السعودية تحاول إنقاذ الشراكة السعودية الروسية المتعثرة

ترك أوباما الشرق الأوسط لحلفائه مثل السعودية وتركيا، وبعد امتناع أوباما عن لقاء بوتين لأكثر من عامين بسبب أزمة أوكرانيا، لكنه قابل بوتين في القمة الأخيرة بين الرئيسين في أمريكا على هامش اجتماعات جمعية الأمم المتحدة ال70 تدفن نهائيا مساعي عزل روسيا، وتعكس إقرارا بأنها لاعب عالمي أساسي لا يمكن تجاوزه.

الولايات المتحدة لم تكن منزعجة كثيرا من التدخل الروسي المحدود في طرطوس واللاذقية، وهو أول انخراط رسمي لروسيا خارج حدودها منذ التدخل السوفياتي في أفغانستان أواخر عام 1979، فإن للولايات المتحدة قواعد عسكرية في السعودية، وتركيا والبحرين وقطر والإمارات وسلطنة عمان.

تتزامن زيارتان في آن واحد إلى موسكو الأولى لمحمد بن سلمان وزير الدفاع السعودي والزيارة الأخرى لمحمد بن زايد ولي عهد أبو ظبي في سوتشي، خصوصا وان السعودية كانت من أوائل الدول التي أبدت رفضها للحملة العسكرية الروسية في سوريا.

ما أثار حفيظة السعودية، تقدم قوات النظام السوري على عدة جبهات في العملية البرية الواسعة، التي تخوضها مع موالين لها بتغطية جوية روسية ضد فصائل المعارضة في ريف حماه باتجاه الطريق الدولي دمشق – حلب وفي تلال ريف اللاذقية، وفي ريف إدلب، خصوصا مع تقدم قوات النظام في جبهة محور سهل الغاب، وهو عبارة عن مثلث يصل حماه باللاذقية وإدلب، ويقود حزب الله العمليات فيه، تهدف إلى إبعاد الثوار عن المناطق الساحلية، لتمرير الوقت، إلى أن يحين موعد الحل سياسي، ويحاول فرض شروطه.

وأكد محمد بن سلمان لبوتين على حرص السعودية على حل الأزمة السورية على أساس سلمي، وفقا لمقررات مؤتمر جنيف1، وبما يكفل إنهاء ما يتعرض له الشعب السوري من ماسي على يد النظام السوري، من جانبه أكد الرئيس الروسي بوتين بأنه يدرك مدى القلق الذي يساور السعودية جراء الأوضاع الراهنة في سوريا.

في المقابل أكد وزير الخارجية السعودي عادل الجبير أن السعودية يساورها بعض القلق إزاء العمليات الجوية الروسية في سوريا، وأن الرياض ترغب في التوصل لأرضية مشتركة تحفظ وحدة الدولة السورية، وأكد الجبير لنظيره الروسي بأن السعودية لا تزال متمسكة برحيل الرئيس السوري ودعم المعارضة السورية المعتدلة.

من جانبه، أكد لافروف بأن الجانبين متوافقان حول الأهداف حول الشأن السوري، وأكد لافروف أن موسكو طرحت التعاون مع الأجهزة العسكرية السعودية في العمليات العسكرية الروسية، وذلك لتتأكد الرياض من حقيقة الأهداف التي يركز عليها العسكريون الروس وممثلو أجهزة الأمن والمخابرات ضد داعش وجبهة النصرة والتنظيمات الإرهابية.

زيارة محمد بن سلمان في مثل هذه اللحظة الفارقة، ومدى أهميتها للحفاظ على أجواء التفاهم المتبادل بين العاصمتين موسكو والرياض، من أجل التوصل إلى التسوية السياسية المنشودة، خصوصا وأن الجانبين متفقان على العمل من أجل تنفيذ قرار جنيف 1 الموقع في 30 يونيو 2012، سبيلا رئيسيا للخروج بالأزمة من المأزق الراهن.

القيادة الروسية حريصة على مشاركة السعودية بوصفها أحد اللاعبين في الجهود السلمية الرامية إلى تسوية الأزمة، وإطلاق آلية للحوار بين فصائل المعارضة والحكومة السورية بما يتفق وبنود جنيف 1، بينما ترى القيادة الروسية حول مستقبل الأسد ومدى احتمالات رحيله، فإنها ترى بأن هذه القضية يجب ألا تعيق استمرار الجهود السلمية، وأن الجانبين الروسي والسعودي يدرك كل منهما دقائق موقف الآخر تجاهها.

زيارة الوفد السعودي أتت لإنقاذ الشراكة السعودية الروسية المشتركة المتعثرة، وتنقيتها من الشوائب، التي يكتنف العلاقات، حتى توفير مزيد من فرص التفاهمات المتبادلة، خصوصا وأن هناك قواسم كثيرة مشتركة بين الجانبين، فيما يتعلق بمواجهة الإرهاب، وعدم قيام كيانات متطرفة على الأراضي السورية وكذلك في العراق، أو تقسيم سوريا إلى دويلات على أسس دينية وطائفية، وهو يهدد أمن المنطقة وأمن روسيا، مع ضرورة الحفاظ على مؤسسات الدولة السورية ضمن أي حل سياسي للأزمة.

وفي تقرير لوكالة شينخوا الصينية ذكرت من أن حاملة الطائرات الصينية ليا ويننغ مع القوة المرافقة لها والتي تتضمن عددا من سفن الصواريخ الموجهة قد رست في ميناء طرطوس، فهل تتحقق تكهنات ثعلب السياسة الأمريكية، حينما حذر الغرب عام 2012 من مواجهة محتملة بين واشنطن من جهة والصين وروسيا من جهة أخرى.

 يبدو أن المواجهة حتى الآن مع الغرب الحائر غير قائمة، ولكن هل تتصاعد الأزمة السورية؟، خصوصا وأن واشنطن تدعم الأكراد، وترسل أسلحة جديدة لمقاتلين في الرقة، وكما يقولون من أجل سوريا موحدة، ولكنه موقف واشنطن منذ البداية موقف متراجع وانهزامي، أعطى فرصة لتدخل روسيا، مما فرض على السعودية أن تتعامل مع الواقع الذي فرضته الولايات المتحدة على المنطقة في التفاهم مع روسيا للبحث عن حل سياسي سلمي من بوابة المصالح.

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق