الدلالات الديمغرافية لعروبة الجزر الإماراتية وضفتي الخليج العربي

مقدمة:

منذ القرن الثامن عشر،أطلق الباحث والرحالة الألماني ” كريستين نيبور” مقولته الشهيرة: ” لقد أخطأ الجغرافيون، فالعرب يسيطرون على إمارات الخليج العربي من الجهتين”. وبالرغم من ذلك، مازالت  الكتابات والدراسات العربيه، تفتقر  لحقيقة راسخة في التاريخ القديم والحديث، تؤكد عروبة ضفتي الخليج العربي.

التقصير ذاته، يعود أيضاً لاعتماد هذه الدراسات على طريقة النقل من المصادر الفارسية، التي تعمدت طمس كل وجود عربي على ضفتي الخليج العربي، مما جعل غالبية الدراسات تفتقر للمنهجية العلمية في دراسة التاريخ السياسي، والاجتماعي، والاقتصادي لضفتي هذا الخليج .

يلحظ المتتبع  للكثير من الكتابات والدراسات العربية – كما وسائل الإعلام- مدى التأثر بالمصطلحات الإيرانية، التي تتكرر كل يوم، في محاولة ممنهجة لإلغاء عروبة ضفتي الخليج.  فبدلاً من عبارة دول الخليج العربي، نجد عبارة ” دول الخليج العربية”، أو “الدول العربية في الخليج “، بينما حل مصطلح ” الساحل الإيراني”، بدلاً من عبارة ” البر الفارسي”، التي تداولها الكثير من الكتاب والباحثين والرحالة الأجانب، في دلالة واضحة لعدم تبعية الساحل الشرقي للخليج العربي( جنوب شرق إيران اليوم) لبلاد فارس،  ما يدفعنا- وبما لايدعو للشك- لإثبات عروبة كامل ضفتي الخليج العربي، ديمغرافياً، وسياسياً، واقتصادياً.

أولاً- العامل الديمغرافي في فقه القانون الدولي:

بالإضافة للعامل التاريخي والجغرافي، يشكل العامل الديمغرافي ( التركيبة السكانية)، في فقه القانون الدولي، أحد أهم مقومات الاعتراف بالسيادة الوطنية، وقد لجأت المنظمات الدولية في العديد من المنازعات المعروضة أمامها، إلى فكرة العامل الديمغرافي، كأساس في تأكيد حق الملكية، بالاستناد إلى مبدأي التقادم المكسب للملكية،  ومبدأ الترسيخ التاريخي في القانون الدولي1.

لقد ظلّ الجانب الشرقي من الخليج العربي – إلى يومنا هذا- موطناً للعائلات والقبائل العربية، فقد عرفت عبر تاريخها الطويل حكماً مستقلاً للعديد من الإمارات العربية، مثل إمارة القواسم، وإمارة المزاريق، وإمارة آل علي، وإمارة آل نصوري، وإمارة آل حرم، وإمارة الحمادي، وإمارة بني بشر، وإمارة الدواسر، وإمارة آل كندة، وإمارة العباسيين. في الوقت الذي كانت فيه المنطقة، تخلو من أي وجود فارسي، سواء على صعيد الممارسة السياسية، أو على صعيد التركيبة السكانية، حيث عرفت ضفتي الخليج العربي عبر تاريخها الطويل، وجوداً عربياً خالصاً، تمثّل في تركيبتين من السكان العرب.  الأولى: وتتكون من ” عرب الهولة”: الذين جاؤوا منذ بدايات القرن الثامن عشر من البر الفارسي، بسبب مضايقات الدولة القاجارية2 في إيران ، فاستوطنوا مع أبناء جلدتهم في الضفة الشرقية للخليج العربي ( جنوب شرق إيران اليوم)، الساحل الذي يشكل فيه العرب، السكان الأصليين، منذ مراحل ماقبل الفتح الإسلامي، إلى يومنا هذا. أما التركيبة الثانية:  فتتكون من القواسم أمراء لنجة، الذين قدموا من الجزيرة العربية، مشكلين صلة وصل ديمغرافية وسياسية واقتصادية، بين ضفتي الخليج العربي.

 

1- عرب الهولة:

منذ القرن الثامن عشر،  اطلق الرحالة الإلماني كارستن نيبور( 1733- 1815)، على منطقة الساحل الشرقي للخليج العربي، اسم ” إمارات عرب الهولة”3، ويقصد في ذلك التحول الذي طرأ على تواجد العرب داخل إيران، بسبب السياسات التي اتبعتها الدولة القاجارية، التي قامت بحملات الحد من نفوذ القبائل العربية داخل إيران، ودفعهم إلى مناطقهم في الساحل الشرقي للخليج العربي ( جنوب شرق إيران اليوم)، حيث اشتغل القاجاريون على إنهاء كل تواجد عربي داخل ” البر الفارسي”، وتذكر الكثير من الوثائق التاريخية هذا المصطلح (البر الفارسي)، في دلالة يمكننا معها القول: أن حدود بلاد فارس لاتصل إلى مياه الخليج.

تشير الوقائع التاريخية، أن القبائل العربية المهاجرة إلى الساحل الشرقي للخليج العربي، عاشت في عزلة عن بقية سكان إيران، ولم يكن ذلك لأسباب جغرافية فحسب، بل لأسباب دينية أيضاً، فمنذ ذلك التاريخ إلى يومنا هذا، يعتنق عرب الساحل الشرقي المذهب السني، بينما يعتنق سكان إيران بصفة عامة المذهب الشيعي الأثنى عشري، الذي يعود في إصوله  للسياسات الصفوية، التي كانت ترى في المذهب السني مذهباً عربياً، كما ترى في المذهب الشيعي مذهباً فارسياً.

وبناء عليه، عاد الكثير من هذه القبائل، إلى موطنها الأصلي في الساحل الشرقي للخليج العربي،  الذي ترتبط فيه مع  القبائل العربيه بعلاقات القربى، والولاء، والدين، كما علاقات التجارة، والمصالح المشتركة.

يقدم الباحث والرحالة الألماني “كريستن نيبور” الذي زار الخليج العربي عام  1762م، وصفاً حياً للمدن والقرى التي قطنتها القبائل العربية، التي استقرت آنذاك على السواحل الشرقية، حيث كانت قبيلة القواسم تحكم مدينة لنجة وما حولها، كما تحكم قبيلة المرازيق تحكم منطقة “مغوه” وتوابعها، و تحدث ” نيبور” عن وجود قبائل عربية تسكن السهل الساحلي الشرقي للخليج، والجزر المنتشرة في الخليج العربي، منذ ماقبل الفتح الإسلامي، معتبراً أن هذه الإمارات  نشأت في عهد  يعاصر أوّل ملوك الفرس، وأنّ لسان أهلها كان عربياً، وكذلك عاداتهم وأصولهم، و”إن هذا الساحل – أي جنوب شرق إيران اليوم – لم يكن خاضعاً لحكّام إيران، وإن الفرس لم يفكّروا يوماً بالاستقرار على السواحل”4.

2- القواسم أمراء لنجة:

 منذ القرن الثامن عشر- وعلى الساحل الشرقي للخليج العربي أيضاُ- كانت ” لنجة” إمارة عربية كبقية إمارات الساحل الشرقي، التي آل الحكم فيها لشيوخ القواسم، حيث حكمها الشيخ خليفة بن سعيد بن قضيب القاسمي منذ عام 1820، وهو ابن اخت الشيخ سلطان بن صقر القاسمي شيخ رأس الخيمة، وبوفاته واستلام ابنه علي من بعده، لم يتمكن الأخير من تسيير أمور الإمارة كما كان والده، الأمر الذي وجدت فيه حكومة إيران فرصة للتدخل في شؤون لنجة، مما اضطر الشيخ سلطان بن صقر شيخ رأس الخيمة، إلى التدخل بشكل مباشر، فسافر إلى لنجة ومكث فيها فترة لتثبيت حكمها5، والحيلولة دون تدخل الإيرانيين في شؤونها الداخلية.

3- ” لنجة “، العروة الوثقى بين ضفتي الخليج العربي:

لقد توسعت علاقات العرب في الساحل الشرقي للخليج ،وكان لأهالي لنجة، الدور الابرز في ربط ضفتي الخليج العربي، مع أخوانهم في الجزيرة العربية، فارتبطوا معهم بعلاقات اقتصادية، واجتماعية، وهو مايفسر إزدهار مدينة لنجة في أواسط القرن التاسع عشر، كميناء رئيسي، أخذ على عاتقه تأمين حاجات الإمارات العربية على ضفتي الخليج العربي.

بالإضافة إلى الروابط الاقتصادية والتجارية، ظلت الروابط الروحية والثقافية والدينية ، تربط ضفتي الخليج العربي، فقد كانت ” لنجة” تشكل العروة الوثقى التي تربط بين ضفتي الخليج، فقد كانت مدارس ” لنجة” مركزاً تنويرياً، وداراً للعلوم الدينية، التي كانت ممولة من التجار العرب الأثرياء، الذين جاؤوا إلى إمارات الساحل الشرقي للتعلم فيها، وقد نبغ في مدارس لنجة، الكثير من العلماء، أمثال العلامة الشيخ ملا محمد على الكوخردي، الذي تخرج من مدارس لنجة ، قبل أن يلتحق بالأزهر الشريف في مصر، ويتخرج منه.

 

ثانياً- محاولات إيران لطمس الدلالات الإسمية والديموغرافية

تشير الدلالة اللغوية لمعنى كلمة ” طنب” في اللغة عربية، إلى عروبة  الجزر الإماراتية الثلاث، بما فيها من دلالات تشير – لغةً- إلى تبعية هذه الجزر لدولة الإمارات العربية المتحدة، فـ “الطنب في اللغة الطرف أو العرق، وأطناب الشجر عروقها، والطنب حبلٌ يُربط  به البيت، والجمع أطناب”6، مايعني أنها طرفاً أو عرقاً تابعاً لشجرتها الأصل (الإمارات العربية المتحدة).

 

1- محاولات طمس الدلالات الإسمية:

  اعتاد العرب أن يستمدوا أسماء بلدانهم أو أولادهم، من ملامح بيئتهم، أو من حادثة معينة، كإسلوب دارج في الثقافة العربية، فـ”العرب يسمون بما يعشقون”، ولعل الجذر اللغوي لمعاني الجزر الإماراتية ، خير دليل على ذلك، وقد أدركت إيران ذلك فعمدت بتبديل أسماء الجزر، دون أن تستطيع النيل من دلالات الاسم العربي، حيث استبدلت  اسم الطنبين بالاسم الفارسي ” تنب برزك”، و” تنب كوجك”، دون أن تجد لها مخرجاً في تغيير المعنى العربي لكلمة ” طنب”.

 

2- محاولات  طمس الدلالات الديمغرافية:

لم تشهد التركيبة السكانية للجزر الإماراتية أي تواجد إيراني، و يروي سكان معاصرون لاحتلال الجزر، أن عائلة محمد سلمان هي أول عائلة تسكن جزيرة طنب الكبرى، ثم عائلة ” بنو حريز”، الذين جاؤوا من دبي، وتولى منهم الإمارة كمال محمد بن حريز، ثم محمود محمد علي أبو القاسم، الذي تولى الإمارة في عهد الشيخ سلطان بن سالم، حاكم رأس الخيمة في الفترة الممتدة بين 1919- 1948، ثم جاء بعده محمود محمد علي أبو القاسم، وآخرههم يوسف محمد علي أبو القاسم.

وبعد الإحتلال الإيراني للجزر، اشتغلت إيران على التهجير القسري والممنهج لسكان الجزر، بعد أن تحوّلت إلى ترسانة من الأسلحة، والقواعد العسكرية، التي حالت دون قدرة السكان على ممارسة حياتهم اليومية، فهجروا إلى  أقطار الخليج العربي، وقد جاء الكثير منهم إلى دبي، وبعضهم استقر في الشارقة، وآخرون استقروا في رأس الخيمة، وقد خصص لهم في منطقة سدروة، مكاناً يعرف اليم بـ” شعبية أهل طنب”.

 

خاتمة:

اليوم تستمر إيران بممارسة سياساتها الاستفزازية، فمن الجولات التفقدية لمسؤولين إيرانيين للجزر بين الحين والآخر، إلى عمليات غسيل الذاكرة التي تتبعها من خلال الترويج لما تسميه “الرغبة في التقارب مع المجتمع الدولي ودول الجوار “، في الوقت الذي تمارس فيه وسائل الإعلام الإيرانية – سواء منها الناطقة بالفارسية أوالعربية –عمليات التحريف الممنهج لتاريخ الجزر الثلاث، ومحاولات طمس هويتها، وإلغاء كل ما يمت بعروبتها، بما فيها الحروف العربية، محاولةً في ذلك الاستفادة من عامل الوقت الذي طالما عملت عليه السياسة الإيرانية في تمييع العديد من القضايا؛ وأهمها قضية الجزر الإماراتية الثلاث.

 لقد بدأت إيران اليوم – وأكثر من أي وقت مضى- بتغيير اللفظ العربي للجزر، ووضع الخطط المستقبلية طويلة الأمد، للبدء بعمليات الاستيطان، ومحو الذاكرة التاريخية والديمغرافية للوجود العربي، ما يعطيها الحجج اللازمة في تبرير احتلالها، فيما إذا أجبرت – مستقبلاً- على المثول أمام المحاكم الدولية ، وهو ماترفضه إيران جملة وتفصيلاً.

 

د. محمد خالد الشاكر

نقلاً عن مركز المزماة للدراسات والبحوث

 

الهوامش:

1 – حول مبدأي التقادم المكسب لحق الملكية، وفكرة الترسيخ التاريخي انظر:

                  Thomas R.Mattair, Three Occupid UAE Islans: The Tunbs and Abo Musa , Abu Dubai,The Emirate Center for Strategic studies and  Research, 2005,p212-218.

 2 – الدولة القاجارية: مملكة أسسها القاجاريون، شملت معظم أراضي إيران اليوم، إضافة إلى أرمينيا، وأذربيجان، دامت من عام 1794 حتى1925 ، عندما أطاح رضا بهلوي بآخر الحكام القاجاريين عام  1925 مؤسساً لنفسه الدولة البهلوية.

3- حاتم بن محمد غريب، تاريخ عرب الهولة، ( القاهرة: دار العرب للطباعة والنشر والتوزيع، 1997)، ص 32- 73ومابعدها.

4- لفتنانت كونيل، سير آرنولد ويلسون، تاريخ عمان والخليج، ( بدون مكان دار نشر: 1988)، ص 22 ومابعدها.

5- معجم لسان العرب.

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق