السعودية: ريادة في مكافحة الإرهاب

السعودية .. ريادة في مكافحة الإرهاب وحكمة في معالجة آثاره مع قراءة متأنية في دور البعد الأيديولوجي بإعادة تدوير موجات الإرهاب المتتالية

سلم مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه) الجديد مايك بومبيو يوم 11/2/2017 ولي العهد السعودي الأمير محمد بن نايف ميدالية تمنحها الوكالة تقديرا للعمل الاستخباراتي المميز في مجال مكافحة الإرهاب في مدينة الرياض وهي أول جولة له منذ توليه هذا المنصب بالطبع منح هذه الجائزة لها دلالات كبيرة جدا وتحول نحو مرحلة جديدة.

ومن قبل حصل ولي العهد على جائزة مماثلة من فرنسا الذي قاد بصفته نائب لوزير الداخلية مكافحة تنظيم القاعدة الذي نفذ عددا من الهجمات في السعودية بين 2003 و2007 أدت إلى سقوط قتلى، وقد نجا في عام 2009 من هجوم انتحاري للتنظيم لكنه أصيب بجروح طفيفة.

تم تسليم جائزة الاستخبارات الأميركية باسم جورج تينت رئيس الاستخبارات المركزية الأميركية من 1996-2004 لقاء نظير إسهاماته غير المحدودة لتحقيق الأمن والسلم الدوليين وهي شهادة من الولايات المتحدة تبرئ السعودية من تهمة الإرهاب التي تحاول إيران ولوبيات صهيونية بأن مصدر الإرهاب السعودية وأنها تمول الإرهاب الذين نجحوا في تمرير قانون جاستا لمقاضاة الحكومة السعودية لكن هذه الميدالية تعني أن قانون جاستا أصبح غير ساري وغير فاعل رغم أنه لم يتم نقضه قانونيا.

وتؤكد السعودية إلى أن محاربة الإرهاب مسؤولية دولية مشتركة تتطلب تضافر الجهود الدولية على جميع الأصعدة لمواجهته أمنيا وفكريا وماليا وإعلاميا وعسكريا والتعاون وفقا لقواعد القانون الدولي والمبادئ التي قامت عليها الأمم المتحدة وفي مقدمتها مبدأ المساواة في السيادة، حيث شكلت السعودية التحالف العربي الإسلامي لمكافحة الإرهاب بقيادتها، وصادقت على عديد من الاتفاقيات الدولية الخاصة بمحاربة التطرف، وعملت عبر أجهزتها الرسمية على تجفيف منابع الفكر الضال واجتثاث جذوره، وأقامت مركز عمليات مشتركة في الرياض لدعم العمليات العسكرية لمحاربة تلك الآفة، وفي نفس الوقت كانت من أوائل المدافعين عن الإسلام وسماحته ورفضت إلصاق الإرهاب به.

الإسلام دين وقع عليه التطرف وليس مصدرا له، حيث أن الدين منظومة مفاهيم مكتسبة وليس علما تحدد قوانينه أنماط سلوك معتنقيه، لذلك فالوجه الحقيقي للمشكلة ليس فقهيا متأصلا في تعاليم الإسلام بقدر ما هو اجتماعي وسياسي، واللجوء إلى الدين لتبرير التطرف مواساة للنفس، لذلك يكمن الحل في تحديد مواقع الغبن والظلم والعمل على إزالتها لتكون النتيجة تهيئة أفراد وجماعات تنتمي إلى الدنيا وتوازن ما بين دينها ودنياها.

ونتيجة معاناة دول العالمين العربي والإسلامي صراع الأصولية والتسامح مما جعلت من الاعتدال يبدو هامشيا والتطرف متينا، فجنون القتل الذي يقترفه داعش والطائفي الذي تقترفه المليشيات التابعة لإيران يفرض مراجعة المرجعيات الدينية والهيئات الاقتصادية لإحكام ضبط الفكر الديني المتزمت، وهو بحاجة إلى خطاب مجتمعي يجرم الإرهابيين وقوى أمنية تحمي وتردع.

تدرك السعودية وهي تعاني من التطرف الفكري الديني وهي لا تنكر ذلك لكن من الصعب أن يستغل هذه الظاهرة المعقدة دول معادية باتهام السعودية بأنها راعية الإرهاب، لكن السعودية تركز على دراسة وتتبع الجانب الأيديولوجي للمنظمات الإرهابية التي ترفع شعارات دينية والتي تكشف الأصول الفكرية والسلوكية للتطرف الديني وقدرته على التحول إلى منظمات ومليشيات مسلحة تمارس الحرب والقتال المتوحش بمبررات دينية.

والبعد الأيديولوجي للتطرف والإرهاب المنظم ليس فقط استمرارا لفلسفة العنف الديني من حيث استعمال النص الديني والعنف المادي القتالي بل كذلك لفلسفة العنف السياسي، ما يجعل كل تنظيم أشد توحشا من التنظيم الذي سبقه، فداعش أشد توحشا من القاعدة باعتباره أكثر حداثيا من حيث هيكلة الممارسة القتالية والمالية والإدارية من القاعدة.

مما يدل على أن استخبارات دول تشارك في نشأة وتحرك التنظيم وفق استراتيجيات الدول ووفق مصالحها وأصبح الأداة الذي جعل الدول تتقاطر إلى محاربته وتتصارع على منطقة الشرق الأوسط وعلى الأراضي الذي ترك يسيطر عليها، وبه يتم تحديد نفوذ بقية القوى الإقليمية والمكونات المحلية.

 لذلك نجد أن جان دورميسون عضو الأكاديمية الفرنسية فهو يقول عن داعش إنها ظاهرة مقلقة في تاريخنا وفي تاريخ العالم كله، ويقول إننا دخلنا في حرب غريبة مريبة لا تشبه كل الحروب، هناك جو من الخوف والفزع يخيم على الجميع لأنها حرب تستهدف المدنيين العزل، وهي حرب فجائية قد تصيبك وأنت جالس في مقهى أو في قاعات السينما أو المسرح إلخ  فتحصد العشرات بشكل عشوائي، إنها حرب نزلت إلى الشارع لا تستطيع توقعها ولا تحاشيها إنها فجائية مباغتة إنها حرب داعش لا تستهدف الجيوش وإنما تستهدف الأبرياء إنها حرب رهائن وكمائن ومصائد، ويقول صحيح أنها ليست حربا كلاسيكية تهدد الجيوش الغربية الجرارة، لكنها حقيقية على الرغم من كل شيء إنها حرب ممتدة من بروكسل إلى تولوز ومن نيويورك إلى باريس ومن الجزائر إلى ليبيا إلى اليمن إلى أفريقيا الوسطى والغربية إلخ إنها حرب كونية منبثة في كل مكان.

يؤمن جان دورميسون بأن السياسة عابرة لكن الأدب باقي، ولا يزال يعتقد بان الدين الإسلامي دين عظيم وكبير لقد أثر بشكل هائل على التاريخ البشري، لقد أسس واحدة من أجمل الحضارات، ويقول لقد لامني الكثيرون في الغرب على هذا الاعتقاد وعلى هذا التمجيد والإعجاب بالإسلام، ففي رأيهم دين قتال وعنف وسيف وضرب ليس إلا، ولكني أخالفهم الرأي تماما، ويرى أن داعش يدنس شرف الإسلام ويمرغ سمعته في الحضيض، ويقول إن المسلمين في فرنسا هم أول من يدينون داعش ويتبرؤون منه لذا ينبغي أن نشكرهم، وأن نحترمهم وأن نساندهم.

الغرب سواء أوربا أو أمريكا لا يخشى لا القاعدة ولا داعش وإنما يريد أن يختبر أثر داعش على المسلمين الذين يعيشون في أوربا وأمريكا ومدى تعاطفهم مع الإرهاب، وبالفعل اكتشفت أوربا وأمريكا تعاطف بعض المسلمين بداعش وقيامه بعمليات إرهابية أدركت ضرورة القضاء على المحرض وهو داعش، بعدما كان العالم يراوغ في محاربة داعش، وبدأ يهتم بمرحلة ما بعد داعش.

 لذلك هو يحتاج إلى السعودية التي اكتشفت كثيرا من المخططات الإرهابية وأحبطتها قبل وقوعها وبعضها موجهة ضد دول صديقة ما أسهم في الحد من وقوع ضحايا أبرياء، خصوصا وأن السعودية عقدت العزم سلفا على الإعداد والتجهيز لمكافحة الإرهاب في أي مكان وتحت أي ظرف وليست مثل إيران التي حمت قادة القاعدة في فترة من الفترات، بينما السعودية تؤكد رفضها الشديد وإدانتها وشجبها للإرهاب بكافة صوره أيا كان مصدره وأهدافه رغم أن السعودية محاطة بمناطق صراع وهي أول من تضرر من الإرهاب من مختلف مصادره.

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق