الجزر الإماراتية الثلاثة بالاستدلال القانوني والتاريخي

تبقى قضية الجزر العربية الإماراتية الثلاث، طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى من أكثر القضايا التي تشجنج العلاقة ما بين جمهورية إيران الإسلامية والعالم العربي عموماً وفي الخليج العربي ودولة الإمارات العربية المتحدة على وجه الخصوص، إذ يعود هذا الخلاف إلى القرن الثامن عشر الميلادي، وتعتبر هذه القضية مؤشر يقيس مدى جدية إيران في ادعائاتها لحفظ الأمن والسلم في المنطقة ومدى رغبتها في تطبيع العلاقات مع العالم العربي.

الشاه محمد رضا بهلوي دخلت العلاقات العربية الإيرانية نفق من العداء وغياب الثقة، زادت من عمقها تلك الخطوات العدوانية التي لم تنتهي مع انتهاء النظام (الشاهنشاهى) عام 1979، بل أمعنت في خطواتها التوسعية عندما استأنفت استيلائها على كامل جزيرة أبو موسى عام 1992.

لم يوفر العرب لحظة إيجابية  لمدّ يد السلام والترحيب بمبادرات الرئيس الايراني السابق محمد خاتمي عندما شهدت العلاقة الايرانية الخليجية انفراجة ملحوظة في ظل أجواء إيجابية في المنطقة العربية مع تواتر مفاوضات السلام وانطباع عام باستقرار النظام الدولي، وضرورة بناء فضاء اقليمي شرق أوسطي أكثر رحابة واندماجاً وتعاوناً، إلا أن إيران تعاني من عطب بنيوي يعتري نظامها السياسي يجعل من المقاربة العقلانية لعلاقتها مع جيرانها أسيرة تفضيلات النخبة الحاكمة بدليل أنها أبقت على شعبها في ظل حصار اقتصادي خانق أنهك المجتمع والشعب الإيراني دون مردود على المستوى المحلي وعدم القدرة على بناء نموذج تنموي محلي يعتد به لصالح أوهام نشر الثورة وأفكارها، فكان أداؤها يتمظهر على شكل تدخلات سافرة في الإقليم وتجاهل تام للملفات العالقة مع جيرانها في الخليج العرب وعلى رأسها قضية الجزر العربية الإماراتية الثلاث.

 

عروبة الجزر وأحقية الإمارات بالسيادة:

في حديث للدبلوماسي الفرنسي المخضرم “بيار[1] لافرنس” يجيب فيه عن سؤال حول الجزر الثلاث قال: ” هذه مسألة معقدة جداً لأن الإيرانيين يزعمون أن جذور الجزر الثلاث جذور إيرانية قبل الاحتلال البريطاني، مع أن الحقيقة أنه بعد انتهاء الحماية البريطانية على المنطقة احتل الجيش الإيراني للشاه هذه الجزر[2]

تؤكد الوثائق والحقائق التاريخية والجغرافية أن السيادة على الجزر الثلاث كانت، منذ أقدم العصور ولا تزال، لدولة الإمارات العربية المتحدة، ومن الثابت في القانون الدولي أن الاحتلال الناجم عن استخدام القوة لن يكسب الدولة المحتلة سيادة على الإقليم المحتّل مهما طال الزمن.

وهكذا يتناقض الاحتلال الإيراني لتلك الجزر وما تلاه من إجراءات وتدابير مع مبادئ الميثاق الدولي وأغراضه، ويتنافى مع مبادئ القانون الدولي، وبصفة خاصة احترام استقلال وسيادة الدول ووحدة أراضيها، وحسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، ونبذ اللجوء إلى القوة أو التهديد باستخدامها وحل النزاعات بالطرق السلمية.

منذ إخفاق إيران في محاولاتها الهيمنة على دولة البحرين عقب استقلالها، أخذت إيران تتحيَّن الفرصة للانقضاض على الجزر العربية، وتم لها ذلك باحتلالها جزيرتي طنب الكبرى وطنب الصغرى والجزء الشمالي الشرقي من جزيرة أبو موسى (يومي 29، 30 نوفمبر 1971)، وهي جزر عربية كانت واقعة تحت الاحتلال البريطاني، ضمن الأقاليم التي كانت تسمى الساحل المهادن أو الإمارات المتصالحة أو المشيخات، والتي تجمعها الآن الدولة الاتحادية، دولة الإمارات العربية المتحدة منذ الثاني من ديسمبر 1971.

وقد حاولت الدول العربية معالجة هذه الواقعة بالطرق السلمية فدخلت في مفاوضات مع إيران، عند قيام الدولة الإيرانية الجديدة بقيادة آية الله الخميني، ظناً منها أنه يختلف عن الشاه، ولكن فوجئ العالم باستمرار الاحتلال كما هو، بل وتفاقم الحال عندما استكملت القوات الإيرانية احتلالها لجزيرة أبي موسى رغبة منها في فرض الأمر الواقع.

على الرغم من ضآلة مساحة الجزر الثلاث إلا أن لها مكانة استراتيجية بالغة الأهمية حيث تمثل المعبر الاجباري دخولاً وخروجاً من وإلى باب السلام، وهو مضيق باب السلام تتعاظم أهميته وتزداد كلما تعاظمت الأخطار التي تحيط به، ومن ثم الآثار الناجمة عن التأثير في وضعه القانوني بصورة أو بأخرى. ولقد استشعر المجتمع الدولي حيوية مثل هذا المضيق، فبادر منذ أمدّ ليس بالقصير إلى محاولة وضع نظام قانوني دولي يحكم هذا المضيق وأمثاله من المضايق الدولية؛ فصدرت اتفاقيات جنيف لعام 1958 وما قبلها وما تلاها من محاولات، شارك فيها العالم كله في هذا المجال، وأهمها اتفاقية جمايكا 1982 التي جاءت نتيجة بحث وتشاور بين دول العالم ومنظماته الحكومية وغير الحكومية، لفترة زمنية استمرت حوالي عشر سنوات، في إطار مؤتمر الأمم المتحدة الثالث لقانون البحار الذي عقد أولى جلساته الإجرائية في نيويورك عام 1973، ثم تواصلت جلساته بدءاً من كراكاس عام 1974 وحتى جمايكا عام 1982.

 

قراءة فنية في موقف القانون الدولي من قضية الجزر:

لا يحتاج المرء إلى بذل جهد كبير في تأكيد عروبة هذه الجزر الأصيلة، فبريطانيا التي كانت تحتّل هذه الجزر حتى عام 1971 تعاملت مع مشايخ الساحل العربي “المحميات السّبع”، التي تكونت منها فيما بعد دولة الإمارات العربية المتحدة، ولم يكن لإيران أي صلّة بإدارة هذه الجزر ولا بالولاية عليها، إضافة إلى أن القاطنين لهذه الجزر هم عرب أقحاق وليسّوا إيرانيين.

أما من ناحية قانونية سنجد أن المادة (121) من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار تحت عنوان “نظام الجزر”، اعتبرت الجزيرة كأي إقليم أرضي آخر من حيث الامتداد بحراً وجواً الذي تحققه للدولة ذات السيادة عليها، ولأن الجزيرة إقليم أرضي فإن أحكام الجزء الثاني من الاتفاقية المذكورة تنطبق على حالة الجزر الثلاث.

تنص المادة الثانية المتعلقة بالنظام القانوني للبحر الإقليمي، وللحيّز الجوي فوق البحر الإقليمي، ولقاعّه ولباطن أرضه”، على أن سيادة الدولة الساحلية تمتّد خارج إقليمها البري ومياهها الداخلية إلى حزام بحري ملاصق يعرف بالبحر الإقليمي. وتمتّد هذه السيادة إلى الحيز الجوي فوق البحر الإقليمي وكذلك إلى قاعه وباطن أرضه”.

من جهة ثانية، لكل دولة الحق في أن تحدّد عرض بحرها الإقليمي بمسافة لا تتجاوز (12) ميلاً بحرياً مقاسه خطوط الأساس التي نصّت عليها المادة (5) من الاتفاقيةً، وبالتالي للجزر العربية في الخليج بحراً إقليمياً يمتد إلى مسافة (12) ميلاً بحرياً، ويبدأ قياس مسافته من خط الأساس، وهو هنا أدنى حّد لانحسّار مياه الجذّر عما يكون حول الجزيرة من شعب مرجانية، وإلا فمن الساحل، مما يوضح مدى ما تمتّد إليه ولاية الدولة صاحبة السيادة على الجزيرة.

إضافة إلى البحر الإقليمي، هناك المنطقة المتاخمة للبحر الإقليمي تمارس عليها الدولة سيطرتها، وتمتد هذه المنطقة إلى مساحة مساوية لمسافة البحر الإقليمي، أي أنها معه تمتّد إلى (24) أربعة وعشرين ميلاً بحرياً.

في المادة (76) بالجزء السادس من الاتفاقية ذاتها ورد تعريف الجرف القاري على النحو التالي: “يشمل الجرف القاري لأي دولة ساحلية قاع وباطن أرض المساحات المغمورة التي تمتّد إلى ما وراء بحرها الإقليمي في جميع أنحاء الامتداد الطبيعي لإقليم تلك الدولة حتى الطرف الخارجي للحافة القارية، أو إلى مساحة (200) ميل بحري من خطوط الأساس التي يقاس منها عرض البحر الإقليمي، إذا لم يكن الطرف الخارجي للحافة القارية يمتّد إلى تلك المساحة”.

وبالتالي فإن الحافة القارية تشمل الامتداد المغمور من الكتلة البرية للدولة الساحلية، وتتألف من قاع البحر وباطن الأرض للجرف المنحدر والارتفاع، ولكنها لا تشمل القاع العميق للمحيط بما فيه من ارتفاعات متطاولة ولا باطن أرضه.

وما يهمنا من هذه النصوص أن أي جزيرة مهما كانت ضآلة مساحتها، يمكن أن تمتد ولاية الدولة صاحبة السيادة عليها إلى مساحة (200) ميل بحري بالنسبة لمنحدر الشاطئ تحت الماء.

 

مبدأ نهاية الحدود واستقرارها والاستدلالات التاريخية:

يعتبر الاحتلال الإيراني للجزر الثلاثة انتهاكاً صارخاً للمبدأ الأساسي لنهاية الحدود السياسية الدولية واستقرارها واستمراريتها، فقد ظلت سيادة الإمارات مستمرة على الجزر حتى إعلان بريطانيا انسحابها من منطقة الخليج في أواخر الستينيات من القرن الحالي، والحق أنه إذا كان قد حدث أن سيطرت إيران فترة قصيرة جداً عام 1904 على جزيرة أبو موسى، إلا أن هذه السيطرة ووجّهت بمعارضة شديدة، سواء من جانب الحكام العرب أو من جانب بريطانيا، مما اضطرت إيران معه إلى التراجع وإنزال علمها عن الجزيرة.

أخيراً يمكن التدليل على أحقية الإمارات بالجزر بالاستدلال على عدة وقائع تاريخية تحسم القضية على المستوى القانوني والسياسي وهي[3]:

  • الرسائل المتبادلة بين حاكم قواسم الساحل والمسؤولين البريطانيين في الخليج، والتي أكد فيها الحاكم عن تبعية جزر أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى له نقلاً عن أجداده.
  • إن بريطانيا، وكما يقول السيد ريتشارد سكوفيلد من مركز الدراسات الجغرافية السياسية والحدود الدولية في بريطانيا، اعترفت دوماً بالسيادة للقواسم في رأس الخيمة والشارقة على هذه الجزر.
  • مباشرة العديد من مظاهر السيادة في تلك الفترة، ومنها خدمات التعليم والصحة، وجباية الضرائب.
  • حرص الحكام العرب على تسجيل احتجاجاتهم على أي تصرف من جانب أي قوة دولية، من شأنه أن ينال من السيادة العربية على الجزر الثلاث.
  • منح حاكم الشارقة امتياز للتنقيب عن المعادن عام 1898 لإحدى الشركات الأجنبية في جزيرة أبو موسى.
  • أنشأ حاكم الشارقة منذ السبعينات من القرن الماضي استراحة خاصة له في جزيرة أبو موسى، مما يقطع بتبعيتها له.

وفيما يتعلق بالجانب الإيراني يكشف السلوك اللاحق لإيران في هذا الخصوص، بما لا يدع مجالاً للشك، اقتناعها بتبعية الجزر لإمارتي الشارقة ورأس الخيمة، والدليل على ذلك ما يلي:

  • عندما حاولت إيران اتخاذ خطوات عملية في سبيل تأكيد سيطرتها على جزيرة أبو موسى، ورفعت العلم الإيراني على الجزيرة، لم تصّمد إيران أمام احتجاجات كل من حاكم الشارقة والمسؤولين البريطانيين في الخليج مما دفعها إلى التراجع وإنزال العلم، بل ووصف التصرف الذي حدث بأنه يمثل تصرفاً فردياً من أحد جنودها ولم يكن للحكومة الإيرانية عّلم به من قبل.
  • كذلك مما يقطع باقتناع إيران بعدم تَبعية الجزر لها، إبداء رغبتها عام 1930، في استئجار جزيرتي طنب الكبرى وطنب الصغرى لمدة خمسّين عاماً من إمارة رأس الخيمة، وطبقاً للروايات التاريخية.

لو راجعنا مجموعة الخرائط البريطانية ومنها تلك التي تعود إلى عام 1886 سنجد أنها أظهرت الجزر الثلاث باللون الفارسي إلا أن هذه الخرائط خاصة بأغراض الملاحة البحرية، وليس في أغراض الاستعانة بها لترسيم الحدود الدولية، بل إن الخرائط السياسية توكد على عروبة الجزر وهي التي تستند إليها القاعدة في إثبات تبعية الجزر، كما ثمة خريطة إيرانية صادرة عام 1955 أشارت بوضوح إلى تبعية الجزر لإمارتي الشارقة ورأس الخيمة.

إن الاعتماد على بعض الخرائط البريطانية للقول بتبعية الجزر لإيران لا يسّتقيم وحقيقة أن بريطانيا ذاتها قد اعترفت على الدوام بتبعية هذه الجزر للجانب العربي وليس لإيران، إذ تشير المصادر التاريخية بما لا يدع مجالاً لأدنى شك، إلى أن الخريطة البريطانية الوحيدة التي أظهرت تبعية الجزر الثلاث لإيران، قد اعتبرت من جانب وزارة الخارجية البريطانية بأنها تمثل خطأ غير مقصود ولم يتكرر بعد ذلك.

 

مازن محمود علي

نقلاً عن مركز المزماة للدراسات والبحوث

 

المراجع:

[1]– عمل سفيراً لجمهورية فرنسا في إيران سابقاً.

[2]– بيار لافرنس لـ24: التحكيم الدولي الحل الوحيد لقضية الجزر الإماراتية الثلاث، موقع فرانس 24، الاثنين 13/1/2014.

[3]– للمزيد: النزاع بين إيران ودولة الإمارات العربية العربية المتحدة، حول الجزر الثلاث، بحث منشور في موقع مقاتل. http://www.moqatel.com/

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق