السياسات الخاطئة للنظام الإيراني وهروب الشباب من الدولة

مقدمة:

لا يستطيع المسؤولون في النظام الإيراني إن ينكروا ظاهرة هجرة وهروب الشعب من إيران بقصد طلب اللجوء في الدول الغربية، أو أن يقدموا تقارير إحصائية كاذبة وغير صحيح مثل إحصائية البطالة والفقر حول ذلك، فعلى الرغم من أن الهجرة من العالم الثالث إلى الدول المتقدمة يعتبر أمر طبيعي، إلا أن أسباب هجرة الإيرانيين بالمقارنة مع غيرهم مختلفة جدا ولها طابعها الخاص، إذ أن للحكومة المركزية ونهج النظام دور مؤثر جدا في زيادة معدلات هجرة وهروب الشعب من إيران، وقد قمنا في هذه الدراسة بتحليل العديد من مسببات هجرة الشعب وخاصة الشباب من إيران، والتي كان أغلبها يتعلق بضياع الحقوق السياسية، وعدم وجود حرية التعبير، والضغوط النفسية، وقمع القوميات القاطنة في جغرافية إيران الحالية من قبل النظام والحكومات في إيران، والقيود المفروضة على الديانات والمذاهب غير المذهب الشيعي، وعدم الاستقرار الاقتصادي الناتج عن سياسة الحكومات الإيرانية الخاطئة.

 

فقدان حرية التعبير والحريات السياسية:

منذ استلام حكومة ولاية الفقيه زمام الأمور في إيران عام 1979م، بدات أمواج الإعدامات والاعتقال وقمع واضطهاد النشطاء السياسيين الذين يختلفون في فكرهم عن فكر ولاية الفقيه في كافة أرجاء إيران، إذ كان الوضع في بداية الثورة بالنسبة للمعارضين للخميني على النحو التالي: إما أن يتراجعوا عن أفكارهم وآرائهم، ويعتبرون أنفسهم تابعين لولاية الخميني، ويوقعون على توبتهم أمام الجلادين من الحرس الثوري والباسيج، وإما أن يلقوا بأنفسهم أمام نيران الحكومة جديدة الظهور، وفي هذا الغضون هرب العديد من المعارضين السياسيين للنظام الملالي من إيران لينقذوا أنفسهم من بطشه والهلاك المؤكد على يد أجهزته.

كما أن إستمرار السياسة القمعية من قبل النظام الإيراني لم يضيق الخناق على معارضي ولاية الفقيه فحسب، بل طال وحاصر من كانوا في الأمس أصدقاء له، ويعتقدون بمبدأ الإرشاد والجمهورية الإسلامية، أمثال موسوي وكروبي الذين وضعوا تحت الإقامة الجبرية، لهذا فإن معنى مبدأ الحرية السياسية في إيران لم يشق طريقة بعد.

وبعد عام 2009 عندما اندلعت المظاهرات احتجاجا على نتائج الانتخابات الرئاسية، والتي إنطلقت بقيادة مير حسين موسوي وكروبي وسميت بــ “جنبش سبز” أي الحركة الخضراء، شهدت إيران حالات قمع وقتل وإصابات العديد في صفوف المعارضين، وفي هذه الأثناء وعلى خلفية الاضطهاد والتعذيب الجسدي والجنسي والنفسي في حق السجناء والمعتقلين والمشاركين في الاحتجاجات، هرب الكثير من الشعب الإيراني خارج البلاد تفاديا من وقوعهم في قبضة النظام، وما يمارسه من أساليب تعذيب متنوعة في حقهم.

من جهة أخرى فإن حرية التعبير تعتبر العامل الأساسي في المجتمعات الديمقراطية وواحدة من أساسيات حقوق الإنسان، والتي يستطيع الإنسان من خلالها أن يقدم أفكاره وآراءه ومعتنقداته بحرية وبشكل طبيعي، ولكن هذا المبدأ المرتبط والممزوج بالكرامة الإنسانية، والذي يعتبر انتهاكه تدمير لحقوق الإنسان، لم يجد له مكانة في إيران مطلقا، والمدافعين عن حرية التعبير فيها كانوا دائما يجدون أنفسهم في معتقلات وسجون التعذيب التابعة لنظام ولاية الفقيه المستبد، ولهذا السبب نجد دائما أوضاع الصحفيين والمدونين والكتاب والمخرجين والفنانين في إيران صعبة ومؤلمة للغاية، لدرجة أن هؤلاء لا يمكن لهم أن يمارسوا نشاطاتهم داخل إيران، فيلجؤوا للهروب من إيران والذهاب إلى دول يستطيعون فيها التعبير والكتابة، وإقامة الفعاليات والأنشطة بحرية وأمان.

اضطهاد وظلم الشعوب:

حرية التعبير والحريات السياسية لدى الفرس مقارنة بغير الفرس تختلف 180 درجة، وهذا يعني أن أي نشاط خارج عن إطار إرادة الولي الفقيه والمرشد الأعلى يتم من قبل غير الفارسي، ليس فقط ممنوعا، بل يجب النظر إليه دائما من منظور أمني، واعتباره عمل انفصالي وطائفي وضد الأمن القومي …، وفي هذا الخصوص لم يعاقب النظام الإيراني بشدة السياسيين والنشطاء غير الفارسيين فحسب، بل حتى نشطاء حقوق الإنسان، ومؤسسات حماية حقوق السجناء السياسيين أيضا لم يسلموا منه.

وعلى سبيل المثال، فإن القوميات التركية والعربية والكردية والبلوش والتركمان تعاني من التمييز مقارنة مع الفرس من حيث الأمور القانونية وإجراءات المحاكم، إذ لا يتساوون أمام القضاء وحتى الحق في إختيار المحامي، علاوة على هذا فإنهم أيضا يعانون من التفرقة في الحياة اليومية وحتى في الحصول على فرص العمل، ودائما ما ينظر إليهم بنظرة الشك وعدم الثقة ويخضعون إلى المراقبة الأمنية باستمرار.

لقد تسببت العقوبات الصارمة المفروضة في حق النشطاء المدافعين عن هويتهم، والصحفيين والمدونين والمعارضين لسياسات النظام العنصرية والتفرقية في زيادة أعداد المهاجرين وفرار القوميات غير الفارسية من إيران وتركها والبحث عن مكان آخر يحفظ حقوقهم، ومن جهة أخرى فقد إستطاعت الحكومة أن تغير في النسيج السكاني للمناطق العرقية.

تقييد حرية الأديان والمذاهب:

تعتبر حرية الأديان والمذاهب واحدة من مبادئ المنشور العالمي لحقوق الإنسان، وقد كانت إيران ومازالت تتعرض للإنتقاد بشدة من قبل المنظمات الدولية وحقوق الإنسان بخصوص انتهاكها مثل هذه المبادئ، وخاصة حرية الأديان والمذاهب، وتتعامل إيران بشكل سيء مع المسلمين غير الشيعة والبهائيين والمسيحيين وغيرهم، وتعمل على تقييد طقوسهم وشعائرهم الدينية أو الدعوية بشكل كبير، حتى أن عددا من المراجع التقليدية في قم يكفرونهم ويعتبرونهم أنجاس، ويحذرون الشيعة في إيران من التعامل والتواصل معهم، مما تسبب في عزل وإبعاد أتباع هذه الديانات عن المجالات الاجتماعية، وقد زاد الوضع سوءا تلك الضغوطات الحكومية في تعقب ومعاقبة نشطاء وأتباع هذه الديانات والمذاهب، وقد واجهت الأقليات الدينية في إيران أيضا تمييزا في الحصول على الوظائف الحكومية أو الحصول على منح دراسية، فمثلا فإن هنالك ما يقارب المليون شخص من السنيين يعيشون في طهران، ولم تسمح لهم الحكومة ببناء ولو مسجدا واحدا، وتقوم المخابرات الإيرانية بمراقبة أي سلوك دعوي لأهل السنة في الأحواز وتتعامل معه بكل شدة وحزم، ويعتبرون اعتناق هذا المذهب جناية في حق ذاته، ومن يلتحق به فهو إنفصالي وإرهابي وعميل للغرب ويعمل ضد الأمن القومي … الخ، فيعاقبونه أشد العقاب.

 

الأزمة الاقتصادية:

يعتبر الوضع اللاقتصادي المتدهور وغير المستقر في إيران، من أبرز العوامل أيضا التي دفعت إلى هجرة الإيرانيين وطلبهم للجوء إلى الدول الأخرى وخاصة الغربية، فنسبة التضخم التي زادت عن 30% ووباء البطالة، وحياة 80% من السكان الإيراني تحت خط الفقر، رفعت وتيرة هجرة ولجوء الإيرانيين إلى الخارج، وقد إزداد هذا الأمر سوءا في إدارة محمود أحمدي نجاد الأصولية، وتبنيه لسياسات معادية للنظام العالمي وإصراره على المسير قدما من أجل الحصول على سلاح نووي، وكذلك دعمه للإرهاب الدولي، واستمراره في التعاون مع شبكات المافيا العالمية وعصابات غسيل الأموال وتجارة المخدارت، الأمر الذي أدى إلى تشديد العقوبات الاقتصادية والمالية على إيران، مما زاد الأعباء والضغوطات الاقتصادية والمادية على الطبقات المتدنية والفقيرة في إيران.

بيد أن السلطات الإيرانية قد تحدثت دائما عن عدم تأثير هذه العقوبات على الاقتصاد في إيران، وأنها تنتهج نهج الاقتصاد المقاوم، حسب تعبير الخامنئي، من أجل مواجهة هذه العقوبات والضغوطات الاقتصادية، ولكن في الواقع فإن التضخم والبطالة وغيرها من المشاكل الاجتماعية مثل الطلاق والإدمان على المخدرات، والانتحار، والسرقات والنزاعات قد شهدت إرتفاعا ملحوظا للغاية، لدرجة أن حكومة روحاني لأول مرة تقدم للمرشد الخامنئي تقريرا مفصلا وشاملا عن الوضع الاجتماعي السلبي في إيران، وفي هذا الخصوص قال مدير لجنة مكافحة المخدرات في إيران، إن بلاده جاءت في المرتبة 115 من بين 157 دولة في العالم من حيث المجال الاجتماعي، وأضاف أن أكثر من 13 مليون شخص في إيران من بين مجموع السكان البالغ 75 مليون يعانون من الأضرار الاجتماعية والثقافية.

إن هذه النتائج السلبية تؤكد أن سياسة القمع والتضييق، وعدم وجود الحد الأدنى من الحريات إلى جانب الوضع المتردي والاقتصاد المحمل بالمشاكل الناتج عن السياسات الخاطئة التي يتبعها النظام في إيران، قد جرت البلاد إلى أزمة داخلية جعلت الحل الوحيد للشعب الإيراني من أجل الخروج من مشاكله وفقره هو الهجرة أو بمعنى آخر الهروب من إيران واللجوء إلى الدول المتقدمة، مثل إقامة مآت الآلاف من الإيرانيين في دولة الإمارات العربية المتحدة، وكذلك عمليات الهجرة المتزايدة من إيران إلى الدول الغربية، وهذا يدل على أن إيران بسوء أوضاعها ليست مؤهلة لحياة مريحة.

الخلاصة:

على الرغم من كون الهجرة وترك الديار أمر صعب ومؤلم للغاية بالنسبة للكثير من المهاجرين من إيران، إلا أنه يدل دلالة واضحة على الإحساس بعدم الأمن السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والديني على حد سواء، ويعكس الظروف المعيشية الصعبة التي يعاني منها السكان في إيران وخاصة من هم غير الشيعة والفرس، فمعاملة النظام القاسية من قمع واعتقال في حق المعارضين السياسيين والنشطاء الثقافيين في الداخل، وكذلك هرولة الاقتصاد إلى الأزمات والمعضلات، وتنامي حدة النضخم والفقر والبطالة، وازدياد معدلات الاعتقالات والمحاكمات غير العادلة والإعدامات، بالإضافة إلى المعاملة القاسية من قبل الأجهزة الأمنية في حق الشباب وخاصة الفتيات والنساء أدت إلى تفاقم الوضع، وحولت إيران إلى معتقل كبير يحدد الحريات ويحصر النشاطات، ويخنق الإبداعات، الأمر الذي جعل الملايين من الإيرانيين سنويا يهاجرون ويهربون من تلك الأوضاع السيئة في بلادهم، واختيار أحد الدول المتقدمة بحثا عن حياة تضمن لهم حريتهم وكرامتهم، وفي ذلك إشارة على عدم رضاية الإيرانيين عن سياسات حكومتهم ونظامهم، وهذا ما أكدته العديد من التقارير الصادرة عن منظمات حقوق الإنسان الدولية.

 

رحمان حطاوي

نقلاً عن مركز المزماة للدراسات والبحوث

الوسم : إيران

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق