسب ويذم ويحط من شأن العرب وحضارتهم الإسلامية، ويمجد ويعظم تاريخ الفُرس وحضارتهم المجوسية. وكان مدعوماً من الفضل بن أحمد الاسفرايني، وزير السلطان محمود الغزنوي، الذي وعده أن يعطيه وزن ما يكتبه ذهباً.

صحيح أن الحركة الشعوبية الفارسية لاقت مواجهة شديدة من العرب والمسلمين، إنتهت بالقضاء عليها. مما جعل الفردوسي نفسه يندم على ما كتبه، وأخذ يوجه السب والشتم للذين كلفوه بإنشاء الشاهنامة، ولم يسددوا له المال المطلوب منهم. إلا أن الدولة الصفوية ساهمت بتاجيج هذا النهج الشعوبي وفق طريقة طائفية مقيتة حولت فيها إيران إلى كيان يُحارب العرب والمسلمين، ويتوسع على حساب أراضيهم، من أجل إحياء الأمبراطورية الفارسية بنمط ديني طائفي. وبما أن الإمبراطورية الفارسية هي عسكرية الطابع، لذا فأن إنهيارها لا يخلف في البلدان التي تسيطر عليها أية حضارة فارسية مؤثرة، بقدر ما يتمخض عنه تقلص بشري للعرق الفارسي. وهكذا تتراجع نفوس الفُرس بين الشعوب المحيطة بها رويداً رويدا.

ومع مطلع القرن العشرين بدأت حركة القومية الفارسية الحديثة في إيران، حيث نجحت الثورة الشبه السلمية بقيام أول برلمان دستوري عام 1906. ثم عمل شاه إيران رضا بهلوي (1878-1944) على تغيير أسماء المُدن إلى زمن الشرف الفارسي قبل الإسلام. وبالتعاون مع الأمبراطورية البريطانية تم إحتلال الأحواز عام 1925 لتكون السلة الغذائية والمورد المعدني لدولة الشاه الجديدة. وما أن تمكنت القومية الفارسية الحديثة من قيام دولة قوية لها على حقوق الأحوازيين والبلوش والأكراد، حتى جاءت طغمة المُلالي للحكم عام 1979، لتبدأ حربها ضد العراق ما بين (1980-1988). وبعد التعاون الإيراني في الإحتلال الأمريكي للعراق عام 2003، إنطلقت إيران بمشروعها الطائفي في المنطقة العربية بشكل أسرع وأوسع عبر الميليشيات التي دربتها وسلحتها عسكرياً، ودعمتها مالياً وإعلامياً.

أن هذا النهج العسكري التوسعي غالباً ما ينعكس على ديمومة العرق الفارسي الآخذ بالتقلص كوجود بشري. ومن خلال الماضي الفارسي القائم على الحروب والتوسع، وبالقدر الذي تتمدد فيه، فأنها تعود وتنكمش، وفي هذا المد والجزر التاريخي تكون إحصائية الوجود الفارسي سائرة نحو الهبوط التدريجي.

ولذلك ليس مستغرباً أن يتحول البعض إلى الفرسّنة. فهذه سياسة مدروسة من قِبل العقلية الفارسية الشعوبية نفسها. فمؤسس الجمهورية الإسلامية روح الله الخميني (1902-1989) هندي الأصل. وأن خليفته علي خامنئي (1939-) أذري الأصل، وهكذا الأمر مع العديد من رجال الدين والسياسة والفكر الذين تفرسّنوا ليكونوا مدافعين مخلصين عن النهج الفارسي الطائفي والشعوبي الذي لم يحارب إلا المسلمين، ولم يعادي إلا العرب.

ولكن إذا سلمنا بصحة هذه الفرسّنة، فأن النتيجة المنطقية لها هي أن الفرُس الأصليين في مرحلة الإنقراض. وإذا رفضنا ذلك، فأن الفُرس الشعوبيين سيكونوا عالقين في حبال الطائفية التي لابد لها أن تلتف حول أعناقهم. فالإسلام السياسي آخر قناع تتستر فيه الصفوية الجديدة، والذي أخذ بالسقوط أكثر فأكثر منذ التعاون الإيراني مع الولايات المتحدة الأمريكية في غزو العراق وإحتلاله؛ ثم تفرد إيران بالمشهد السياسي في العراق مع مطلع 2012، عبر كتلتها الطائفية التي أوصلتها لحُكم البلاد منذ العام 2005. وكذلك في التصدي الطائفي الدموي المتصاعد ضد ثورة الشعب السوري من أوآخر 2011، ولغاية يومنا هذا. والإنقلابات الفاشلة في البحرين منذ العام 2010. والدور الذي يلعبه حزب الله في لبنان لأكثر من عشرين سنة مضت. والحوثيون بحروبهم الست ما بين (2004-2010) في اليمن، والخلايا المنتشرة في المغرب العربي. وقادم الأيام سيثبت أن المشروع الفارسي الطائفي والشعوبي في البلدان العربية قريب للإنهيار. لأن أصل الصراع لا مذهبي ولا إجتماعي، بل شعوبي فارسي يتستر بالإسلام. وبالتالي ستكون النتيجة الحتمية والمنطقية أن تتعرض العرقية الفارسية إلى إنقباض تاريخي جديد. وربما في هذه المرة قد يؤدي إلى تقويض تسلطها السياسي نهائياً. خصوصاً وأن عموم القوميات داخل إيران تعاني التعسف والإضطهاد والفقر والحرمان من حُكم الفُرس الإستبدادي.

تقييم

في الواقع أن التقلص اللاحق بالعِرق الفارسي يتحمل مسؤوليته الشعوبيون الذين لم يحسنوا التعايش مع متغيرات التاريخ ومعطياته. واليوم يقع على عاتق الفُرس الرافضين إلى هكذا نهج شعوبي وطائفي، بالتصدي العلني؛ كما فعل أجدادهم في قرون الإسلام الأولى. وإن صوت ناصر بوربيرار يعتبر إمتداداً إلى أبن سينا والغزالي وغيرهم من الفُرس الذين تصدوا للحركات الشعوبية الفارسية المرتبطة باليهودية والتي تغذي العداء للعرب وللإسلام. بل إنَ اليومَ مطلوبٌ من المثقفين الفُرس أكثر من أي وقتٍ مضى مجابهة الصفوية الجديدة في طغمة الملالي الحاكمة بأسم الإسلام ووحدة المذهب الذي تتدخل من خلاله بشؤون الدول العربية، والتي أوصلت إيران إلى أحلك الأوضاع السياسية والإقتصادية والإجتماعية.

عندما يقول محمد علي الشيرازي، أستاذ الحوزة العلمية في مدينة مشهد، لجريدة القبس في 15-10-2004 بأنه: “من حق إيران أن تتدخل في شؤون الشيعة في كل مكان، لأنها هي ولية الشيعة، ووجود عناصر إستخبارية إيرانية بالعراق ليس جريمة سياسية، لأن العراق بلد شيعي، وتوجد به العتبات المقدسة والمرجعية الدينية”. فإن هكذا نهج، وبعد هذه السنوات العجاف التي ما زالت مستمرة، لم تجلب غير الدمار للعراق، ثم في سوريا. ولا نريد أن نقول للشيرازي من أين أوجبتم مصادرة التحدث بأسم الشيعة؟ وكيف حددت أن “العراق بلدٌ شيعي”؟ لكننا نقول له: أين إيران اليوم من الأمس؟ فالداخل الإيراني يفور ويغلي نتيجة الظلم والطغيان وإنتشار الفقر والعوز. وإنكشفت حقيقة نظام الملالي الذي رفع شعار “الشيطان الأكبر” في عهد الخميني، ثم يتعاون مع هذا الشيطان في عهد خامنئي.  هذا وإن تحليل البعض بأن التقلص العرقي الفارسي يعود سببه إلى أن رسول الله علية أفضل الصلاة والسلام قد دعى بتمزيق مُلِكهم. فإن هكذا تحليل يتعارض مع حقيقة رسول الله كونه “رحمة للعالمين”. وإن من الفُرس علماء دين وفكر ولغة الخ. أمثال: البلخي في المعتزلة، وسيبوية تلميذ الخليل بن أحمد الفراهيدي في اللغة، وأبن سينا في الطب والفلسفة، والغزالي في تجديد علوم الدين والصوفية المعتدلة، ورهط غيرهم. فلا يجوز أن نغبن المسلمين الذين تقبلوا العروبة وتفاعلوا بالإسلام قلباُ وعقلاً.

إن التقلص سببه البناء العسكري في محاربة الآخرين، وفرض قوة سياسية إستبدادية وقمعية. وهكذا منطق أثبتت حقائق التاريخ حتمية فشله من جهة، وتضاؤل أتباعه من جهة أخرى. لكن النفسية السلبية لدى الشعوبيين تجعلهم يظنون بإمكانية فرض واقعهم عنوة متى ما سنحت لهم فرصة التطبيق.

د. عماد الدين الجبوري

كاتب وباحث عراقي

نقلاً عن مركز المزماة للدراسات والبحوث

الوسم : إيران

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق