الجزائر والقاعدة والمعارضة

لا شك أن الرأي العام الوطني إذا لم يكن العالمي يشعر بالخيبة والمرارة من هستيريا القاعدة وخصوصا حين يطالع حروب اللامعنى واللامعقول في اليمن والصومال، والمرارة مضاعفة من تخاذل جيران موريتانيا، ومن موقف بعض أطراف المعارضة الموريتانية.

ولسان حال موريتانيا يقول: ولو كان هما واحدا لكتمته ولكنه هم ثان وثالث.

تناقش هذه المساهمة جزئية تتعلق بالأمن الوطني لموريتانيا على ضوء الأحداث الأخيرة؛ هذا الأمن الذي هو في الحقيقة جزء من الأمن العام في فضاء الساحل والمغرب العربي وأوروبا فهذه الكيانات هي متداخلة جغرافيا ويشريا واستراتيجيا بشكل حيوي وبالتالي فإن التحديات غير قابلة للتجزئة ولا للانتقاء.

وعليه فمواجهة دول الساحل لمسألة الإرهاب وخصوصا في موقفها المتخاذل من دعم المواجهة الموريتانية ضد القاعدة هو موقف غير مسئول بل ومشبوه لحد بعيد. ويستحق موقف الجزائر من هذه المسألة وقفة خاصة ليمكن لنا أن نفهم ولو جزئيا لماذا لا تنخرط الجزائر كقوة إقليمية معتبرة بشكل أكثر قوة وجدية في محاربة قاعدة المغرب الإسلامي؟ هناك عدة مؤشرات إذا وفقنا في الربط بينها بشكل صحيح قد نفهم جزئيا بعض الأسباب الكامنة وراء غموض الموقف الجزائري. ولكن قبل رصد هذه المؤشرات يجب أن نلاحظ كمراقبين منذ أول عملية تستهدف جيشنا الوطني 2005 بأن الجزائر تنتهج سياسة تفتقر للباقة مع موريتانيا، أما فيما بعد فقد مثل وصول محمد ولد عبد العزيز للسلطة في موريتانيا مصدر قلق وريبة لدى بعض الأوساط أو المستويات في السلطة داخل الجزائر وهو قلق تغذيه بعض التحليلات التي لا ترقى إلى مستوى المعلومات بل وتفتقد للبرهنة بأن للرجل توجه داعم للطرف المغربي على حساب الجزائر. وهو ما عبرت عنه بعض الأوساط الإعلامية المشبوهة في الجزائر بأنه يدعم المقترح المغربي المتعلق بالحكم الذاتي بالصحراء؛ ورغم أن الموقف التقليدي لموريتانيا من مسألة الصحراء قد تم تثمينه من السلطة الموريتانية الحالية ولم يلحقه أي تغيير إذ لا تزال موريتانيا تقف موقفا حياديا وتدعو إلى الحلول المتفاوض بشأنها والمتوافق عليها من جميع الأطراف (المغرب والجزائر والبوليساريو وتحت المظلة الأممية) فإن دوائر كثيرة داخل النسق السلطوي الجزائري الذي تسوده عقلية خاصة بسبب تحكم وتجاذب مراكز وبؤر نفوذ عسكري واستخباراتي في مفاصله لا تزال تحاول جاهدة تصنيف الموقف الموريتاني عكس حقيقته. وهو يعود إلى تحليل يفتقر للدقة يضرب حسابا خاصا لعلاقة ما مفترضة بين محمد بن عبد العزيز والنظام المغربي بحكم الدراسة والتكوين في المغرب، وعلى الرغم من هذا الرجم بالغيب والذي لم تقم بينات أو شواهد تدعمه بشكل واضح وصريح، فإن الرؤية الموريتانية في السياسة الخارجية لا تزال تحتفظ للجزائر بموقعها الخاص والذي يناسب مكانتها التاريخية والنضالية مغاربيا وإفريقيا، بل وقيمتها الموضوعية النابعة من كونها جار وشقيق له ثقله البشري والاستراتيجي وهو ما عبر عنه رئيس الحزب الحاكم في موريتانيا – وبدبلوماسية – بأن العلاقة مع الجزائر لم يلحقها أي تصدع ولا تغيير؛ وإنما أوعز الانطباعات السلبية السائدة عنها في الوقت الراهن إلى سوء تصرف الصحافة الجزائرية.

وعليه وبالرغم من ثبات الموقف التقليدي الموريتاني من نزاع الأشقاء المتعلق بالصحراء ورغم المكانة التي تحتلها الجزائر في الرؤية والخطاب الخارجي والدبلوماسي لموريتانيا، إلا أن التداعيات الأخيرة والتي تلت العمليات العسكرية بين موريتانيا والتنظيم الإرهابي غذت الشعور بأن جهات داخل النظام الجزائري- وليس بالضرورة النظام الجزائري ككتلة- لها حسابات خاصة رغم الاجتماعات والتشاور والتنسيق الذي استضافته الجزائر على مستوى وزراء خارجية دول الساحل وكذا قادة ومسئولي الأمن والاستخبارات في هذه الدول. وهي حسابات تقرأ ويستدل عليها من خلال دفع هذه الأطراف:

1- بمعاقبة النظام الموريتاني لموقفه المفترض والموهوم من قضية الصحراء وميله للمقترح المغربي. وهي معاقبة مظاهرها التذرع بالامتناع عن التدخل إلى جانب موريتانيا في حربها ضد الإرهاب. والتأثير على الأداء الموريتاني من خلال الاتهام والدعاية والتصريحات المضادة، إلى سحب بعض الاستثمارات، وإلى مد يد العون لخصوم النظام داخليا – كما سنشير لا حقا -…..إلخ

2- معاتبة بل ومعاقبة فرنسا من خلال الضغط والتخويف والدعاية وهو حساب عريض يتداخل فيه التاريخ مع المصالح وحسابات النفوذ ..

3- أن تعمد الجزائر إلى مساومة القوى الكبرى في العالم كالولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا خصوصا ومن ورائها الاتحاد الأوروبي عموما- مستغلة رغبتهم الجامحة في بناء دوائر النفوذ في هذه المنطقة من العالم دوائر قائمة على أهداف حيوية يأتي الأمن والطاقة في مقدمتها- عسى أن تعترف هذه الدول بالدور الجيوبوليتيكي المفترض للجزائر وتقديم نفسها ناطقا رسميا باسم دول هشة وضعيفة وغير قادرة على التفاوض أو حفظ المصالح العالمية في المنطقة، وبالتالي جزائر وصية على المنطقة توقع الصكوك والصفقات مع الخارج- ويا له من طموح – وهو ما يدفع بالجزائر إلى إعاقة أي أدوار أخرى قد تبدو بديلة أو على الأقل مختلفة مع المقاربة الجزائرية. هذا إذا لم نذهب أبعد من ذلك لنقول مع بعض المحللين بأن نفوذ القاعدة في منطقة الساحل والمغرب العربي وقدرتها على المناورة تنبع من وضع خلفي مريح ومطمئن تؤمنه تلك القوى الغامضة في الجزائر لخدمة استراتيجيتها.

الهم الثاني لموريتانيا، هو هذا العدو الذي يستأ سد عليها لا لشيء مما يروج له في أيديولوجيته المجنونة حيث لا قواعد أجنبية (صليبية كما يقول المأفونون) ولا علاقات مع إسرائيل ولا مناطق محتلة، ولا ثأر تاريخي لهذا التنظيم مع موريتانيا كما هو حاله مع بعض دول المنطقة والذي هو وليد شرعي لمعاناتها الخاصة.

وكأن موريتانيا لا يكفيها تخاذل الجيران ومشكل الإرهاب ليضاف هما ثالثا مثله موقف بعض أطراف المعارضة المقوض والذي سيفت في عضد المعركة الوطنية ضد داء الإرهاب باتهامها الجيش الوطني – والذي تحمل الضربات منذ 2005 بسبب تهاون القيادات السياسية والفساد المستشري – اتهامه بلعب أدوار قذرة ومشبوهة ” الحرب بالوكالة ” في الوقت الذي لا يناسب رجال دولة رشداء أن ينظروا إلى تقاطع المصالح بين موريتانيا والقوي العالمية المتضررة من الإرهاب، وإلى استراتيجيات الشراكة والتعاون الدولي في مجال الأمن بأنه (عمالة ووكالة ..)، إنه موقف يبدو متجانسا مع سيرة بعض الأطراف في المعارضة والتي تبحث دون كلل عن ركوب موج الأزمات وحجز مقاعد دائمة للآخر ؛ وهو عكس ما كنا نظنه وندعو إليه بأن هناك سقفا للتأزيم وحدود لا تتجاوز تمثلها المصلحة الوطنية العليا المشتركة والتي يمكن التعبير عنها هنا بالتحالف والتعاون بين النظام والمعارضة أمام ما يضر بحوزة التراب وأمن المواطن – وعلينا هنا أن نثمن مرة أخرى موفق زعيم المعارضة الديمقراطية منذ نشوب أزمات القاعدة – ولنا أن نتساءل بالنسبة للأطراف الأخرى عن سر التناغم بين موقفها وموقف تلك الجهات في النظام الجزائري والتي تطلق نفس التهم المتعلقة بالعمالة وخوض الحرب بالوكالة ، هل نجد في ما كتبه الإعلام الجزائري( الجزائر نيوز تحديدا) بعض التفسير لهذا التناغم؟ حول عمل وتدبير مشترك بين المخابرات الجزائرية وبعض القوي المعارضة لإسقاط النظام في موريتانيا؟ دون أن ننسى هستريا بعض الأطراف من موضوع زيارة السفير الموريتاني لمدينة العيون وما رافقها من تصريحات …إلخإنها معلومات مكتوبة ومؤشرات مبثوثة تحتاج المقارنة والتأمل؛ بالطبع نثير هنا موقف المعارضة ونبين خطئها في قضية الحرب على الإرهاب دون نكران حقها في الاختلاف حول المقاربات وفي وجهات النظر، ولكن انطلاقا من رؤية وطنية شاملة لا تضرب حسابا للمصالح الضيقة والتشهي للحكم.

إذن وبعد كل ذلك لموريتانيا أن تقول: كيف الخلاص وكلهم أعدائي؟

خلاصة التفكير الماكيافلي في السياسة وبشكل مختصر هو: ضرورة الموازنة بين الحيلة والقوة من خلال مثالي (الأسد/ والثعلب) وهو ما يلخصه المثل الموريتاني البارع (اللين الذي يستبطن القسوة).

فأولا: وفيما يتعلق بالجزائر على الدبلوماسية الموريتانية وخصوصا رئيس الجمهورية كمنظر رئيس وراسم أساسي للسياسية الخارجية دستوريا، أن يقتحم العقبة مع الجزائر وان يحافظ لها على مصالحها المشتركة مع موريتانيا ، وأن يعمد إلى زيارتها ويخاطب عقلاء الجزائر وشعب الجزائر وإعلامها ويذيب الجليد ويطمأن النفوس بموقفنا الثابت قناعة وليس ادعاء من قضية الصحراء ، ويبث عتبه للجزائر صراحة معبرا عن أن موريتانيا لا تبحث عن لعب دور بديل ، وإنما تريد الدفاع عن أمنها ، وعلى الجزائر انطلاقا من واجب الأخوة والجوار والاتفاقيات الوقوف إلى جانب موريتانيا ، وأن يضغط ويتعاون من أجل الدفع بالتنسيق بل القيام بعمليات مشتركة و أخيرا دعوة الجزائر لتكون شريكا اقتصاديا حقيقيا جديدا لموريتانيا على المحيط.

ثانيا: أما بالنسبة للقاعدة فركائز المعالجة أو الدعائم فهي أربعة:

1/الاستمرار في استعمال القوة الصلبة مع القاعدة، فلا يفل الحديد إلا الحديد فهذه الأرتال من المعتوهين لابد من إعمال الرصاص في أدمغتها، ولكم مع ذلك إما أن تشترك كل الدول في تبني نفس الموقف وهو موقف عقلاني وحاسم ” أن يميلوا ميلة واحدة على الإرهاب” أو تتخذ موريتانيا الاحتياطات اللازمة لدفع الإرهاب عن حدودها والضغط عليه للتراجع إلى أوكاره التي ترتضيه بالجزائر ومالي. والمحافظة الدائمة على اليقظة من هذا العدو المجهز بطريقة تدعوا للحيرة والشك والتساؤل.

2/ استفراغ الجهد في بناء الشراكة والتحالف سواء على مستوى دول الساحل والجزائر أو مع القوى الدولية الأخرى، وللدبلوماسية الموريتانية أن تنشط من جديد أوربيا وأمريكيا لوضع هذه الكيانات أمام مسؤوليتها في مكافحة الإرهاب، وذلك من خلال جدول أعمال رسمي واضح ومطالب محددة على أساسها يتم التقييم والمحاسبة لهذه الدول فيما يتعلق بالتعاون والتوجه والاستثمار.

3/ مد جسور العون والاهتمام بقبائل الشمال المالي ومحاولة كسب عقولهم وقلوبهم في معركتنا ضد الإرهاب، وهو ما يتطلب حزمة من الإجراءات: توظيف العلائق والتداخل البشري، وتقديم المساعدات المختلفة، وممارسة الدعاية والتنوير..

4/داخليا استدامة الحوار وإطلاق يد القضاء والتوعية وبناء رأي عام مناهض للإرهاب ومساند للجيش، وهي إجراءات تستهدف تجفيف ينابيع التجنيد والتعاطف الشعبي مع الإرهاب.

ثالثا: بالنسبة للموقف من المعارضة فيما يتعلق بجزئية مكافحة الإرهاب فيمكن زيادة وتيرة الاتصال السياسي مع هذه المعارضة وشرح السياسات، والقيام بحملات إعلامية تركز على أهمية توحيد الجبهة الداخلية أمام خطر الإرهاب، وقطع الطريق أمام كل ما من شأنه زيادة التصدع في الوضع السياسي الداخلي، والذي لن يجني فوائده في مثل هذه الظروف غير الإرهاب، ولو أدي ذلك لتعرية الخطاب والموقف السياسي لهذه القوى وخلطها المتعمد للأولويات، وعجزها عن تبني قواعد لعبة سياسية أكثر نقاء تجعل مما يضر بالمصلحة الوطنية خطا أحمر.

سعد بن عبد الله بن بيه

كاتب ودبلوماسي موريتاني

نقلاً عن صحراء ميديا

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق