الدور السعودي في الترتيبات الدولية والإقليمية لما بعد داعش وبشار الأسد

استثمرت السعودية التجمع العالمي في أنطاليا في تركيا في قمة العشرين، ليس فقط لخدمة أجندتها الاقتصادية، بل ولخدمة أجندتها السياسية، خصوصا بعدما ضرب الإرهاب مناطق واسعة من العالم، من جنوب لبنان إلى باريس إلى كاليفورنيا ولندن ويهدد مناطق واسعة من العالم، ما يعني أن العالم يجب أن يواجه تلك التحديات بجدية، ولا يمكن أن يترك العالم تلك الأزمة تتولاها روسيا التي حضرت إلى سوريا من أجل تنفيذ أجندة خاصة بل اتخذت من الإرهاب حجة للتدخل، وتغيرت كثير من الاستراتيجيات الدولية والإقليمية التي تعيها السعودية.

هناك ترتيبات أجرتها السعودية مع كثير من القادة والسياسيين في تلك القمة، ووضعت استراتيجياتها بناء على عدد من المتغيرات، منها أن أولويات واشنطن في مواجهة روسيا والصين، محاولة إيران من السعي نحو إحياء محور المقاومة الذي تصدع بعد عاصفة الحزم في اليمن من خلال الحرب ضد داعش، مستثمرة حضور روسيا إلى سوريا، بأن تكون روسيا قلب محور المقاومة، حسب تصريح لمستشار خامنئي علي أكبر ولايتي، وأولوية أوروبا مواجهة الهجرة من منطقة الشرق الأوسط.

كما أن بعد قمة العشرين هناك تغيرات كبرى حدثت في المنطقة، بدأت بضرب تركيا الطائرة الروسية، ودخول روسيا وتركيا في مرحلة صراع وحرب على إنشاء منطقة آمنة قرب الحدود التركية في الأراضي السورية أي أن هناك تصادما في الاستراتيجيات لكل بلد.

 كما أتت زيارة رئيس كردستان العراق إلى السعودية، الذي وافق على دخول قوات تركية إلى الإقليم لتحرير الموصل من داعش، وبدأت أزمة جديدة بين تركيا والعراق من ناحية وبين تركيا وإيران المهيمنة على الحشد الشعبي في العراق من أجل تهميش السنة.

طالبت بغداد بسحب تركيا قواتها من الأراضي العراقية، ولكن تركيا رفضت، وقالت سأرسل المزيد من القوات، ويمكن التفاهم مع بغداد حول تحجيم عدد القوات، وصرحت تركيا بأن إيران متواجدة في العراق طائفيا التي قسمت العراق، وهي ترد على اتهامات إيران لها بدعم داعش بعد استفزازات روسية في البسفور.

اقتنعت أمريكا بأن المليشيات الشيعية عقبة أمام تحرير سوريا وكذلك العراق من داعش، لذلك كان هناك دور في إقناع البرزاني بطلب القوات التركية بالدخول للمساهمة في تحرير الموصل من داعش، لكن بغداد تعتبر أن دخول القوات التركية مخالف للسيادة العراقية، ولكن تحتج تركيا على التواجد الإيراني في العراق، وهي على غرار استدعاء النظام السوري غير الشرعي لروسيا، بينما هي ترى أن حكومة كردستان حكومة شرعية، ودخول المليشيات الإيرانية أو المليشيات العراقية الشيعية المدعومة إيرانيا هي ضد المكون السني في العراق وهي مخالفة لترتيبات الإقليم الذي تقوده السعودية ضد الفوضى التي تزرعها إيران في المنطقة.

منذ مارس 2015 خلال معارك تكريت حاولت الحكومة الأمريكية فتح خطوط اتصال مع وحدات من الحشد الشعبي غير الموالية لإيران، لأنها تدرك أن هناك ثلاثة أنواع من الحشد الشعبي، حشد السيستاني، وحشد قاسم سليماني، وحشد ثالث تأسس من كتائب صغيرة ترتبط مباشرة بالمالكي لحماية نفسه من الشعب الشيعي قبل العراقي، الذي يرفض ولاؤه لإيران، وتسبب الحشد الشعبي في تشظي المكون السني، وزاد من عدد الولاءات في العراق المنقسمة على نفسها.

بعد دخول القوا ت لتركية إلى الأراضي الكردستانية، وجدت واشنطن فرصتها في البحث مع بغداد مهمة وحدة جديدة من قواتها الخاصة، بعدما كانت تعترض إيران والمليشيات التابعة لإيران في العراق على تلك القوات، وفي نفس الوقت الخطوة الأمريكية أتت لمنع التواجد الروسي في العراق على غرار تواجده في سوريا من أجل تفكيك التحالف الإيراني الروسي في المنطقة، وفي نفس الوقت أكدت واشنطن أنه لن تكون هناك عمليات عسكرية من جانب واحد.

تدعم تركيا متطوعي الحشد الوطني من أبناء الموصل، باعتراف محافظ الموصل السابق أثيل النجيفي، الذي اعتبر أن القوات التركية ستلعب دور الإسناد في معركة التحرير المرتقبة للموصل، خصوصا وأن هناك تحالفا برلمانيا بدعم إقليمي – دولي يمهد إلى تغيير خريطة التحالفات السياسية في العراق، ما جعل الكتلة السنية تشترط 7 نقاط للانخراط في العملية السياسية، أزعج إيران مما تقوم به الدول الإقليمية والدولية في مرحلة ما بعد داعش في العراق، لذلك تدعم إيران المالكي في تشكيل كتلة قوية في مواجهة العبادي وإصلاحاته.

إيران ومليشياتها في العراق منزعجة من تحرير البيشمركة بقيادة برزاني جبل سنجار من داعش في فترة قياسية، التي شكر فيها برزاني الولايات المتحدة ودول التحالف على تقديمها الدعم الجوي، وسيكون له تأثير كبير على تحرير الموصل، وأكد برزاني أنه لن يرفع علما غير علم إقليم كردستان في سنجار، مما أثار حفيظة وكلاء إيران في دولة القانون، الذي شن القيادي فيها سامي العسكري هجوما على إعلان برزاني بأن فضاء سنجار جزء من إقليم كردستان، التي اعتبرها جزء من تكوينه دولة كردية كبرى.

أدركت السعودية أن إيران حيثما تتدخل تعم الفوضى منذ قرار الخميني تصدير الثورة أشعل الحروب في الشرق الأوسط، وتدرك كذلك أن خطر المليشيات الشيعية لا يقل عن خطر داعش والقاعدة، ولكن بعد فوز حزب العدالة والتنمية بقيادة أردوغان تحولت تركيا إلى لاعب إقليمي أقوى مما كانت عليه  قبل الانتخابات، أرادت السعودية توظيف هذا الفوز لصالحها، رغم أن مصر تخوفت من هذا الفوز الذي يصب في صالح الإخوان المسلمين، الذين دخلوا مع الدولة المصرية في صراع مرير، لكن السعودية توظف هذا الدور في منأى عن دور الإخوان في مصر، وإنما تتجه في توظيف هذا الفوز في مواجهة النفوذ الإيراني، والتحالف في مواجهة الإرهاب بجميع أشكاله، باعتبار أن داعش الإرهاب البارز والحاضر والذي يضرب في كل مكان.

هناك تفاهم سعودي تركي أميركي، خصوصا بعدما وقفت أميركا مع تركيا ضد روسيا، ورفضت اتهام تركيا بدعم داعش، في المقابل سمحت تركيا بوضع قاعدة إنجرليك في خدمة عمليات التحالف ضد داعش، مما يعد تحولا كبيرا في قطع الطريق على داعش والأكراد، والتنسيق بين الأطراف الثلاث في كيفية إسقاط النظام السوري كنظام إرهابي، ولكن سيكون وفق التفاهمات مع روسيا التي تفرض واقعا جديدا لا يمكن تجاهله.

السعودية ليست متخوفة من الجماعات الإسلامية، لذلك هي تستضيف مؤتمرا للمعارضة السورية السياسية والعسكرية بجميع أطيافها، لتضييق فجوة الخلاف بينهم، وحضر المؤتمر أكثر من مائة معارض سوري، يجتمعون في الرياض بمشاركة 16 فصيلا عسكريا.

في المقابل وافقت السعودية على تهدئة الساحة اللبنانية على خلفية إعلان تيار المستقبل استعداده تبني ترشيح رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، الحليف الأساسي لحزب الله والصديق المقرب للرئيس السوري بشار الأسد لرئاسة الجمهورية، على الفور وافق الحوثيون على إعلان هدنة إنسانية جديدة في اليمن، وأعلن ولد الشيخ عن التوصل إلى إعلان وقف إطلاق النار فعليا في المحادثات التي ستجري في منتصف شهر ديسمبر 2015  في جنيف 2، وبناء جو من الثقة بين الطرفين قبل المباحثات والإفراج عن المحتجزين لدى الحوثيين خصوصا وزير الدفاع الصبيحي وبقية الأسرى لدى الجانبين وفك حصار المدن من أجل الجلوس على طاولة الحوار والمفاوضات بين الشرعية والانقلابيين وليست بين طرفين متساويين بل غلب الرئيس هادي المصلحة الوطنية وقبل بالمفاوضات ولكن دول التحالف لن تسمح للمتمردين بأن يستثمروا الوقت وتحسين مواقعهم، رغم أن البعض يشكك في حسن نوايا الحوثيين لكن الواقع على الأرض سيفرض على الحوثيين القبول بالأمر الواقع لأنهم في كلا الحالتين هم في حالة خسارة فمن الأفضل القبول بتسليم أسلحتهم والقبول بالعملية السلمية بدلا من استمرار نزيف الدم من الجانبين وهم الأكثر خسارة.

ستنتقل المفاوضات بين المعارضة السورية والنظام السوري إلى نيويورك تحت رعاية الأمم المتحدة بدلا من فيينا التي اتفق عليها الخمس الكبار فيما قبل، فاعتداءات باريس كانت حافزا لتسريع الحل في سوريا، وبسبب إعادة باريس ترتيب أولوياتها ومحاربة الإرهاب، قررت القبول بالأسد في المرحلة الانتقالية.

هناك 50 طلعة جوية لطائرات من دون طيار فوق سوريا، وكما هناك غارات روسية ضد المعارضة السورية، فيما تنفي روسيا أنها تستهدف المعارضة بينما هي  تستهدف فقط داعش، فإن التحالف بقيادة الولايات المتحدة هي الأخرى بدأت تقصف النظام السوري في محافظة دير الزور ولأول مرة، ولكن دول التحالف تنفي أنها ضربت قوات النظام السوري، وتتهم روسيا بأنها هي التي قامت بها.

 ما يعني أنها عملية كسر عظم بين قوات التحالف والجانب الروسي المتحالف مع إيران والنظام السوري، من أجل توصل جميع الأطراف الدولية حول عملية سلمية مشتركة في سوريا، والتخلي عن تصلب المواقف من قبل جميع الأطراف، خصوصا بعدما اقترب الغرب من القبول بتراجعات تدريجية من أجل التوصل إلى عملية سلمية ترضي جميع الأطراف، والتوحد من أجل مواجهة داعش، ما يعني أن المنطقة ستدخل مرحلة ما بعد داعش وما بعد الأسد، والتي تسير ما بين التصعيد في جهة محددة، والتهدئة في جهة أخرى.

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق