الحراك الصامت: إيران والتباين الشديد بين مجتمع الثورة ومجتمع اليوم

المتتبع لبنية التركيبة المجتمعية في إيران اليوم، ومقارنتها مع التركيبة المجتمعية إبان “الثورة الإسلامية”، يلاحظ مدى التباين والافتراق الشديد بين مجتمع الثورة من جهة، والمجتمع الداعم لتيار الإصلاحيين من جهة أخرى، قبل أن يتمخض المجتمع الإيراني عن تيار ثالث، أصبح الأقوى بين التيارات المتضاربة داخل التركيبة الإيرانية، متمثلاً بالشباب الرافض لتبني حكومة الملالي برمتها، التي أصبحت على مرمى من حراك ثوري صامت، يضع إيران في قلب مجتمع من المخاطر، يهدد بالانفجار في أية لحظة.

  التباين ذاته، يقودنا إلى فكرة انسلاخ المجتمع الإيراني من سطوة ولاية الفقيه، ومن ثم الولاء لشخصية الخميني، الذي ورّث فكرة الإمساك بالثورة على طريقته التي لم تعد بعد خمسة وثلاثين عاماً تتناسب والتحولات الطارئة على البنى الاجتماعية في المجتمع الإيراني، لاسيما من قبل شريحتي الشباب والمرأة.

بدايات الظاهرة: الثورة الخضراء 2009 وشعارات” يسقط الدكتاتور”،و” لا لبنان لا غزة”:

وبالعودة إلى ما قبل هذا التاريخ، فقد كسر الشباب الإيراني ” التابو” الأهم في عقلية نظام الملالي، منذ الثورة الخضراء 2009، عندما رفعت ولأول مرة منذ انتصار الثورة شعارين شكلا منعطفاً تاريخياً في التباين بين مجتمع الثورة ومجتمع اليوم، حيث تضمّن الشعار الأول فكرة “يسقط الدكتاتور”، في إشارة من الشباب الإيراني لرفض أهم محددات الدستور الإيراني وعقيدة الثورة الإيرانية، التي تأسست على مبدأ الولاية المطلقة للولي الفقيه، كما تضمن الشعار الثاني فكرة ” لا لبنان لا غزة”، في إشارة أيضاً من الشباب الإيراني لسياسة التدخلات التي انتهجتها حكومة الملالي في محيطها الإقليمي، ومنعكساته على الداخل الإيراني، وخاصة على الشباب وأوضاعهم الاقتصادية والحياتية.

يدرك الشباب الإيراني، أن التدخلات ذاتها هي التي استنزفت الخزانة الإيرانية، وجرت على إيران تداعيات انعكست على تراجع قيمة التومان، وتفشي ظاهرة البطالة، والفقر، وترسيخ الطائفية في مجتمع ما أن خرج من السمعة سيئة الصيت للدولة الصفوية، حتى عاد بثوب جديد لا يتلائم وعقلية الشباب الإيراني الطامح في عصر التكنولوجيا والقرية الكونية، إلى الخروج من بوتقة الانغلاق والانفتاح على الآخر.

 تنامي ظاهرة التباين المجتمعي وتوقيتها:

من الناحية السياسية، تتصاعد الظاهرة أيضاً مع العزل الدولي لإيران، لاسيما بعد استبعادها مؤخراً عن التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الإسلامية، وإصرارها على تبني عقيدة التدخلات الخارجية في المنطقة العربية، لاسيما وأن العقوبات الدولية – كما هو متعارف عليه – لن تؤثر في النظام السياسي، بقدر ما تنعكس على الشباب الإيراني، الذي لم يعد بمنأى عن فهم ما يجري من تداعيات داخل الإقليم، فليس خافياً على الشباب الإيراني إصرار حكومته على عقيدة العزل والاختلاف عن محيطها، والكيل بمكيالين في التعاطي الطائفي مع قضايا المنطقة، بسبب ما تورده الصحف الإيرانية بشكل يومي من تناقضات إيديولوجية – كُرمى لعيون الولي الفقيه وحده – الذي يسمي الحوثيين بالثوار، في الوقت الذي يرسل فيه الشباب الإيراني إلى بؤر الصراع في سورية ولبنان والعراق، للموت دفاعاً عن نظرية تُختزل في فكر القلة الحاكمة متمثلةً بالمرشد ومن معه.

وتتصاعد وتيرة الظاهرة لأسباب سيكولوجية تعكس عقلية الشباب الإيراني، الذي أصبح يشعر بالازدواجية سواء لجهة تركيبته المجتمعية المتأتية من عادات وتقاليد المجتمع الإيراني ذي الأصول الهندو – أوربية، التي لا يمكن لها أن تبقى منعزلة عن موقعها الجغرافي في عصر التكنولوجيا والأفكار العابرة للحدود، حيث يشكل النظام السياسي الإيراني، حالة لا تتشابه مع أي نظام سياسي في محيطها الجغرافي والعالم، سواء من الناحية السياسية والعقيدية، أو من الناحية الإجتماعية بما فيها الدول المحيطة بها العربية منها أو الأوروبية، التي تتأسس مجتمعاتها على فكرة الدولة المدنية.

تجليات الظاهرة: الشباب الإيراني وظاهرة سب الخميني:

تشكل ظاهرة سب الخميني دليلاً بيناً على التباين بين مجتمع الثورة ومجتمع اليوم، فقد أصبحت ظاهرة سب الخميني -مؤسس ” الجمهورية الإسلامية”، وواضع نظرية ولاية الفقيه – من قبل الشباب الإيراني سواء في الجامعات أو التجمعات الشبابية أو على شبكات التواصل الاجتماعي، من أهم الظواهر التي تؤرق اليوم الاستخبارات الإيرانية، التي ما أن فشلت في تطويق الظاهرة بشكل سري، حتى أصبحت تهدد بعقوباتها من على وسائل الإعلام الإيرانية.

فقد نشرت صحيفة “خبر” الإيرانية في عددها الصادر أمس الإثنين 22/9/ 2014، وتحت عنوان “اعتقال 11 شخصا من الذين وجهوا إهانة للإمام الراحل “الخميني”، في مدينة شيراز معقل القومية الفارسية، أن قائد فيلق “ثار الله” العميد إسماعيل محبي بور، قد أعلن عن اعتقال 11 شخصاً من الذين وجهوا شتائم وإهانات للإمام الراحل “الخميني” مؤسس الثورة الإسلامية.

الأعلام الإيرانية والإسرائيلية جنباً إلى جنبفي كأس العالم:

 لعل ما أظهرته مباريات كأس العالم 2014 في البرازيل، من مشاهد متعمدة من الشباب الإيراني لاستفزاز حكومة الملالي، دليلاً على تبلور ظاهرة التباين والاغتراب الذي يعانيه الشباب الإيراني في مجتمعه، فقد تعمدت الشابات الإيرانيات إرسال رسائلهن إلى العالم، للتعبير عن خروجهن وعدم موالاتهن لما يعرفه العالم عن إيران الخمينية، وظهرت الشابات الإيرانيات على مرآى من العالم وفي المدرجات بملابس شبه عاريه، كما أجبرن الصحفيين على تصويرهن وهن يقبلن مراسلي الأخبار من جميع دول العالم.

في السياق ذاته، ومن المنبر الأهم إعلامياً (كأس العالم) قام عدد من الشباب الإيراني باحتضان الشباب الإسرائيلي على مرآى من وسائل الإعلام العالمية، والتجمع معهم في المدرجات التي يتواجدون فيها، حاملين أعلام إيران وإسرائيل جنباً إلى جنب، مما أثار دهشة متابعي كأس العالم، في الوقت الذي كانت فيه وسائل الإعلام الإيرانية تُظهر للعالم التوترات والتهديدات بالحرب بين تل أبيب وطهران، في غمرة الموت والقصف العلني على غزة، حيث تعالت شعارات حكومة الملالي بتهديد إسرائيل بدعمها حركة حماس بأسلحة متطورة !

حيرة في الاستخبارات الإيرانية:

تبدو الاستخبارات الإيرانية اليوم في حيرة من أمرها، لاسيما بعد التقرير الذي أعدته وزارة الشباب والرياضة الإيرانية، الذي يظهر عدم قدرة المخابرات الإيرانية على تطويق ظاهرة الشباب الثائر على عقلية النظام السياسي في إيران.

 فقد بيّن التقرير أن أكثر من 69 % من الشباب الإيراني، يستخدمون تكنولوجيات تساعدهم على التعبير عن أفكارهم والتهرب من الرقابة باستخدام تقنيات تساعدهم على ذلك مثل البروكسي والشبكات الافتراضية كمدخل للفضاء الخارجي، بسبب معاناتهم من دخول المواقع التي تنتقد النظام السياسي الإيراني، حيث يعتبر الدخول على هكذا مواقع خروجاً على قوانين عدم التقيد بالقائمة الإيرانية لجرائم المعلوماتية وعقوباتها القاسية.

 وفي هذا الخصوص، يبدو الأمر أكثر ارتباكاً وتناقضاً بسبب التناقض في السلطات والصلاحيات بين المرشد ومؤسسة الرئاسة -حسب الدستور الإيراني- ففي الوقت الذي أعلن فيه الرئيس الإيراني حسن روحاني، أن الرقابة لن تكون ناجعة في بلد مثل إيران، بدأت فيه وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي في إيران بإغلاق جميع المواقع الإلكترونية غير المرخصة.

إذاً، تقف إيران اليوم على عتبة ثورة صامتة، في مجتمع تتقاسمه تحديات التباين الإجتماعي والفقر والبطالة والكبت والآفات المجتمعية، التي أصبحت تهدد بانفجار المجتمع الإيراني في أية لحظة، وهو المجتمع ذاته الذي يتكون بالأساس من مجموعات إثنية ودينية متناثرة على جغرافيات مختلفة في العادات، والأفكار والأمزجة، واللغات، التي تتوزع بين فرس، وعرب، وأكراد، ولر، وتركمان. كتركيبة غير متجانسة، تشكل رحماً خصباً إما لثورة اجتماعية داخلية، أو تمهد لتفكيك إيران أمام أية أزمة فعلية مع المجتمع الدولي.

د. محمد خالد الشاكر

كاتب وباحث سوري

نقلاً عن مركز المزماة للدراسات والبحوث

الوسم : إيران

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق