الحكم على «النمر» وإعدام «ريحانة»!

التناقض سمة أساسية تميّز المتأسلمين عن غيرهم، فالتأسلم وخاصة السياسي منه، لا فرق في توجهاته وأفعاله بين السنة والشيعة غير المسميات، ومن أهم مميزاته الجلية التناقض بين القول والفعل، وإيجاد المبررات الواهية لكل فعل يقوم به المتأسلمون وينتقدون غيرهم عليه، فإيران التي عرفها العالم رمزاً للمراوغة، ظلت تتعاطى دائماً لغة التناقض ولا تكلف نفسها حتى مجرد تبريره، فقد قامت في حركة تعسفية مكشوفة بتهديد إحدى دول المنطقة لمجرد أنها أعلنت نيتها السماح بعرض فيلم «إمام الدم» الذي ينتقد مرجعها علي خامنئي، وهو مظهر واضح لآرائها التراوغية المعلنة التي تقول فيها إنها لا تتدخل في شئون الدول الأخرى، غير أن تدخلها في شئون الآخرين امتدّ من لبنان إلى العراق وليبيا واليمن وغيرها.

آخر صور التدخل والتناقض هو انتقادها الشديد للحكم الصادر في السعودية بإعدام نمر النمر، الذي خالف القوانين ولم يحترم البلد الذي وفّر له كل شيء، بينما حكمت هي بالإعدام على الفتاة الإيرانية السنية ريحانة جباري.

المقارنة بين إعدام الإرهابي نمر، الذي يحرض على قتل الأبرياء وإثارة الفوضى، وبين إعدام ريحانة التي لم تقصد القتل وكانت تدافع عن نفسها ضد القتيل الذي حاول اغتصابها بالقوة، تبقى مقارنة ظالمة، ومسلسل الإعدامات في إيران التي انتقدت السعودية على حكم النمر، يجعل المتابع في حيرة، إذ لم يسبق أن تم تسجيل بلاغ ضد رجل أمن سعودي حاول اغتصاب مواطنة، بينما القتيل الذي واجهت بقتله ريحانة حكم الإعدام، كان رجل أمن يفترض فيه أن يكون حاميها، ولرجال الأمن الإيرانيين سوابق لا تحصى في الاعتداء على الفتيات الإيرانيات، وفي الأسبوع الماضي أبدى مقرر الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في إيران أحمد شهيد، قلقه من العدد المتنامي للإعدامات في إيران وتدهور وضع حقوق الإنسان فيها، وأوضح أن «عدد الجرائم التي يعاقب عليها بالإعدام يثير الصدمة، ومنها ماهو مُستغرب مثل إعدام شخص لأنه قدم هبة لمنظمة أجنبية».

المؤتمر الصحفي الذي تحدث فيه المسؤول الأممي حفل بالعديد من الحقائق الصادمة، فقد كشف أن 852 شخصاً على الأقل أعدموا في إيران منذ تولي روحاني السلطة قبل عام، منهم 8 من القصر. وفي أوائل الشهر الماضي تناولت وسائل الإعلام إعدام أربعة ناشطين من إقليم الأهواز الذي يضم 80% من موارد إيران من النفط والغاز، بزريعة أن مطالبتهم بتحسين أحوال السكان ليست سوى تنفيذ لأجندة أجنبية، وهي الشماعة الدائمة التي تستخدمها إيران لقتل خصوم الحكومة من مواطنيها.

وتواصل إيران انتقادها للحكم على النمر في السعودية، مدّعية أنه مرتبط بتصفية الخصوم السياسيين، متناسية أنها أعدمت بفتوى آية الله الخميني في عام 1988 نحو خمسة آلاف سجين سياسي ينتمون لمنظمة «مجاهدي خلق» وبعض القوى اليسارية الإيرانية المناهضة للسياسة الخمينية. وأكّدت العديد من التقارير الحقوقية المحايدة أن إيران من أكثر الدول التي تقوم بتصفية المعارضين عبر أحكام الإعدام العلنية، أو التصفيات الجسدية على يد الاستخبارات.

ورغم ما أثبتته الوقائع حول الإعدامات التعسفية التي تقوم بها إيران باستمرار، فإنها دائماً تغفل عما تقوم به، بينما ترفع صوتها عالياً بانتقاد السعودية وغيرها من الدول، عند قيامها بتطبيق قوانينها، ومثال ذلك الحكم على مثير الفوضى نمر النمر، وتحاول ربط موضوع الإعدام بالطائفية وانتمائه للشيعة، مع أن حيثيات الحكم التي تلتها السعودية علناً وعرفها كل العالم، لم تكن ضمنها أية إشارة لطائفته أو عرقه أو جنسه، لكن في نظر المسؤولين الإيرانيين، يبقى إعدام الفتاة البريئة التي دافعت عن شرفها، مُبرَّراً ومنطقياً، بينما إعدام نمر النمر الذي دفع بالكثيرين لحافة الموت، وحاول تقويض النظام المجتمعي المتماسك للمملكة، وإثارة الفتنة بين المسلمين، جريمة لا تُغتفر!

د. سالم حميد

نقلا عن مركز المزماة للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق