الرؤية الماركسية للعلاقات الدولية الراهنة

(مرفق رابط تحميل الملف في نهاية هذه المادة)

قامت الفلسفة الماركسية في تحليلها للدولة والمجتمع على تثقيل العنصر المادي من خلال ما أسمته صراع الطبقات، إذ ترى أن الصراعات القائمة في المجتمع وما بين الدول تعود لرغبة القوى المتحكمة بعناصر الإنتاج للهيمنة على اليد العاملة وناتج العملية الاقتصادية، وحرمان الطبقات الأدنى من حقوقها، ووفقا لذلك قامت ثورتها لتحرير العمال من نهب الطبقات المالكة (الرأسمالية) والتي تتحكم بكل عناصر الإنتاج.

وقد تكون النظرة الماركسية لأسباب الصراع قد قاربت الحقيقة، إلا أنها بتركيزها على العنصر المادي الاقتصادي قد أسقطت من حسبانها عوامل عدة تساهم بدورها في تزكية الصراعات العالمية، والتي منها على سبيل المثال الإيديولوجية الفكرية والدين، بل ونظرت إلى تلك العوامل من منظارها الاقتصادي المادي، سواء في العلاقات الدولية أم في العلاقات المجتمعية داخل الدولة الواحدة.

وكان من رواد هذه المدرسة كارل ماركس مؤسس المدرسة الماركسية وتلامذته انجلز ولينين والإيطالي غرامشي، للتطور منها مدارس عدة بنظرياتها المختلفة والتي منها نظرية التبعية التي من روادها المفكر العربي سمير أمين، ونظرية النظام العالمي.

وتقترب النظرية الماركسية الجديدة في رؤيتها للعلاقات الدولية من المدرسة الواقعية الجديدة، حيث تركز كل منهما على تحليل بنية النظام الدولي، وتختلفان في نظرتهما داخل تلك البنية ففي حين تنطلق الواقعية الجديدة من منظار ميزان القوى، تحافظ الماركسية على منظورها المادي الاقتصادي وفق منطق من يملك ومن لا يملك، مرتكزة على مجموعة من القواعد:

  • تحليل العلاقات الدولية انطلاقا من بنية النظام الدولي المادية الاقتصادية.
  • استخدام المدخل التاريخي في التحليل.
  • هيمنة الدول الغنية على الدول الفقيرة وإعاقتها لنموها.
  • ترفض وضع الاقتصاد ضمن ما عرف في الواقعية بالسياسات الدنيا، بل جعلته مرتكزها الأول.

وتركز النظريات الماركسية الجديدة وفي مقدمتها نظرية النظام العالمي على فكرة المركز والأطراف، إذ يقرءون الوضع الدولي القائم بعد عام 1990 بدولة مركز قوية مهيمنة استغلالية متمثلة في الولايات المتحدة، ودول غنية تحيط بها، وأطراف تكون موضع استغلال القوى العالمية، ويبنون وفق ذلك تحليلاتهم السياسية.

إذ يصور أحد الماركسيين العرب عواد حقائق العلاقات الدولية في المرحلة الراهنة، بالنقاط التالية (1):

  • هيمنة القوة العظمى الأمريكية على نطاق كوني واستعمال القوة والإفراط في استعمالها في العلاقات الدولية. إن إدارة بوش الابن، بصفتها ممثلة للقطاع المعولم من رأس المال المالي والشركات متعددة الجنسيات أو عابرة الأوطان والمجمع الصناعي العسكري (الأسلحة والنفط والطاقة) قد أطلقت العنان لمذهب الواقعية المتطرفة في علاقاتها مع العالم، من خلال استخدام قوّتها القومية الهائلة، من اجل الدفاع عن مصالحها الحيوية والجيوستراتيجية في مختلف أنحاء الكرة الأرضية (أكثر من 60 ركن مظلم في العالم).
  • بزوغ عملية تكوين شريحة أو طبقة اجتماعية على مستوى دولي، تتماثل وتتشابك المصالح الطبقية للعناصر المكونة لها، والتي تتحكم بها أيديولوجية نازية-فاشية جديدة، مصممة على لعب أي دور يضمن لها امتيازاتها ومصالحها على حساب بقية البشرية، ضاربة بعرض الحائط كل المبادئ الإنسانية والأخلاقية والأدبية. إن هذا الواقع قد أوجد الأساس لتشكيل التحالف بالأحرى التكالب السياسي العسكري بين مختلف القوى من غربية وشرقية وكبيرة وصغيرة تحت زعامة الولايات المتحدة.
  • تبلور ظاهرة جديدة للانصهار المتكامل والشامل بين الأصولية السلفية المسيحية (مذهب بوش) والأصولية السلفية اليهودية (مذهب شارون). إن هذا الانصهار الأيديولوجي-الديني هو الذي يفسر مستوى التداخل العضوي والسياسي والاقتصادي والأدبي والعسكري بين الإدارتين، وتقاسم وتكامل الوظائف بينهما في مختلف الساحات وفقا لمصلحة وإمكانيات كل منهما.
  • اللجوء إلى شكل الاستعمار القديم. ويشكل هذا الأمر نكوصا أيديولوجيا وسياسيا للرأسمالية المتطورة جدا. إن التدخل العسكري واحتلال بلدان مستقلة وذات سيادة وأعضاء في الأمم المتحدة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الرئيسيين، ليس إلا محاولة لفرض العولمة اللبرالية الجديدة على بقية البشرية، أي عسكرة العولمة حسب قول سمير أمين.
  • عدوان جامح على الشرعية الدولية وهيئاتها ومنظماتها ومؤسساتها في محاولة لضمان عصمة مطلقة للإمبراطورية من أي عقاب، وتكريس الداروينية وقانون الغاب في المجتمع البشري وفي العلاقات الدولية. لكن لكل قوة حدود تلازمها.
  • محاولة إضفاء الصبغة الدينية على الصراعات الدولية لا سيما حرب الولايات المتحدة ضد “الإرهاب”. فمع اختفاء الخطر الأحمر نقلت الولايات المتحدة محور المواجهة ضد الخطر الأخضر، حتى هذه اللحظة، وربما لاحقا تنقله ضد الخطر الأصفر. إنها “عقدة الإشارة الضوئية” التي جاءت لتثأر لعقدة فيتنام. إن نظريات نهاية التاريخ وصدام الحضارات ليست إلا التعليل الأيديولوجي والتبرير النظري للرؤية الكارثية للتاريخ والبشرية. وأكثر من ذلك فإنها تفتقر إلى التواصل مع الفكر الغربي الحديث أي فكر النهضة والتنوير بمختلف مدارسه المثالية والمادية. إلا أنها تتقاطع مع الأفكار النازية التي صاغها تريتشكه ونيتشه عندما تحدثا عن حصرية القوة والعظمة في الحضارة الغربية -في إطارها الجغرافي والثقافي- دون أي دور أو ارتباط مع حضارات عالمية أخرى إذ انه حسب صاموئيل هنتينغتون “لديها جوهر واحد لا يتغير، وهوية مطلقة على امتداد القرون” . أما فرانسيس فوكوياما فإنه لدى معالجته “نهاية التاريخ” أو نهاية الصراع الأيديولوجي، يؤكد على انعدام ضرورة تحوّل كافة المجتمعات إلى اللبرالية بل على العكس يرفض مثل هذا التجانس، ويؤكد أن البلدان التي تنتمي فقط إلى الحضارة الغربية هي التي يجب أن تؤكد سيطرتها على العالم كله على قاعدة السادة والعبيد، لأن بلدان العالم الثالث عموما -حسب فوكوياما- ستكون مصدرا يهدد الحضارة الغربية، سواء من خلال شعارات التطرف القومي أو الديني أو بالأوبئة والأمراض والتخلف وبالتالي لا بد من إخضاع العالم الثالث باعتبارهم “أعداء الغد”.

فيما يرى سمير أمين (2) أن الرأسمالية كانت طوال الوقت بطبعها ومنذ بدايتها، نهجا يزيد التقاطب أي أنها إمبريالية. هذا التقاطب موجود في طريقة تراكم رأس المال، الأمر الذي يجري في المستوى الكوني -بناء مراكز مسيطرة وضواح واقعة تحت السيطرة، وخلق هذه المراكز من جديد، وبعمق أكثر في كل مرحلة جديدة-. في نظرية التوسع الكوني هذه للرأسمالية، تميّز التغييرات الكيفية في طرق التراكم بين مرحلة وأخرى في التاريخ، مراحل التقاطب غير المتوازن بين المركز والأطراف، أي أنها تميز الإمبريالية بعينها. وهكذا فالنظام العالمي الحالي سوف يبقى إمبرياليا أي قطبيا في المستقبل القريب، ما دام المنطق الذي يستند إليه هو علاقات الإنتاج الرأسمالية. هذه النظرية تربط بين الإمبريالية وبين تراكم رأس المال على المستوى الكوني، وهي حقيقة أن الأطراف المختلفة غير خاضعة للفصل. وبهذا فهي تختلف عن الصيغة العامة للنظرية اللينينية عن “الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية” (وكأن المراحل السابقة لتوسع الرأسمالية الكوني لم تخلق التقاطب)، وعن نظريات ما بعد الحداثة الحالية، التي تصف العولمة الجديدة بأنها “ما بعد الإمبريالية”.

ويحدد سمير أمين رؤيته (3) لخطاب ما بعد الحداثة بأنه خطاب أيديولوجي يحاول تأكيد مشروعيته الليبرالية ويدعو إلى الخضوع لها. والانتصار الظاهري لليبرالية في شكلها الأمريكي الأكثر بساطة ووحشية، إذ تجري المقابلة بين أمريكا الفتية وأوربا العجوز التي أنهكتها دول الرفاه سابقاً، هي النغمة المفضلة للخطاب الممالئ للولايات المتحدة، فيتم استبدال أفكار محلية للفكر الليبرالي الأمريكي كمفهوم (التكيف) و(نعيش حياتنا) بالفكر البورجوازي بتقاليده الديمقراطية وثقافة التنوير. ومجرد القول بانتفاء البدائل وعدم وجود خيارات تلغي أسس الديمقراطية القائمة على إمكان وجود خيارات. وتتسم هذه المرحلة بهيمنة إمبريالية أشد عنفاً، وبأن الإمبريالية السابقة كانت متعددة الأقطاب، أما اليوم فالإمبريالية جماعية الثالوث. وبناء على ذلك فقد تغير شكل الصراع وشكل المواجهة، وأخذ أشكالاً جديدة تقوم اليوم بين دول الثالوث التي تسير في ذيل الولايات المتحدة وبقية العالم والمستفيدين من الاحتكارات الجديدة، والتخوم المصنفة ولكنها تابعة لهذه الاحتكارات. والنظام الليبرالي اليوم يحتاج إلى حرب دائمة وتدخلات عسكرية الواحد تلو الآخر عن طريق مؤسسات مخصصة لذلك، كمنظمة التجارة العالمية وصندوق النقد الدولي وحلف الأطلسي. لذلك أنتج هذا النظام خطابه عن صراع الحضارات لتدعيم العنصرية الغربية والقول إن الرأسمالية يمكن أن تتأقلم مع تحولات تحررية، أي تنتج تغيرات ديمقراطية هي من صميم هذا الخطاب الذي مهمته التخدير وليس التقدير الصحيح للتحديات.

ويشير أمين إلى أن هيمنة الولايات المتحدة على العالم ارتكزت على تفوق قدراتها العسكرية، لذا تستطيع فرض نفسها كقائد بلا منازع وذلك عبر جعل قوتها العسكرية القبضة المرئية المسؤولة عن فرض نظام إمبريالي جديد على المعاندين المحتملين. ومن الآن فصاعدا يقول أمين أصبح الخيار الوحيد واضحا هو قبول الهيمنة الأمريكية والفيروس الليبرالي المعزز الذي تحول إلى مجرد مبدأ حصري قائم على صنع المال.

ويتساءل: لماذا اختارت الولايات المتحدة منطقة الشرق الأوسط الكبير وفى القلب منها المنطقة العربية كمنطقة للضربة الأولي؟  ويجيب:

أولا: لغزارة البترول بها، فالسيطرة عليها تمنح واشنطن إمكانيات هائلة للضغط على منافسيها الأقوياء.

ثانيا: لأسباب جغرافية، فالمنطقة متميزة جدا من حيث الموقع، وبالتالي فإقامة قواعد عسكرية دائمة وأساسية في هذه المنطقة من الممكن أن تكون مفيدة جدا لقيام حروب استباقية أخرى ضد الصين أو الهند.

ثالثا: إن هذه المنطقة تعتبر الحلقة الأضعف في العالم، فمن الممكن أن تحتل دون أن ينتج عن ذلك رد فعل على مستوى كبير.

غير أن أمين يؤكد على أن الميزة العسكرية الأمريكية تجاه منافسيها محدودة وأن التاريخ أثبت أن القوة العسكرية الأمريكية لها نقاط ضعف مهمة، فهي لا تستطيع القتال على الأرض بشكل جيد.

ويدعو إلى التضامن بين شعوب الجنوب وشعوب الشمال ضد السياسات الليبرالية التي خلقت إلى حد كبير أرضية موضوعية للأممية الجديدة، ويرى أن مما لا شك فيه أن حركة مناهضة العولمة الرأسمالية والحرب تعد الإطار الملائم لهذا التحالف خاصة بعد أن تغيرت الطبيعة الاجتماعية للحركة وانخرطت فيها الطبقات العمالية والشعبية بدرجة كبيرة.

ويرى د. إبراهيم أبراش (4) بأن النظام الدولي الحالي يأخذ شكل دائرة كبرى تحتل قطبها الولايات المتحدة الأمريكية وتتوزع حولها دوائر فرعية، أقربها المجموعة الأوروبية تتنازع على قطبها إنجلترا وألمانيا، مجموعة الكومنويلث والمجموعة الصفراء -قطبها اليابان- ومجموعة الشرق الأوسط -منطقة النفط الكبرى- و تحاول الولايات المتحدة أن تجعل قطبها إسرائيل. ويقوم حول هذه الأقطاب جزء من الدول الحليفة، فالولايات المتحدة الأمريكية لا يمكن أن تخلق نظاما عالميا بمفردها دون مساهمة القوى الأخرى خاصة أوربا وروسيا وشمال شرق آسيا، ومن ثم ساد الاعتقاد بأن النظام الدولي الحالي أقرب إلى التعددية القطبية منه إلى القطبية الواحدة مع اختلاف هيكل التعددية الراهن عن ذلك الذي ساد في ظل نظام ميزان القوى في القرن التاسع عشر ومن منطلق أن استخدام القوة العسكرية لتوجيه التفاعلات الدولية أصبح        احتمالا محدودا.

إلا أنه بعد تفجيرات 11 أيلول 2001 تغير الوضع بشكل كبير، حيث أعطت هذه التفجيرات للولايات المتحدة الأمريكية المبررات الأخلاقية والقانونية لتعيد صياغة النظام الدولي قيد التأسيس بما يجعلها بالفعل سيدته، وقد ظهر ذلك جليا من خلال ما أسمته الحملة الدولية ضد الإرهاب ، فقد مكنتها هذه الحملة من دفع الأمم المتحدة إلى إصدار عديد من القرارات تدين الإرهاب وفوضت للولايات المتحدة صلاحية تفعيل هذه القرارات، ومن هنا أرسلت الولايات المتحدة جيوشها إلى أفغانستان ودول أخرى، أيضا استغلت الولايات المتحدة أحداث 11 أيلول لتحرك أزمة العراق مجددا وتدفع باتجاه إصدار قرارات دولية تمكنها من التدخل بالعراق، بل وصل الأمر إلى أن تحارب العراق وتحتله دون تفويض رسمي من الأمم المتحدة، هذا ناهيك عن رسمها خريطة جديدة للعالم الجديد تقوم على التمييز بين من سماهم الرئيس بوش محور الشر من جانب والعالم الحر الذي تقوده الولايات المتحدة من جانب آخر، وترويج مقولة (إما معنا أو ضدنا).

وتوجد إلى جانب القدرات المادية والاقتصادية ، القوة التجاذبية أو الملهمية captive power ـحسب جوزيف ناي- التي تعتمد على مصادر غير مادية للقوة مثل الثقافة –الأيدولوجيا-والمؤسسات، وبمراجعة توزيع عناصر القوة بين الوحدات الكبرى في النظام الدولي (بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي، اليابان، الصين، روسيا الاتحادية) يتضح أنه لا توجد أية وحدة تتمتع بتفوق كبير في جميع العناصر، ويمكن النظر إلى هذا النظام من خلال مستويين اثنين: المستوى العسكري-الاقتصادي، يسوده تعدد الأقطاب، روسيا، الولايات المتحدة الأمريكية، اليابان. والمستوى السياسي-الديمقراطي يتجه نحو الأحادية القطبية بالمعنى الغربي للديمقراطية (التعددية، الانتخابات، حقوق الإنسان). فالنظام العالمي الراهن لا يمكن وصفه بالأحادية القطبية بمعنى هيمنة دولة وحيدة على النظام أي تركيز القدرات في يد القطب وتماثل التوجهات السياسية لمختلف الوحدات المكونة للقطب وعدم وجود تحديات من القوى الأخرى لإرادة القطب السياسية، ولا يمكن اعتباره نظاما متعدد الأقطاب نظرا لغياب أي تحد للسياسة الأمريكية منذ أزمة الخليج الثانية (90- 91) من قبل اليابان أو الاتحاد الأوروبي أو الصين أو روسيا أو غيرهم، حتى محاولات التحدي التي بانت مع أزمة العراق الأخيرة والتي قادتها فرنسا وألمانيا وبدرجة اقل روسيا الاتحادية تراخت بعد الانتصار الأمريكي في الحرب، هذا ما يدل على انتفاء الصراع الأيدلوجي والاستراتيجي لصالح التنافس الاقتصادي التكنولوجي الذي أفصح عن تنامي وصعود القوى المنهزمة في الحرب العالمية الثانية (ألمانيا واليابان) مقابل تدهور الاقتصاد الأمريكي (العجز في مراقبة التجارة العالمية بأكثر من النصف، وتراجع الادخار الوطني واستفحال أزمة المديونية)، فقد شكك كل من يولي كينيدي وديفيد كاليو في قدرة الولايات المتحدة الأمريكية على قيادة وتوجيه النظام الدولي الحالي نظرا إلى تجميد تقدمها التكنولوجي واختناق اقتصادياتها في زمن اشتد فيه التناقض بين المراكز الرأسمالية حول الأسواق والمواد الأولية ومراكز النفوذ والمصالح الاقتصادية. وأمام هذا الغموض يقدم ناصيف يوسف حتيّ أربعة صور رئيسية لتحول النظام الدولي:

  • نظام دولي هرمي: تتعدد مراكز قواه وتقوم علاقاتها على الاعتماد المتبادل والتجانس، لكنه نظام هرمي تترأسه الولايات المتحدة الأمريكية تليها أوربا ثم المراكز العالمية الأخرى الإقليمية.
  • نظام كلي متوازن: تسوده عوامل التجزؤ في المراكز الرأسمالية المتنافسة ويساعد التوازن النسبي بين الكتل الكبرى على تحقيق استقرار نسبي وتسوده ثورة القوميات والحركات العرقية التي من شأنها أن تعدل هذا النظام في أي وقت.
  • نظام كتلي فوضوي: يتحول النموذج الثاني إلى فوضوي في حالة تقلب الموازين وتغليب التناقضات، وفي حالة عجز الكتل الدولة على حل المشاكل الناتجة عن المشاعر القومية.
  • نظام مشاركة عالمية: قوامه حل المشاكل الإنسانية العالمية والقضايا الدولية (كالبيئة والأمراض الفتاكة عابرة القوميات واللجوء ..)، عن طريق واحد وهو التكامل والمشاركة في الحل نظرا لتعذر الحل العسكري في هذه الأمور.

ونظرا لتعذر الحسم بصحة أحد النماذج، تبقى الحقيقة (النسبية) هي أن الولايات المتحدة الأمريكية تتمتع بتفوق كبير في عناصر القوة العسكرية والتكنولوجية والقدرة على نشر الأفكار والأيدلوجيا وجاذبية الأفكار السياسية والاقتصادية والدبلوماسية وعلاقات صداقة مع العديد من الوحدات الدولية والثقافية وانتشار الرموز الاستهلاكية للثقافة الأمريكية وهي لا تتورع في فرض هذا التفوق كأمر واقع.

ومن الأهمية بمكان ونحن نستعرض هذه الصورة المبسطة عن الماركسية ونشهد تزايد الدعوات بالتحول إلى الديمقراطية الليبرالية تحت ضغط سياسة بوش والمحافظين الجدد واعتبار أن الديمقراطية الأمريكية سوف تجلب حلول سحرية لمشاكل الشعوب الإجماعية والاقتصادية وتوقف الإرهاب، التأكيد بأن الماركسيين يربطون دائما كل الظواهر السياسية بأساسها المادي أي (المصالح الطبقية)، ولذلك فأن مراحل التحول الحاسمة التي تمر بها الشعوب –كما هو حاصل الآن في العراق–، ووفق النظرة الماركسية تحدد دائما مواقف القوى السياسية والاجتماعية بناء على مصالح الطبقات والشرائح التي تمثلها وأدوارها في عملية التحول الديمقراطي أو غيره، وما يحدث من توافق في بعض الأحيان تفرضه قواعد اللعبة السياسية وموازين القوى وتأثير القوى المسيطرة لا يلبث أن يتبدل وينتهي في مرحلة لاحقة بتأثير المصالح الاجتماعية المتعارضة.

فالظرف الدولي الراهن وموازين القوى العالمية في عصر العولمة الأمريكية والقطب الواحد والتحول نحو الديمقراطية واقتصاد السوق والحرية الفردية تدفع باتجاه جعل الاشتراكية في ظل التوازن الحالي مسألة طوباوية، وتدفع باتجاه تأجيلها إلى مراحل لاحقة –في ضوء الحرب الأيديولوجية التي يشنها المنظرون الليبراليون بما يتاح لهم من وسائل هيمنة إعلامية على ذهنية الجماهير فلقد وصف مؤلف كتاب نهاية التاريخ الماركسيين بالبرابرة كما يجاهد إيديولوجيو البرجوازية من أجل تسفيه فكرة الاشتراكية وإقرانها بالاستبداد والشمولية.

pdf

يمكن تحميل نسخة من البحث على شكل ملف PDF، بالضغط على الرابط التالي: الرؤية الماركسية للعلاقات الدولية الراهنة- عبد القادر نعناع

عبد القادر نعناع

كاتب وباحث سوري

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

 

هوامش

(1) نور الدين عواد، ‌”العلاقات الدولية والعنف السياسي .. الإسلام الديني والإسلام السياسي في الوقت الراهن..”، في: www.rezgar.com .

(2) سمير أمين، “في إطار الرؤية التاريخية للتوسع الرأسمالي للإمبريالية الأميركية”، في: www.rezgar.com ، بتاريخ 20/2/2005.

(3) هيفاء أحمد الجندي، “الفيروس الليبرالي لسمير أمين بين راهنية الطرح وفروض المستقبل”، في www.rezgar.com .

(4) إبراهيم أبراش، “النظام الدولي والتباس مفهوم الشرعية الدولية “، في: www.alwatanvoice.com ، 16/8/2005.

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق