الحزب الجمهوري لا يريد رئيساً عظيماً، بل انتشال أمريكا واستعادة عظمتها

وضع الآباء المؤسسون النظام الأمريكي بطريقة تمنع الأفراد من السيطرة على السلطة بعدما وضعوا ثلاثة أفرع تشريعية وتنفيذية وقضائية تتصارع مع بعضها والطريقة الوحيدة بالسيطرة على السلطة هي عندما تكون الدولة في أزمة كبيرة وشديدة تهدد الأمة بأكملها ولم يمر على الولايات المتحدة رئيس عظيم سوى ثلاث مرات هم جورج واشنطن ولينكولن وفرانكلين روزفلت.

طبيعة النظام لا تسمح بدبلوماسية بطولية سواء في الداخل أو الخارج، وهناك حركات مثل حركة الشاي تحتل وول ستريت، وحركة حياة السود مهمة غاضبة من النظام القضائي، ما يعني أن أمريكا ممتعضة وغاضبة ومشتتة خصوصا بعدما فقدت أمريكا عظمتها بسبب سياسات أوباما الخارجية.

 فهي بحاجة إلى رئيس جيد يقوده الحزب الجمهوري ولم يصدق أحد ناجيل فراج زعيم حزب الاستقلال البريطاني الذي توقع فوز ترامب بمنزلة خروج بريطانيا أي أنه يعتبر خروج بريطانيا وضع خريطة طريق للزلزال الأمريكي، ومن تابع نتائج استطلاعات الرأي الأخيرة التي أظهرت تقلص الفجوة بين المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون ومنافسها الجمهوري ترامب يوم 29/10/2016 أجرته واشنطن بوست وشبكة إيه بي سي إلى انقسام الناخبين المحتملين بنسبة 47 في المائة لصالح كلينتون و45 في المائة لصالح ترامب قبل أن يطلب مكتب التحقيقات الفيدرالي بالكشف عن الوثائق وطلب فتح تحقيق في إيميلات كلينتون التي مثلت صدمة في الحزب الديمقراطي لم يكن يتوقعها وكأنه أعطى الحزب الجمهوري ضوء ورقة أثرت على التصويت لصالح ترامب.

من أولويات ترامب تحفيز الاقتصاد الأمريكي وأنه لديه خطط كما يقول بأنها ستضاعف النمو حيث وعد حماية الأمريكيين من خلال تخفيف القيود التجارية والضرائب على الشركات ووعد ترامب بالعمل مع حزبه الذي يسيطر على مجلسي الشيوخ والنواب بالتعاون مع الكونغرس لطرح وإقرار خطة اقتصادية تستحدث 25 مليون وظيفة خلال عشر سنوات، ولا سيما من خلال خفض كبير للضرائب على الطبقة الوسطى والشركات لتحقيق نمو بمستوى 4 في المائة سنويا، لكن أوربا قلقة من أمريكا أولا، فيما ترى ألمانيا بأن ترامب سيخرب الاقتصاد الأمريكي وأن تعهداته الاقتصادية غير قابلة للتطبيق.

إرث أوباما الاقتصادي أمام عقبة ترامب حيث لم يأخذ العالم نفسا عميقا بعد تداعيات الأزمة المالية العالمية في 2008 حتى تبعتها البريكست ثم فوز ترامب برئاسة أكبر اقتصاد في العالم حيث لا تزال الديون العالمية عند 152 تريليون دولار بما يمثل 225 في المائة من الناتج الاقتصادي العالمي خلال 2015 ولا يزال الاقتصاد العالمي واقع بين الفريسة والصياد.

وعد ترامب بأن يعيد لأمريكا عظمتها حيث انكفأت أمريكا على الذات والانعزالية بعد الأزمة المالية في عهد أوباما إذ أحدث التباطؤ الاقتصادي المتزامن مع التباينات ولد كثيرا من النقمة الجماهيرية اقترنت هذه النقمة بمخاوف لدى المواطنين حيال تدفق المهاجرين والخطر الإرهابي، لذلك هو مصمم على بناء جدار على الحدود المكسيكية يؤكد أن المكسيك ستعيد تسديد كلفته، وسيفرض عقوبة بالسجن لمدة سنتين على أقل تقدير بحق كل المهاجرين غير الشرعيين الذين يعودون إلى الولايات المتحدة بعدما يتم طردهم، وسيلغي بأسرع وقت ممكن قانون الضمان الصحي المعروف باسم أوباما كير وهو المشروع الأبرز لأوباما لتأمين تغطية صحية للجميع، وقد واجه انتقادات كثيرة لأنه ترافق مع زيادة في أقساط التأمين لعائلات الطبقة الوسطى.

ترامب مثله مثل كيري كثيرا ما يبدل مواقفه وتصريحاته، لذلك البعض يرى بأن أميركا تبقى دولة وترامب كرئيس محدودي القدرات فيما يستطيعان فعله في ظل نظام دولي تتغير طبيعته كل يوم، هناك قلق من نمو الصين الذي ارتفع من 1.119 تريليون دولار عام 2000 إلى  4.4 تريليون دولار عام 2008 ثم إلى 8.4 تريليون دولار عام 2012 أي يقرب من الضعف ثم ارتفع إلى 11.385 تريليون دولار عام 2015، في المقابل لم يرتفع الناتج الإجمالي الأمريكي بنفس الوتيرة، لكنه ارتفع ناتج الولايات المتحدة من 14.2 تريليون دولار عام 2008 إلى 15.7 تريليون دولار عام 2012 ثم ارتفع إلى 17.968 تريليون دولار عام 2015، أي أن الناتج الإجمالي للولايات المتحدة زاد بين عامي 2008 و2015 بأربعة تريليونات دولار، بينما الصين ارتفع ناتجها الإجمالي بنحو الضعف بثمانية تريليونات دولار بين عامي 2008 و 2015 وهو ما تخشاه الولايات المتحدة من تضاءل الفجوة بين الاقتصادين.

تراخي القبضة الأمريكية على المحيط الهادئ جعل الفلبين تعلن الانفصال عن الولايات المتحدة، بينما بدأ حليفان آخران هما تايلاند وماليزيا الميل نحو الصين ومبادرة الصين حزام واحد طريق واحد تهدف إلى ربط آسيا بأوربا مع شبكات البنية التحتية الحديثة سوف تساعد على تحقيق أهدافها المرجوة خصوصا بعد الاتفاق الأخير بين الصين والسعودية وهو ما جرح الولايات المتحدة وأن الصين تلعب بالعوامل الجيوسياسية، كما تحاول الصين أن تتفوق بريكس على السبع العظام بحلول عام 2027 وهي تشكل نصف سكان العالم وربع الاقتصاد العالمي حاليا حيث يبلغ الناتج الإجمالي للسبع الكبار في عام 2015 نحو 32.316 تريليون دولار فيما يبلغ الناتج الإجمالي لدول بريكس لنفس العام نحو 17 تريليون دولار.

كما أن تركة أوباما نظام عالمي متصدع وشرق أوسط مفكك، وهو ما يطرح سؤالا حول كيف سيكون شكل النظام العالمي ما بعد الحرب العالمية الثانية القائم منذ 70 عاما؟، وروسيا ترسم نفوذها العالمي من قواعدها العسكرية في شرق المتوسط من أجل حماية أمنها القومي وضمان حصتها من الغاز ومناكفة الناتو أبرز ملامح حضورها الدائم، خصوصا وأن المياه الدافئة والتوسع هاجسا موسكو القديمان – الجديدان وأصبح التحدي الروسي في المتوسط، وفشلت أمريكا في جعل تركيا مركزا للطاقة إلى أوربا لكن نتيجة ضعف الموقف الأمريكي تخطط تركيا لتصبح مركزا للطاقة عبر التعاون مع روسيا، بل عادت روسيا عسكريا إلى أميركا اللاتينية وهي تقلق الولايات المتحدة وحلفاء واشنطن، وتجربة أوباما السياسية غير قابلة للانتقال إلى غيره.

ولن يرضى ترامب التعامل بتركة أوباما، ولكن كيف سيتعامل ترامب مع التحالف الروسي الإيراني وكل منهما استثمر الانكفاء الأمريكي والقيادة من الخلف، فبعدما استرضى أوباما الإيرانيين من أجل توقيع الاتفاق النووي مقابل الغض عن مغامراتها العسكرية وهي تشن حروب كبيرة في حلب والموصل وتلعفر وغيرها وهي تريد استباق وصول ترامب للبيت الأبيض وهي لا تضمن كيف ستكون مواقفه، لكن المرشح لمنصب وزير الخارجية الأميركي رودي جولياني قال هزيمة داعش أولا وتعديل النووي ثانيا واعتبر قرار غزو العراق كان سيئا لكن قرار الانسحاب أسوأ.

بينما دول الخليج لم تعارض مشروع أوباما النووي بل تحفظت عليه في إطاره السياسي وهي ترى أن الصراع الطائفي الذي تؤججه إيران نتيجة مغامراتها العسكرية مقابل توقيع الاتفاق النووي يؤجج الصراع الطائفي الذي يفرج الإرهاب وتكبر دائرته مع الزمن والتي لن يتم القضاء عليه ما لم يتم وقف المغامرات العسكرية التي تشنها إيران بثوب طائفي.

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق