الروس والنظام السوري يصوبون معركتهم باتجاه سهل الغاب بعد فشل الهجوم على ريف حماة الشمالي

أصبح بوتين أكثر اطمئنانا بعدما هزم الغرب خلال العامين الأخيرين في شبه جزيرة القرم وشرق أوكرانيا وسوريا، وبعد أن تبين بجلاء أن العقوبات الغربية فشلت على ما يبدو في الحد من طموحاته.

منذ أن عين بوريس يلتسين بوتين قائما بأعمال الرئيس في عام 1999، حاول بوتين الجمع بين روسيا الحديثة والقوة العظمى السوفياتية السابقة، والتقاليد الأسطورية لقياصرة ما قبل الثورة البلشفية.

لكن هناك انتقادات موجهة لبوتين بأنه تناسى عدم الاستقرار الذي اكتنف روسيا بعد سقوط الاتحاد السوفيتي، ويعتقد بعض النقاد بأنه انتهج سياسة أدت إلى تعرض روسيا لعقوبات بسبب الحرب في أوكرانيا، انخفض الروبل الروسي إلى النصف مقابل الدولار منذ عام 2012 بعدما انتخب بوتين للفترة الثالثة.

الموقف الأمريكي السلبي الذي حافظ على وجود داعش، ليلعب بورقته، وهو ما فرض على العراق أن يستعين بالحلف الرباعي مع روسيا من أجل ضرب داعش، الذي ظلت أمريكا تناور وتراوغ، وتكتفي بضربات انتقائية، وتارة ترفض مشاركة الحشد الشعبي المدعوم إيرانيا من التدخل في محاربة داعش، وتطالب بتشكيل الحرس الوطني الذي يتكفل بمحاربة داعش، لكن المليشيات الإيرانية المسيطرة على الوضع العراقي ترفض إنشاء الحرس الوطني.

أمريكا على لسان وزير الدفاع كارتر، يؤكد في مؤتمر صحفي، أن التدخل الروسي في سوريا يدعم التطرف، وأنها تدعم المعارضة المعتدلة التي تحارب داعش، بينما دعم دول الخليج للمعارضة لمحاربة النظام السوري فإنه يوسع من الحرب الأهلية، بالطبع مثل تلك التصريحات يجب عدم التعويل عليها كثيرا.

الدور الروسي الموسع في منطقة الشرق الأوسط ظاهر للعيان منذ شهور، بل كانت إدارة أوباما متلهفة للمساعدة الروسية في سوريا، بعدما أنقذت روسيا أمريكا من الضربة العسكرية عندما استخدم الكيماوي ضد الشعب السوري، واستبدلتها بنزع السلاح الكيماوي.

تعتبر الولايات المتحدة التدخل الروسي من قبيل نزع فتيل الفوضى السورية العارمة، وهي إحدى بنود نتائج الاتفاق النووي الإيراني، التي لم تطلع عليها دول الخليج، وكانت الجولة المكوكية التي قام بها كيري بين السعودية ودول الخليج وموسكو، من نتائجها التدخل الروسي، رغم أن الدول الغربية ترفض الانضمام إلى روسيا في محاربة داعش.

هناك تنازع جيوستراتيجي بين طهران وموسكو على المنطقة وخصوصا في سوريا، لكن بعد فشل إيران عن حسم المعركة في سوريا، رغم أن إيران تمتلك 13 لواء و183 كتيبة و 34 فصيل من العراق، ما جعل قاسم سليماني ينسق مع موسكو بالتدخل في سوريا، واستطاع أن يقنع طهران، لكن الجنرال حسين الهمداني المسؤول الإيراني في سوريا، اعترض على التدخل الروسي، فخرج من المعادلة، فتمت تصفيته.

يبدو أن قاسم سليماني استطاع أن ينتزع الورقة الروسية من دول الخليج، التي أرادت دول الخليج أن تستخدمها في سوريا، للوصول إلى تسوية سياسية، بعدما فشل أوباما في تشكيل استراتيجية جادة ومتماسكة في سوريا، والتي أتت بزيارة محمد بن سلمان إلى موسكو، ثم تبعتها زيارة ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، ثم أتت زيارة وزير خارجية السعودية عادل الجبير، لكن فضلت موسكو استعراض دبلوماسية القوة، التي تخلت عنها الولايات المتحدة في عهد أوباما.

بوتين يريد أن يثبت للغرب، بأن روسيا غير روسيا عام 2008، عندما فشل الجيش الروسي في جورجيا، عندها تكفل بوتين بتطوير الجيش الروسي، وخصص 750 مليار دولار، وهو يجعل من سوريا الآن مختبراً لأسلحته المطورة، خصوصا عندما يرسل صواريخ كروز المنطلقة من بحر قزوين لمسافة 1500 كيلومتر عبر إيران والعراق، رغم ذلك سقطت أربعة صواريخ في إيران بنسبة 15 في المائة من الصواريخ التي أطلقت.

كما أن التدخل الروسي في سوريا بمثابة الترويج لمجمع الصناعات العسكرية الذي يمكن أن يدر المليارات من الدولارات لتحسين الاقتصاد الروسي، لكن تركيا لوحت بالعصا الاقتصادية، بعد اختراق طائرات روسية الأجواء التركية، ولم تقتنع تركيا بالتوضيحات التي ساقتها موسكو، وقد تخسر روسيا تركيا وكذلك السعودية، ودول عربية كثيرة، وهو هدف أمريكي وغربي، وبدلا من تحقيق ترويج للأسلحة الروسية، فهي تخسر زبائن، وتخسر مشاريع مستقبلية، وحتى المشاريع التي وقعتها مع دول المنطقة، ويكون الغرب هو الكاسب الوحيد من التدخل الروسي في سوريا.

لذلك أكد بوتين بأن الحوار السياسي، لن يكتب له النجاح بدون السعودية وتركيا، وأدرك المستنقع الذي سيورطه الغرب في سوريا، ويجعله يخسر حلفاء جدد مثل السعودية ومعها بقية دول الخليج وتركيا ودول عربية أخرى.

يرى خبراء روس أن الاقتصاد الروسي يعتمد على تصدير الغاز، وبناء الشركات الروسية لمحطات الكهروذرية، ومصالح روسيا في مجال الطاقة دافع رئيسي في خلفية التحرك العسكري الروسي في سوريا، لأنهم يعتبرون خسارة سوريا ستعني تمكين أمريكا قطر من مد شبكات غاز عبر دول المنطقة وصولا إلى الساحل السوري، ومن هناك إلى جنوب أوربا، حتى يعطل خطط روسيا لمد شبكة غاز جنوبية لا تمر عبر أوكرانيا، يتسبب في تقليص مبيعات روسيا من الغاز الروسي لأوربا بنسبة 30-40 في المائة.

كما يعتقد الروس أنهم بتدمير البنى التحتية التي يستخدمها داعش لنقل النفط من مناطق سيطرته في العراق وسوريا إلى الأسواق الخارجية سيرفع أسعار النفط إلى 150 دولار للبرميل، وإن كانت مثل تلك التوقعات أوهام ومبالغة ودغدغة لمشاعر الدول المنتجة للنفط حتى تقبل بما تقوم به موسكو في سوريا وتبريرات لم يكن يتقبلها أحد.

كما رأت روسيا في المغامرة السورية فرصة، للفت انتباه الراغبين في شراء أسلحة إلى الصناعات الروسية، قائلا بوتين بأن هذا الأداء لتلك الأسلحة يدل على الكفاءة والمستوى العالي لما ينتجه مجمع الصناعات العسكرية الروسية.

وبعد ما سميت بمجزرة الدبابات في ريف حماة وتم تدمير 20 دبابة، وأعلنت عن مقتل أول ضابط روسي، في وقت أطلقت البحرية الروسية وفق ما كشفه وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو أن السفن الروسية أطلقت 26 صاروخا بعيد المدى من بحر قزوين إلى سوريا، وأصابت 11 هدفا من مسافة 1500 كيلو متر ودمرتها كلها، وقالت إنها مواقع لداعش، لكن روسيا تستهدف الفصائل المعتدلة التي دربتها أمريكا، لصالح نظام بشار الأسد.

بدأت المعركة تتجه نحو سهل الغاب الغربي في محافظة حماة باتجاه جسر الشغور، لكن كارتر وزير الدفاع الأمريكي، أكد بأن روسيا ستتكبد خسائر بشرية بعد توسيع دعمها العسكري لحليفها نظام الرئيس السوري بشار الأسد، ما يعني أن أمريكا ستمد المعارضة، أو تسمح بمد المعارضة بأسلحة نوعية لمواجهة الأسلحة الروسية على الأقل لاختبار كل طرف كفاءة أسلحته أمام العملاء، لإثبات بأن الأسلحة الروسية ليست بكفاءة وجودة الأسلحة الأمريكية.

وبدأت مرحلة صراع بين الناتو وروسيا، خصوصا بعدما هدد الناتو بالدفاع عن تركيا، وإرسال قوات وبطاريات، مثل البطاريات التي أرسلها إلى تركيا عام 2012 بعدما أصبحت تركيا مهددة بصواريخ كانت تطلق من سوريا، والآن هدد وزير الدفاع البريطاني مايكل فالون روسيا بإرسال جنود إلى حلفائنا على الجانب الشرقي للحلف إلى دول البلطيق وبولندا، على الفور صرح الناطق الصحفي باسم الرئيس بوتين قائلا إن (موسكو تأسف لاقتراب البنية التحتية لحلف الناتو من الحدود الروسية) وقال حتما هذا النهج سيثير ردا روسيا.

يمثل سهل الغاب أهمية بالنسبة للطائفة العلوية، لأنه يقع بمحاذاة سلسلة جبال تمثل معقل الطائفة العلوية التي ينتمي إليها الرئيس بشار الأسد، واستعادة هذه المنطقة سيؤمن معاقل الأسد الساحلية، لكن صواريخ تاو الأمريكية كان لها دور كبير في وقف تقدم آليات النظام، وتدميرها بفعل القدرة التفجيرية العالية.

الروس سيخسرون في سوريا، دون العودة إلى دعوات الجهاد كما حدث في أفغانستان، ولن ينجح الروس في ترميم نظام متآكل على وشك الانهيار، ولن ينجح بوتين أن يمهد لمبادرة سياسية بضربات جوية، وسيفشل في استبعاد التنسيق مع الغرب ومع السعودية وتركيا وفرض نظام بشار الأسد، ولن ينجح أيضا في جني ثمار سياسية لعمليته العسكرية في سوريا، ولن تنجح الانتهازية السياسية الإقليمية، ولا الدولية بحق سوريا والمنطقة.

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق