السعودية تعزز عاصفة الحزم بتحالفات جديدة

الولايات المتحدة قلقة من التحركات السعودية، ويعتبر القرار الذي اتخذته السعودية مؤشراً على فشل الإدارة الأمريكية في إقناع زعماء الدول الخليجية بتقديم الضمانات الأمنية التي قدمتها واشنطن خلال قمة كامب ديفيد في مواجهة إيران، لأن السعودية ترى أن الضمانات الشفوية لا يمكن الاعتماد عليها ولا يمكن البناء عليها.

تود السعودية التخلص من واشنطن كحليف محوري خارج إطار الناتو، بعدما استدار أوباما تجاه الملف النووي الإيراني، الذي جعله أسيرا لهذا الملف، جعل إيران تبتز أوباما وتمددت في المنطقة بشكل غير مسبوق، ما فرض واقعا استراتيجيا جديدا في المنطقة.

هذا الواقع الاستراتيجي الجديد في المنطقة، أدى إلى تحول في السياسة الأمريكية من النظر إلى نظام بشار الأسد من عدو خطر إلى حصن في مواجهة الإرهاب الذي يثبت تمدد الهلال الشيعي، الذي تحول إلى نصف دائرة بعدما دعمت إيران الحوثيين في اليمن لمحاصرة السعودية.

تحولت المنطقة ما بين إيران والسعودية من النزاع السياسي والعسكري إلى النزاعات الطائفية المسلحة التي تراها السعودية أخطر من داعش، التي لا زالت واشنطن تراها أولوية، وتود من الدول الإقليمية القضاء أولا على داعش، ثم التفكير في حل بقية أزمات المنطقة.

ما يجعل الدول الإقليمية خصوصا السعودية وتركيا تريان بأن ترك داعش يتمدد في سوريا والعراق وتسليم الموصل لداعش زمن المالكي وتسليم الرمادي مؤخرا بمثابة مؤامرة إيرانية عبر مليشياتها وأمريكا لتمرير مشروع جيواستراتيجي جديد ترفضه تركيا والسعودية وتظهر أمريكا بأن تركيا تدعم الإرهاب بينما السعودية انضمت إلى التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة لكنها قادت تحالفاً عربياً ضد مليشيات الحوثي المدعومين من إيران لإفشال المخطط الإيراني الأمريكي ضد السنة في المنطقة.

هذه المرة ترى السعودية أن الفرصة قد حانت وهي مصرة على الدخول في الجانب الآخر من الصراع الذي يشمل قوة الردع النووية يعزز من دورها الإقليمي المتنامي، خصوصا وأن لديها مبررات تدفعها إلى الإقدام على امتلاك أسلحة نووية، كورقة أخيرة في مواجهة المد الإيراني في المنطقة برعاية وتمكين أمريكي، رغم ظاهر العداوة بينهما، بينما في الحقيقة صراع وتنافس على الهيمنة بين البلدين في العراق بشكل خاص، ويبدو أن إيران ستقبل بالتعايش مع التواجد الأمريكي في العراق.

أميركا قلقة من سعي السعودية في الحصول على أسلحة نووية جاهزة من باكستان التي مولتها على مدى العقود الثلاثة الماضية، بل تخشى أن تكون السعودية قد حصلت على تلك الأسلحة، مما يطلق سباقا نوويا محموما في المنطقة.

أرادت السعودية أن تتجاوز مثل هكذا سيناريو، وتريد الحصول على بنية تحتية وتقنيات متعددة من مصادر متنوعة خصوصا من دول لها مقاعد في مجلس الأمن (روسيا وفرنسا) يضمن لها الاستمرار في تنفيذ مشاريعها على أرض الواقع بأسرع وقت ممكن، كما أنها تود أن تتفادى أن تصبح أسيرة لمصدر وحيد، بل تجعل مثل هذه الدول تتنافس على الإسراع في تنفيذ عقودها، بعدما أصبحت السعودية غير مستعدة للتراجع عن قرارها بالتحول إلى قوة نووية.

تحركات الولايات المتحدة مع إيران في العراق، أثار ريبة لدى السعودية ولدى بقية دول الخليج بعدما كانت متشككة، يمكن أن تتحول هذه التحركات إلى تعاون استراتيجي أميركي إيراني في المنطقة، خصوصا بعد الأزمة الغربية الروسية، قد تتبلور هذه العلاقة في المستقبل إلى تحالف بين الجانبين والتقاء مصالح.

الولايات المتحدة تريد التودد لإيران من أجل إبعادها عن روسيا حتى لا تصل إلى المياه الدافئة في الخليج، بينما روسيا تود تعزيز تحالفها الاستراتيجي مع إيران لتعزيز مصالحها الاستراتيجية في المنطقة، لذلك اقترحت على إيران إنهاء موضوع تزويدها بالسلاح الصاروخي المضاد للطائرات بشراء أحدث منظومة صاروخية معروفة باسم (أنتي 2500) بدلا من صفقة (أس 300) التي تراوح مكانها منذ سنوات من أجل سحب إيران الدعوى التي رفعتها لدى محكمة التحكيم الدولية بعد رفض موسكو تنفيذ عقد موقع سابقا.

المنطقة تعيش تغيرات جيواستراتيجية، فكما يسيطر حزب الله على لبنان، فإن حزب الله العراقي تريد إيران أن تدشن حقبة جديدة تهيمن على العراق الذي يرأسه أبو المهدي المهندس معاون مقرب من قاسم سليماني قائد قوة القدس الإيرانية.

 لذلك يخشى البعض داخل الإدارة الأمريكية أن يسفر التشارك مع المليشيات الشيعية المدعومة من إيران في قاعدة (تقدم) في الأنبار التي أرسل إليها أوباما 450 فردا عسكريا أميركيا إضافيا للمعاونة في تدريب القوات المحلية التي تقاتل داعش من دون سيطرة حقيقية من الحكومة المركزية، سبق أن تورطت في قتل جنود أمريكيين، وهي نفسها التي تتلقى تدريبا في إيران للمشاركة في عمليات لصالح الأسد.

رغم أن التقرير السنوي حول الإرهاب الدولي الذي تصدره الولايات المتحدة يشير إلى أن إيران تدعم فرقة أجنبية تتألف من مقاتلين أفغان وعراقيين ولبنانيين للدفاع عن المصالح الإيرانية بمختلف أرجاء الشرق الأوسط، مثل تلك التقارير قد تكون ضغوط على الحكومة الإيرانية من أجل الحصول على المزيد من التنازلات في الملف النووي الإيراني.

أدركت السعودية مأساة هذه السياسة الأحادية التي تتبعها واشنطن خصوصا عندما تركت داعش يسيطر على مناطق واسعة في العراق وسوريا بل وتوسيع دائرة سيطرته، بينما نجحت إيران في إحكام قبضتها على بغداد، قد تكون السياسة الأمريكية متخوفة من نهضة اقتصادية يقودها الخليج لتحريك عجلة الاقتصاد العربي الذي يغير كثيرا من الموازين مستقبلا بشكل خاص عندما تتحرر السعودية من التبعية الأمريكية نتيجة استراتيجية تعدد تحالفاتها الفاعلة.

أقدمت السعودية على صفقات جيوسياسية متعددة، والاستثمار بشكل أكبر بكثير في أمنها الخاص والخليجي لمنع هيمنة إيران في نهاية المطاف، وهو ما يقلق الولايات المتحدة في حدوث اختلال في موازين القوى في منطقة الشرق الأوسط لصالح السعودية ودول الخليج والتي تخالف خريطة التوازنات المرسومة من قبل الولايات المتحدة.

 رغم ذلك تريد السعودية تضييق الخناق على أمريكا حتى تنخرط مع دول الخليج وتساهم في حل الأزمة السورية، وإعادة التوازن في العراق بين الشيعة والسنة، ودعم الحكومة المركزية لصالح جميع المكونات في العراق.

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق