الخلافات الإيرانية العربية وتأثيرها في إذكاء العنصرية

تثير الخلافات بين إيران وجيرانها العرب تصرفات موصومة بالعنصرية لا تقتصر على المواطنين العاديين في إيران، بل تشمل عدداً كبيراً من النخبة وتغذيها أحياناً سياسات الدولة. وتلقى هذه السلوكيات العنصرية رواجاً في ظل غياب قوانين تعاقب عليها، في بلد يحمل إرثاً واسعاً من النزاعات والخلافات مع جيرانه.

الممثل الكوميدي الإيراني المعروف أكبر عبدي أثار مؤخراً خلال برنامج مباشر من التلفزيون الحكومي إحدى هذه النعرات العنصرية؛ إذ كان يروي عبدي ذكرى عن رحلة له برفقة عائلته إلى الحج فقال للمشاهدين: إنه رد على طلب “عربي ذو وجه صحراوي” تقدم لخطبة ابنته التي كانت ترافقه في الرحلة: “إنه يقدم له ما يعادل وزنه “قاذورات” بدلاً من تلبية طلبه! هذه التصريحات أثارت حراكاً واسعا على شبكات التواصل الاجتماعي بين مؤيد ومعارض، ففي حين وصفه مؤيدوه بأنه عبر عن “مشاعره الوطنية الإيرانية” تجاه العرب، اتهمه كثيرون بالعنصرية والترويج لمعاداة العرب.

لم يكن تصرف الممثل الكوميدي آخر أداء يحمل الحقد ضد العرق العربي بل تتكرر مثل هذه التصرفات كثيراً في إيران. ففي أغسطس آب الماضي صدر ألبوم للمطرب الإيراني بهزاد بكس بترخيص من وزارة الثقافة تحت عنوان “قاتل العرب” خاطب العرب فيها بأوصاف مثل “آكلة الجراد”، واستندب روح الملك الإخميني قوروش لأن بلاده “تواجه تهديد العرب”، وتوعد بقتل العرب لأنه من يوصف بـ” قاتل العرب” كما قال في كلمات الأغنية. تتكررهذه التصرفات وتأخذ منحى تصاعدياً كلما تشتد الخلافات بين إيران وجيرانها العرب في أحداث مختلفة، أبرزها في الوقت الحالي القتال القائم في سورية واليمن والعراق إذ يتبنى النظام الإيراني موقفاً ضد موقف غالبية البلدان العربية من بؤر الصراع في الشرق الأوسط، بل يشارك بشكل مباشر في بعضها حيث يتم تشييع قتلى من منتسبي الحرس الثوري بين فترة وأخرى في إيران كان آخرهم العميد حسين همداني الذي قتل في سورية.
لمشاعر العداء ضد العرب في إيران وجه آخر لدى معارضي النظام، إذ ترجع شريحة منهم الإخفاقات التي تعاني منها بلادهم إلى أداء النظام الذي يتبنى الأيديولوجية الإسلامية ومصدرها شبه الجزيرة العربية. وقد تفشت هذه المشاعر بين النخبة العلمانية المتأثرة بالمناخ القومي خلال فترة حكم سلالة البهلويين ( ١٩٢٥- ١٩٧٩) عندما بنى الشاه رضا بهلوي أسس الدولة الحديثة على أساس القومیة الفارسیة ومحاربة أية مظاهر لهويات الشعوب الأخرى ومنها العرب والترك والتركمان والكرد والبلوش بناء على شعار “بلد واحد وثقافة واحدة ولغة واحدة” وتطورت المشاعر القومية الفارسية في عهد الشاه الابن محمد رضا وكان الترويج لمظاهر العرق الآري من ركائز حكمه. ويمثل إٍسقاط حكمه في ثورة شباط فبراير ١٩٧٩ لدى شريحة من المعارضين، انهيار عرش ملك قومي بواسطة نظام يستمد جذوره الأيديولوجية من شريعة قادمة من بلاد العرب. وتنامى هذا الشعور بين شريحة هامة من جيل شباب ما بعد الثورة وخاصة منهم المعارضين والمستائين من أداء النظام، يغذيه الغضب من تحديد الحريات ومشاعر الحنين إلى الماضي وأمجاد أسلافهم وأساطير مشفوعة بالحقد والضغينة ضد العرب، وقد روج عدد كبير من الكتاب والشعراء لهذه المشاعر، حيث قدموا صورة “كريهة وقبيحة” للعنصر العربي في مقابل العنصر الفارسي “الجميل والمبدع”. من بين هؤلاء الكتاب فتح علي آخوندزاده وآقا خان كرماني ومحمد علي جمال زاده وصادق هدايت. ويعد هذا الأخير من أبرزهم إذ تحظى كتبه بإقبال جيل الشباب، حيث صب هدايت مشاعر حقده ضد العرب في غالبية آثاره، ومنها “بروين بنت الساسان” التي صور فيها “وحشية العرب” خلال الفتح الإسلامي لبلاد فارس واغتصاب بطلة روايته بروين على يد “عربي متوحش” و” علويه خانم” وصور فيها سلوك مومس تتظاهر بالامتثال لتعاليم “دين العرب” في إشارة إلى الإسلام.

وعلى الرغم من ذلك، فإنه لمشاعر العداء ضد العرب في إيران ما يبررها. ففي الجانب الآخر في العالم العربي، تتجلى مواقف كثيرة تحتقر الفرس وتعتبرهم أساس المشاكل، ومنها المواقف العربية التي تعارض إنجازات النظام الإيراني مثل معارضة الاتفاق النووي الذي جاء في أوج الاتهامات الموجهة إلى ايران بالتدخل في الشؤون العربية، وأنه سيمكنها من فتح يدها المغلولة بفعل العقوبات الدولية في فترة تدعم فيها حلفاءها الإقليميين بالمال والرجال. أما التصرفات المشفوعة بالعنصرية ومظاهر العداء ضد العرب فيتحمل أعباؤها بشكل مباشر العرب الأهوازيون قبل أن تتعداهم إلى خارج حدود الدولة، لأنهم يعرفون اللغة الفارسية ويعانون من مثل هذه التصرفات في مناح مختلفة من الحياة داخل البلد. فعلى إثر نشر تصريحات الممثل أكبر عبدي الأخيرة، أطلق نشطاء عرب حملة مدنية ضده عبر مواقع التواصل الاجتماعي شملت تداول وسم “أنا العربي” على مواقع التواصل الاجتماعي مع نشر صور بالزي العربي لكل من ساهم في الحملة التي أطلقت باللغة الفارسية لمخاطبة الرأي العام الفارسي.هذه الخطوة سرعان ما لاقت تجاوباً من عبدي الذي اعتذر لعرب الأهواز وقال إنه “لم يكن يقصدهم” و”لم يعرف أن البث كان مباشراً.
لكن ردود الفعل من هذا الحدث جعلت الكثير من المواطنين الإيرانيين يعيدون التفكير بمفهوم العنصرية والسلوك الذي يحمل الكراهية ضد الآخر خاصة أن بعضهم يرتكب مثل هذا السلوك بشكل تلقائي متأثرين في ذلك بالإرث التاريخي والأدبي والسياسي المشبع بالكراهية بين الفرس والعرب. ولذلك فقد بات وضع قوانين تجرم السلوك العنصري ملحاً، إذ أنه من شأنها المساعدة في الحد من هذه الظاهرة التي بدأت في فترة ما ولا تلوح لها نهاية.

نقلاً عن البيت الخليجي للدراسات والنشر

بقلم: هادي طرفي

صحافي أحوازي

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق