السعودية حققت مفهوم القوة الإقليمية في القمة الخليجية-الأمريكية في الرياض

قبل القمة الخليجية الأمريكية تمكنت السعودية من تحقيق مفهوم القوة الإقليمية التي تمتلك كلا من القوة والقدرة على التأثير داخل حدود إقليمها، حتى أصبحت مشابهة للقوى الكبرى في النظام الدولي، خصوصا على مستوى الإقليم التابعة له، والفرق بين القوة التقليدية والصاعدة امتلاك القدرة على أن تقود في الأساس، حيث أصبحت السعودية بمشاركة دول الخليج وخصوصا دول عربية كبرى مثل مصر ودول إسلامية مؤثرة في المنطقة مثل تركيا والباكستان، حتى أصبحت السعودية تتمتع بامتلاك مهارة القيادة قادرة على تشكيل ائتلافات، خصوصا وأنها أصبحت قادرة على امتلاك قدر كاف من مصادر القوة الصلبة والناعمة يجعلها قادرة على التصرف في قضايا النظام الدولي بتبني أنماطا من السلوك ترتكز على التوافق، بالإضافة إلى محاولة الخروج بحلول توافقية وقائمة في الأساس على مبدأ الشراكة لتحقيق مصالح مشتركة.

أدركت السعودية كما أوربا أن أمريكا تعيد ترتيب أولوياتها بعيدا عن الراكبين بالمجان، فإدارة أوباما قدمت عشرة ملايين دولار لمساعدة اللاجئين السوريين، أي اقل من إطلاق صاروخ أمريكي، فيما اكتفت النخب الأمريكية من الحزبين التحالف عبر الأطلسي، الذي لا تزال تراه حجر الزاوية في النظام العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة.

لا يمكن لأوربا التعويل على واشنطن لإصلاح الوضع في سوريا، كما أنها غير قادرة على فعل ذلك بمفردها، خصوصا وأن الاتفاق الذي أبرمته مع تركيا حول اللاجئين السوريين لن يدوم حتى ولو تظاهرت أوربا بمنح مواطني تركيا حرية السفر بلا تأشيرة إلى أوربا، حتى إعادة إحياء انضمامها إلى أوربا مجرد وهم.

كما أن أزمة أوربا مع روسيا بعد احتلالها جزيرة القرم لم تكن الولايات المتحدة فاعلة بل كانت ميركل هي الفاعلة في فرض تلك العقوبات على روسيا، علاوة على ذلك أصبحت روسيا هي المحرك الرئيسي فيما يتعلق بالأزمة السورية، بل إن جنرالات الولايات المتحدة يعتبرون قصف روسيا لمدينة حلب من اجل تأجيج مسالة اللاجئين السوريين إلى أوربا، رغم أنها استراتيجية بغيضة لكنها هي الاستراتيجية الفاعلة في سوريا.

استبقت السعودية القمة الخليجية الأمريكية تشكيل تحالفات عديدة أهمها التحالف الإسلامي العسكري لمحاصرة الدور الإيراني إلى جانب زيارة الملك سلمان لمصر ومحاولة إبعادها عن المحور الروسي، وأسس لمرحلة جديدة من العمل العربي المشترك.

كما واصل الملك سلمان زيارته لتركيا لدعم التحالف العسكري الإسلامي، والآن تتزامن القمة الخليجية الأمريكية عقد قمة خليجية مغربية لضبط الاستقرار، ما يعني أن السعودية رقم صعب، وهي ممثلة للأمتين العربية والإسلامية، بل لديها تحالفات دولية واسعة مع الصين والهند، وهي التي استطاعت أن تحصل على القرار الأممي 2216 حول اليمن الذي يعتبر أهم قرار يدين النفوذ الإيراني، وهي حصلت في المقابل على قرارات خليجية وعربية وإسلامية لإدانة اقتحام قنصليتها وسفارتها في إيران.

فبعد أن أثبتت السعودية وأمريكا عملاقا مجموعة العشرين أنهما أمام مرحلة جديدة من العلاقات الاقتصادية بعد التخلي عن مرحلة التبادل التجاري التقليدي، وفتحت السعودية الباب أمام الاستثمار بالكامل للشركات الأجنبية، تتجه العلاقة اليوم في القمة الخليجية الأمريكية نحو مرحلة جديدة من العلاقات خصوصا في ظل نظام عالمي منفلت يفقد المجتمعي فيه مركزيته، حتى أصبحت قيم الصداقة وحسن الجوار مهددة، فالمال يحدد عصرنا ويشكله، حيث لا مشروع واضح لدى البشرية، ولا معالم خطة لمجابهة شكوك المستقبل، وإن كل ما يتعين أمامنا سياسات متغيرة اختزلت في الربح والاقتصاد في حين الفوضى والخطر معالم رسمت بداية القرن ال21 بامتياز.

تأتي زيارة أوباما بعد أيام من إعلان وزير خارجيته كارتر الموجود في السعودية زيادة عدد الجنود الأمريكيين في العراق، وإرسال مروحيات لدعم القوات العراقية في مجابهة الجهاديين، ولأول مرة شاركت قاذفة أمريكية من طراز بي 52 في استهداف الجهاديين بالعراق، استعدادا لتحرير الموصل في شمال العراق.

 حيث ترغب الولايات المتحدة في انخراط أكبر لدول الخليج في عملية إعادة إعمار المناطق العراقية، وهي تعد خطوة لتحجيم النفوذ الإيراني في العراق والذي توج باتصال العبادي بالملك سلمان لمناقشة العلاقات الثنائية، وهو ما أكده وزير الدفاع الأمريكي كارتر عندما قال أشجع شركاءنا في دول مجلس التعاون على القيام بالمزيد ليس فقط عسكريا كما تفعل السعودية والإمارات بالمشاركة عسكريا في التحالف وأنا اقدر ذلك كثيرا لكن أيضا سياسيا واقتصاديا.

ما بين قمة كامب ديفيد منذ مايو 2015 وحتى القمة الحالية الثانية في الرياض في 20/4/2016، حيث ترى إدارة أوباما أن حل النزاع في سوريا المستمرة منذ خمسة أعوام بالتركيز على الجهاديين وهو مفتاح الحل السياسي، وشدد أوباما على تسريع الحملة ضد تنظيم الدولة مرحبا بالدور المهم الذي قامت به السعودية في تشكيل التحالف الإسلامي العسكري، وتوافق البلدان حول تعزيز وقف الأعمال القتالية والتزام دعم عملية انتقال سياسي بعيدا عن الأسد، الذي يشكل مصيره نقطة خلاف أساسية بين المعارضة والدول الداعمة لها ومنها الولايات المتحدة والسعودية، والدول الحليفة للنظام السوري وأبرزها روسيا وإيران.

في هذه القمة الثانية أثبتت السعودية أن الاتفاق النووي الذي وقعته إيران مع الدول الغربية أصبح هشا بعدما شكل إحدى نقاط التباين بين الجانبين، حتى أن وزير الدفاع الإيراني اعتبر دعوات كيري للتفاوض حول الصواريخ مجرد ثرثرة، بل إن البحرية الأميركية نفذت اكبر مناورة بحرية بمشاركة 30 دولة للتدريب على حماية الممرات المائية هرمز وباب المندب وقناة السويس وهي رسالة لإيران لوقف تدخلها في المنطقة، ولن تقبل هيمنة إيران على تلك الممرات الدولية.

 ورغم أن هناك دول خليجية طالبت الولايات المتحدة بتوقيع معاهدة دفاع مشترك على غرار معاهدة حلف شمال الأطلسي، إلا أن السعودية في نفس الوقت تتجه نحو الاعتماد على القوة العربية المشتركة، لأنها ترفض أن تستمر في إطفاء الحرائق، حيث أن الولايات المتحدة حسب تصريحات كارتر بأنها أعطت الضوء الأخضر بشراء دول الخليج في سنة واحدة نحو 35 مليار دولار تجهيزات عسكرية، وضاعف الجانبان من الدوريات البحرية المشتركة في مياه الخليج، كما يعملان على مشروع دفاع جوي وصاروخي مشترك للدول الست المنضوية في مجلس التعاون.

وبعد أن كانت إيران تتحدث على لسان الجنرال جعفري عن المرحلة الثالثة لتصدير الثورة حيث قال ننتظر الأوامر للرد على الخليج، وأنكر أن طهران طلبت فتح صفحة جديدة مع مجلس التعاون، وبعد تلك التطورات من تشكيل السعودية تحالف إسلامي عسكري، وانعقاد القمة الخليجية الأمريكية، بدأت تتناقض التصريحات لدى المسؤولين الإيرانيين، وبدأت تتجه نحو النفي، خصوصا بعدما اتجه قائد الجيش الإيراني إلى التنصل من مسؤوليته إرسال قوات خاصة إلى سوريا، ولن تتوقف السعودية في مواجهة إيران حتى تنسحب من المنطقة العربية وتقيم علاقات طبيعية قائمة على احترام سيادة الدول والجوار وتتخلى عن مشروعها الثوري القومي المختبئ خلف ستار المذهبية بعدما انكشف الستار عن حقيقة محور المقاومة بعد مشاركة إيران والمليشيات الشيعية في قتل الشعب السوري.

انتهت القمة الخليجية الأمريكية ب6 مبادرات ترسم شراكة خليجية أمريكية جديدة، تبدأ بتشكيل عمليات خليجية أمريكية خاصة للاستجابة السريعة، إقامة أنظمة دفاع مضادة للصواريخ البالستية ونظام إنذار مبكر، تبادل المعلومات الاستخباراتية، إقامة مناورات عسكرية أميركية خليجية موسعة العام المقبل، مبادرات لتعزيز الأمن المعلوماتي، بالإضافة إلى تعاون عسكري بحري.

تأكيد البيان الختامي لقمة الرياض على تأكيدات الشراكة الاستراتيجية لتحقيق الاستقرار والأمن للمنطقة، وأكدت القمة بشكل خاص على مكافحة الإرهاب ومواجهة أنشطة إيران التخريبية، لذلك يؤكد أوباما بقوله رأينا دائما ينسجم مع آراء كثير من دول مجلس التعاون الخليجي، لذلك سيتجه البيت الأبيض نحو تدريب قوات خاصة من دول الخليج لتقوم بدور حاسم في التعامل مع صراعات المنطقة، بل أكد أوباما أن الأوضاع الحالية في العراق تحتم ضرورة الوجود الأميركي لإعادة الاستقرار وهو ما يعد اعتراف بالعمليات التخريبية لإيران في العراق ولا يمكن ترك العراق لها تسرح وتمرح فيه وتتخذه كنقطة انطلاق وبوابة نحو دول الخليج وسوريا ولبنان، بل أكد أوباما على التعاون مع دول الخليج لقطع الطريق أمام مساعي طهران لزعزعة الاستقرار في المنطقة.

الانجذاب الأميركي لموقف السعودية وبقية دول الخليج يقلق الإيرانيين مدعوما بقرار المحكمة العليا تعويض ضحايا هجمات خططت له إيران، حيث أن قمة الرياض تقدح زنادا في وجه إيران لمحاصرتها في زاوية ضيقة لإجبارها على تغيير مواقفها تجاه المنطقة، خصوصا بعدما صرح أوباما لا خلاف بشأن إيران بل التباين في المعالجة فقط حيث قال قطعنا جميع السبل أمام إيران للحصول على النووي.

 بل أكدت واشنطن التزامها بحماية مصالحها وحلفائها ضد أي اعتداء، فيما أكد أوباما بأن دول التعاون لديها القدرة للدفاع عن نفسها، واعتبر أوباما العلاقات الخليجية الأمريكية صريحة ومنفتحة، وفي نفس الوقت صرح أوباما بأن القمة بنت علاقة ثنائية قوية ورؤية مشتركة للسلام والرخاء، ولم تعترض القمة على الالتزام بخطوات عاجلة لهزيمة داعش والقاعدة في ظل تعهد القمة في تخفيف حدة الصراعات الإقليمية وحلها، ومعالجة الأنشطة الإيرانية المزعزعة للمنطقة، مع التعهد بالانتقال السياسي في سوريا دون بشار الأسد، أي أن الطرفين كل منهما حقق مصالحه في القمة.

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق