السعودية رقم صعب في سوريا

السعودية رقم صعب في سوريا

تريد روسيا جني حصاد عمليتها العسكرية في سوريا بحل سياسي، لكنها تريد أن تلتف على جنيف1 بحكومة وحدة وطنية، لكن رد وزير خارجية السعودية عادل الجبير في مؤتمر صحفي مع نظيره وزير خارجية ألمانيا فرانك فالتر شتاينماير، بأن المملكة تعتقد أنه يجب على الأسد أن يتنحى ما إن تتشكل هيئة انتقالية بما يتفق مع محادثات جنيف عام 2012.

بل أكد بان موقف بلاده الداعم لإيجاد حل سلمي للأزمة في سوريا وفقا لجنيف1 دون أن يكون للرئيس بشار الأسد أي دور في مستقبل سوريا، ولن يتم تجديد ترشيحه لولاية جديدة، وكان الجبير يرد على تصريحات تم تداولها في الفترة الماضية في أكثر من عاصمة غربية بينها بريطانيا وفرنسا وألمانيا وحتى لدى الولايات المتحدة تتحدث عن إمكانية حصول حل سياسي في سوريا بمشاركة الأسد.

هذه المواجهة المفتوحة من السعودية ضد التفافات من روسيا تجاه الأزمة السورية، ومثلما تمكن بوتين من إقناع أوباما باستبدال ضرب الأسد بتفريغ سوريا من السلاح الكيماوي، هذه المرة تقف السعودية أمام أي التفاف جديد من قبل روسيا والغرب على حل الأزمة السورية مخالف لاتفاق جنيف1.

ما يدور في سوريا يذكرنا بقول الله سبحانه وتعالى في غزوة الأحزاب (ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا). وسلط الله على الأحزاب هواء فرق شملهم لأن الله سبحانه وتعالى قال في محكم كتابه (وما كان الله معذبهم وأنت فيهم) فاكتفى الله سبحانه وتعالى بإرسال الهواء فقط فرق شملهم.

نقضت بني قريظة ما كان بينها وبين الرسول صلى الله عليه وسلم من عهد بعدما دخل حصنهم حيي بن أخطب النضري، ولم يزل بسيدهم كعب بن أسد حتى نقض العهد عندما قال له ويحك قد جئتك بعز الدهر، أتيتك بقريش وأحابيشها وغطفان وأتباعها، ولا يزالون ههنا حتى يستأصلوا محمدا وأصحابه، فقال له كعب، بل والله أتيتني بذل الدهر، فلم يزل حتى أجابه، واشترط حيي إن ذهب الأحزاب أن يدخل معهم في الحصن، (وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم وقذف في قلوبهم الرعب فريقا تقتلون وتأسرون فريقا، وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم وأرضا لم تطؤها وكان الله على كل شيء قديرا).

ما يدور في سوريا لا يختلف كثيرا عن جنود الأحزاب، الذين أتو من روسيا ومن إيران لدعم النظام السوري، ومداهنة غربية، وتراخي ومراوغة أمريكية، قادر الله سبحانه وتعالى على أن يقذف الخلاف بين قلوبهم ويشتت شملهم.

وعندما سئل الجبير عن ماذا يجب على إيران أن تفعله لتكون جزءا من الحل في سوريا قال الرد بسيط جدا .. عليها الانسحاب من سوريا، وعليها عدم مد السلاح لنظام بشار السد، وعليها سحب المليشيات الشيعية التي أرسلتها .. وبالتالي تستطيع أن يكون لها دور، بل اعتبر الجبير أن إيران حاليا تعتبر محتلا لأرض عربية في سوريا.

موقف أمريكا المرتبك الذي يتهمها الأوربيون بأنها كانت السبب في دخول روسيا إلى سوريا، فقد أعلن جون كيري وزير خارجية أمريكا في مدريد بقوله أنه يريد تجنيب التدمير الكامل لسوريا، وهو مصطلح جديد لكيري، كلما نفذ مصطلح أظهر مصطلحا جديدا، وهو يؤكد على عقد اجتماع خلال الأيام القادمة مع روسيا والسعودية وتركيا في محاولة لتسوية النزاع، ما يؤشر إلى أن أمريكا بدأت تبعد إيران عن الحل في سوريا، كما أن روسيا عندما دخلت سوريا، فرضت على النظام السوري حل المليشيات، وإعادة هيكلة قواته النظامية، خلافا للمليشيات التي أسسها الهمداني الذي قتل في حلب، ما يعني أن إيران مستبعدة من الطرفين رغم أن روسيا تعلن التحالف الرباعي مع إيران وهو تحالف مصلحي وليس استراتيجي.

كيري يحاول أن يضرب الشراكة بين السعودية وروسيا المتعثرة في الأصل، رغم أن روسيا والسعودية حريصتان وتحاولان إنقاذ تلك الشراكة المتعثرة، رغم محاولة روسيا الالتفاف على مطالب السعودية، التي عبر كيري عن مخاوف بأن تكون روسيا تسعى عبر تدخلها العسكري في النزاع لمجرد إبقاء الرئيس السوري بشار الأسد في مكانه، ما لا يمكن أن يؤدي سوى إلى اجتذاب المزيد من الجهاديين وزيادة عدد اللاجئين، في المقابل هناك طريق آخر إذا كانت موسكو تريد السعي إلى حل سياسي وفي الوقت نفسه مكافحة تنظيم الدولة الإسلامية.

ومنذ أكثر من عقد يقوم الناتو في استعراض للقوة وسط البحر المتوسط، بينما تسعى روسيا لإثبات قوتها على الجهة المقابلة في سوريا، ويشارك في التدريب 36 ألف جندي، و230 وحدة عسكرية، و140 طائرة، وأكثر من 60 سفينة، على مدى خمسة أسابيع، بينما روسيا تراقب.

وتحمل المناورة العسكرية للأطلسي في البحر المتوسط رسالة واضحة تؤكد حضورا وجهوزية عسكرية للحلف، وهي رسالة موجهة لروسيا بأن إقامتها في شرق البحر المتوسط يشكل خرقا للتوازن القائم، وأن ما أطلقته من صواريخ من بحر قزوين على سوريا يعد تحد لمنظومة الناتو.

يبدو أن الناتو حينما سحب بطارياته من تركيا، خدع روسيا وشجعها على القدوم إلى سوريا، لتوريطها في مستنقع لن تخرج منه سالمة، لكن حركة المناورة اليوم تستعيد زخمها وتواجدها في المنطقة، وهي رسالة لروسيا بعد اختراق طائراتها المجال الجوي التركي، والتي كانت اختباراً بل وتحرشاً بالناتو الذي رد عليها بتلك المناورات التي تثبت بأنها قادرة على ردع روسيا، وهي فرصة للناتو بإقامة مراكز صغيرة في استونيا إلى بلغاريا، ويمكن دعمها بقوات للرد السريع في حالة وقوع هجوم.

التدخل الروسي في سوريا السيناريو الصعب بالفعل، كما أنه يختبر قدرة الحلف على ردع موسكو دون السعي لمواجهة مباشرة، بل هناك تدريبات أميركية – إسرائيلية تحاكي سيناريوهات عمليات حربية ضد إيران وسوريا.

أصبحت كل من روسيا وأمريكا، تبحث عن التعاون الآن مع السعودية كرقم صعب، وأصبحت السعودية تفرض شروطها على الطرفين المتصارعين في سوريا، خصوصا وأن الولايات المتحدة متكدرة من التكتل الذي شكلته روسيا ويضم العراق وإيران والنظام السوري، ما جعل مبعوث أوباما الجنرال جون ألن يوبخ العبادي بعد التحالف الرباعي، عندما قال للعبادي إن الرئيس أوباما يسأل بدوره أليس المفروض أن يشكرنا العراقيون، وطلب ألن من العراقيين عدم المضي قدما في هذا التحالف، لا سيما في حال تم توجيه دعوة إلى موسكو للتدخل العسكري في العراق، فوعد العبادي أن ذلك لن يحصل، وأن أي خطوة لن تتم إلا بالتنسيق مع الولايات المتحدة والتحالف الدولي الذي تقوده ضد داعش.

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق