السعودية تسير وفق رؤى وخطط استراتيجية مستقلة … ولا تخضع لضغوط الإعلام أياً كان مصدرها

ينظر العالم إلى الدبلوماسية السعودية نظرة إعجاب، يعطي هذا الإعجاب شهادة للدور السعودي الذي لن يستجيب لجملة من الضغوط الإعلامية، التي تصور السعودية، بأنها دولة معتدية على اليمن، وكيف أنها استباحت دولة فقيرة، وقتلت وشردت الأسر.

دول العالم معجبة بقدرة السعودية على تشكيل تحالف إقليمي لمواجهة التمدد الإيراني في اليمن، وقطع تلك اليد التي وصلت لليمن، مثلما قطعتها في البحرين، وكيف نجحت السعودية في استصدار قرار أممي من مجلس الأمن رقم 2216 تحت البند السابع، وهو إعجاب لم يحصل عليه بوش الابن عندما غزا العراق، ولم يتمكن من إقناع العالم بأن العراق لديه أسلحة فتاكة، بل على العكس خرجت المظاهرات في جميع أنحاء العالم ضد هذا الغزو لأنه لم يكن على حق كما السعودية كانت على حق.

كيف كسبت السعودية مثل هذا الإعجاب والتأييد الأممي ضد قطع اليد الطولى الغادرة التي امتدت في اليمن، رغم أن هناك عدداً من الكتاب العرب والمسلمين المحسوبين على عدد من التيارات مثل عبد الباري عطوان، وفهمي هويدي وغيرهما، رغم الاختلاف بينهما، ولا أشكك في قناعاتهما، ولا أود أن استصدر حكما ضدهما، بأنهما ينفذان أجندات لمعسكرات تقف ضد السعودية، قد تكون قناعات خاصة، ولكن أعتبرها خاطئة، قد يعتبران كذلك أن قناعاتي هي أيضا خاطئة لأنها تصب في الدفاع عن دولتي وليس عن الحق.

تصوير عبد الباري عطوان بأن السعودية تضرب شعبا فقيرا في اليمن، وهو تصور مخالف للإجماع الدولي الذي يرى بأن السعودية اتبعت جميع الوسائل الممكنة لإخراج هذا البلد من محنته، ومحاولة إعادة الأمل والاستقرار إليه، بعد الاضطرابات التي ضربت المنطقة العربية بما فيها اليمن.

 اليمن مختلف عن بقية المنطقة العربية، وكما هو جزء من الأمن الإقليمي والعربي، فهو جزء لا يتجزأ من أمن الخليج وأمن السعودية بشكل خاص، وتنطلق السعودية في معالجة القضايا من منطلقات دينية كما في قوله تعالى (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا، فأصلحوا بينهما، فإن بغت إحداهما على الأخرى، فقاتلوا التي تبغي حتى تفئ إلى أمر الله، فإن فاءت، فأصلحوا بينهما بالعدل، وأقسطوا إن الله يحب المقسطين).

وفي صحيح البخاري من حديث الحسن عن أبي بكرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب يوما ومعه على المنبر الحسن بن علي، فجعل ينظر إليه مرة، وإلى الناس أخرى، ويقول أن هذا ابني، هذا سيد، ولعل الله أن يصلح بين فئتين عظيمتين من المسلمين، وبالفعل أصلح الله على يديه بين أهل الشام وأهل العراق بعد حروب طويلة ألمت بالمسلمين عندما تنازل عن الحكم.

وعن أنس قول الرسول صلى الله عليه وسلم (انصر أخاك ظالما أو مظلوما، قلت فكيف أنصره ظالما؟ قال تمنعه من الظلم، فذاك نصرك إياه)، إذا لم تخرج السعودية عن القواعد الشرعية في التعامل مع الأزمة اليمنية.

لكن عندما يصور عبد الباري عطوان بأن الخطر يأتي من إسرائيل فقط، لا من إيران، وكأن عبد الباري ينتظر حتى تصل إيران إلى مكة المكرمة والمدينة، بحجة أنها دولة إسلامية، ولكن نسي عبد الباري عطوان أن اليهود حينما أتوا المدينة انتظارا لظهور النبي الجديد محمد صلى الله عليه وسلم، ولكن حينما ظهر النبي الجديد من العرب حسدوه ولم يؤمنوا به وظلوا يكيدون له المكائد، وهو ما تمارسه إيران اليوم من أن تحل محل السعودية في رعاية الأمة الإسلامية، والهيمنة على الحرمين الشريفين، مثلما كانت تركيا تحرص على ذلك، وأسقطت الدولة السعودية الأولى عندما أرادات أن توحد الجزيرة العربية كما كانت عليه في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، حتى لا تخسر تركيا هيمنتها على المدينتين المقدستين، كي تبقى صاحبة الخلافة الإسلامية، لكن بخسارة الحرمين الشريفين تخسر لقب الخلافة الإسلامية، لكن هذا الأمر أصبح تاريخيا والعلاقة السعودية التركية استراتيجية تتعاونان في رسم خارطة الشرق الأوسط بدلا من تركها لإيران تنفيذا لأجندات خارجية.

كما أن عبد الباري عطوان يثير من آن لآخر بأن داعش يستهدف السعودية وهو صحيح لكن السعودية ترى أن خطر وكلاء إيران أولوية، أي أن نظرة عبد الباري تتقاطع مع نظرة أوباما، عندما قلل من خطر إيران على دول الخليج، ورأى أن الخطر يكمن في الداخل، قد تكون مثل تلك اللغة للاستهلاك  الاستراتيجي الأمريكي، لكسب ود إيران، من أجل أن توقع على الاتفاقية النووية.

كما يشير فهمي هويدي في مقالاته وفي مقابلاته بأن مشروع إسرائيل المنسي لتفتيت العالم العربي، وهنا يقلل فهمي هويدي من خطر إيران، ومن خطر مشروع جماعة الإخوان المسلمين، لكن فهمي هويدي نسي أن مشروع إسرائيل لتفتيت العالم العربي تم على يد إيران، دون أن تبذل إسرائيل أي جهد أو إنفاق أي تكاليف.

أصبحت إسرائيل نتيجة هذا الصراع في مأمن وإن كان على المدى القريب وليس على المدى البعيد، وغاب عن فهمي هويدي معنى الآية القرآنية (وقاتلوا الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين) وأن قتال المعتدي أيا كان حتى ولو كان مسلما، وأن إيران تقاتل السعودية في حدودها في اليمن وفي سوريا ولبنان والعراق.

 قد يقول قائل ما دخل السعودية في هذا التمدد؟ بينما السعودية مسؤولة مسؤولية كاملة عن أمن المنطقة العربية، وهو ما جعلها تدعم الشعب المصري الذي اختار أن ينقلب على حكومة جماعة الإخوان المسلمين في مصر بدعم الجيش المصري، وهو اختيار مصري وليس سعودي.

لكن  ترفض السعودية أن تشيطن جماعة الإخوان المسلمين ولا أي جماعة أو أي دولة، خصوصا الذين تخلوا عن مشروعهم ما فوق الدولة الوطنية الذي هو على غرار مشروع الخميني ولاية الفقيه، وترفض السعودية أن تسير في ركب التبعية وهذا الدعم الذي قدمته هو دعم استراتيجي ولا يعني ذلك أنه تبعية سياسية، وهو ما يجعلها تنفذ سياسات قد تكون مخالفة للسياسات المصرية، مثل تخليص حركة حماس من التبعية الإيرانية، ولكن تظل السعودية مصرّة على أهمية الدور المصري ضمن توازن استراتيجي تدرك أهميته ولن تتجاوزه، كما ترفض السعودية أي دور آخر يخترق التوازن الاستراتيجي السعودي.

لذلك نجد أن هناك تقاربا سعوديا تركيا حول معالجة المسألة السورية، ومؤخرا أطلع أردوغان الملك سلمان على خططه بوضع أربعة مناطق عسكرية على الحدود السورية التركية، ويطالب الناتو بمزيد من المشاركة، من أجل تحقيق منطقة آمنة في شمال سوريا، من أجل أن تحقق تركيا هدفين، الأول إعادة أكثر من مليونين لاجئ سوري إلى أراضيهم، والوقوف أمام مخطط تقسيم سوريا، وحتى لا يحقق الأكراد في شمال سوريا حكما ذاتيا على غرار كردستان العراق بل عليهم أن يندمجوا في دولة وطنية يتساوى فيها الجميع، وهو ما أكده الملك سلمان لأردوغان بأن تركيا لها الحق أن تدافع عن نفسها.

مع هذا فإن السعودية تدرك أهمية دولة مصر كمرتكز ومحور أمني عربي، وفي نفس الوقت تدرك السعودية أهمية تركيا كدولة إقليمية محورية مهمة هي وباكستان لخلق توازن استراتيجي إقليمي يحاصر النفوذ الإيراني الذي لا يهدد فقط الأمن العربي بل يهدد أيضا الأمن الإقليمي، وهي مصدر داعم للإرهاب، الذي يضرب المنطقة، بالإضافة إلى التوجه نحو إقامة شراكات عالمية، مع كل من روسيا وفرنسا إلى جانب علاقاتها الاستراتيجية الوثيقة مع الولايات المتحدة.

الاتفاق النووي لم يغير من السياسة السعودية بل جعلها أكثر رسوخا وأكثر ثباتا وتحركا ولن تتأثر بالمقالات الإعلامية التي تلعب على وتر خلافات مبهمة أو مفتعلة بين دولة مصر والسعودية منها ما هو لصالح السيسي ومنها ما هو ضد السيسي بل ومحاولة تفكيك حتى دول الخليج عندما يتم تصوير تحالف إمارتي مصري ضد التحالف السعودي مع جماعة الإخوان المسلمين حتى ولو كانت مثل تلك المقالات نوع من الضغط على السعودية خصوصا بعد زيارة وفد حماس للسعودية وهو ما نفت السعودية تغيير سياستها تجاه حماس وهي لغة دبلوماسية الجميع يستخدمها عندما لا يريد إغضاب الحليف خصوصا وأن السعودية تدرك أهمية الدور المصري.

السعودية لن تخضع لحملات إعلامية ضدها، لأن لديها استراتيجيات ثابتة، حتى ولو وصل الأمر كما في بعض تلك التحليلات الإعلامية التي تمارس أقصى درجات الضغط على السعودية، مثل وصف السعودية براعية الوهابية ومنبع الإرهاب، التي تسعى إلى تدمير اليمن، على غرار ما فعلت في سورية والعراق وليبيا، أي أن مثل تلك المقالات تخطت آراء عبد الباري عطوان وفهمي هويدي، وهما أكثر حكمة في إيصال فكرتهما من مثل هؤلاء الإعلاميين مثل إبراهيم عيسى وهو مقرب من نظام السيسي.

إيران هي التي جرت المنطقة إلى حروب بالوكالة لصالح أمريكا وإسرائيل وليست السعودية التي تقف أمام مثل هكذا مشروع، وإذا كانت السعودية تقيم علاقات مع تركيا فهي علاقات إستراتيجية، لا تخضع للأخذ والعطاء، ولا يرسم مثل تلك الاستراتيجيات  إعلاميون، بل يرسمها استراتيجيون، وتخويف دولة الإمارات بأن خطر جماعة الإخوان المسلمين سيكون على الدول الخليجية الصغرى، مثل دولة الإمارات، ولكنه إعلام لن يؤثر على العلاقات السعودية الإماراتية، لأنه يجهل حقيقة تلك العلاقة، وكلا البلدين يعرفان أن مثل هذا الإعلام يمارس نوعا من الضرب على وتر العلاقات السعودية الإماراتية.

لن يزحزح مثل هذا النوع من الإعلام تلك العلاقات، لأن لدى دول الخليج استراتيجيات، تمكنت من رص الصفوف مع دولة قطر، واستطاعت أن تأخذ خطا وسطيا، وتبتعد عن شيطنة الإخوان المسلمين، ولكنها لن تقبل مشروعهم ما فوق الدولة الوطنية، وهي لا تشيطن إيران والشيعة، بينما هي تقف أمام الحرب بالوكالة التي تمارسه إيران في المنطقة العربية.

السعودية دولة واقعية تنطلق من شرعية دينية (حتى تفئ إلى أمر الله، فإن فاءت، فأصلحوا بينهما بالعدل، وأقسطوا إن الله يحب المقسطين) فإذا ما فاءت جماعة الإخوان المسلمين، وجماعة الحوثي، وعلي عبد الله صالح، وجميع وكلاء إيران في المنطقة العربية، وحتى إيران نفسها، يجب الاستجابة لأمر الله سبحانه وتعالى في التعامل معهم بالعدل والقسط، لأن الله يحب المقسطين العادلين.

 هذا هو منهج السعودية، باعتبارها راعية المسلمين في جميع أنحاء العالم، والسعودية لا تنوي القضاء لا على إيران ولا على جماعة الإخوان المسلمين ولا على الحوثيين، بل تريد من الجميع أن يعودوا لرشدهم، والعيش بسلام، ضمن دول وطنية، وفق القانون الدولي (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض).

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق