السعودية بين لهجة رسمية هادئة للتعاون وتهديد حازم بزيادة الإنتاج: هل تنجح أوبك في تجميد الإنتاج؟

إشارتان بعثت بهما وزارة الطاقة السعودية إلى السوق النفطية في أسبوع واحد، مختلفتان تمام الاختلاف، الإشارة الأولى كانت رسمية على لسان وزير الطاقة السعودي خالد الفالح بلهجة هادئة وتدعو إلى التعاون بين المنتجين التي زادت من تفاؤل السوق بوجود صفقة لتجميد الإنتاج بين المنتجين الكبار للنفط عندما يلتقون في العاصمة الجزائرية لحضور الاجتماع الوزاري لمنتدى الطاقة الدولي الذي صرح وزير الطاقة الروسي بحضوره هذا الاجتماع.

 رفعت هذه الإشارة الإيجابية أسعار النفط 10 في المائة خلال أربعة أيام فقط ليلامس برميل برنت في لندن 50 دولار للبرميل تدعمها البيانات التي أظهرت بأن مخزونات النفط الخام الأمريكية تراجعت بصورة مفاجئة إلى 2.5 مليون برميل ما فاجأ المحللين الذين توقعوا زيادتها 522 ألف برميل.

الإشارة الأخرى لم تكن رسمية بل صادرة عن مصادر غير معلنة وتمت عن طريق وكالة رويترز نشرتها في 17/8/2016، هذه الإشارة هي أكثر شدة وحزما بأنها ستزيد النفط في شهر أغسطس إلى مستوى قياسي جديد متجاوزة روسيا أكبر منتج للخام في العالم، ليصل إلى 10.8 – 10.9 مليون برميل يوميا، الذي يتجاوز روسيا التي تنتج نحو 10.85 مليون برميل يوميا، حيث بلغ إنتاج السعودية في يونيو 10.55 مليون برميل وزاد إلى 10.67 مليون برميل في يوليو، لكن وفق هذه الإشارة التي تعتبرها الدول المنتجة خارج أوبك خصوصا روسيا بأنها إشارة سلبية فهبطت أسعار النفط.

وهو ما فهمته الدول المنتجة الكبيرة خصوصا خارج أوبك بأن زيادة الإنتاج السعودي للنفط من أجل أن يمنح السعودية نفوذا اكبر خلال المحادثات في سبتمبر 2016 حيث يجتمع منتجون من منظمة أوبك ومن خارجها بهدف إحياء اتفاق لتجميد الإنتاج من أجل دعم الأسعار، خصوصا بعدما خرجت تصريحات من روسيا تبين عدم اهتمامها بتجميد الإنتاج، حيث صرح مسؤول دبلوماسي روسي بأن روسيا لا ترى أي اتفاق حول تجميد إنتاج النفط في الجزائر نظرا لأن إيران لم تظهر أي علامات على تغيير موقفها حول عدم رغبتها في الدخول في أي اتفاق، حيث رفعت إيران إنتاجها من 3.37 مليون برميل يوميا إلى 3.85 مليون برميل يوميا في يناير 2016، وهي تريد أن يصل إنتاجها إلى 4 ملاين برميل يوميا قبل العقوبات، بل صرح وزير النفط الإيراني أمام البرلمان أنه ينوي رفع مستوى الإنتاج إلى 4.6 مليون برميل خلال الخمس السنوات القادمة.

بسبب التصريحات والتكهنات حول تجميد الإنتاج استفاد من تلك التصريحات المضاربون الذين تمسكوا بالعقود الآجلة لفترة أطول على أمل أن ترتفع الأسعار، رغم هناك سرعة في بيع الأسهم النفطية المقترضة ( البيع على المكشوف ) بسبب المراهنة على انخفاض أسعارها بسبب المراهنة على انخفاض أسعار النفط، رغم أن العقود الآجلة للخام ارتفعت بنحو عشرة دولارات أو ما يعادل نحو 25 في المائة.

السوق النفطية التي عاشت منذ منتصف 2014 أسوأ اضطراب منذ الثمانينات، والمنتجون لم يقدموا تغيرا كبيرا في مواقفهم السابقة، فكلهم على اتفاق منذ فشل اجتماع الدوحة في أبريل 2016، صحيح أن النفط قد يخترق حاجز ال50 دولارا، لكن على المدى المنظور فإن الأسعار ستتراوح بين 40 إلى 50 لفترة طويلة من الزمن، لعدة أسباب دخول منافسين جدد حيث تصدر ليبيا الآن فقط 200 ألف برميل بينما كانت تصدر قبل الحرب الليبية نحو 1.5 مليون برميل، كذلك العراق وإيران، كما أكدت شركة بيكر هيوز لخدمات الطاقة في 19/8/2016، إن المنتجين أضافوا عشر منصات حفر نفطية جديدة ليصل العدد الإجمالي للحفارات إلى 406 حفارات عاملة مقارنة مع 674 قبل عام، وتعتبر أطول موجة زيادة بعد انخفاض الحفارات في عام 2015 عندما وصلت أسعار النفط أدناها إلى 27 دولار للبرميل في أبريل 2014.

وبجانب موقفي روسيا وإيران فإن وزير النفط النيجيري إيمانيول كاتشيكو أوضح في 16/8/2016 بأن أوبك لن تخفض الإنتاج خصوصا وأن حصتها من السوق العالمية ليست سوى الثلث تقريبا، ما يعني أنه ليس من العدل أن يطلب من دول أوبك التي تمتلك أكثر من ثلثي الاحتياطيات وتنتج فقط الثلث أن تجمد الإنتاج بينما الدول التي خارج أوبك وتنتج بقية الثلثين لن تقدم على تجميد الإنتاج، بل من العدل أن تطالب دول الأوبك أن تجمد الدول المنتجة من خارج أوبك أولا ثم تقتدي بها دول أوبك.

حيث نشرت أوبك تقريرا إحصائيا عن اجتماعات أوبك منذ 2012 حتى الآن تسع مرات ولم يتفقوا على تغيير مستوى الإنتاج لو مرة واحدة، في حين اجتمعوا منذ عام 1982 إلى 2016 نحو 117 مرة ولم يغيروا مستوى الإنتاج سوى في 52 اجتماعا.

فتجميد الإنتاج ليس مجدي على الأرجح، وترك إنتاج النفط لقوى السوق العرض والطلب التي يحركها السعر، حيث أصبح واضحا أن تراجع الاستثمارات نتيجة انخفاض أسعار النفط إلى نقص المعروض، وهناك ضغوط سوقية بفعل تقارير توقف أنشطة مصاف في الولايات المتحدة وإن عاد نشاطها مرة أخرى عندما ارتفعت أسعار النفط فوق 40 دولارا، بفضل تراجعت مخزونات النفط 2.5 مليون برميل وبفضل تراجعت البنزين بنحو 2.7 مليون برميل متجاوزة التوقعات بانخفاض قدره 1.6 مليون برميل .

الفترة الحالية تشهد تنسيقا ورغبة أكبر في التعاون بين السعودية وروسيا، ليس فقط حول تثبيت الإنتاج بعدما اقتنعت روسيا بأنها غير ذات جدوى، بل سيكون هناك تعاونا على المدى الطويل خصوصا وأن وزير الطاقة الروسي صرح بأن التعاون مع السعودية أبعد من الطاقة النووية، فجولة وزير الطاقة الفنزويلي للدول المنتجة لن تكون ذات جدوى ولا تصب في محاولة تثبيت الإنتاج لأن المرحلة قد تجاوزتها.

 تدرك السعودية أن هناك حالة من المنافسة بين كبار المنتجين على اقتناص أسواق جديدة خاصة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، باعتبار أنها ستكون محور الطلب على الطاقة في السنوات المقبلة، خصوصا وأن إندونيسيا وماليزيا وبقية دول آسيا والمحيط الهادئ تتمتع بفرص نمو واسعة، ما يجعلها في أعين كبار المنتجين التقليديين للنفط والغاز، حيث دخول روسيا لهذه الأسواق الجديدة يعد إنجاز كبير بالنسبة لها وهي التي تشعل المنافسة بينها وبين السعودية في هذه الأسواق الواعدة.

لذلك الكفة تميل للسعودية بسبب أن الجميع يبارز بسلاح واحد بينما السعودية تبارز بسلاحين، فهي تمتلك قدرة تصديرية في المنتجات البترولية لا تقل أهمية عن النفط الخام، حيث أظهرت البيانات بأن متوسط صادرتها من النفط الخام في النصف الأول من 2016 بلغت 7.52 مليون برميل يوميا ارتفعت فقط من النصف الأول من عام 2015 من 7.46 مليون برميل، لكنها صدرت مواد بترولية بنحو 1.42 مليون برميل يوميا في المتوسط تزيد بنسبة 50 في المائة عما صدرته في عام 2015، وبهذه الكمية هي أكبر دولة مصدرة للمنتجات البترولية خصوصا الصين والهند حيث بلغت صادرات الهند 1.39 مليون برميل، فيما بلغت صادرات الصين نحو 938 مليون برميل.

هذا يعطي السعودية مرونة أكبر ويعظم من العوائد الاقتصادية، خصوصا وأن مثل هذه المصافي بحاجة إلى استثمارات كبيرة لا تمتلكها كافة الدول، كما توفر فرص عمل ودخل محليا، حيث لدى شركة أرامكو حصص في طاقة التكرير تزيد على خمسة ملايين يوميا داخل وخارج السعودية، بما يجعلها ضمن الشركات الرائدة في مجال صناعة المنتجات النفطية على مستوى العالم.

واستطاعت السعودية تخفيض حرق النفط في محطات الكهرباء المحلية بنسبة بسيطة جدا في النصف الأول من 2016 ليصل إلى 474 ألف برميل يوميا مقارنة بنحو 478 ألف برميل يوميا في الفترة نفسها من 2015، فيما ارتفع الطلب على النفط محليا في المصافي المحلية الذي ارتفع إلى 2.49 مليون برميل يوميا بزيادة قدرها 17 في المائة عن متوسط 2015 البالغ 2.14 مليون برميل وهو ما يجعل السعودية تتجه نحو التوسع في شبكات النقل العام والسكك الحديدية لتقليل عدد السيارات.

سوق الطاقة تشهد تغيرات سريعة ومتلاحقة، ويمكن وصف المرحلة الحالية بأنها مرحلة تقوم على تنويع الموارد والثورة التكنولوجية وهو ما أدى إلى نقلة نوعية في مشاريع الطاقة التي بدأت برية ثم اتجهت إلى المشاريع البحرية واتجهت حاليا إلى مشاريع المياه شديدة العمق، لذلك ستتجه سوق الطاقة إلى التوازن التدريجي بين العرض والطلب.

السعودية مهتمة برفع مستويات الكفاءة لدى شركة أرامكو عملاق الطاقة الذي أصبح التحدي الأكبر وموضوع التنافس الدولي الواسع وهي كلمة السر في التغلب على صعوبات السوق التي تتسم بالتقلبات المستمرة، فمثلا شتات أويل بدأت في هذا الصدد برنامجا لكفاءة الطاقة اعتبارا من العام الجاري قد يحقق وفورات تصل إلى 1.7 مليار دولار، كما ستركز على مرونة الإنفاق الرأسمالي خلال العامين المقبلين 2017 و 2018، وقد نجحت الشركة في خفض الإنفاق على أنشطة التنقيب والاستكشاف إلى مليار دولار خلال عام 2015، من مستويات سابقة في السنوات الماضية تجاوزت ثلاثة مليارات دولار.

لذلك تتجه شركة أرامكو إلى رفع كفاءة مستوى الشركة، مع التركيز على تنمية في المعروض النفطي على المدى الطويل، وهي استراتجية تجعلها لا تهتم كثيرا بتجميد إنتاج النفط، بل تركز بالتوجه نحو مصافي التكرير الذي يعاني العالم نقصا في الإمدادات بسبب أنها بحاجة إلى إنفاق رأسمالي كبير، بجانب تحويل الصناعات الأساسية إلى صناعات نهائية بمشاركة الاستثمار الأجنبي المباشر، حيث تركز على أن يتجاوز معدل النمو في القطاعات غير النفطية إلى أكثر من 4 في المائة في العامين المقبلين.

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق