الحروب النجسة في العالم العربي (2)

لقد لعبت أمريكا دوراً رئيسياً في العراق، وهي من سلّمته على طبق من ذهب إلى إيران التي كانت تعاني من غصة عراقية في حلق تصدير ثورتها؛ وذلك بتنصيب الحكام من الشيعة الذين يقال إنهم أغلبية من حيث عددهم، وهو ما أوصلهم للسلطة كما تقتضي الديمقراطية التي لم يصل منها للعراقيين سوى الوهم. الأستاذ عوض العبدان، وهو رئيس حركة تحرير الجنوب العراقية، نشر مؤخراً إحصائية وافقه عليها الكثيرون، تتحدّث عن أن الشيعة يشكّلون نسبة 40 بالمئة من الشعب العراقي، في حين أن السنّة نسبتهم 56 بالمئة، وبقية الأقليات يشكلون نسبة 4 بالمئة. وإن كان الأستاذ العبدان لم يقدّم المعايير المعتمدة في هذه الإحصائية، إلا أن الكثير من الشواهد الأخرى توحي بأن السنّة نسبتهم أكبر من الشيعة في العراق، وما وصل هؤلاء إلى الحكم إلا في ظل النقمة على نظام صدام حسين المحسوب على السنّة، كما أن أمريكا قامت بتسليم الحكم للأشخاص الذين ساعدوها في غزو العراق وأغلبيتهم الساحقة من ملالي إيران. فضلاً عن أن طهران قدمت خدمات كبيرة للأمريكان في غزو العراق وأفغانستان، ولا يمكن أن تخرج صفر اليدين من هذه الحروب النجسة التي أشعلتها.

الحروب الإيرانية النجسة

نجحت إيران إلى حدّ بعيد في جعل العرب يقتل بعضهم بعضاً عبر حروب نجسة على أرضهم ولا تدمّر غير أوطانهم؛ فالشيعة العرب في العراق يقتلون السنّة العرب، والشيعة العرب في لبنان يقتلون السنّة العرب، والنصيريون العرب ومن تحالف معهم من الشيعة العرب يقتلون السنّة العرب في سوريا التي يشكلون فيها أغلبية ساحقة. ورغم أن الحروب القائمة تتعلق بمصالح إيرانية مدعومة من الغرب، فإن إيران لم تخسر إلا القليل جدّاً من جنودها الذين يعدون على الأصابع في سوريا، في حين أن الشيعة العرب خسروا آلاف الأشخاص من مليشياتهم وجيوشهم وشعوبهم.

الحروب التي تجري في المنطقة العربية هي نجسة للغاية لأنها تأتي على حساب أرواح العرب والمسلمين، وتدمّر أوطانهم ومدنهم وقراهم، والنتيجة تكون دائماً في صالح إيران التي تخوض حروباً بالوكالة خارج جغرافيتها ودفاعاً عن مشروعها الصفوي القومي الذي ليس في صالح العرب أصلاً حتى ولو كانوا شيعة، بل إن الشيعة العرب هم أول من سيدفعون ضريبة الولاء الأعمى لطهران بمجرد تفتيت أوطانهم وإعلان إمبراطورية الفرس الجديدة، التي لن تقتصر على بغداد ودمشق ولبنان بل ستمتد من طهران إلى وهران الجزائرية.

محرقة “داعش”

لقد حشدت دول العالم تحالفاً يتكون من أربعين دولة ضد تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” المعروف اختصاراً بـ”داعش”، وهذا التنظيم يتكوّن من شباب من دول العالم العربي كثير منهم دفعتهم حميتهم إلى هذا المستنقع، ويوجد من أغوتهم أفكارهم وضلّت بهم الطريق، ورغم أن التنظيم يعادي الصفوية حسب ما يعلنه وإن كان خرج من رحم القاعدة، وليومنا هذا لم يستهدف إيران بعملية واحدة وهو الذي ضرب في أغلب الدول العربية الأخرى، وهذا الذي اعترف به المتحدث باسم التنظيم المدعو أبو محمد العدناني في مايو/أيار 2014، حيث كشف لأول مرة أنهم امتثلوا لأوامر القاعدة بعدم استهداف إيران رغم قدرتهم على تحويلها إلى برك من الدماء حسب تعبيره.

إيران قدمت مساعدات غير مباشرة لـ”داعش” من خلال حكومة المالكي حيث سهل لهم الطريق نحو سوريا، ثم سهل لأكثر من 2000 عنصر مسجون الفرار من السجون، وأيضاً ترك لهم المجال كي يسيطروا على الموصل ويتحصّلوا على أموال ضخمة بالمليارات وأسلحة ثقيلة. فقد كانت المخابرات الإيرانية تعلم أن العالم وبقيادة أمريكا لن يتوقف مكتوف الأيدي أمام تعاظم دولة البغدادي التي تحمل شعارات أيديولوجية مناهضة للغرب ولديها تصور عالمي لا حدود له، على عكس مليشيات إيران التي لا تتعدى حدود المنطقة التي يعملون بها، وهدفهم فقط هو العرب عموماً والسنّة بصفة أخص.

رغم عداء “داعش” لإيران المعلن، عبر شعاراتهم على الأقل، فإن التنظيم لهذه اللحظة لم يستهدفها في داخل بلادها، ولم يقتل الإيرانيين، فكل ضحاياه هم من السنّة وحتى الشيعة العرب الذي يعملون لصالح إيران، وهذا لا يهم طهران أصلاً، بل إن أحد قادة التيار الصدري كشف من قبل أن المفخخات التي تصل للعراق وتقتل الشيعة تأتي تحت رعاية المخابرات الإيرانية، وتوجد معلومات استخباراتية لدى دوائر غربية أن عمليات تفجيرية استهدفت بعض ما يسمى بـ”المراقد المقدسة” الشيعية في العراق كانت خلفها مليشيات شيعية تعمل لصالح خامنئي، أما في سوريا فقد يقف خلفها نظام بشار الأسد الموالي لإيران أيضاً.

أمر يجب أن نسجله ولا يمكن أن نغفل عنه أن أغلب ضحايا “داعش” هم من السنّة العرب الذين يتّهمهم التنظيم بالردة، وأنهم صحوات وما إلى ذلك، حتى في سوريا فأغلب حروبه تستهدف الثوار والمناطق المحررة، ولهذا قليلة هي معاركه مع نظام بشار الأسد الذي بدوره تفادى ضرب التنظيم الذي يحقق له ما عجز عنه على مدار سنوات، حيث يضرب الثوار من الفصائل الإسلامية والجيش الحر، وأكثر من ذلك أنه يترك له المجال كي يكبر في إطار صفقة مع إيران، كما أنه على يقين أن المجتمع الدولي لن يتأخر في حرب عالمية على “داعش”، والتي ستخرج بشار الأسد من السلطة عبر صفقة في إطار الحرب على الإرهاب وليس الثورة الشعبية التي لن تكون في صالحه أبداً.

لقد حقق تنظيم “داعش” لإيران ما تريد حيث تمكّن من السيطرة على مساحات كبيرة من سوريا والعراق، وبعد وصوله إلى درجة معينة وعبر إثارة إعلامية شاركت فيها بلا أدنى شك المخابرات الإيرانية، جاء دور المجتمع الدولي الذي تحرّك ضد البغدادي، وستكلّف هذه الحرب ضريبة كبيرة من حيث الخسائر البشرية والمادية التي ستكون على حساب خزائن الدول العربية. فقد تحدث وزير الدفاع الأمريكي تشاك هيغل عن أن الحرب على “داعش” التي ستستمر ثلاث سنوات والنجاح غير مضمون، ستكلّف 500 مليار دولار، وكل قنبلة تسقط كلفتها 20 ألف دولار، وكلفة كل طلعة لطائرة إف 16 ستكون ما بين 20 و30 ألف دولار، وأمريكا ستتكفل من 15 إلى 20 مليار دولار سنوياً؛ أي ما بين 45 و60 مليار دولار في ثلاث سنوات، وطبعاً ما تبقى من مبلغ 500 مليار دولار ستدفعها الدول الأخرى، والحصة الكبرى ستكون على عاتق دول الخليج طبعاً.

وحسب مصادر أخرى فإن الثانية الواحدة في الحرب على “داعش” تكلف 87 دولاراً على الأقل، وقتل عنصر من “داعش” يكلف على الأقل مليون دولار. ومن جهة أخرى فإن عملية حسابية قام بها الدكتور فيصل القاسم كشفت أن كل عنصر من “داعش” سيكلف عشرات الملايين من الدولارات.

عندما تنجح إيران في تصفية عشرات الآلاف من الشباب الملتزم الذي انضوى تحت “داعش”، وتعيد الصحوة الإسلامية سنوات طويلة للخلف، وهي التي تهدّد حتماً المدّ الخميني في المنطقة، بذلك تكون قد حققت ما لا يمكن تخيّله؛ فهي تعمل على محورين أساسيين ضد فئة الشباب في العالم العربي؛ فإما تشييعهم حتى يتحولوا إلى عملاء لجهازها الاستخباراتي ويعملوا لصالحها، أو تدفعهم إلى التشدّد من خلال بؤر نزاع طائفية نجحت في إشعالها بعدة مواقع، وتكون محرقة لهؤلاء المتدينين الذين كان من الممكن أن يقدموا خدمات لأمتهم في مواجهة المشروع الصفوي، وللأسف غرّر بهم وجرى توريطهم في مستنقعات قاتلة ومدمّرة للذات.

تجدر الإشارة إلى أن أبرز دولة إسلامية يجري استهداف مخزونها الشبابي هي السعودية، وذلك بجرّهم إلى هذه المستنقعات وتوريطهم في حروب نجسة. وتوجد تقارير ومعلومات استخباراتية تتحدث عن أن أجهزة استخباراتية من دول مختلفة، على رأسها إيران، لديها مخططات سرية تجاه الشباب السعودي الذي عجزت طهران عن تشييعه، ولذلك ليس صدفة ولا مجرد عمل جزافي أن يجري اختيار الأغلبية الساحقة من السعوديين في المجموعة التي قيل إنها نفّذت عملية 11 سبتمبر/أيلول 2001.

الخمينية وتدمير العالم الإسلامي

كل بؤرة نزاع تقع في العالم العربي عملت إيران ما في وسعها كي تخترقها وتوجهها وتعفنها إلى أبعد الحدود؛ لأن الهدف الأساسي ليس إنجاح هذه الحروب لصالح الأوطان بل تخريبها حتى تعود بالدمار على الدولة التي تقع فيها؛ لأن هدف الخمينية هو تدميري أولاً وقبل كل شيء، وما بعد الدمار يأتي دور القوى العظمى التي يتحتم عليها تقاسم النفوذ مع جهات مستقرة في المنطقة ولن يجدوا سوى طهران وتل أبيب بلا أدنى شك هذا في أقل الأحوال، وإن كانت القوى العظمى هي من تصنع هذا الأمر لأجل تفتيت الكيان السنّي وتحويله إلى كنتونات تحت وصايات متعدّدة تسيطر على ثروات طائلة، هي التي تتحكم في مصير هذه القوى المهيمنة على قدرات العالم وتوجهاته.

الحروب النجسة كثيرة ومتعددة فقد وقعت في الجزائر من قبل وسنتحدث في مقالاتنا القادمة عن ذلك، ونكشف الكثير من المعلومات عن الدور الإيراني الذي يتجاهله لحدّ الساعة الكثير من الجزائريين، ولا تزال تتكرر في ليبيا وسوريا والعراق ولبنان واليمن وستمتد إلى دول أخرى مستقبلاً، وكل ذلك يندرج ضمن مشروع تدميري لأجل صناعة خارطة جديدة سيكون فيها العرب والمسلمون مجرد دويلات صغيرة لا تملك أي ثروات ولا نفوذ ولا أدنى قدرات عسكرية، في حين أن الغرب والدولة الفارسية والدولة الصهيونية ثلاثي قوي يتقاسم الانتداب على ما تبقى من الكيان السنّي الممزق والمتناحر.

يحدث كل ذلك والعالم العربي عموماً، والسنّي بصفة أخص، للأسف الشديد ليس لديه أي مشروع ولا يزال يحتمي بأمريكا والقوى العظمى التي لم تقدّم لهم غير الوعود الكاذبة التي تنتهي في آخرها لصالح مشروعين في المنطقة؛ وهما المشروع الصفوي وتوءمه الصهيوني فقط، وسيبقى الأمر كذلك إن لم تتم مراجعة الذات بصناعة مشروع استراتيجي يصنعه خبراء من العلماء والمفكرين والعسكريين والاستخباراتيين والدبلوماسيين والحقوقيين والمثقفين كي يواجه المشاريع القائمة، ويصحح مسارات هذه الحروب القائمة ويحوّلها من نجسة إلى مقدّسة لأجل إعادة البناء والحفاظ على الوجود أولاً وقبل كل شيء.

أنور مالك

نقلا عن الخليج اونلاين

 

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق