الخطر البريطاني للإخوان وصلة إيران

في تحرك بريطاني سريع أصدر رئيس الوزراء ديفيد كاميرون أوامره يوم الإثنين المصادف 31 آذار/مارس 2014، قراراً إلى المسؤولين في “وايتهول” بإجراء مراجعة حكومية داخلية شاملة في نشاطات الإخوان: سياسياً ومالياً وإعلامياً، ومدى تأثيرها على المصالح الوطنية البريطانية داخلياً وخارجياً على حد سواء؛ بالإضافة إلى مراجعة سياسة الحكومة البريطانية تجاه هذه الجماعة.

 إن هذه الخطوة البريطانية جاءت على خطى مصر والإمارات والسعودية التي اعتبرت جماعة الإخوان المسلمين منظمة إرهابية يجب حظرها؛ ولقد أشار البيان الصادر من مكتب رئيس الوزراء البريطاني إلى أنه نظراً إلى أهمية المصالح البريطانية في الشرق الأوسط، يعتبر كاميرون أن الحكومة باتت في حاجة إلى فهم شامل لهذا التنظيم وتأثيره، سواء على الأمن القومي لبريطانيا، أو على مصالحها في تحقيق الاستقرار والازدهار في المنطقة.

وهكذا تم تكليف السفير البريطاني في السعودية السير جون جينكيز ليرأس هذه المراجعة الحكومية التي تجري لمرة واحدة، ومن بين الذين سيشاركونه التحقيق هو السير جون سويرز الذي كان رئيساً للمخابرات، وشغل منصب سفير بريطانيا لدى مصر ما بين 2001-2003. وستنظر المراجعة في فلسفة وأفكار ونظريات التنظيم وقيمه وسياساته؛ علاوة على التحقق من سجله سواء عندما كان في السلطة أو خارجها، وعن ارتباطاته واتصالاته المزعومة بالإرهاب والتطرف؛ وكذلك سيتم الأخذ بآراء السفارات البريطانية في منطقة الشرق الأوسط، والأجهزة الأمنية البريطانية، فضلاً عن استطلاع وجهات نظر خبراء مستقلين وآراء حكومات المنطقة.

وسيتم النظر أيضاً في هيكلية تنظيم الإخوان المسلمين وعموم أنشطتهم داخل بريطانيا، وتقدير مدى تأثيرهم على الأمن القومي البريطاني والسياسة الخارجية؛ وقد طلب كاميرون أن يتم استكمال هذه المراجعة بحلول موعد العطلة الحكومية الصيفية في شهر تموز/يوليو القادم.

يبدو أن الحكومة البريطانية قد انتبهت إلى زخم الحراك الإخواني داخل لندن، لا سيما بعد قدوم بعض القيادات الإخوانية الهاربة من مصر؛ وأن مكتب الإخوان في شقة صغيرة فوق مطعم تركي بضاحية “كريكلوود” بشمال غرب لندن، حسب بعض التقارير الإعلامية، صار يُستخدم كغرفة عمليات لإدارة أنشطة الجماعة منذ الإطاحة بحكومة الرئيس الإخواني محمد مرسي في 4 تموز/يوليو 2013؛ وما تخشاه بريطانيا أن تقوم هذه القيادات بالتخطيط لشن هجمات على أراضيها، خصوصاً عقب الاشتباه في تورط الإخوان في الهجوم على حافلة سياحية في سيناء بشهر شباط/فبراير 2013، والذي أدى إلى مقتل ثلاثة سياح بريطانيين؛ لذا فإن غاية الحكومة البريطانية من الحظر، إنما تكمن في الاتجاه الأمني الداخلي والاستقرار السياسي الخارجي في منطقة الشرق الأوسط.

وتحظر بريطانيا حالياً 66 منظمة من أنحاء العالم بتهمة الإرهاب، من بينها 19 من المجاميع الإسلامية: “حزب الله” في لبنان، و”الجماعة الإسلامية” في مصر، نموذجاً؛ وهناك حزمة من القوانين في هذا الخصوص، آخرها: “قانون منع الإرهاب وإجراء التحقيقات” الصادر في 2011؛ وقبله “قانون مكافحة الإرهاب” في 2008، وكذلك “قانون الإرهاب” في 2006، وغيره.

وحسب التقرير الذي نشرته صحيفة “الغارديان” فإن كاميرون الذي أصدر أوامره بإجراء تحقيقات في أنشطة جماعة الإخوان المسلمين في لندن وفقاً لتعليمات من أجهزة الاستخبارات البريطانية؛ وأن كاميرون يواجه ضغوطاً في حظر جماعة الإخوان واعتبارها جماعة إرهابية، وذلك لمنعها من استخدام لندن كمركز عمليات للتنظيم الإخواني الدولي؛ وأشار بعض المسؤولين بالحكومة: إلى “أنه من المحتمل حظر جماعة الإخوان في بريطانيا، لكنه من غير المرجح أن يتم حظر أنشطتها في البلاد على أساس صلاتها بالإرهاب”؛ وهذا الطرح يوافق تحليلات وزارة الخارجية البريطانية التي ترى “أن اعتبار الإخوان جماعة إرهابية من شأنه تشجيع التطرف في البلاد”؛ وأكد أحد المسؤولين في مكتب رئيس الوزراء في تصريح لصحيفة “الغارديان” أن التحقيق في أنشطة جماعة الإخوان في لندن سيشمل اتهامات بضلوع الجماعة الإسلامية بالهجوم على حافلة سياحية في مصر، وكذلك ممارسة أنشطة متطرفة في بريطانيا.

ومما تمت الإشارة إليه: أن جهاز الاستخبارات الخارجي البريطاني (أم آي 6) سيتولى التحقيق في علاقة جماعة الإخوان في مقتل السياح البريطانيين في مصر، بينما سيتولى جهاز الأمن الداخلي البريطاني (أم آي 5) رصد عدد قادة الجماعة الذين اتخذوا من لندن مقراً لهم بعد الإطاحة بالرئيس المعزول محمد مرسي؛ والتأكد مما تسرب من معلومات بأن الإخوان قد يستخدمون لندن مركزاً لقيادة التنظيم الدولي، ومكاناً لالتقاء قادتها.

رغم أن إقدام بريطانيا على حظر أنشطة الإخوان له ما يبرره، لكن هل سيكون لقرارها تأثير على بعض العواصم الغربية لتحذو حذوها؟ خصوصاً وأن الولايات المتحدة الأمريكية، مثل بريطانيا، سعت لشرعنة أنشطة جماعة الإخوان المسلمين في الغرب ليكون صديقاً له تأثيره في العالمين العربي والإسلامي؛ وكانت إدارة باراك أوباما قد تعاونت بشكل جلي مع الإخوان لدى فوز محمد مرسي بالانتخابات الرئاسية التي جرت في 24-6-2012.

في الواقع، إن أول التأثير البريطاني بدأ في كندا، فقد استجاب البرلمان الكندي، بغالبية ساحقة يوم الجمعة الموافق 4-4-2014، لالتماس مجموعات كبيرة من المواطنين الكنديين، وغيرهم من الأصول المصرية، فتم إدارج جماعة الإخون المسلمين على قوائم الإرهاب في كندا.

وإذا أعلنت بريطانيا يوم السبت الموافق 5-4-2014 البدء في تجميد أموال وحظر أرصدة جماعة الإخوان، فإن للإخوان فروع كثيرة في عدة بلدان أوروبية على شكل جمعيات خيرية وتعاونية وتعليمية وثقافية؛ و”اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا” الذي تأسس في بريطانيا عام 1989، ثم انتقل مقره الرئيسي إلى بروكسل عاصمة بلجيكا في 2007؛ فإنه قد تشعب في 28 قطراً أوروبياً، يضم في هيكليته أكثر من 1000 من المجاميع الصغيرة المنتشرة في شرق وغرب أوروبا.

إن عدد الأعضاء في “اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا” قرابة 400 ألف عضو، مع رأسمال يصل إلى 900 ألف باوند إسترليني (1.5 مليار دولار أمريكي) 40% منها ضمن استثمارات عقارية في بريطانيا وألمانيا واليونان ورومانيا وغيرها؛ مما يجعل من هذا الاتحاد يتمتع بقوة مالية بالقدر الذي يحافظ على مستقبله، فإنه يساند الفعاليات والنشاطات المتنوعة؛ ومنها: “اتحاد المدارس العربية – الإسلامية الأوروبية” و”المجلس الأوروبي للأئمة المسلمين” و “المنتدى الأوروبي للمرأة المسلمة” وغيره؛ ولهذا الغرض كان تأسيس “الاستثمار الأوروبي” في 1994، وتم تسجيله في بريطانيا عام 1996، كمنظمة “مستقلة لا سياسية ولا ربحية”؛ بغية توفير الخدمات المالية والاستثمارية للاتحاد عبر مشاريع عديدة في أوروبا.

ترى هل سيبقى حظر أرصدة الإخوان محصوراً في بريطانيا فقط؟ وهل سيؤثر فعلاً على الهيكلية المالية الإخوانية في “الاستثمار الأوروبي”؟ ورغم محاولة بعض قادة الإخوان للفصل ما بين “اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا” والاستثمار الأوروبي، فإن أحمد الراوي الذي كان رئيساً للاستثمار الأوروبي لغاية 2006، هو نفسه كان رئيساً للاتحاد حتى عام 2007.

هذا في الجانب المالي، أما في الجانب الأمني، على سبيل المثال: المخابرات الهولندية توصلت إلى أن الدعوة المتطرفة التي يقودها الإسلاميون داخل هولندا، ناتجة عن أذرع إخوانية؛ ويصل التقرير إلى الإقرار: بأن “الإخوان المسلمين هم المؤسسون الجُدد إلى ناشطية التطرف الإسلامي”.

على أي حال، فإن الحظر البريطاني المحتمل على أنشطة الإخوان ستكون له تداعياته على السياسة الإيرانية الخارجية؛ فالعلاقة بين الإخوان وملالي إيران قديمة تعود إلى زمن مؤسس الجماعة حسن البنا (1906-1949) والخميني (1902-1989)؛ ولقد تجذرت هذه العلاقة بين الطرفين بشكل أقوى منذ وصول طغمة الملالي لحُكم إيران في 1979.  ومن بين هذه التداعيات ما يلي:

أولاُ: إن التحرك الغربي المتمثل حالياً في بريطانيا وكندا ضد الإخوان سيخلق وضعاً محرجاً يعيق السياسة الخارجية الإيرانية في دعمها المتواصل لصالح جماعة الإخوان المسلمين.

ثانياً: إذا رحبت حكومة مصر بالقرار البريطاني، على لسان المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية المصرية السفير بدر عبد العاطي، فإن الخارجية الإيرانية لزمت الصمت؛ في حين كانت المتحدثة باسم الخارجية الإيرانية مرضية أفخم لا تكف عن تصريحاتها في انتقاد تعامل قوات الجيش والشرطة المصرية مع متظاهرين سلميين، حسب ادعائها.

ثالثاً: إن حظر أنشطة الإخوان كمنظمة إرهابية والتي امتدت من الجهة العربية إلى الجهة الغربية، يعني أن المشروع الإيراني المتغلف بالإسلام أمام مرحلة دقيقة الحسابات؛ خصوصاً وأن نظام الملالي متورط بعمليات إرهابية، منها محاولة اغتيال عادل الجبير السفير السعودي في واشنطن عام 2011.

رابعاً: إن من أخطر تداعيات حظر أنشطة الإخوان على إيران ليس في الجانب السياسي فقط، بل في الجانب الإقتصادي أيضاً؛ فإيران ما زالت تعاني من آثار العقوبات الإقتصادية، رغم أن العراق يعتبر الرئة الاقتصادية لها؛ لكن تجميد أرصدة الإخوان إن امتدت إلى خارج بريطانيا لتشمل مجمل “الاستثمار الأوروبي” لدى التنظيم الإخواني الدولي، فإن الدعم الخفي المالي للإخوان تجاه إيران سينتكس ويشكل ضربة موجعة أخرى للاقتصاد الإيراني.

خامساً: ستنعكس التداعيات أيضاً على المخطط الإيراني الجديد في سيناء بالتعاون مع التنظيم الدولي للإخوان وبرعاية قطرية، وذلك بتوفير المخابرات الإيرانية المال والسلاح والتدريب لجماعات إسلامية نشطة: التوحيد والجهاد، والرايات السوداء وكتائب الفرقان، ضد الوضع السياسي القائم في مصر؛ ناهيك بالذكر جماعة “أنصار بيت المقدس” الذي يعود للإخوان أصلاً.

وبما أن ميزة السياسة الخارجية الإيرانية تتصف بالدهاء والنفس الطويل، لذا فإنها ستعمل على تذليل ردود أفعال تلك التداعيات المضادة للإخوان؛ خصوصاً بعدما حققته إيران مؤخراً من تقارب ملحوظ مع الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، وبداية مرحلة جديدة تتسم بالهدوء الدبلوماسي مع العالم الغربي؛ وبالأخص بعد المرونة التي أبدتها إيران حيال ملفها النووي أثناء مفاوضاتها مع الدول 5+1 من جهة، ومن جهة أخرى جراء تأثير العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران منذ العام 2012، بسبب برنامجها النووي غير الخاضع لإشراف وكالة الطاقة الدولية.

على أي حال، فإن التعاون بين ملالي إيران وجماعة الإخوان إنما يقوم على المصلحة الذرائعية لكليهما، فما يقوله الإخوان عن تجاوز الخلاف المذهبي، وما يذهب إليه الملالي في الوحدة الإسلامية، لا يتعلق في حقيقة العقيدة المتنافر فيما بينهما، بقدر ما يحتاج إليهما الآخر في تمشية مصالحهما السياسية ليس إلا.

أما ما يخص خطر الحظر البريطاني المحتمل على الإخوان، فعلى الأكثر إن المراجعة الحكومية بعد اكتمالها في الشهور الثلاث القادمة، فإنها لن تصل إلى تلك الدرجة التي توجب فيها اتهام جماعة الإخوان المسلمين على أنهم منظمة إرهابية، بقدر ما يتعلق الأمر في تحجيم دور الأنشطة الإخوانية على الساحة البريطانية لكي لا تشكل مصدر قلق للمرحلة السياسية الراهنة؛ هذا إذا دخل في الحسبان أن بريطانيا لا تريد منح الإخوان وملالي إيران وبقية الحركات الإسلامية المتطرفة المرتبطة بها بشكل مباشر أو غير مباشر الفرصة لاستغلال تهمة الإرهاب لإشعال فوضى جديدة بالمنطقة، ولكن هل سيأتي حساب البيدر مطابقاً لحساب الحقل؟

د. عماد الدين الجبوري

كاتب وباحث عراقي

نقلاً عن مركز المزماة للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق