الدور الحاسم في سورية لم يعد لروسيا، بل لأمريكا

لم تنتظر أمريكا قرارا من مجلس الأمن لإدانة النظام السوري بل قامت بضربة عسكرية عقابية أربكت الدور الروسي الذي تعود على الاستجمام في سوريا في عهد أوباما، مثلت تلك الضربة صداع في رأس بوتين بعدما استمر يمني نفسه باستعادة أمجاد إمبراطورية الاتحاد السوفيتي، وقد يصوت مجلس الأمن على التحقيق مع النظام، رغم أن وزير الدفاع الأمريكي في نفس الوقت ماتيس برأ روسيا من مجزرة خان شيخون، ويأتي استخدام الفيتو من عدمه لن ينفع هذه المرأة.

ما جعل بوتين يصاب بحالة من الارتباك بعد المراهنة الخاسرة التي أوضح لهم العالم بأنهم فاشلون ويمارسون طرق بلطجية في مقارباتهم، ما جعل السفير الروسي في مجلس الأمن يقول لا تهينوا بلدي كفى، بعدما وجد أن الجميع في مجلس الأمن ضد بلاده، حتى الصين هذه المرة كانت في اجتماع في فلوريدا على الغداء بين الرئيسين أثناء القصف على مطار الشعيرات، ما يعني أن روسيا بدأت تشعر بالعزلة ليس هذا فحسب بل والإهانة من جميع دول العلام حتى من رفيقتها في استخدام الفيتو الصين.

وبعد زيارة وزير الخارجية الأميركي تيلرسون الذي حمل رسالة شديدة اللهجة من وزراء دول مجموعة السبع الذي عقد في مدينة لوكا الذي بحث محاولة إحياء العملية السياسية في سوريا، والذي دعا إليه من أجل الحضور السعودية وتركيا والإمارات والأردن وقطر، وتوجيه رسالة واضحة ومنسقة إلى روسيا بعدما ألغى وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون زيارة كانت مرتقبة لإجراء اتصالات قبل اجتماع مجموعة السبع من أجل تنظيم دولي لوقف لإطلاق النار على الأرض في سوريا وتكثيف العلمية السياسية ما جعل بوتين يصرح بان أوربا تريد تخريب علاقة روسيا بأمريكا.

يرى البعض أن مهمة تيلرسون مع موسكو أسهل بعد قصف سوريا، والتي تعطي أمريكا مصداقية أكبر مع المسؤولين الروس وهي في نفس الوقت اختبار لقدرة ترامب على استغلال زخم الحادثة، ويحمل تيلرسون مهمة تفادي مواجهة كبيرة بين الولايات المتحدة وروسيا مع انتزاع بعض التنازلات من الرئيس بويتن مثل التخلص ما تبقى من مخزونات الأسلحة الكيماوية لدى الرئيس السوري بشار الأسد والضغط على الأسد للتفاوض بشأن مستقبل سوريا.

الضربات ليست بالشيء السيء لروسيا خصوصا وأن روسيا واجهت صعوبات كثيرة لجعل الأسد يجلس إلى طاولة التفاوض، حيث أن أمريكا تعترف بروسيا اعترافا تكتيكيا بمكانة روسيا كمركز قوة مهم وهو ما يمثل أحد الطموحات الرئيسية لبوتين.

وأثناء زيارة تيلرسون موسكو في 12/4/2017 طلب لافروف من تيلرسون مناقشة تشكيل تحالف واسع لمكافحة الإرهاب بعدما فشل في انتزاعه من كيري الوزير السابق في عهد أوباما وهو اعتراف بالدور الروسي وبالتواجد الروسي ما بعد داعش في سوريا، لكن أجاب تيلرسون بدبلوماسية مفتوحة بقوله بأن خطوط الاتصال بين الولايات المتحدة وروسيا ستبقى دائما مفتوحة، وأنه يود استغلال محادثاته في موسكو لفهم أسباب وجود اختلافات حادة بين موسكو وواشنطن وإيجاد سبل لمد الجسور بينهما.

ولم يكترث تيلرسون لهذيان بوتين الذي لم يصدق أن أمريكا تقوم بمثل تلك الضربة وأنه يرى أن هناك تفسيران للواقعة في محافظة إدلب وهما إما أن ضربات جوية للحكومة السورية أصابت مستودعا للأسلحة الكيماوية تابعا للمعارضة مما أدى لانبعاث غاز سام أو أن الحادثة مختلفة لتشويه صورة الحكومة السورية.

صواريخ توماهوك الأميركية موجهة في ظاهرها إلى الرئيس السوري بشار الأسد لكن في الحقيقة هي موجهة لإيران وكوريا الشمالية بأن أمريكا عازمة على وقف الطرفين وكما انتزع ترامب من الرئيس الصيني شي جينبينغ قوله إنه اتفق مع ترامب خلال اليوم الثاني للقمة بين الصين والولايات المتحدة على أن التقدم النووي لكوريا الشمالية وصل مرحلة خطيرة جدا، كذلك يريد ترامب من روسيا أن تعترف بأن إيران وصلت مرحلة خطيرة تهدد المصالح العالمية في سوريا والمنطقة وأن تتخلى عن إيران، وكما أن ترامب يؤكد استعداده لحل مشكلة كوريا الشمالية من دون الصين، فكذلك يريد ترامب أن يؤكد لروسيا بأنه على استعداد لحل مشكلة إيران من دون روسيا.

لذلك نجد سفيرة واشنطن في الأمم المتحدة صرحت بان على الأسد الرحيل بعد الهجوم الكيماوي وهذا لا يعني تغير أولوية واشنطن هزيمة داعش في سوريا، وهناك اتفاق سعودي – تركي بشأن ضرورة اجتماع الدول المعنية لبحث أزمة سوريا، وبدأت أنقرة تطالب موسكو بعدم التمسك بالأسد وتؤكد امتلاكها أدلة خان شيخون.

رسائل توماهوك السياسية وصلت مباشرة كذلك للروس ولم يعد بإمكانهم فرض رؤيتهم للحل في سوريا، خصوصا وأن السيناتور الأمريكي جون ما كين يؤكد على أهمية زيادة تسليح الجيش السوري الحر وإقامة مناطق آمنة، حيث أكد العمل على إزاحة الأسد وهزيمة داعش بالتوازي.

لن تتخلى تركيا ولا السعودية عن العلاقة مع روسيا بل هي علاقات توازن ولن يقدم أي طرف تنازلات دون ثمن أو على حساب المصالح، لكن ترامب غير قواعد اللعبة وأفقد روسيا وإيران انتصارات استراتيجية بعد سلسلة من الخسائر التي تكبدتها المعارضة السورية، وفقدانها لكثير من الفعاليات على الأرض خصوصا بعد تقدم المعارضة وهزيمة المليشيات الإيرانية، لكن تدخل روسيا غير من المعادلة في سوريا.

 وفق اللعبة الجديدة فك الارتباط الكبير بين مصر وروسيا الذي كان على حساب العلاقة مع السعودية، واستعادة الالتئام العربي لمواجهة التدخلات الإيرانية بعد وقف التوترات بين السعودية ومصر التي هي جزء من تغير قواعد اللعبة التي تمر بها المنطقة بعدما تعثرت زمن أوباما، الذي تسبب في ضرب الإرهاب في كل جانب، وتسبب في تأزم العلاقة بين تركيا وأوربا، والاستفتاء التركي هو معركة الاستقرار الداخلي والصراع الخارجي، وما يجري تحصيل حاصل لصراع ظاهر وخفي بين تركيا وبلدان أوربا لأسباب منها تعثر حصول الأتراك على عضوية الاتحاد الأوربي وفشل اتفاق اللاجئين خصوصا بعد احتدام الصراع مع ألمانيا وهولندا.

وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس ومستشار الأمن القومي إتش آر مكماستر يمثلان توجها استراتيجيا أميركيا تجاه الشرق الأوسط، فقد عمل ماتيس قائد للمنطقة المركزية الممتدة من أفغانستان حتى شمال أفريقيا، وعمل ماكماستر مع قائد القوات الأميركية في العراق الجنرال ديفيد بترايوس.

 هذه الخبرة أكسبت الرجلان معرفة بمشكلات الشرق الأوسط، ويتفقان على أن سبب مشكلات الشرق الأوسط هي إيران من العراق مرورا بسوريا ولبنان والبحرين واليمن، لكن لم تتمكن من مصر بسبب وقوف الجيش في وجه إيران وهو ما تعتبرها السعودية قوة قادرة الوقوف في وجه إيران لكن روسيا استطاعت اللعب على ورقة افخوان وحاولت إبعاد مصر عن السعودية.

 هؤلاء هم القادة الذين وافقوا على ضرب النظام السوري، بينما السياسيون يرون أن تلك الضربة ستغير قواعد اللعبة بالكامل ليس فقط في سوريا بل في المنطقة.

من الناحية المهمة التي لم يتنبه لها كثير من المحللين خصوصا وأن أمريكا أصدرت قبل الضربة العسكرية استراتيجية جديدة للولايات المتحدة وهي الواقعية السياسية التي يمكن أن تقبل أمريكا ببقاء الأسد، وهو ما جعل بوتين يعيش حالة من النشوة، لكن بعد الضربة الأمريكية اضطرب بوتين وبدأ يتهم أمريكا بأن الضربة التي قامت بها كانت معدة سلفا لخدعة العالم، وأنها كانت مسرحية مفبركة من أجل الاستعداد لمرحلة جديدة تغير قواعد اللعبة بالكامل.

 خصوصا وأن ماتيس ومكاستر يعتبران الأسد أحد أدوات إيران لتوسيع نفوذها في المنطقة وإن كانت استعانت مؤخرا بروسيا عندما شعرت أنها في ضائقة وشعور بالهزيمة.

سبق أن قدم ماتيس في أبريل 2016 كلمة في معهد الدراسات الاستراتيجية بواشنطن أوضح ملامح تفكيره الاستراتيجي فيما يخص الشرق الأوسط التي كانت تتمحور حول الدور الإيراني في نشر الفوضى وعدم الاستقرار في المنطقة بداية من تبنيها الإرهاب كأداة للسياسة إضافة إلى التهديد التقليدي الذي يمتد في البحرين ولبنان وسوريا واليمن بجانب التهديد النووي الذي لا يهدد إسرائيل فقط بل ويهدد ومصالح الولايات المتحدة في المنطقة، وعلى هذا الفكر الاستراتيجي تم اختيار ماتيس وزيرا للدفاع.

وإذا كان لافروف عندما التقى نظيره الأمريكي تيلرسون قال من المهم بالنسبة لنا أن نفهم موقف الولايات المتحدة والنوايا الحقيقة لإدارة الرئيس دونالد ترامب، فيما دعا تيلرسون من جهته إلى نقاش صريح وصادق.

 هذا هو ديدن الدول العظمى التي تعرف مواقف الخصم، لكن يبدو أن الموقف هذه المرة قد حسم، ما يفرض على روسيا أن تبحث عن أدنى مكتسبات، وهو ضمان البقاء في سوريا الدائم من أجل الوصول إلى المياه الدافئة ما يعني عدم قبولها بمجئ حكومة إسلامية لن تقبل بالوجود الروسي بجانب ضمانات عربية على رأسها السعودية وضمانات دولية على رأسها الولايات المتحدة، لأن إيران لن تسمح لها بالوصول إلى المياه الدافئة في الخليج رغم تنسيق المواقف بينهما.

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق