الدور الإماراتي في مواجهة الإرهاب

نقلت محطة (إن بي سي نيوز) الأميركية بأن جنودا من قوات النخبة الإماراتية شاركوا بدور محوري في عملية الإنزال الأميركية والمداهمة إلى جانب مشاركة جنود يمنيين في 29 يناير 2017 في قرية يكلا التابعة لقبيلة قيفة في منطقة رداع اليمنية، والدور الإماراتي في عاصفة الحزم الذي تقودها السعودية دور محوري ورئيسي، خصوصا وأن الإدارة الأميركية الجديدة تستهدف الحوثيين في اليمن بصفتهم من وكلاء إيران في المنطقة، وبدأ البيت البيض تكثيف الإجراءات ضد المتمردين المدعومين من إيران في اليمن هي جزء من خطة أوسع لمواجهة إيران من خلال استهداف حلفائها في المنطقة.

ولفتت مجلة (فورين بوليسي) إلى أن الولايات المتحدة أطلقت نذر المواجهة بتحريك المدمرة كول إلى باب المندب لمواجهة الاستفزازات الحوثية، حيث تعتبر الإدارة الأمريكية أن اليمن ساحة معركة مهمة للولايات المتحدة ضد إيران لكسر ما يعتبرونه فشل الإدارة السابقة في مواجهة النفوذ الإيراني المتنامي في المنطقة.

حيث لعبت دولة الإمارات دورا مشاركا للمملكة العربية السعودية في زمن الملك عبد الله بن عبد العزيز في دعم الثورة الشعبية ضد حكم جماعة الإخوان المسلمين الذين فازوا في الانتخابات بعد ثورة يناير وفق شروط الشراكة مع اللواء عمر سليمان، وهو الموقف الذي اعتمده المجلس الأعلى مع الإخوان والسلفيين الجهاديين حيث كان كل طرف منهما يعمل على أساس خطة كاملة للإطاحة بالطرف الآخر في الوقت الملائم، وكان هذا التحالف بين الإخوان والجيش تفاديا لحرب أهلية يشعلها الإخوان متحالفين مع قوى الثورة، لكن بعد اكتساحهم لمجلسي الشعب والشورى ولجان تعديل الدستور ومختلف الانتخابات استطاع الجيش بدعم السعودية ودولة الإمارات بإسقاط الإخوان بعد عام واحد مستندين إلى موجة ثورية جديدة وتفادى الجيش من جديد حرب أهلية كانت قد صارت وشيكة، وقد عجلت الأخونة السريعة المحمومة بالإطاحة بهم وبمشروعهم.

والآن تدعم مصر ليبيا حيث أن الوضع في ليبيا يزاد غموضا في طبيعة العلاقات الخفية بين الدواعش والقاعدة، حيث يقيمون علاقة أخرى مماثلة مع جماعة الإخوان المسلمين، والتي يمكن أن تمتد إلى مصر لغاية سياسية لهم بعدما أسقطهم الجيش وفشلوا في تهديد الداخل، ويوجد تفاهم غير مكتوب بين زعماء الجهاد القدامى الذين قاتلوا جنبا إلى جنب في أفغانستان ضد الوجود الروسي في الثمانينات من القرن الماضي على أن كلا منهم يسعى لإقامة دولة الخلافة.

عقب الانتخابات البرلمانية عام 2014 أسقط فيها الليبيون غالبية مرشحي التيار الجهادي مع تيارات أخرى مماثلة منها جماعة الإخوان المسلمين، لكن الجماعات الجهادية التي يسيطر عليها أربع قيادات تمتلك مليشيات والسلاح وهي التي تهيمن على المشهد في ليبيا وبعضها لديها علاقات مع تنظيم داعش الذي ظهر بعد الانتخابات، وفي خضم التنافس في السيطرة على غرب طرابلس بل وتحريك بعض العناصر داخل العاصمة في محاولة للضغط على المنافس الآخر وامتلاك أوراق جديدة للعب على مناطق النفوذ، بعضها منحازا لجماعة الإخوان خصوصا القيادي المسؤول بالشؤون الفقهية وله علاقة أخرى محسوبة على داعش الذين يقاتلون الجيش الوطني في بنغازي الذي يقوده المشير حفتر والمدعوم من مصر ودولة الإمارات، حتى أن بعض القيادات يتركز نشاطها على جلب المقاتلين والأسلحة من خارج ليبيا وبيعها لأي جماعة قادرة على الدفع سواء كانت مليشيات جهادية أو مليشيات تابعة لداعش، وهي متعددة الولاءات لكنها تتفق على محاربة حفتر.

هناك انقسام بين قادة أوربا والولايات المتحدة حول التعامل مع الإخوان، وهل ينبغي إدراجها في قوائم الحركات الإرهابية، وبدأ الإخوان داخل كواليس الإدارة الأمريكية الجديدة لقطع الطريق على مشاريع القوانين التي تهدف تصنيفها منظمة إرهابية، خصوصا وأن الإدارة الجديدة في الولايات المتحدة ستركز على الأولوية لدى الجماعة ومن بينها التوطين والتمكين وتدعو إلى إشراك المسلمين من غير الأعضاء في الجماعة في تحقيق هذه المهام، خصوصا وأن الإخوان يواجهون بأن الحكومة الأردنية جمدت الإخوان وواصلت خطتها لمكافحة التطرف.

الغاية المنشودة لجماعة الإخوان في مصر كانت تحويل قطاع يمثل أقلية لها وزنها الرأسمالي إلى طبقة مالكة وحاكمة تحل محل الطبقة الرأسمالية التي تهيمن على مصر وإن اكتفت بالشراكة في فترة حكمها لكن التنافس لم يحسم لصالحها، بسبب أنها كنت تريد الانفراد بهما والالتفاف حول الأيديولوجيا السياسية الدينية والتي تختلف عن الأيديولوجيا القومية البراغماتية التي تحاول احتواء الجميع والابتعاد قدر الإمكان عن الصراع مع بقية الشركاء في زمن حسني مبارك، وهم يحاولون تحويلها إلى عقيدة راسخة يعتنقها أتباع الجماعة على غرار الحرس الثوري الإيراني الذي يسيطر على الاقتصاد والسلطة رغم أنهم أقلية لكنهم يريدون أن تتغلغل في عقول الشعب خصوصا الطبقة الفقيرة.

 عول الإخوان بأن لهم تجربة متراكمة استمرت قرابة قرن من الزمان لذلك كانت الإطاحة بهم تسببت في معضلة كبرى باعتبارهم صناع التغيير دون منازع التي امتدت إلى جميع دول المنطقة بما فيها تركيا ودولة قطر تسببت في أزمة حتى بين دول الخليج، لكن استطاعت السعودية إدارة هذه الأزمة خصوصا بين دولة الإمارات ودولة قطر من جانب، وبين دولة قطر ومصر باعتبار أن الأمن المصري جزء لا يتجزأ من أمن دول الخليج ولن تقبل السعودية المساس به من أي دولة سواء من دولة خليجية أو من تركيا.

 لم تستجب السعودية خصوصا في عهد الملك سلمان لأتباع الجماعة في دول الخليج التي أرادت اللعب على وتر هذا الخلاف خدمة لجماعة الإخوان المسلمين والتي حاولت الوقيعة بين السعودية ومصر من جهة وبين السعودية ودولة الإمارات من جهة أخرى، رغم ذلك دخلت العلاقات السعودية الإماراتية مرحلة تحالف استراتيجي لأنهما يواجهان تحديات وتهديدات مشتركة كان آخرها تكوين علاقات استثنائية تنتقل لمستوى تكاملي تحت مسمى (خلوة العزم) والذي يشكل نقلة نوعية في العلاقات السعودية الإماراتية تضاف في تكامل البلدين وهو رد واقعي لكل محاولات الاستهداف للتحالف الاستراتيجي والتي تحاول من أن لآخر الترويج بأن هناك أجندات خفية وخلافات بين البلدين حول جماعة الإخوان.

 دولة الإمارات تدرك أن السعودية هي التي وقفت وساندت دولة مصر ضد الإرهاب الذي يستهدف مصر، لكن لدى السعودية أولويات في التعاون مع تركيا حول إدارة الأزمة في سوريا، رغم أن هناك جماعات اخوانية مدعومة من تركيا تقاتل في سوريا ولكنها تحت الرقابة، وكذلك حاولت تلك الجماعات اتهام السعودية بأنها تتعامل مع جماعات إخوانية في اليمن لكن تدرك دولة الإمارات أن جماعة الإخوان في اليمن ركبت الموجة في فترة هيمنة الجماعة على مصر والمنطقة العربية لكنها في الوقت الحاضر هي تريد استعادة الشرعية في اليمن بقيادة الرئيس هادي وفق المبادرة الخليجية التي رعتها السعودية.

تدرك السعودية أن حكومة العدالة والتنمية في تركيا رغم أنها تنتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين ولكن أيديولوجيتها تختلف عن أيديولوجية جماعة إخوان مصر، حيث أنها ساهمت في إعطاء الممارسات الدينية حرية كاملة في تحركاتها بعدما كانت تعاني من التضييق عليها في العقود الماضية، بل كانت تعاني من التضييق الأمني وفرض العلمانية قسرا.

يبدو أن تركيا اختارت نسخة معدلة من نموذج جماعة الإخوان كنموذج حداثي متصالح مع العصر بسبب أنها كانت تخشى أن يحل محل العلمانية السلفية التي تعتقد أنها أفسدت الذوق الإسلامي في المجتمعات العربية والإسلامية خصوصا في نسختها الراديكالية التي توجد في عدد من دول العالمين العربي والإسلامي، رغم أن البعض يرى أن ترسيخ الوجود السلفي في تركيا بعيد المنال، لكن البعض يخشى من اقتراب تركيا من المناطق الملتهبة في العراق وسوريا وتأثيراتها على الحدود التركية خصوصا وأنها تعج بالمجاهدين والسلفيين وأنصارهم الذين يستخدمون تركيا جسر عبور إلى مناطق الصراع وهي خشية أن تؤثر في الشباب التركي المفعم بالحساسية والتدين كما في بقية أنحاء العالمين العربي والإسلامي مما يزيد من شعبية السلفية الجهادية بين أوساط الشباب على اختلال أعمارهم.

رغم أن بعض المتابعين يعتقدون أن الطرق الصوفية في تركيا تختلف بشكل كبير عن نظائرها في المنطقة العربية والإسلامية بأن لها مريدين تكتظ بهم المساجد وهي تتقاطع بشكل كبير مع نظرائهم السلفيين بل يتفوقون عليهم فيما يشبهون جماعات التبليغ والدعوة السلفية في طرق دعوتهم السيارة في الشوارع والطرقات والمناسبات الدينية وغيرها.

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق