الدعوة إلى الحوار الخليجي-الإيراني … حقيقة أم خدعة؟

بعد نجاح محمد جواد ظريف بقيادة المفاوضات بين بلده والدول الخمس زائد واحد، الذي سمى بثعلب إيران، تحاول إيران تسويقه لدول الخليج، بعدما أطل عبر صحيفتي السفير اللبنانية، والشروق المصرية، في مقالة ذكر فيها، عن العلاقات الإيرانية العربية، ضمن مجمع للحوار الإقليمي في منطقتنا، ومن ثم بين جميع الدول الإسلامية في الشرق الأوسط، وفق شروط أساسية، حددها ظريف، منها احترام سيادة ووحدة تراب جميع الدول، واستقلالها السياسي، وعدم انتهاك حدودها، والامتناع عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وتسوية الخلافات سلميا إلى آخر مقالته.

يتزامن مع نشر مقال جواد ظريف، مع كون الكويت على نار الجغرافيا بين أطماع إيران وسوء حال العراق، وحزب الله في الخليج، وهي أوراق من دم تتطابق في أهدافها مع داعش.

مقالة تنفصل عن الواقع، بينما دولته تدير أوسع شبكة مليشيات مسلحة في لبنان والعراق وسوريا واليمن، وتدريب خلايا في البحرين والكويت، متجاوزة سيادة الدول، وحدوها، ما يعني أن المقال تسويقي، والدعوة إلى الحوار مع دول الخليج مجرد خدعة، لوقف العرب في استعادة الإرادة العربية، خصوصا بعد صدور قرار الجامعة العربية بدعم الجيش الليبي، واستعادة الأمن والاستقرار في ليبيا.

ولأول مرة يصدر مجلس الأمن قراراً بالإجماع، يطالب بحل الأزمة في سوريا، وإن كان مجلس الأمن لم يذكر رحيل الأسد، فيما بدأت تظهر مصدات في العراق ضد إيران من المرجعية الدينية الممثلة في السيستاني، والمظاهرات، والعديد من الكيانات الشيعية التي بدأت تتضجر من التدخل الإيراني في العراق.

كما أن إيران متوجسة من التحالف العربي الذي تقوده السعودية في اليمن، وهو لا يعمل على جبهة واحدة، بل على عدة جبهات، حتى لا يتيقن أي جهد عسكري، وتحديد وجهته لإرباك العدو وخصوصا المستشارين الإيرانيين الذين يخططون للحوثيين والمتواجدين في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيين.

هناك تقدم للمقاومة في تعز وإب ورأس المثلث الحديدة، ثاني أكبر ميناء في اليمن، وهو شريان الحياة لإقليم آزال، ومستودع للأسلحة كان يتم تخزين الأسلحة الآتية من إيران منذ فترة طويلة عبر ميناء الحديدة وخصوصا ميناء المخا، واستهداف هذه المناطق، وتحريرها ستحرر تهامة، وحرمان إقليم آزال من أي إطلالة بحرية للمناطق التي يسكنها الحوثيين.

استعادة القرار العربي في اليمن وفي ليبيا الآن، أزعج إيران، لأنها ستخسر نفوذها الذي بنته طيلة أعوام طويلة، وتخسره في أيام، ما جعل جواد ظريف يسوق لمثل هذا الحوار المخادع، لتهدئة اندفاع هذا الهجوم القوي والسريع، رغم انه استراتيجي وليس اندفاع، خصوصا وأنه يستند إلى قرار أممي.

 بل يعتبر خطاب ظريف كاذبا ومخادعا، خصوصا عندما يعتبر أن نشوء داعش سببه كان الغزو الأميركي للعراق عام 2003، حتى يبرر مواقف المالكي الذي تسبب في استيلاء داعش على الموصل وفق أجندة إيرانية، ونفس السيناريو تسبب في استيلاء داعش على الأنبار بإشراف مباشر من المالكي وأتباعه في الحكومة في عهد العبادي لتوريطه.

 ومن أجل أن يقاتل داعش الحشد الشعبي، بعدما تم رفض تسليح العشائر السنية لمقاتلة داعش من أجل تنفيذ تغيير التركيبة السكانية لصالح الأغلبية الشيعية كما تعتقد إيران، مثل إصرار الطرف الإيراني على ترحيل سكان كفريا والفوعة الشيعيتين في ريف إدلب إلى مناطق الساحل العلوي، بالإضافة إلى ترحيل سكان الزبداني إلى منطقة ريف دمشق، وهي عملية تلاعب علني بالتركيبة السكانية التي تمارسها إيران في العراق وفي لبنان وسوريا واليمن، ضمن عملية استراتيجية، ساعية إلى تحقيق ربط ديمغرافي متجانس ضمن مساحة جغرافية أمنة مندمجة عقائديا، تصب في صالح تقسيم المنطقة طائفيا مستقبلا تكون تحت قبضتها.

لو عاد الوزير ظريف قليلا إلى الوراء عام 2004، عندما اعترف نائب الرئيس الإيراني الأسبق محمد علي الأبطحي، عندما قال لولا التعاون الإيراني، لما سقطت كابل وبغداد، كان يعاتب أمريكا كيف أنها وضعت إيران في محور الشر، بدلا من مكافأتها على مثل هذا التعاون.

يجب أن يبرز العرب للعالم بأنه لا فرق بين احتلال إيران للأحواز الذي لا يختلف عن الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، وأهمية إنقاذ المدن العربية من إيران التي تهدد التركيبة السكانية، بل وتحرير الفضاء الشيعي من القبضة الإيرانية، والتنبه للقواسم المشتركة بين داعشيتي البغدادي والولي الفقيه.

يبدو أن العرب بقيادة السعودية ومصر يعيشون حالة من الصحوة في استعادة القرار والإرادة العربية بعدما اكتشفوا حالة التطييف التي تهدد المنطقة العربية، بسبب سياسات إيران مستثمرة غياب إرادة دولية في المنطقة.

هذه الصحوة تتطلب سياسات خارجية أكثر ابتكارا، لأن الألاعيب التي تمارسها إيران، ومعها موسكو والأمم المتحدة، هي إغراق العرب بالمسكنات وخصوصا دعوة ظريف دول الخليج للحوار، بينما عملية التفكيك جارية في المنطقة العربية على قدم وساق، من صوملة ليبيا وسوريا ولبنان واليمن والعراق، وتحويل ليبيا إلى خزان للإرهابيين لتهديد الأمن المصري والتونسي بشكل خاص، خصوصا بعد التطورات الأخيرة التي حدثت في سرت.

لذلك فإن قرار الجامعة العربية جاء بالإجماع على التدخل العسكري في ليبيا، وهي بداية حقيقية لتشكيل القوة العربية المشتركة، التي وافقت عليها الجامعة العربية في اجتماعات سابقة، وهي نواة لتحرك حقيقي، وهي أساس طرح مستقبلي لبقية أزمات المنطقة، بعيدا عن الأمم المتحدة والمجتمع الدولي، حتى وإن كانت تلك القرارات العربية تصطدم بالقرار الأممي من أن تتم التسوية في ليبيا سياسيا، من أجل تشكيل حكومة وفاق، رغم ترحيب الأمانة العامة العربية بأي جهد أممي.

وفي الآونة الأخيرة أكد وزير الخارجية السعودي الذي زار موسكو بأن رحيل الأسد لا رجعة عنه، إذا لم يرحل وفق عملية سياسية، فإنه سيرحل وفق عملية عسكرية، رغم أن السعودية تدرك بأن موسكو لم تغير مواقفها، تجاه إجبار الأسد على التنحي، لكن هناك تعاونا اقتصاديا وسياسيا بين البلدين، يصب في صالح الطرفين حتى لا تستخدم موسكو أو تقف أمام أي قرار أممي، كما كانت في السابق.

أثمرت تلك الجهود الدبلوماسية في عدم استخدام موسكو الفيتو في القرار الأممي 2216 تجاه اليمن، والآن كذلك لم تستخدم الفيتو في القرار الأممي في دعم خطة دي مستورا التي يتكون من أربعة لجان في حل الأزمة في سوريا، رغم أن القرار لم يذكر مصير الأسد، حتى لا تستخدم روسيا الفيتو، ولكنه قرار أممي يمكن أن يستند عليه العرب في مباشرة حل الأزمة في سوريا كما يباشرون حل الأزمة في اليمن.

العرب لن يسمحوا أن يملأ أحد الفراغ في المنطقة العربية، بعد غياب واشنطن عن المنطقة، سواء كان بروسيا أو إيران، والدبلوماسية العربية، تحاول تفكيك العلاقة بين روسيا وإيران.

وإن كانت المواقف بينهما ليست بعيدة، ولكنها ليست متقاربة، خصوصا بعدما ضمنت روسيا مصالحها في المنطقة بعد توقيع عدد من الاتفاقيات مع السعودية ومصر، رغم أن لروسيا قراءة خاصة لجنيف 1 تخالف قراءة دول الخليج وهي تتمسك بمصالحها، بينما إيران ترى أن سيطرتها الجيوسياسية على سوريا تمكنها من القبض على القرار السياسي في لبنان لحماية حليفها حزب الله، لأن انهيار نظام الأسد بداية انهيار لحزب الله في لبنان.

الدبلوماسية السعودية تدرك أن إيران تريد أن تقايض على سوريا مقابل تطبيق بنود الاتفاق النووي، كما أن روسيا تقايض مع واشنطن أيضا على سوريا مقابل أوكرانيا، وهي في نفس الوقت مثلها مثل دول الخليج تنظر بعين الريبة والشك إلى التقارب بين واشنطن وإيران تحت غطاء الاتفاق النووي، ولا تريد موسكو أن تخسر في سوريا وأوكرانيا، وتظفر بالتركة إيران بمفردها، لذلك هي تتمسك بالتحالف مع إيران حول رفضها تنحية بشار الأسد.

السعودية ومصر ومعها بقية الدول العربية ومعها تركيا تريد أن تنتزع قرارا عربيا إقليميا لحل قضاياها الإقليمية بعيدا عن إيران وعن موسكو وحتى عن المجتمع الدولي إذا كانت قراراته لا تصب في صالح المصالح العربية كما في اليمن وليبيا.

رغم أن أميركا تركت فراغا في الشرق الأوسط، واستراتيجية أوباما هي النأي بالجيش الأمريكي عن التدخل في المنطقة، لكن الاستراتيجية الأميركية حققت عددا من الفوائد نتيجة ترك إيران وموسكو تعيثان فسادا في سوريا، منها الاتفاق النووي مع إيران، وحققت مع موسكو تسليم الأسلحة الكيماوية السورية بوساطة روسية من أجل الحفاظ على أمن إسرائيل، لكنها لن تسمح في النهاية أن تتقاسم موسكو وإيران سوريا، بل ستترك العرب وتركيا في النهاية باستعادة سوريا.

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق