السعودية: تحديث هادئ في المؤسسة الملكية

شكلت المملكة العربية السعودية أحد الأضلاع الأربعة للقوى الكبرى في البيئة العربية، واستطاعت المحافظة على قوتها بل وتعزيزها، في ظلّ انهيارات إقليمية أودت بالعراق وسورية، وحيَّدت مصر عن القيادة السياسة. مستندة إلى ثقلها السياسي والاقتصادي والديني في العالم العربي.

ما ساعد على تعزيز المكانة السعودية أيضاً، كان قدرة النظام الملكي فيها على تعزيز مصادر شرعيته في الداخل السعودي، والذي يقوم في المرتكز الأول على الشرعية الملكية الوراثية لدولة تعتبر من أقدم أشكال الدول العربية الحالية، والتي فاق عمرها الزمني 100 عام منذ تأسيسها على يد الراحل الملك عبد العزيز، بل وتعود كذلك إلى قرون سابقة من خلال الدولتين السعوديتين الأولى والثانية.

وجاء هذا التعزيز من خلال تبني مفهوم الرفاهية للمواطن السعودي، والتواؤم مع قيمه المجتمعية، وتعزيز عامل الثقة بالنفس داخلياً وخارجياً، عبر لعب أدوار يتوافق معظمها مع التوجهات العامة للمجتمع، وهو ما أدى في المحصلة إلى تجنيب السعودية عوامل اشتعال الثورة، على عكس أنظمة الجمهوريات العربية.

وفيما طرح التيار القومي واليسار العربي في تلك الجمهوريات طويلاً، صفة الرجعية في عداء كامل استمر لعقود مع السعودية بالتحديد، متمنياً انهيار الأنظمة الملكية –أكثر منها موضوع تنبؤ-، فإن هذا التيار هو من أيّد في المحصلة انهيار الجمهوريات لصالح دعم أنظمة الحكم الاستبدادية، بل واستنجد بالرجعية الدينية الإيرانية في مواجهة الثورات الشعبية التحررية الباحثة عن تحول ديمقراطي حداثي.

لا يعني ذلك بالمطلق، أنّ السعودية قد بلغت مصاف متقدمة في تحديث نظامها السياسي، بل ما زال النظام على صفته المحافظة، سواء لناحية بنيته أو سياساته الخارجية، أو طروحاته التحديثية أو التأسيسية. بل إنّه ومنذ سنوات وهو يسعى لحل إشكالية انتقال السلطة من الجيل الأول (أبناء المؤسس الملك عبد العزيز)، إلى الجيل الثاني (الأحفاد)، مع المحافظة على شكل النظام وشرعيته واستمراريته، وقبوله المجتمعي.

ولعلّ فترة الملك عبد الله، كانت الأبرز لناحية إعادة طرح هذه الإشكالية، والبحث في صياغة حلولها، سواء عبر تشكيل هيئة البيعة بداية، وتحديد أطر عملها القانونية، ثم ما صدر حديثاً من مبايعة الأمير مقرن –الشقيق الأصغر- ولياً لولي العهد. ففيما رأي البعض فيها عدم قدرة النظام الملكي على نقل السلطة إلى الجيل الثاني، بغية تحاشي الانقسامات الداخلية، فإنّهم في ذلك قد انطلقوا من مفهوم ثوري تغيري كامل لا يتسق مع المنطق السياسي السعودي المحافظ.

إنّ من يقرأ هذه التطورات، من زاوية الأداء السياسي السعودي، المحافظ من جهة، والمتزن من جهة أخرى، والمتروي في معظم خطواته من جهة ثالثة، يدرك أنّها عملية انتقالية سلسلة توافقية، تشكّل مرحلة انتقالية، تهيؤ العائلة الحاكمة والداخل السعودي معاً، لاستقبال جيل جديد من الحكام (الأحفاد).

وإن كانت لم تترافق مع مأسسة شاملة للمنظمة الملكية، وفق قوانين متكاملة، فإنها على الأقل تضع الجيل القادم أمام آليات سلمية عبر هيئة البيعة، وتدفعهم إلى استحداث قوانين أكثر تنظيمية للفترة التي سيتولون فيها الحكم، تتناسب مع المرجعيات السياسية للجيل الثاني، والتي تختلف كثيراً بطبيعة الحال عن الجيل الأول الذي عاصر حروب توحيد المملكة، والحروب الإقليمية الكبرى.

وخاصة مع تولي هذا الجيل مهام مفاصل الدول الرئيسة من وزارة دفاع وداخلية وحرس وطني إضافة إلى الخارجية، وعليه فإن بروز عدة أسماء مرشحة لتولي السلطة الملكية قد بات في حكم المنطق السياسي السعودي، ولعل الأبرز بين تلك الأسماء الأمير متعب بن عبد الله بن عبد العزيز.

هذه التطورات الهادئة في الداخل السعودي، تعطي المجتمع مزيداً من الطمأنينة إلى مستقبل بلادهم السياسي من جهة، وتعزز التطور الاقتصادي والاستثماري في البلاد، بل وتمارس ذات الدور الي مارسته السياسة السعودية طيلة قرن كامل، في الحفاظ على المملكة من الاضطرابات المحيطة بها.

 

عبد القادر نعناع

كاتب وباحث سوري

خاص بمركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

الوسم : السعودية

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق