السعودية ومصر قطبا الدفاع في المنطقة العربية

مثلما تم التشكيك في نجاح عاصفة الحزم في التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن، وأن السعودية ستتورط في حرب في اليمن، كذلك كانت هناك شكوك في استمرار تحالف في العلاقة السعودية المصرية.

مثل هذا التشكيك يلعب على وتر عوامل قائمة في المنطق تعتقد أنها تؤدي إلى تصدع مثل هذه العلاقة، لكن مثل هؤلاء يغيب عنهم حقيقة العلاقة التاريخية والاستراتيجية بين البلدين، باعتبارهما قطبي الدفاع في المنطقة العربية على مر التاريخ، ولا يمكن أن تتأثر العلاقة بأي عوامل طارئة، أو قائمة.

البلدان لديهما القدرة على التعالي، والقدرة على تخطي كل التناقضات، مهما كانت حقيقتها أو كبر حجمها، بسبب أن هناك عوامل استراتيجية بين البلدين تفرض تلك العلاقة الاستراتيجية على هذين البلدين، بحكم مكانة كل منهما، والترابط العضوي الاستراتيجي والديني واللغوي والمسؤولية المشتركة تجاه الأمن القومي العربي.

زيارة وزير الدفاع السعودي محمد بن سلمان لمصر نهاية شهر يوليو بخرت كل تلك الشكوك سواء من اللوبي الإيراني أو اللوبي التابع لجماعات وتنظيمات مؤدلجة هي وأذرعهما الإعلامية راهنت على تفكيك تلك العلاقة.

تلك الزيارة أفشلت كل المراهنات، وخرجت ببيان مشترك (إعلان القاهرة)، وهو بيان ملزم يتضمن حزمة من الآليات التنفيذية، من أهم بنود هذا الإعلان المشترك، التأكيد على حماية الأمن القومي العربي، وترفضان محاولات التدخل في الشؤون الداخلية العربية، نسفت كل التسريبات التي صدرت من إعلاميين بارزين محسوبين على تيارات عدة، لتوتير العلاقة بين البلدين، بل ونسفها بناء على مصالح حزبية ضيقة، يمكن أن تكون على حساب الأمن القومي العربي.

يمكن أن يكون المراهنة على تفكيك تلك العلاقة غير مفهوم أو مدرك لدى تلك الفئة، لكنه مفهوم لدى اللوبي المدعوم من إيران، وأحيانا هناك علاقة عضوية بين اللوبي المدعوم من إيران، وبين التيارات الحزبية الضيقة، جميعها تمثل خطرا على الأمن القومي العربي.

أكد البيان على أهمية إنشاء القوة العربية المشتركة، التي تخشاها دول إقليمية، إلى جانب تحقيق التكامل الاقتصادي بين البلدين، والعمل على جعلهما محورا رئيسا في حركة التجارة العالمية، من خلال تكثيف الاستثمارات المتبادلة السعودية والمصرية بهدف تدشين مشروعات مشتركة.

أثبتت تلك الزيارة بأن العلاقات السعودية المصرية، ليست علاقة طارئة، بل هي علاقة استراتيجية، وإرادة مشتركة، والارتقاء بها لعلاقات أرحب، ولآفاق أوسع، بما يخدم القضايا العربية والإقليمية، باعتبارهما جناحا الأمن القومي العربي، والبلدان سوف يكونان دوما معا في مواجهة التهديدات.

الزيارة ترسل رسالة قوية لإيران، وللجماعات والتنظيمات والإعلاميين الذين يعولون على تفكيك هذا التحالف، بأن التحالف بين الرياض والقاهرة، باعتبارهما قطبي الدفاع في المنطقة العربية، وهي رسالة للحرس الثوري في إيران، الذي يصرح من آن لآخر ضد عدد من الدول العربية، بأنها تقع ضمن نفوذه، وتأكيد على إرسال السلاح إلى وكلائه في المنطقة العربية.

ما يؤكد على أن إيران لن تغير من سياستها العدوانية في المنطقة العربية بعد توقيع الاتفاق النووي، وهو ما أعلنه كيري في المؤتمر الصحفي في الحوار الاستراتيجي المصري الأمريكي بأن واشنطن ومصر يدركان بان إيران تمثل خطرا على المنطقة.

وقبل أيام من زيارة كيري لمصر سلمت أميركا مصر 8 طائرات إف 16، ما يعني أن الأمن العربي يتجه نحو مرحلة جديدة ركيزته البلدين، وأن واشنطن لا تزال تعتمد على قطبي الأمن العربي في المنطقة حتى بعد توقيع الاتفاق النووي مع إيران.

إذن زيارة وزير الدفاع إلى مصر سبقت الحوار الاستراتيجي المصري الأمريكي لإنعاش تلك الشراكة، الذي يليه لقاء ثلاثي يجمع كيري ولافروف والجبير في قطر، لمناقشة قضايا المنطقة، والحرب على الإرهاب، والأزمتان اليمنية والسورية، والعلاقة مع إيران، في جولة مباحثات دبلوماسية مكثفة خليجية –أميركية –روسية.

وهناك اجتماع سعودي إمارتي يسبق مثل هذا الاجتماع لضبط إيقاع التحركات بشأن اليمن وسوريا، بعد تحقق تقدم كبير على الأرض في اليمن، والتوجه سياسيا نحو إعادة الشرعية إلى هذا البلد، لإعادة الأمل لليمن، باعتبار أن السعودية حجر الأساس للخروج بالمنطقة العربية من حالة عدم الاستقرار التي تعصف بها، خصوصا بعد التقارب السعودي الروسي الذي طغى على السطح مؤخرا دافعا أساسيا لإيجاد صيغة تقبل بها موسكو لإنهاء حكم الأسد والدخول في مفاوضات ومباحثات جدية لتغيير الخارطة السياسية وفق مبادئ جنيف 1.

إذا الدبلوماسية نشطت دوليا وقادت تحولا لإيجاد مخارج لحل القضايا العربية، متزامنة مع دعم المسيرة الاقتصادية المصرية، فمنذ حفر قناة السويس في عام 1869 التي غيرت خريطة العالم الاقتصادية، إلى أن تم الإعلان عن مشروع القناة الجديدة، التي ستشكل مسارا مائيا دوليا ومركزيا، يساهم بشكل كبير في دفع الاقتصاد المصري نحو آفاق جديدة، لا سيما وأن عائدات القناة تعد من أهم محددات الدخل القومي المصري.

القناة الجديدة ستغير خريطة العالم جغرافيا، ومن المؤكد أن تؤثر إيجابيا على الاقتصاد المصري، الذي يعاني منذ ثورة 25 يناير 2011، يقلل من زمن الرحلات عبور القناة بشكل عام، مما يسهم في زيادة الإيرادات الحالية للقناة (39 مليار جنية مصري للسنة المالية 2014-2015)، ووفقا للتقديرات، فمن المتوقع أن تكون عائدات مصر من القناة نحو 13 – 15 مليار دولار سنويا، أي ثلاثة أضعاف العائدات الحالية، مما تزيد من حجم الوظائف في سوق العمل، وأن توسع من حجم التجارة، وحركة السفن بين أوربا وآسيا.

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق